ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن : جائزة النيل للفنون 2023 يحصدها الفنان المصري عبد السلام عيد by admin 25 يونيو، 2023 written by admin 25 يونيو، 2023 217 تميّز عبد السلام عيد بالفن الجداري، ليس كفن تزييني بل كعمل فني يعبّر عن روح المكان والبيئة المحيطة به. فكانت أعماله تفيض بالفكر والخيال، كما انّها تنطوي على دلالات ورموز متصلة بالتراث والتاريخ والهوية. بيروت- النهار العربي – مهى سلطان حاز أخيراً الفنان عبد السلام عيد جائزة النيل للفنون العام 2023، وهي من أرفع الجوائز التقديرية في مصر، وذلك عن أعماله الجدارية التي شغلت أماكن مهمّة في مصر وبعض العواصم العربية والعالمية. وتأتي هذه الجائزة لتُضاف إلى رصيده من جوائز كثيرة نالها منذ بداية مساره الفني ومشاركاته الفنية في معارض أوروبية، لاسيما في إيطاليا التي منحته الجائزة القومية (لوبيام العام 1977)، وفرنسا عبر معرضٍ أُقيم له في “الغراند باليه” (1981)، بالإضافة إلى معارضه الشخصية ومشاركته في البيانالات العربية والدولية. وكان قد حصل عبد السلام في العام 2005 على جائزة تقديرية من الدولة المصرية عن جدارية “عروس البحر الأبيض المتوسط”، وهي تمتد على أكثر من 300 متر طولاً و 5 أمتار ارتفاعاً، فكانت أحد معالم الإسكندرية المميزة بتراكيب تمتزج فيها حكايات البحر ورموز من الأساطير المصرية القديمة مع مفردات من الحياة العصرية. وهي من العلامات المضيئة في أعماله الجدارية، التي تخطّت حدود مصر إلى مشاريع أعمال نصبية ومجسّمات لتجميل الميادين والحدائق والأمكنة العامة والرسمية في عواصم عربية وعالمية عدة. ودخلت أعماله في مقتنيات متاحف ومؤسسات رسمية في كلٍ من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والبرازيل والمكسيك. يتميّز عيد بقدرته على الإمساك بالواقع وبراعته في فن التشخيص والتعبير باللون والعلاقة بالطبيعة، ما ساهم في انخراطه بمختلف اتجاهات الحداثة التشكيلية في الغرب (التكعيبية والتعبيرية والدادائية والسوريالية)، متأثراً بتوجّهات “فن التجميع” و”الفن الجاهز الصنع”، في مرحلة ما بعد الحداثة الذي انبثق من تداعيات الحرب العالمية الثانية (لاسيما أعمال أرمان وسيزار)، وبمنجزات العبقري الإسباني غاودي، وبالجماعات التي استخدمت الأنسجة والخامات المتنوعة في الفن. ولعلّ أهميته تكمن في طموحه وغزارته، فهو لم يقف عند حدود موهبته كرسام متفوّق، بل تخطّاها حين فتح باب التأويل لعلاقته بعالم المواد والخامات والأدوات والمخلّفات الصناعية والأشياء الأليفة في حياته اليومية، وسمح بأن تحتل مكانها في التركيب الفني. فكان محترفه يعجّ بالأشياء والمقتنيات والمخلّفات المنزلية المهلمة التي يحاورها وتحاوره، حتى يحين الوقت الملائم لاستعمالها، إلى أن اصبح حائط مرسمه متحفاً لمقتنياته الخاصة أو “حائط مرسى” رحلته الإبداعية التي تعجّ بالتذكارات. ما بين الشرق والغرب بدأت المحطة البارزة في حياة عبد السلام عيد حين انفتحت أمامه منذ أوائل التسعينات فرصة العمل في الفن الجداري مع راعي الفنون محمد سعيد الفارسي، عندما كان محافظاً نشيطاً ومجدّداً لمدينة جدّة (المملكة العربية السعودية) وصاحب مشروع تعميريّ وضع للفن فيه مكانة مركزية. منذئذٍ وجد عبد السلام ضالّته في تلك المشاريع التي وضعته في مقدّمة فناني التصوير الجداري في مصر، ونفّذ عشرات المشاريع العملاقة في جدّة والرياض (أبرزها جدارية جامعة الملك عبد العزيز)، قبل أن يتعاون مع منظمة الأونيسكو لتصميم وتنفيذ تحفته “المدينة الفاضلة” في متحف توني غارنييه في مدينة ليون الفرنسية العام 1993. وهي تتجسّد في ثلاثة أعمدة عملاقة تشبه الهياكل التذكارية الضخمة للمعابد المصرية القديمة، تكتنف واجهاتها نقوش ومفردات ورموز وأشكال أسطورية وميتولوجية وكتابات حروفية، هي بمثابة لغات بصرية من ثقافة مصر والعالم، تربط تراث الشرق بالغرب. نصبٌ تذكارية عديدة نفّذها عبد السلام عيد في مسقط رأسه الاسكندرية، من بينها جدارية فندق سان جيوفاني العام 1993، وجدارية الإسكندرية التي نُفذّت فوق سور مستشفى مصطفى كامل على كورنيش البحر، على مدى ثلاث سنوات، وهى أكبر جدارية في شوارع المدينة، تحاكي تاريخها عبر العصور والحضارات، يتوسطها شكل بيضاوى وفنار الإسكندرية، وافتُتحت عام 2000، أما جدارية “فرحة مصر” التي زينت موقع قناة السويس الجديدة، فيقول الفنان بأنّها تُظهر امرأتين بالزيّ الفرعونى تمسكان برمز قناة السويس، مما يدلّ إلى اتصال حاضر مصر ومستقبلها بماضيها. تفصيل من جدارية فندق سان جيوفاني في الاسكندرية الفن الجداري وروح المكان تميّز عبد السلام عيد بالفن الجداري، ليس كفن تزييني بل كعمل فني يعبّر عن روح المكان والبيئة المحيطة به. فكانت أعماله تفيض بالفكر والخيال، كما انّها تنطوي على دلالات ورموز متصلة بالتراث والتاريخ والهوية. في الكتاب الذي جمع سيرته ونماذج من أعماله (الصادر العام 2011) متضمناً نصوصاً قيّمة كتبها فنانون ونقّاد ومؤرخون عرب وأجانب، كتب الإيطالي كارلو باني: “عبد السلام عيد يُرسي فكره على الفكر الإسلامي والشرقي، الذي يحمله إلى عالم الغرب المضيء والماديّ، حيث البحث الواهم عن الفراديس العلمية التي تضمن السعادة على وجه الأرض، يا له من انتظار غير مجدٍ. تتضح الرغبة القوية عند عيد في تحطيم الهندسة الجافة للأشكال، ليجعلها تأخذ تجانساً كونياً مع أفكاره وعواطفه. فالعلاقة بين الجمال المتسامي والكونيّ يحرّر الفنان من فظاظة الحياة اليومية ومن كآبة وحزن العالم”. يرى حسام الدين زكريا، أنّ عبد السلام عيد يعيش العصر بكل إنجازاته، ويستشرف الغد، يغزل الحديد ويعجن الحجر ويستجلي الجمال في أقل النفايات شأناً، فيعيدها إلى الحياة، يغوص داخلها كأنّه يستكشف جوانب الوجود في قماش الدانتيلا وعقد الحِبال وبقايا الورش والمصانع جنباً إلى جنب مع بيض النعام وشظايا الخشب، مما يؤكّد شجاعته واستقلاليته. أما الفنانة أمل نصر التي كتبت بعمق عن سيرته وتحوّلات تجاربه فتقول، بأنّه “وجد ضالته المنشودة في الأنسجة القديمة والأقمشة والمفارش اليدوية المطرزة وشباك الصيد، التي تفنّن في استخدامها وتوجيه خطوطها وتأثيراتها اللمسية لتقديم بنيات متعدّدة الصور، وهو يفرح بتشييد هذه العوالم الغرائبية كأنّه يطاوع حلماً قديماً في تشكيل زمان حرّ ومكان حرّ يجاري خياله الطليق”. جدارية المدينة الفاضلة في متحف توني غارنييه في مدينة ليون الفرنسية 1993 ذكريات الطفولة وعالم المواد يتحدث الفنان عبد السلام عيد عن رحلته الفنية فيقول: “كانت الطبيعة المرئية في بداية رحلتي هي كل شيء، هي التي علّمتني قوانين الشكل، علّمتني كيف أتأمل الأشياء. كنت أراقب الأرض والبحر والسماء في مرايا الخيال، كنت مأخوذاً بما تركه المبدعون في كل الفنون وفي كل العصور عبر تاريخ الإنسان، ومبهوراً بعالمنا الذي يتجدّد كل يوم، وها أنا ذا أولد كل يوم، أحمل بسمة الرضا وعرفاناً بالجميل لكل الذين تعانقت أيدينا بأيديهم، في رحلة عشق الخير والحق والجمال”. هو من مواليد الإسكندرية (العام 1943)، لعبت البيئة الثقافية والاجتماعية التي نشأ فيها دوراً مؤثراً في إبداعه واتجاهه الفكريّ والتقنيّ. فقد تفتّحت مداركه وهو في سن السابعة، على ورشة كبيرة تشغل مساحة الدور الأرضي كله في بيتهم في حيّ الحضرة. كان والده يعمل في مجال التبريد، وكانت البيئة البصرية التي شبّ فيها وترعرع، مؤلَّفة من الماكينات والمواسير والآلات والأدوات والأسلاك والمسامير، الأمر الذي حقّق الألفة منذ الصغر بينه وبين مفهوم الفن والتكنولوجيا، فانتقل بتفكيره من رومانسية الخيال إلى واقعية الحياة الحديثة وطبيعتها المادية. مجسّم الذاكرة النباتية للكتّاب 2007 طفولة مشاكسة كان طفلاً مشاكساً وطليقاً، وسط عائلة منحته حرّية التعرّف على الحياة واكتشاف الطبيعة وممارسة هواية الفن. حين التحق عبد السلام عيد بكلية الفنون الجميلة بالأسكندرية العام 1964، كان جيل الستينات متألّقاً بتحوّل كبير، ساهم في موجات التغيير والبحث عن شخصية فنية مصرية. تابع دراسته في إيطاليا فتخرّج من أكاديمية أوربينو عام 1982 بعد حصوله على درجة الدكتوراه عن أطروحته التي تمحورت حول “وحدة العلاقة بين النحت والتصوير والعمارة”. هو “صاحب رؤية عصرية، بل إن شئنا رؤية مستقبلية”، كما وصفه الناقد نعيم عطيّة، ويضيف: “تمتد تجريببية عبد السلام عيد، إلى الجوهر كما تمتد إلى الشكل وأيضاً إلى الأدوات والمواد المُستخدمة للتعبير، فهي تدفع المتفرّج للخروج من عالم محصور إلى عالم تتلاطم فيه وتتفاعل مؤثرات التكنولوجيا والصناعة والفضاء وعلوم الطبيعة…، فالتشكيلات شديدة الغرابة، من منجزات الميكانيكا والكهرباء والعمارة والكيمياء، إلى ذلك، فهو يستعين بكثير من النفايات الصناعية وبقايا أعمال الورش، يستنبط منها أوجه الجمال، ليَخرُجَ بأعمال تدمج ما بين الفن والتكنولوجيا”. عبد السلام عيد هو أحد المبدعين المصريين الذين عاشوا التحوّلات العالمية في مجتمعنا المعاصر، وعبّروا عنها بمختلف الخامات والوسائط والألوان. ولعلّ من أبرز ميزاته، هي الجرأة في تطويع الخامات والمواد بلا حدود، واستنباط الجمال من مزيجها الصادم أحياناً، لتحقيق نوع من التواصل بين الفن والمجتمع. وتجربته رغم تنوّع روافدها، اشتركت في تمثيلها لروح الحضارة المصرية، برؤية أصيلة استحق عنها تلك المكانة الهامّة كرائد من رواد الفن العربي المعاصر. تكوين نسيج ملوّن 1986 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post منظار روبوتي ذاتي الدفع يرصد سرطان الأمعاء next post No injuries after shots fired in Fairview You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024