ثقافة و فنونعربي مصطفى الفقي يكتب مذكراته في مسرح الحياة بلا قناع by admin 17 يناير، 2021 written by admin 17 يناير، 2021 34 من عالم الدبلوماسية إلى العمل السياسي ومكتبة الإسكندرية في “الرواية: رحلة الزمان والمكان” اندبندنت عربية / علي عطا مذكرات مصطفى الفقي (1945) صدرت، أخيراً، تحت عنوان “الرواية رحلة الزمان والمكان”، عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، بعد أيام قليلة من صدور الجزء الثاني من سيرة عمرو موسى (1936) الذاتية التي جاءت تحت عنوان “سنوات الجامعة العربية”، علماً أن عنوانها العام هو “كِتَابِيَه”. وتقاطعات الكتابين وصاحبيهما كثيرة، بحكم كونهما من أبرز وجوه السلك الدبلوماسي والعمل السياسي في مصر خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي امتد ثلاثين سنة انتهت بتنحيه تحت ضغط شعبي في مستهل عام 2011، وهو العام نفسه الذي شهد انتهاء فترة عمل موسى أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، وانكسار حلم الفقي في بلوغ المنصب نفسه. الاستهلال في مذكرات الفقي التي جاءت في 511 صفحة من القطع فوق المتوسط، وفي طباعة فاخرة، هو عبارة عن اقتباس من كافكا “خجلتُ من نفسي عندما أدركتُ أن الحياة حفلة تنكرية، وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي”. وهو يفتتح كل فصل من فصولها الـ18 باقتباس لأعلام في التاريخ الإنساني، منهم جبران خليل جبران، والملك جورج السادس والمهاتما غاندي وإبراهام لنكولن. توزعت حياة مصطفى الفقي العملية “أفقياً”؛ بحسب تعبيره، بين العمل الدبلوماسي والنشاط الأكاديمي والاهتمام السياسي والظهور الإعلامي والإسهام البرلماني، معتبراً أن “روايته التي لم تكتمل بعد”، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ”مسرح الحياة”، ومن جهة أخرى تعتبر إحدى صور الخبر ومصادر المعرفة، “فما سجلتُه هو رؤيتي وما اعتقدتُ أنه الحقيقة، دون حجر أو تسفيه لرأي أحد”. اعترافات دخلت التاريخ في المقدمة يتعهد الفقي أن يكون “صادقاً حتى النخاع”، وأن يبدأ بإدانة تصرفاته قبل أن يفعل ذلك أحد غيره، “فلقد بهرتني اعترافات دخلت التاريخ، بدءاً من جان جاك روسو، ومروراً بغاندي ولويس عوض وعبد الرحمن بدوي وغيرهم. ولا أدعي أنني كنت شاهراً سيفي في وجوه الآخرين؛ إنما عبرتُ دائماً عن قناعاتي القومية، ومشاعري الوطنية في كل الظروف”، مؤكداً أن ما كتبه في الصحف المصرية والعربية في العشرين سنة السابقة على أحداث 25 يناير (كانون ثاني) 2011؛ “يعكس صدقي مع نفسي كما يعكس أنني لم أكن موضع الرضا الكامل من رموز النظام الحاكم آنذاك”! ويضيف: “ليست هذه صفحات مطوية من مذكرات شخصية، كما أنها ليست سيرة ذاتية، بل تتجاوز ذلك كله لكي تكون تعبيراً أميناً عن طريق طويل سلكه صاحب الرواية مخترقاً عهود عبد الناصر مراقباً، والسادات مشاهداً، ومبارك مشاركاً، وقد احتمى المؤلف بالصدق والتجرد والموضوعية مؤمناً بأن دهاء التاريخ لا يرحم، وأن الحياة في مجملها صعود وهبوط، انتصارات وانتكاسات، إنجازات وإخفاقات”. كتاب المذكرات (الدار المصرية اللبنانية) ورأى الفقي كذلك أن “مسيرة الكاتب تؤكد أن الحياة ليست حقيقة ولكنها أيضاً طريقة؛ لذلك لم يتقمص صاحب الرواية شخصية سواه، ولم يزعم لنفسه ما لم يفعل، واعتمد في صياغته لهذا السفر الأمين على ما شهده أو سمعه، ولم يسمح لنفسه باختلاق واقعة أو ادعاء بطولة أو التحامل على غيره، ورغم الحشد الضخم من المعلومات والروايات التي ازدحم بها هذا الكتاب، فإنها خلاصة تجربة آثر صاحبها ألا يستغرق في التفاصيل وألا يتوه في الفرعيات فجاءت معبرة عن الواقع منصفة للأموات قبل الأحياء… إنها جزء من ذاكرة أجيال عبرت الطريق في العقود الأخيرة وهي تنظر إلى السماء في تبتل عشقاً للوطن وحباً لمصر وإيماناً بأنها عصية على السقوط لأنها الكنانة المحروسة دائماً”! الحلم الذي لم يتحقق في الفصل الذي يحمل عنوان “على أعتاب الجامعة العربية”، يتحدث الفقي عن سعيه لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية عقب ثورة 25 يناير 2011 خلفاً لعمرو موسى، ووقوف كل من قطر والسودان ضد ترشيح مصر له، ودفعهما إلى سحب ذلك الترشيح، وتقديم مرشح آخر. يستهل الفقي هذا الفصل بقول للداعية الراحل محمد متولي الشعراوي “لا تخش من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله هو تنفيذ إرادة الله”، وهو قول على بعده الديني الواضح، يمهد لتفسير تآمري قدمه الفقي لتبرير عدم اختياره لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية. فقطر رفضته وضغطت من أجل سحب ترشيحه، لأنه كما يقول دأب على انتقاد حكومتها، وينطبق الشيء ذاته على تفسيره لموقف حكومة عمر البشير في السودان في ذلك الوقت، بما أنه كان ينتقدها أيضاً في مقالاته. أما المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يحكم مصر آنذاك، فلم يتمكن من الإصرار على ترشيح الفقي للمنصب الدبلوماسي الرفيع، لانشغاله – بحسب هذه المذكرات – بمواجهة تداعيات “أحداث” يناير 2011، وأبرزها تصدر جماعة الإخوان المسلمين واجهة العمل السياسي في البلاد، وتعاظم طموحها في حكم مصر للمرة الأولى منذ تأسيسها في 1928. والحقيقة التي يكشفها الفقي هنا هي أن حلم توليه منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية يرجع إلى فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهي الفترة التي شهدت سطوع نجمه عبر توليه منصب سكرتير الرئيس للمعلومات بين عامي 1985 و1992. لكن تشكك مبارك في مدى ولاء الفقي لنظام حكمه حرمه من بلوغ المنصب الذي لطالما حلم بتوليه مستنداً إلى خبرته الدبلوماسية، فضلاً عن حنكته السياسية خصوصاً في ما يتعلق بإيمانه بفكرة القومية العربية، وإسهامه في تعزيزها عبر العديد من مؤلفاته ومنها كتاب “تجديد الفكر القومي” الصادر عام 1993. يقول الفقي في هذا الصدد: “كانت المعارضة تحسبني على النظام، وكان النظام يحسبني على المعارضة”، ولذلك لم ترق لنظام مبارك أصلاً فكرة ترشيحه لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، بحسب ما أورده الفقي في مذكراته، لكن المتأمل لمشوار حياة الرجل متشعب الاهتمامات والذي يرى نفسه سياسياً أكثر منه دبلوماسياً، سيجد أنه لم يحرم مطلقاً من تولي الكثير من المناصب “الحساسة”؛ سواء في عهد مبارك أو بعده. والفقي في الفصل نفسه من مذكراته، يتهم الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى بأنه لم يكن متحمساً لأن يخلفه، وإن أظهر أمامه خلاف ذلك، ومن ثم ذهب المنصب إلى دبلوماسي مصري آخر هو نبيل العربي. ويقول الفقي كذلك: “عمرو موسى لم يساعدني على الإطلاق، ولا أريد أن أذكر بعض الشواهد التي تأكد منها عدم حماسه لي كخليفة له”. ويضيف منطلقاً على ما يبدو من خاطرة الشعراوي الإيمانية التي استهل بها هذا الفصل، ومناقضاً لها في الوقت ذاته: “شاءت الأقدار ألا أصل إلى هذا المنصب، بعد أن أطاحت سيدة من نظام القذافي برغبتي في الوصول إلى رئاسة البرلمان العربي قبل ذلك بسنوات قليلة، والسبب دائماً هو تحكم الثروة العربية في الخيارات القومية” صـ 398. وفي فصل آخر ينقل الفقي عن عمر سليمان الذي تولى إدارة المخابرات العامة المصرية لعشرين سنة في عهد مبارك “أن مهمة الإستخبارات العامة هي أن تضع جمال مبارك على الطريق نحو موقع الرئاسة؛ لأن ذلك هو أقصر طريق للاستقرار، فضلاً عن أنه وفاء لوالده وما قدمه للبلاد”. وينقل عن المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان يتولى منصب وزير الدفاع في السنوات الأخيرة من حكم مبارك “البلد ستغرق. لن يحكم أحمد عز (الأمين العام للحزب الحاكم وقتها) مصر إلا على جثة آخر جندي مصري”. ويعكس الموقفان الانقسام الحاد في رؤى قيادات نظام مبارك بشأن قضية توريث الحكم، التي يؤكد الفقي في مذكراته أنه كاد يتبناها، لولا ما أسرَّ به طنطاوي إليه، وأدرك من خلاله أن الجيش لن يقبل مطلقاً أن يرث جمال مبارك الحكم، لأنه غير مؤهل له، فضلاً عن أن النظام الجمهوري لا يعرف توريث الحكم، كما أن مصر ليست سورية، في إشارة إلى تولي بشار الأسد الحكم خلفاً لوالده، بعد إجراء تعديل في دستور هذا البلد، ورث الابن بمقتضاه منصب أبيه. أما “الربيع العربي”، فقد اعتبره الفقي مجرد “سيناريو ضخم، لأحداث جرى تركيبها بشكل مفتعل، وإن كان هذا لا ينتقص من الدوافع الوطنية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التي حرّكت الجماهير في اتجاه استثمرته تدخلات أجنبية وقوى داخلية، لتغيير المسار وتحريك الأمر في اتجاه مصالحها على حساب الأهداف العليا لشعارات الثورة وآمالها”. ويضيف في السياق ذاته: “إن هذه الأحداث قصة طويلة، كما أن الرواية لم تتم فصولها، وقد نكتشف ذات يوم أن صراعات مكتومة حول السلطة في مصر حرّكت جزءاً من الأحداث، في تلك الفترة التالية لتنحي مبارك، بعد إدارة بطيئة لمجريات الأمور في الـ18 يوماً الفاصلة في ثورة الشارع المصري” صـ 415. أما مكتبة الإسكندرية التي يتولى الفقي إدارتها منذ عام 2017، فلا تزال في حاجة إلى تحديث مبانيها وتجهيزاتها، ومعالجة الاختلالات في رواتب موظفيها، وإصلاح التشعب في هيكلها الإداري. ويرى الفقي أنه أحد المساهمين في تأسيس هذا الصرح، بما أنه كان بحكم منصبه في مؤسسة الرئاسة آنذاك، كان همزة الوصل بين المشروع والمتبرعين الذين قرروا المساعدة مادياً في تحقيقه على أرض الواقع، استجابة لـ”إعلان أسوان” في هذا الصدد والذي تبنته السيدة سوزان مبارك، وتحمست له اليونيسكو. ويذكر الفقي في هذا الصدد واقعة يمكن اعتبارها طريفة، إذ إن رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد آل نهيان كان صاحب أعلى تبرع، وعندما عرف الرئيس العراقي وقتها صدام حسين بهذا الأمر قرر أن يرفع مساهمة العراق في المشروع، بحيث تكون هي الأعلى. ويذكر الفقي في السياق ذاته أن مدير المكتبة السابق إسماعيل سراج الدين طلب منه أن يشهد لصالحه في المحكمة التي كانت تتهمه بإهدار أموال تلك المؤسسة. وفي ذلك يقول الفقي: “إسماعيل سراج الدين نظيف اليد، بالتأكيد، ولكن هناك اتهامات لبعض معاونيه بإهدار أموال المكتبة. كانت لي ملاحظات على فترة إدارته التي أدت إلى أخطاء لم يكن هو طرفاً فيها”. وهنا لم يذكر الفقي أسماء هؤلاء، كما لم يوضح لماذا لم يحاكموا، بينما الذي حوكم كان سراج الدين، الذي انتهى الأمر بتبرئته على أي حال. المزيد عن: مذكرات/الحياة السياسية/مصر/القاهرة/الجامعة العربية/الإسكندرية/الحراك العربي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أحمد أمين: هذا ما فعله بي بطل “ما وراء الطبيعة” next post الروائي الأميركي بول بيتي يدافع عن البشرة السوداء عبثيا You may also like عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.