الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » “الأخبار الكاذبة”… حرب عالمية بأدوات مختلفة

“الأخبار الكاذبة”… حرب عالمية بأدوات مختلفة

by admin
عصر التناقض الخبري العميق يستنفر الدول لمواجهة التدليس الرقمي

اندبندنت عربية \ أمينة خيري صحافية

تخوض قرية هولندية صغيرة معركة قضائية حامية ضد “تويتر“، إذ إن المنصة تركت الحبل على الغارب أمام كتابة وتداول وتشارك وإعادة تغريدات حول القرية التي أصبحت في الثمانينيات معقلاً لمجموعة من “عبدة الشيطان الذين دأبوا على اغتصاب الأطفال ثم قتلهم في طقوس دينية”.

كم التغريدات التي كتبت وأعيد تغريدها مع إضافة تفاصيل مثيرة في كل مرة صنع هالة مخيفة حول القرية وصنع لها سمعة يقول أهلها إن “لا أساس لها من الصحة”.

الانتشار الفيروسي

سلسلة التغريدات شنها ثلاثة أشخاص عام 2020 وانتشرت انتشاراً فيروسياً، وهو نعت إيجابي بلغة الـ”سوشيال ميديا”، إذ حازت اهتمام ملايين المستخدمين بين متابع ومندد بالقرية وأهلها مع إضافة مزيد من التفاصيل التي يؤكد سكانها أنها “من وحي الخيال”.

القرية لا تطالب “تويتر” بحذف التغريدات التي كتبها الأشخاص الثلاثة فقط، بل بتعقب كل ما كتب في شأن قصص “عبدة الشيطان” واغتصاب الأطفال وقتلهم في قريتهم.

تحول العالم إلى “قرية صغيرة” بدا قبل عقود قليلة وكأنه “بشرى” تقرب الدول والشعوب والثقافات والمعاملات والأخبار، لكنه اليوم يلقي بظلال وخيمة على الجميع بين الحين والآخر.

قوام هذه الظلال تلال من الأكاذيب والقصص المختلقة والأخبار التي لم تحدث والأحداث التي لم تقع، لكنها تظل في النهاية فقاعات تأتي ثمارها، سواء كانت مطامح سياسية أو مطامع استراتيجية أو أرباحاً مادية.

قصص مختلقة

في عام 2016 افتضح شأن مجموعة من المراهقين بمدينة صغيرة في مقدونيا احترفوا اختلاق قصص صحافية يجمعون فقراتها من مصادر عدة ويموهون حقائقها ثم يختارون عناوين مثيرة ويدفعون لـ”فيسبوك” ليشاركها مع قاعدة من المستخدمين الباحثين عن أخبار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

وما إن يبدأ هؤلاء المستخدمون بالضغط على هذه المواضيع لقراءتها وتشاركها حتى تجني المجموعة المقدونية أرباحاً وصلت إلى بضعة آلاف اليوروهات في اليوم الواحد.

الأرباح المادية التي يحققها كذابو الأخبار تظل أخف الأضرار، لكن تغيير وجه العالم وقلب موازين القوى وتهديد وجود دول والقضاء على أخرى وتغليب كفة دولة على حساب أخرى في صراع وخلق واقع مواز لا يمت للواقع المعاش بصلة، جميعها يكبد دول العالم من دون استثناء خسائر فادحة ليست مادية فقط، بل هي خسائر تطاول الجميع حتى لو لم تدرك الشعوب ذلك في حينه.

التناقض الخبري

حين أعلنت روسيا التعبئة الجزئية قبل أيام تعامل الإعلام الروسي والدول الصديقة مع الإعلان باعتباره أفضل القرارات وأنجع السياسات ودليل الوطنية لمن يمتثل وعلامة الجبن والخيانة لمن يحاول اجتياز الحدود إلى جورجيا أو فنلندا أو السفر إلى تركيا أو أرمينيا أو أذربيجان.

في الوقت ذاته اعتبر الإعلام غير الروسي وغير الصديق لروسيا الإعلان قهراً وقمعاً ودليلاً على الخسارة على أرض المعركة وأمارة انتصار قادم لا محالة لأوكرانيا.

الطريف أن الإعلام الروسي والصديق لروسيا وكذلك الإعلام غير الروسي والمناوئ لموسكو يفردان التقنيات والجهود والمساحات المسموعة والمقروءة والمرئية لـ”تفنيد الأكاذيب” الخبرية التي يسردها الآخر.

وعلى رغم أن التناولين الإعلاميين لا يمكن وصفهما بـ”الكاذب”، فإن قراءة القرار الواحد بطريقتين خبريتين متناقضتين تماماً يطرح أسئلة عدة حول مصداقية الأخبار وماهية الكذب في عصر التناول الإعلامي الخبري المتناقض.

تناقض الأخبار ليس سمة جديدة، بل هي عتيقة تجدد نفسها بأدوات حديثة كلما احتاج الأمر، فما تراه دولة “دفاعاً عن حقوقها الشرعية” هو “اعتداء” بالنسبة إلى آخرين، وما تعتبره دولة “ضماً لأراض تابعة لها” هو “غزو” أو “استعمار” في نظر آخرين، وما يروج له على أنه “عمل فدائي” أو “بطولي” و”استشهادي” هنا، هو بكل تأكيد “إرهابي” أو “جبان” أو “خسيس” هناك.

أدوات الكذب الحديثة

اعتاد العالم ذلك منذ قرون، لكن ما لم يعتده العالم بعد أو ما لم يصل بعد إلى فهم أو هضم أو التعامل معه، هو أدوات “الكذب” الحديثة ألا وهي منصات التواصل الاجتماعي وأثير الإنترنت وما تطرحه من تحديات لقواعد باتت ثابتة مثل حرية التعبير والنشر والكتابة في مقابل السيطرة على طوفان الزيف والكذب وخلط الحقيقة بالافتراء.

فتح وإغلاق والتحكم في مصادر الأخبار لم تعد قرارات محتكرة من قبل الأنظمة والحكومات، الطرف الأحدث هو الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي وهي الشركات غير المنزهة عن شبهة الانحياز بكل تأكيد.

الكشف عن الشبكات

قبل أيام قليلة أعلنت “ميتا”، الشركة المالكة لـ”فيسبوك” و”إنستغرام” بنبرة شرطية لا تخطئها عين أو عقل أنها تمكنت من الكشف عن شبكة تضليل معلوماتي مترامية الأطراف منشأها روسيا.

هذه الشبكة،  بحسب البيان، تستخدم مئات الحسابات المزيفة والوهمية على منصات التواصل الاجتماعي وتنشر أخباراً تروج لوجهة نظر “الكرملين” في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وأفاد البيان بأن “ميتا” حددت ملامح العملية ونجحت في تعطليها قبل أن تتمكن من الوصول إلى عدد كبير من المستخدمين وأنها تضمنت ما يزيد على 60 موقعاً تم إنشاؤها لتبدو وكأنها مواقع إخبارية وصحافية معروفة مثل “ذا غارديان” البريطانية و”دير شبيغل” الألمانية وغيرهما.

وتمكنت الشبكة من نشر أخبار مزيفة على المواقع الشبيهة بدلاً من الأخبار الأصلية المنشورة فيها.

سلطت النتائج الضوء على وعود شركات التواصل الاجتماعي بمراقبة مواقعها والخطر الذي لا تزال تشكله المعلومات المضللة، لكن الشبكة كانت بشهادة “ميتا” بالغة الذكاء والتعقيد والتشابك بشكل يصعب على أي مستخدم الشك في مصداقية ما يقرأ من أخبار.

فالمسألة لم تتوقف عند حدود المواقع الشبيهة، لكن مئات الحسابات الزائفة على منصات التواصل الاجتماعي قامت بمهمة نشر روابط الأخبار الزائفة وجميعها مناصر لروسيا ومبرئ لكل خطواتها وأفعالها في أوكرانيا على “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تويتر” و”تيليغرام”.

إدارات التهديد والأمن

المثير أن الشبكة ظلت فاعلة وناشطة طيلة أشهر الصيف، “لقد كانت أكبر عملية روسية على الإطلاق وأكثرها تعقيداً نتمكن من مواجهتها منذ بدء الحرب في أوكرانيا” بحسب ما يؤكد مدير إدارة “تعطيل التهديدات” في “ميتا” ديفيد أغرانوفيتش.

إدارة “تعطيل التهديدات” وأخرى لـ”قيادة استخبارات التهديد العالمي” وثالثة لـ”سياسات الأمن” أسماء إدارات ليست شرطية أو استخباراتية أو حتى في شركة خاصة للأمن، بل في “ميتا” المالكة لـ”فيسبوك” و”إنستغرام”.

وعلى ما يبدو فإنها إدارات مثقلة هذه الآونة بكم مذهل من الأعمال والمتابعات والتحريات والجهود الأمنية العنكبوتية لتخليص العالم من شرور الأخبار الكاذبة وشبه الكاذبة.

يشار إلى أن “ميتا” أعلنت كذلك نجاحها في الكشف عن شبكة مماثلة، لكن على نطاق أصغر بكثير منشأها الصين وقالت إن هدفها كان “نشر محتوى سياسي خلافي في الولايات المتحدة الأميركية في توقيت بالغ الأهمية، نظراً إلى قرب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

ويشير باحثو “ميتا” إلى أن الرسائل السياسية “الكاذبة” و”الملغومة” اتسمت بالإنجليزية الركيكة ومعظمها كان يصدر في أثناء مواعيد العمل الرسمية بالصين.

الحكم الدولي

الحروب الافتراضية المستعرة هذه الآونة والمتزامنة وذات الصلة بالحروب الحقيقية المضطرمة على أرض الواقع تخضع لقواعد لعب وتحكيم متناقضة بنفس درجة تناقض المنشأ والهدف، وعلى رغم أن “الحكم” الرئيس المهيمن عليها يبدو حيادياً وغير منحاز لطرف على حساب آخر في حروب الأخبار الكاذبة، لكن مقره وجواز سفره صادر من الولايات المتحدة الأميركية.

هذه الهيمنة أو محاولة الهيمنة الأميركية على قواعد العمل والحرب على أثير العنكبوت لا تعني أبداً أن واشنطن ليست متضررة من عالم الأخبار الكاذبة الموازي الذي يطل على الكوكب.

وبحسب موقع “ستاتيستا” المتخصص في بحوث الإنترنت والرأي العام فإن 26 في المئة فقط من الأميركيين خلال عام 2022 يقولون إنهم قادرون على التمييز بين الخبر الحقيقي والخبر الكاذب وإن نحو 40 في المئة قالوا إنهم أعادوا نشر ومشاركة أخبار كاذبة من دون أن يعلموا أنها غير حقيقية في حينها، ويقول 67 في المئة من الأميركيين إن الأخبار الكاذبة تتسبب في قدر هائل من اللغط والارتباك.

كذب وارتباك

المؤكد أن درجات متفاوتة من الارتباك تضرب دول العالم في ما يختص بتعاملها مع الأخبار الكاذبة والمؤكد أيضاً أن دولاً في العالم تشارك بشكل أو بآخر في صناعة ونشر الأخبار الكاذبة تحت تسميات مختلفة قد تكون “حماية الأمن القومي” أو “رفع الروح المعنوية” محلياً و”تحطيمها” لدى العدو.

الدول التي بيدها أمر شركات منصات التواصل الاجتماعي أو تنتمي إليها هذه الشركات تقول إنها تتعامل مع الأخبار الكاذبة والإشاعات باعتبارها قضية أخلاقية وحقوقية، فالكذب آفة واستلاب عقول الجماهير انتهاك لحقوقهم لذلك تسمي هذه الدول الضغوط التي تبذلها على الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي “تصحيحاً لأوضاعها”.

الخطاب الرخيص

التأثير في توجهات الناخبين وتوجيه الرأي العام وهز الثقة بمنظومة الانتخابات ومصداقيتها وغيرها مما جرى في الجزء الغربي من العالم، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، يعود في جانب كبير منه إلى “التعبير الرخيص”.

وتشير مقالة منشورة في “نيويورك تايمز” تحت عنوان “كيفية الحفاظ على ديمقراطيتنا من الغرق في الموجة المتصاعدة للأخبار الكاذبة” (مارس/ آذار 2022) إلى أن تصاعد “التعبير الرخيص” يمثل أخطاراً على الديمقراطية الأميركية وعلى الإيمان والثقة بالانتخابات.

مسمى “التعبير الرخيص” يعود إلى الأكاديمي الأميركي (من أصل أوكراني) يوجين فولوخ الذي ابتدع هذا المسمى عام 1995 في إشارة إلى العصر الجديد (حينئذ) في تكنولوجيا الاتصالات والذي يتيح للقراء والمشاهدين والمستمعين استقبال “الخطاب” أو “التعبير” من مصادر متنوعة من المعلومات التي لا تمر بالضرورة عبر مراحل التنقية والرصد من قبل مؤسسات الإعلام التقليدي وهي المؤسسات التي لطالما لعبت دور “حراس البوابة”.

فيضانات التعبير

وقتها تنبأ فولوخ بأن تتطور أدوات التعبير مثل الفيديو من كونها أمطاراً خفيفة إلى فيضانات وهو ما حدث بالفعل.

كما تجدر الإشارة إلى أن فولوخ تعامل مع “فيضانات التعبير” هذه على أساس أنها بالغة الإيجابية، معتبراً إياها طرقاً “رخيصة” (أي في متناول يد الجميع) للتعبير، لكن يبدو أن ما حدث، بحسب المقالة، هو أن التعبير في البيئة المعلوماتية الحالية أصبح “رخيصاً” لا من حيث كونه في متناول اليد من حيث الكلفة، لكن جوانب كثيرة منه أصبحت “رخيصة” (أي غير ذات قيمة) بفعل كم الكذب والتدليس والفبركة.

في البدء كان الإعجاب

تصورات السياق الإيجابي الأولي لإتاحة طرق التعبير للجميع أشار إليها مستشار “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” نبيل عبدالفتاح في دراسة عنوانها “الحرية الرقمية والعبودية الطوعية: أثر الثورة الرقمية في تشكل الظواهر السوسيو نفسية على الشبكات الاجتماعية” (2022)، وقال “هنا كان الاستبشار بدور الثورة الرقمية ودورها في تحرير المجالات العامة الوطنية والإقليمية والكونية من القيود المفروضة عليها، سواء التقليدية المباشرة والثقيلة، أو غير المباشرة والناعمة في الدول الأكثر تطوراً وديمقراطية في شمال العالم، ومع مرور الزمن وتحول الثورة الرقمية إلى أداة تحرر للذات المقموعة والتمركز حولها والولع بها وانكشافها في عديد أحوالها، أشار ذلك إلى زمن نهاية الخصوصية والستر الذاتي، وبدأ التعامل النقدي مع هذه الظواهر والمشكلات الجديدة ذات الأبعاد المختلفة وتأثيراتها في الواقعين الفعلي والرقمي”.

ويرى عبدالفتاح أن الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي وخطاباتها المليارية في الحياة الكونية الرقمية أدت إلى تحول الأفراد من العالم الفعلي إلى العالم الرقمي ومن المجالات العامة والشخصية الحرة والتسلطية أو المقيدة، إلى مجال عام وطني وإقليمي وكوني مفتوح على مصراعيه في حرية تبدو بلا حدود، لكنه يراها “حرية تحت أنظمة الرقابة الرقمية للشركات الكونية الرقمية والسلطات السياسية والاستخباراتية والأمنية”.

شركات كونية

الشركات الكونية الرقمية ومقر غالبيتها المطلقة دول الغرب، لا سيما أميركا، أصبحت طرفاً فاعلاً في محاربة “الأخبار الكاذبة” و”الإشاعات” من وجهة نظر هذا الجزء من العالم.

ووقت كانت دول أخرى تواجه معاركها “الصغيرة” مع طوفان الأخبار الكاذبة أو نصف الكاذبة التي خلقت واقعاً افتراضياً موازياً اعتبره الغرب الواقع والحقيقة، ووقت طالبت هذه الدول بأخذ تحول كثير من المنصات العنكبوتية إلى أدوات صناعة رأي عام مصطنع وتصدير توجه وطني طاغ لا وجود له إلى العالم في الاعتبار، تم النظر إلى مثل هذه المطالبات على أنها ترجيح لكفة السلطوية وقمع للحقوق البشرية وانتهاك للحق في التعبير والاختلاف مع السلطة.

ولنا في واقع جماعات الإسلام السياسي التي بزغ نجمها في أعقاب أحداث ما يسمى “الربيع العربي” مثال على كيفية تطويع المنصات العنكبوتية لصناعة واقع افتراضي سياسي لا وجود له على أرض الواقع، أو مبالغ فيه لدرجة فادحة.

حالياً قلما يرتفع صوت أو يسن قلم لوصف ما تتخذه دول غربية والشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي من إجراءات للتضييق على حرية الكتابة والتداول والمشاركة والتحميل على الإنترنت بـ”القمعية” أو “السلطوية”، هي لا تخرج عن إطار كونها جهوداً خلاقة لضبط الأداء على أثير العنكبوتي ووصف الآثار المدمرة للأخبار الكاذبة والإشاعات في منصات التواصل الاجتماعي.

الهيمنة الرقمية

أحد الأصوات القليلة جداً التي ما زالت ممسكة بتلابيب الحريات المطلقة على أثير منصات التواصل الاجتماعي خبير وسائل الاتصال الحديثة الأرجنتيني سباستيان سكونفلد الذي يعارض بشدة الخطوات التي تتخذها بعض الدول والحكومات لبسط هيمنتها على الحياة “أونلاين” وهي ما يسميها “الهيمنة الرقمية”.

يقول سكونفلد في ورقة عنوانها “استكشاف الهيمنة الرقمية” إن جهوداً متزايدة تقوم بها حكومات عدة لتعطيها قدراً أكبر من السلطة حول ما يجري بثه على الشبكة العنكبوتية وكذلك خدمات الإنترنت في داخل حدودها وأحياناً في خارجها، وهو يرى في هذه المحاولات تأثيراً سلبياً في طبيعة الإنترنت التي يجب أن تكون بلا حدود أو قيود.

المدينة الفاضلة المبعثرة

حلم المدينة الفاضلة حيث إنترنت بلا حدود ومنصات “سوشيال ميديا” بلا قيود أوشك على الانتهاء بعد أن تبعثرت أركان المدينة، فقد تعرضت المدينة الفاضلة لهجوم ضار من ميليشيات وجيوش عنكبوتيين، إضافة إلى ناشطين متطرفين في طرق تعبيرهم عن الاعتراض أو الرفض وباتت الأخبار الكاذبة والإشاعات والخداع أداة تهدد بين الحين والآخر بإشعال “أرماغادون” افتراضية قد يطاول لهيبها أرض الكوكب الفعلية.

يقول نبيل عبدالفتاح إن “خطورة ما بعد الحقيقة وتوظيف الأخبار الكاذبة والخداع وأساليبه المختلفة أثرا سلباً في قيم الحرية والحق في التعبير والانتخاب وغيرها، لأنها تؤثر في اختيارات المواطنين الحرة والجماعات الغاضبة، كما تؤدي إلى تحول الجموع الغفيرة من العاديين الرقميين والفعليين إلى مادة قابلة لإعادة التشكيل سياسياً، فيتم إمدادها بالأخبار الكاذبة وهي تقوم بدورها بنشرها عبر الواقع الرقمي.

المقصود بـ”العاديين الرقميين” تلك الجموع الغفيرة المثبتة في بيوتها أو في المقاهي أو وسائل المواصلات العامة أمام شاشاتها المتصلة بالإنترنت، تشاهد وتقرأ وتصنع وتحمل وتعاود المشاركة وتبدي رأيها.

حرية قرينة الأكاذيب

يرى عبدالفتاح أنه مع الأخبار الكاذبة وأساليب الخداع الرقمية تبدو الحرية قرينة الأكاذيب والخداع ولا تغدو تعبيراً عن الإرادات الحرة للأفراد، ومن ثم تصبح الحرية الرقمية هي حرية العاديين الرقميين في ممارسة الأكاذيب والخداع في عصر ما بعد الحقيقة وتغدو وسائل التواصل الاجتماعي تعبيراً عن حرية “جحافلة الحمقى” بتعبير أمبرتو إيكو.

وقال عبدالفتاح إن شيوع أساليب الكذب والخداع والأخبار الكاذبة يؤدي إلى “تواري الحرية والذوات الحرة المستقلة وراء طوفان ما بعد الحقيقة لمصلحة أشكال جديدة من الرقابة الرقمية الناعمة والثقيلة وأساليب السيطرة السياسية للطبقات الحاكمة”.

هوة تبدو كخيط

لكن بين “السيطرة السياسية للطبقات الحاكمة” و”السيطرة على الأخبار الكاذبة والإشاعات ومنابعها” هوة عميقة تبدو كأنها خيط رفيع، فقبل أيام أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوماً لمكافحة الأخبار الكاذبة يعاقب بالسجن خمسة أعوام وغرامة قدرها 50 ألف دينار تونسي (ما يزيد على 15 ألف دولار أميركي) كل من يتعمد استخدام شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات كاذبة أو إشاعات أو وثائق مصطنعة أو مزورة، أو منسوبة كذباً للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”.

وفي مصر تتوسع جهود الدولة وخطواتها لمواجهة ومكافحة الإشاعات والأخبار الكاذبة بين نشرات يومية لتفنيد أبرز الإشاعات، ولجان مهمتها مواجهة الأخبار الكاذبة والإشاعات وأحدثها “البرنامج القومي لمواجهة الإشاعات”، إضافة إلى عدد من القوانين التي تتصدى لمروجي الأخبار الكاذبة وغيرها.

مادة “الأخبار الكاذبة”

دول عربية عدة لديها قوانين وإجراءات معتمدة لمواجهة الأخبار الكاذبة والإشاعات، وكليات جامعية عدة باتت تخصص مناهج وساعات معتمدة لتدريس مادة “الإشاعات والأخبار الكاذبة”، حتى المؤتمرات الدولية والمحلية الخاصة بالإعلام أو السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع باتت لا تخلو من جلسة أو حوار عن الأخبار الكاذبة.

لكن تظل الحرب غير متوازنة وينقصها التكافؤ، فكيانات ملموسة قائمة لها أسماء وعناوين تحارب كيانات افتراضية إما يقف خلفها أفراد أو منظمات أو حكومات، لكنها بلا أسماء أو مقار إقامة، وربما تكون روبوتات من الأصل.

الفيل في الغرفة لم يعد قابلاً للتجاهل من الموجودين في الغرفة نفسها، لكن المشكلة أنه فيل افتراضي يصعب الإمساك به أو السيطرة على تحركاته أو حتى التنبؤ بها، قد يحجمه الوعي الرقمي وربما يحد من أخطاره قانون هنا أو عقوبة هناك، وربما تنجح الشركات المصنعة له في توجيهه أو تقويمه مرة أو مرتين، لكنه يظل فيلاً افتراضياً في مواجهة عالم حقيقي.

المزيد عن: أوكرانيا\تويتر\إنستغرام\فيسبوك\منصات التواصل الاجتماعي\الإنترنت\حروب ميتا\مصر\الأخبار الكاذبة\روسيا\العصر الرقمي\الفبرك\ةالإشاعا\تتونس\أميركا

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00