ثقافة و فنونعربي محمد عصفور ينجز ترجمة جديدة لكتاب “الاستشراق” ومصطلحاته by admin 9 يناير، 2022 written by admin 9 يناير، 2022 33 مقاربة إدوارد سعيد النقدية من لحظة التنوير إلى لحظة الأصوليات اندبندنت عربية \ شهلا العجيلي أكاديميّة وروائيّة @ShahlaUjayli لا يزال كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد يثير جدلاً في أوساط الدارسين والمترجمين، بعد أن فتح المجال لكثير من الدراسات والمراجعات في حقله، وانبثقت عنه تيارات في قراءة الهوية، وهو مرجع لكل باحث في دراسات ما بعد الاستعمار، ودراسات التابع، والدراسات الثقافية ما بعد الحداثية. ولا شك في وجود فرق جوهري بين منطلق الدراسات الثقافية التي تقول بعدم معيارية الثقافات، تلك التي تنطلق منها دراسات التابع، وبين الاستشراق، ودراسات الكولونيالية، وما بعدها، التي تقوم على تلك المعيارية وعلى التفاضل بين المركز والهامش. تعدد الترجمات صدرت حديثاً ترجمة جديدة لكتاب “الاستشراق” بتوقيع محمد عصفور عن دار الآداب، وبتقديم محمد شاهين الذي عرف أيضاً بصداقته لإدوارد سعيد وبحرصه على حفظ تراثه والاشتغال عليه، وقد نُشر عن هذه الترجمة مقال بعنوان “الاستشراق لإدوارد سعيد، الكتاب الذي خذلته الترجمة والتلقي” في مجلة “نزوى” في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، فألقى الضوء على عيوب الترجمتين السابقتين المعروفتين، فضلاً عن ترجمة ثالثة أقل شهرة. يقول: “الاستشراق ما زال بحاجة ماسة إلى مزيد من القراءة والاستيعاب، ومراجعة الخطاب المعقد الذي أنتجه مؤلف الاستشراق من خلال مشروع جاد خصص له أجزاءً كبيرة من مسيرته الأكاديمية وغير الأكاديمية، ليكشف لنا عن العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، التي تخضع لمكونات معرفية لا حصر لها”. الترجمة الجديدة لمحمد عصفوور (دار الآداب) كانت الطبعة الأولى، الأشهر، التي تداولها معظمنا أثناء تكويننا الأكاديمي الأول بترجمة كمال أبو ديب (منشورات مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت) عام 1980، وهي مكتوبة بلغة أبو ديب، الذي حافظ فيها كما يشير الدارسون على روح النص، لكن ما يعيبها، حسب إشارتهم، تقعّر لغتها، وافتقارها إلى السلاسة، بإقحام مفردات وتعبيرات يجترحها أبو ديب كعادته، لكن لا بد من القول إن الباحث المتمكن الذي درس كمال أبو ديب في مؤلفاته من مثل “الرؤى المقنعة”، أو “جدلية الخفاء والتجلي”، ثم قرأ ترجمة “الثقافة والإمبريالية”، يعتاد هذه اللغة، ويشعر بأهمية الثقل المعرفي الذي تقدمه الترجمة، وبنخبويتها، وتفوقها. وكانت صدرت ترجمة أخرى عن دار رؤية المصرية في عام 2006، لمحمد العناني الذي ترجم ملتون وشكسبير، كما ترجم “تغطية الإسلام” لسعيد ذاته، وهي ترجمة ميسرة، وتقرب النص من جمهور المتلقين. وقد أشار بعض المدققين في النصين الإنجليزي والعربي إلى أخطاء في بعض المصطلحات في حقل الاستشراق تقود إلى خطأ مفهومي بنيوي فيها. ومن وجهة نظري، فإن العناني، كما يشير في مقدمة ترجمته، يقدم الجهد الأكاديمي المصري في اشتغاله على كتاب “الاستشراق” منذ تداوله في مصر، فضلاً عن قراءته الشخصية المستندة إلى تاريخه المعرفي والبحثي المشهود له بالجدية، إذ يشير إلى الترجمة على أنها تفسير أو اجتهاد (interpretation) “أي تقديم المعنى بالصورة التي يفهمها أبناء العصر أو الجيل”. الاستشراق قبل لحظة إدوارد سعيد وبعدها ترجمة كمال أبو ديب الأولى (المؤسسة الفلسطينية) لا بد هنا من طرح أسئلة حول الحقل المعرفي الذي يسمى “الاستشراق”، وعمَّا كان يبحث فيه قبل مشروع إدوارد سعيد، وعمَّا حدث بعد نقطة الانعطاف التي صنعها كتاب “الاستشراق” تحديداً، إلى لحظة تواتر التسميات حول الأصولية الإسلامية التي جعلت الباحثين في الثقافة العربية من الأجانب يجدون في صفة المستشرق وصمة، فيصفون أنفسهم بالمستعربين أو الباحثين في الإسلام، وذلك بغض النظر عن قول الدارسين إن أهمية المشروع تتأتّى من كون إدوارد يكتب للغرب، ويبني في الكتاب، برؤيته الخاصة، خطاب الغرب من خلال المعطيات التاريخية، ثم يفكك ذلك الخطاب من داخل المؤسسة البحثية المركزية. تكشف قراءة “الاستشراق” عن جوهرها عند البحث في ما تلاها من مؤلفات سعيد، مثل “تغطية الإسلام”، و”الثقافة والإمبريالية”، و”العالم، والنص، والناقد”، و”خارج المكان”. وبما أن سعيد يعتمد المناهج السياقية لا النصية في مقارباته، فمن البديهي ألا يقصي التجربة الذاتية أو الرؤية الذاتية عن الموضوعية، كما فعل ميشال فوكو، حينما بدأ بحثه الكبير في “تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي”، قائلاً: “نحن الفكتوريين…”. يمكن أن أعرف الاستشراق بيسر على أنه جعل الشرق موضوعاً معرفياً، ودراسته على هذا الأساس. ولعل هذا المفهوم قديم قِدَم وجود الحضارات المتجاورة جغرافياً بشكل خاص، ووجود التنافس بينها، واستشعار الخطر لكل منها تجاه الأخرى، لقد كان الرومان يقولون: “إكس أورينت لوكس/ النور يصدر من الشرق”، وطوروا مواقفهم العدوانية أو المُسالمة تجاه ذلك النور. ثمة مدارس وأدوات للاستشراق قبل عصر التنوير الأوربي، لكن ذلك كله تغير مع المشروع الإمبريالي في القرن الثامن عشر، الذي استخدم المنجز الثقافي السابق كله بطوباويته أو ببراغماتيته، واستخدم المعرفة التاريخية حول الشرق المتعدد وحول علاقته بالغرب المتعدد أيضاً في المشروع الإمبريالي، وذلك عن وعي للمستخدمين، أو من غير وعي منهم، وبذلك لا يكون كل مستشرق إمبريالياً أو شيطاناً، لكن دخوله أداة في تكوين الخطاب سيجعله مريباً. لقد موّل الملوك، والقادة، ورجال الأعمال رحلات الباحثين، والأطباء، وعلماء العاديات إلى الشرق لمعرفته، والحصول على كنوزه ومخطوطاته حتى قبل ترجمة “ألف ليلة وليلة”، كما فعل الملك لويس الرابع عشر حين مول رحلة عالم الطبيعيات والطبيب بول لوكاس، ولكنّ هناك رحّالة حجاجاً أو باحثين اشتغلوا بشكل حر بعيداً من أي قصد إمبريالي، مثل الألماني برنهارد فون برايدن باخ، أولئك لم يصيروا نجوماً، إلا أن منجزهم دخل في صناعة الخطاب بسبب مساهمتهم في تكوين المعرفة التي تصنع القوة، بحسب فوكو. الترجمة المصرية لمحمد عناني (نيل وفرات) وفي هذا الإطار يمكن العودة إلى مصدر غني لهذا الحقل المعرفي قبل إدوارد سعيد، وهو كتاب “روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة” لإلياس أبو شبكة الذي كتبه في عام 1941، وحققه مصلح النجار في 2018، وصدر عن منشورات “مجاز وضفاف”. وتفصل رنا قباني في “أساطير أوروبا عن الشرق” استخدام تلك المعرفة البريئة وغير البريئة، عبر تفكيك جزئية من ذلك الحقل، وهي “الرحلات”، مشيرة إلى ذلك بعنوانها الفرعي: “لفق تسد”. صدر كتابها بالإنجليزية عام 1986، وهو موجه أيضاً للمتلقي الغربي، كما تقول في مقدمتها: “هذه الدراسة كتبت في الأصل للقارئ الغربي لتكون إسهاماً في تقويض الصورة التي رسختها في أعماقه منذ القرون الوسطى كتابات الرحالة والمغامريين الأوروبيين عن الشرق والعرب والإسلام. فهؤلاء الرحّالة، وبخاصة من دعّموا رؤى عصر الإمبريالية، اكتسبوا في بلادهم أبعاداً أسطورية جعلت أي محاولة في الغرب لتكذيب رواياتهم عن الشرق وأهل الشرق إثماً كبيراً وخيانة وطنية”. شرق بلا استشراق يمكن أن نطرح سؤالاً آخر عن إمكانية وجود شرق بلا استشراق، فالاستشراق بحسب سعيد هو الذي شكل هوية الشرق التي صارت ملازمة له إلى درجة الإزعاج: “إن الشرق لم يكن بسبب الاستشراق مجالاً لحرية الفكر أو العمل، ولا يزال الأمر كذلك، وليس معنى هذا أن الاستشراق هو الذي يحدد من جانب واحد ما يمكن أن يقال عن الشرق، ولكن يعني أننا نواجه شبكة كاملة من المصالح التي تتدخل في أي مناسبة تتعلق بذلك الكيان الغريب الذي يسمى الشرق”. يجيب هذا عن أن سعيد يجد ألا شرق بلا استشراق، وهذه هي القراءة الطباقية (Contrapuntal) التي اقترحها سعيد نفسه لاحقاً، فأي وجود للشرق سيستدعي الاستشراق، لكن لا شك في وجود شرق بلا استشراق قبل سعيد، فهذه الثنائية موجودة لتمييز الذات، ولعل معرفة الآخر موجودة لهذا التمييز أيضاً. فهذه المعرفة تسهم بشكل فاعل في تكوين الهوية، والتي تنحدر من الـ”هو” كما يقول الفارابي، فبالضد تمتاز الأشياء وتُعرف. وسنجد من هذا المنطلق محاولات تعريف الذات عند النهضويين، ثم التنويريين العرب، من خلال تعزيز الإحساس بالآخرية، كما في “تخليص الإبريز” لرفاعة الطهطاوي، ورواية “وي، إذن لست بإفرنجي” لخليل أفندي الخوري. وما طوره إدوارد سعيد في مشروعه هو ربط مفهوم تمييز الذات بالرؤية الإمبريالية، فالغرب أيضاً يعي ذاته من خلال الشرق، ” وهو يحاول أن يبين أيضاً كيف زادت الثقافة الأوروبية من قوتها، ودعمت هويتها من خلال وصفها لذاتها في مقابل الشرق، باعتبارها ذاتاً بديلة، أو حتى دفينة”. قام إدوارد سعيد في جهده المعرفي بكشف المشروع الإمبريالي وآليات السيطرة عبره، لا سيما السيطرة بصناعة الصورة (التمثيلات)، التي تكمن خطورتها في أنها ترسم تصورنا لأنفسنا، لا تصور الآخر لنا فحسب. وتقنعنا بأن الآخر نتيجة حيازته المعرفة، يعرفنا أكثر مما نعرف ذواتنا بوصفنا نسقاً ثقافياً، ويتحكم بنا من خلال هذه المعرفة. لقد نظمت أوروبا الإمبريالية خطاباً مهيمناً عن الشرق هو “الاستشراق” أسهم فيه كل من الأفراد، والمؤسسات، والحكومات، والدوائر، تلك كلها كانت “براغي” في ماكينة الاستشراق. وأوكلت أوروبا إلى جهات ما بتنظيم هذه المعرفة حول الشرق، فقامت هذه الجهات بـ”تبئير” ما يخدم فكرة الإمبريالية، وتجاهل ما لا يخدمها. وما فعله إدوارد سعيد هو كشف هذا الخطاب المنظم، وفقاً لرؤية ميشيل فوكو: “الحجة التي أطرحها تقول إننا ما لم نفحص الاستشراق باعتباره لوناً من ألوان الخطاب، فلن نتمكن مطلقاً من تفهم المبحث البالغ الانتظام، الذي مكّن الثقافة الأوروبية من تدبير أمور الشرق، بل وابتداعه في مجالات السياسة وعلم الاجتماع، وفي المجالات العسكرية والأيديولوجية والعلمية والخيالية في الفترة التالية لعصر التنوير”. شاع الخطاب وتحوّل إلى سردية مثله مثل القومية، والنسوية، وهذه السردية تنمو مع كل ما يكتب فيها مع أو ضد. فالسردية الاستشراقية تحتاج، من أجل استمرارها، إلى كتابة مناصريها، وأعدائها، وباحثيها الموضوعيين في الآن ذاته، كما يشير سعيد في “الثقافة والإمبريالية”. وبالعودة إلى أنطونيو غرامشي، فإن هذا الخطاب المصنوع تحت اسم الاستشراق هو آلية رئيسة في الهيمنة، وفي تغذية العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، حيث يدور بينهما في ديالكتيك، كل منهما يغذيه ويرمي به إلى الآخر، ويصدر إلى الشرق بوصفه معرفياً، أي موضوعياً بنسبة كبيرة، فيثبت التفوق، ويصبح، حتى الشرقيون العرب والمسلمون، جزءاً منه، مساهمين فيه، بمن فيهم إدوارد سعيد نفسه، فالسردية مثل الثقب الأسود تبتلع كل شيء يقترب منها. المزيد عن: الإشتشراق \ مستشرقون \ كمال أبو ديب \ محمد شاهين \ حضارةا \ لغرب \ الأمبريالية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حين رسم ماتيس حكايته المتبدلة مع امرأته في عدد من أجمل لوحاته next post كم يزن الصمت… بالجرام؟ | الشاعر الفرنسيّ باتريك دوبُست You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.