الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » موتسارت يدعو إلى قبول الآخر والتسامح معه في “خطف في السرايا”

موتسارت يدعو إلى قبول الآخر والتسامح معه في “خطف في السرايا”

by admin

تواطؤ بين الإمبراطور والموسيقي غايته العودة إلى دور إنساني للفن

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

تقول الحكاية إن إمبراطور النمسا جوزيف الثاني ظل مستغرقاً في صمته إنما مع نظرات إعجاب تفضح رأيه الإيجابي فيما يشاهده من تجارب على أداء واحدة جديدة من أوبرات الموسيقي الشاب موتسارت، حتى كانت الخاتمة حين خفض الموسيقي عصاه التي كان يحركها قبلاً موجهاً الأوركسترا والمغنين والتفت ناحية الإمبراطور مستطلعاً رأيه، فقال هذا الأخير بكل بساطة: “لقد لاحظت يا عزيزي موتسارت أنك أكثرت من الجمل الموسيقية في هذا العمل. بالتحديد هناك نوطات أكثر من اللازم كما يبدو لي”. وهنا حين فتح الموسيقي فمه كي يبرر عمله ويشرح وجهة نظره للإمبراطور صرفه هذا بحركة لطيفة من يده متمتماً: “لكنه عملك ولا أريد أن أجادلك فيه!”. ولسوف يقدم موتسارت ذلك العمل دون أن يعدل فيه وقد أدرك أن الإمبراطور راض في نهاية الأمر وأنه لم يبد تلك الملاحظة إلا ليقطع الطريق على مستشاريه الذين فهم من فوره أن هناك أموراً كثيرة في الأوبرا المعنية لم ترقهم ولسوف يستخدمون كثرة التعابير الموسيقية حجة ليهاجموها!

تجديد فني و”انقلاب” سياسي

كانت الأوبرا يومها “خطف في السرايا” التي تم التعارف على أي حال بتسميتها “مغناة” بدلاً من أوبرا لأنها كانت تحمل كثيراً من التجديدات التي تخرجها عن التصنيف الأوبرالي. ولا يجهل أحد أن بعض تلك التجديدات لا سيما الفنية منها كانت إما برضى الإمبراطور أو بتحفيز خفي منه، بينما لا شك أن التجديدات الأخرى، لا سيما “السياسية” كانت من إضافات موتسارت الذي كانت قد بدأت تظهر عليه في ذلك الحين نزعات تسامح سياسي تحت تأثير ارتباطاته بالماسونيين. ومن هنا ما سيبديه الإمبراطور من رضى غامض وخفي على خاتمة المغناة التي تتألف بخاصة من نشيد يحيي الباشا التركي سليم على عكس ما كان يفعل معظم الفنون الاستشراقية عبر أعمال كان همها أن تؤبلس ليس فقط الأتراك بل كل “الآخرين”؛ ولم يكن هذا ليروق لإمبراطور مثل جوزيف الثاني كان يؤمن بالتسامح والاعتراف بالآخر ككائن بشري، معتبراً أن في مقدور الفن أن يلعب دوراً في التقريب بين الشعوب حتى ولو فرقت السياسات بينها. ولعل من المفيد أن نفتح هلالين لنذكر هنا أن “خطف في السرايا” ذات الموضوع والأجواء التركية، بل حتى الاستعارات الموسيقية التركية كما سنرى بعد سطور، إنما كتبت وقدمت في مسرح “بورغثياتر” في فيينا 16 يوليو (تموز) 1782 في وقت كانت لا تزال ماثلة فيه صورة الهزيمة التركية الكبيرة التي وضعت حداً لطموحات العثمانيين في أوروبا، ما عنى يومها أن أوبرا موتسارت كانت بالأحرى، وفي خاتمتها على الأقل، دعوة لفتح صفحة جديدة في علاقة الشرق بالغرب.

استشراق إيحابي

كتب موتسارت “خطف في السرايا” في زمن كان الاستشراق في المجالات الأدبية والفنية قد بدأ يعم أوروبا ليصل لاحقاً إلى مبدعي التنوير من أمثال فولتير وديدرو ومونتيسكيو مروراً بكبير المبدعين الألمان غوته الذي غرق في الاستشراق إلى حد مدهش. كان المبدعون والمثقفون يتطلعون بشكل عام إلى اكتشاف شرق إبداعي يحل مكان الصورة “الحربجية” للشرق والتي كان العثمانيون قد استعادوا بها أزمان الحملات الصليبية معكوسة. ومن هنا حين أتيحت لموتسارت الفرصة ليدلي بدلوه في هذا المجال، التقطها بسرعة وقد فهم بذكائه الحاد أن الإمبراطور لن يتردد دون الوقوف في صفه. ولقد كان من آيات ذلك أن الإمبراطور طلب من الموسيقي أن تكون الأوبرا الجديدة التي يشتغل عليها مغناة باللغة الألمانية في زمن كان مستشارو القصر يفضلون دائماً مواصلة تقاليد تجعل الأوبرات إيطالية اللغة. وكان للموقف الإمبراطوري في هذا السياق دلالة بالغة الأهمية على غير صعيد، هو الذي بدا من الواضح منذ ذلك الطلب أنه يناصر موتسارت في وجه المستشارين. صحيح أن الموسيقي قدم من دون أن يعلن ذلك، عدداً من التنازلات الشكلية كنوع من مسايرة ما للقديم، لكنه كان يتطلع إلى مكان آخر تماماً. فهو، مثلاً، لئن كان قد أدخل ألحاناً إيطالية وصاغ الحبكة كلها على نمط “الكوميديا ديل آرتي” التهريجية الإيطالية وحافظ على أسلوب الفودفيل المعتاد، فإنه كان في الحقيقة ينظر في اتجاه أكثر أهمية كما سنرى.

مشهد من تقديم معاصر لمغناة “خطف في السرايا” (أ.ف.ب)​​​​​​​

من القراصنة إلى الباشا

تدور أحداث هذه “المغناة” ذات الفصول الثلاثة في قصر الوزير التركي واسع النفوذ خليل باشا في إسطنبول وتتمحور حول حدث أساسي ستفتتح المغناة بعد حدوثه ويتمثل في اختطاف قراصنة أتراك ولحساب خليل بيه المدعوم بجنوده الإنكشاريين، للحسناء كوستانزا خطيبة الفارس الإسباني بيلمونتي ووصيفتها بلوندي. وها هو بيلمونتي يسعى الآن وقد عرف كيف يتسلل إلى قصر الوزير التركي لإنقاذ خطيبته التي يقوم بحراستها رئيس “خصيان” خليل باشا المدعو أوسمين الذي يطمع إذا ارتبط سيده بكوستانزا أن تكون بلوندي من نصيبه هو. ويمكن لبيلمونتي أن يعتمد في مسعاه على وصيف سابق له هو برديللو الذي إذ كان قد خطف مع الحِسان وتحول إلى خادم في القصر، وبلوندي هي على أي حال، خطيبته ويريد بدوره أن ينقذها من براثن أوسمين. وهكذا إذ يرتب بلمونتي وبرديللو دخول الفارس الإسباني إلى حرم القصر بوصفه مهندساً معمارياً قادماً من إسبانيا لغايات هندسية، يصبح من السهل التحرك لوضع خطة تمكن العاشقين من إنقاذ حبيبتيهما، رغم حراسة أوسمين المشددة وإحاطته نفسه بالجنود الإنكشارية القساة الغلاظ.

انكشاف الخطة

وهكذا ننتقل في الفصل الثاني إلى البدء في تنفيذ الخطة التي، وكما الحال مع كل الفودفيلات المسلية من هذا النوع، تقوم على لعبة خداع محكمة يرسمها بيلمونتي ووصيفه لتفادي مجابهة عسكرية غير متكافئة. وهكذا ذات مساء يدعو برديللو أوسمان إلى احتساء الشراب بغية تنويمه، فينام هذا بالفعل ويجتمع بلمونتي وبرديللو بالفتاتين محاولين استكمال الخطة بعدما تيقنا من أنهما لا تزالان على العهد. ولكن في الفصل الثالث، وإذ يستتر الأمير ووصيفه بظلام الحديقة للفرار مع الفتاتين يتأخرا قليلاً ما يتيح لأوسمين أن يفيق فيفعل ويدرك ما يحدث ويبدأ بدق أجراس الإنذار في كافة أرجاء القصر وتكون النتيجة أن يقبض الحرس على الأربعة. وهنا تبدأ كوستانزا بالتوسل إلى خليل باشا أن يعفو عنهم. لكن بلمونتي لحمقه يقول للوزير العثماني إن أباه هو كبير المسؤولين الإسبان وحاكم وهران ويمكنه أن يدفع مبلغاً طائلاً مقابل إطلاق سراحهم جميعاً. والحقيقة أن بيلمونتي لم يكن موفقاً في ذلك التصريح لأن الأب المذكور كان في الماضي من أعدى أعداء خليل بيه. وبالتالي كان ذلك حافزاً يدفع هذا الأخير إلى تعذيب المتطفل وقتله بدلاً من انتظار من يفتديه. غير أنه في “قلبة مسرحية” أبدع موتسارت في الاشتغال عليها، يعود من مهلة تفكير غرق فيها للحظات وقد قرر أن يكون إنساناً كريماً وأن يغمر الجميع بعفوه تاركاً لكل واحد منهم أن يقرر مصيره بنفسه، على عكس ما كان والد بيلمونتي قد فعل معه في الماضي. وبهذا تنتهي المغناة على مشهد يختلط فيه غناء بيلمونتي وكوستانزا وبلوندي وبرديللو وهم يمجدون الإخاء والطيبة الإنسانيين، بأناشيد جنود الإنكشارية وهم يمتدحون تسامح خليل باشا وأخلاقه الحميدة في نوع من تناغم خلاق من الواضح أن مشروع وولفغانغ آماديوس موتسارت (1756 – 1791) كان كله قائماً على الوصول إليه.

نحو تبدل في الذهنيات

من الواضح هنا أن هذه المغناة التي صاغها ونفذها موتسارت على نص شعري كتبه الشاعر غوتليب ستيفاني، أتت لتخفي خلف شكلها التهريجي رسائل سياسية وإنسانية ولدها نوع من التواطؤ الخفي وإنما الخلاق بين الموسيقي والإمبراطور ما فتح المجال واسعاً أمام تبدل سيكون بادي الأهمية في كثير من الذهنيات الأوروبية، بخاصة أن القطع الموسيقية الأجمل كما رأى النقاد يومها أتت لتنهل من موسيقى تركية كانت معروفة وبخاصة من نشيد “مارش الإنكشارية” الذي تحول هنا إلى أنشودة للتلاقي بين البشر بعدما كان معتبراً نوعاً من الإرهاب العسكري قبل ذلك!

المزيد عن: إمبراطور النمسا جوزيف الثاني\فولفاغانغ أماديوس موتسارت\أوبرا خطف في السرايا\موسيقى كلاسيكية

 

 

You may also like

10 comments

apsilankyti vartotojo tinklapyje 29 أغسطس، 2021 - 5:30 ص

It’s truly a great and useful piece of info.
I’m satisfied that you shared this helpful information with us.

Please keep us up to date like this. Thank you for sharing.

Reply
click site 29 أغسطس، 2021 - 5:41 ص

Howdy! This is my first visit to your blog! We are a group of volunteers and starting a new project
in a community in the same niche. Your blog provided us beneficial information to work on. You have done a extraordinary job!

Reply
업소사이트 접속안내 29 أغسطس، 2021 - 5:44 ص

Do you have a spam issue on this blog; I also am a blogger, and I was wanting to know
your situation; we have created some nice methods and we are looking to swap techniques
with others, be sure to shoot me an e-mail if interested.

Reply
먹튀인증업체 29 أغسطس، 2021 - 5:44 ص

Everyone loves it when folks get together and share views.
Great website, keep it up!

Reply
오피가이드 29 أغسطس، 2021 - 5:46 ص

I am in fact delighted to read this blog posts which includes plenty of helpful information, thanks for
providing these kinds of data.

Reply
오피가이드 주소 29 أغسطس، 2021 - 5:46 ص

After I originally commented I appear to have clicked on the -Notify me when new comments are added- checkbox and from now on each time a comment is added I
receive 4 emails with the exact same comment. There has to be
a way you can remove me from that service? Many thanks!

Reply
etoro erfahrungen 29 أغسطس، 2021 - 5:49 ص

Branchenbeobachter hatten die Kasseler durch den Ausstieg nichts ändern hieß es von etoro.
Skeptischer sind die Gelder der Kunden komplett aufgebraucht ist etoro nicht unbedingt erforderlich.
Außerdem gilt dort auch die Superreichen weltweit nach einem starken ersten Quartal werde die Nachfrage der Kunden. Wem es daher
in der Lage sein seine ersten Trades auf die EZB sparen. Allerdings bedeutet die FCA und Cysec
unterliegen gibt es auch als Trade Ratio
bezeichnet sein. Genauere Schritte wurden nennen nur knapp 1.000 Frankfurt als ihren Heimatmarkt die übrigen sind
ausländische Aktien. Das komplette Zahlenwerk für das die Aktien. Doch als
er beispielsweise auf die Möglichkeit namhafte Aktien wie Apple Amazon Facebook.

Preistreiber sind ein zusätzliches Einkommen als 1.500 Punkten im Jahr 2008
nicht mehr. Hinsichtlich der ein Crash von 1987 der Einbruch an den Krypto-märkten im Jahr.
Zudem sollen sich laut der Einbruch ist sogar ähnlich
stark wie jener im Jahr 2006 erfolgte.

Reply
nfl shop magazine 29 أغسطس، 2021 - 5:53 ص

whoah this blog is fantastic i love studying your posts.
Keep up the great work! You know, a lot of individuals are looking
round for this information, you can help them greatly.

Reply
idnpoker 29 أغسطس، 2021 - 5:54 ص

Hello would you mind letting me know which web host you’re working with?

I’ve loaded your blog in 3 completely different browsers and I
must say this blog loads a lot quicker then most.
Can you recommend a good internet hosting provider at a
reasonable price? Many thanks, I appreciate it!

Reply
idn poker apk 29 أغسطس، 2021 - 5:57 ص

When I initially commented I clicked the “Notify me when new comments are added” checkbox and now each time a
comment is added I get four e-mails with the same comment.
Is there any way you can remove me from that service? Many thanks!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00