يعد ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر نقطة تحول رئيسة في التأريخ للإسلام السياسي (أ ف ب) X FILE ماذا لو اختفى الإسلام السياسي من العالم الإسلامي؟ by admin 13 أبريل، 2025 written by admin 13 أبريل، 2025 33 الجماعات الإسلامية تأرجح تأثيرها بين محاولة الحكم بالانتخابات ورفع السلاح لإسقاط الأنظمة اندبندنت عربية / إبراهيم مصطفى صحافي مصري بقدر اتساع العالم الإسلامي تتسع ملاءة تعريفات واتجاهات ما يعرف بـ”الإسلام السياسي”، الذي تراوح تعريفاته ما بين جماعات وأحزاب تسعى إلى تطبيق مبادئ دينية في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية وتنظيمات العنف المسلح مثل “داعش” و”القاعدة”. وعلى اختلاف التسميات والتعريفات كان الإسلام السياسي عاملاً مهماً في تشكيل الحياة السياسية في معظم دول العالم الإسلامي، على رغم أن كثيراً منها محظور قانوناً، مما يجعل تصور الحياة السياسية في العالم الإسلامي من دون “إسلام سياسي” مهمة صعبة. في كتابه “تجربة الإسلام السياسي” يعرف الكاتب الفرنسي أوليفييه روا الإسلام السياسي بأنه “الحركات الإسلامية المعاصرة التي تسعى إلى إعادة صياغة الإسلام كأيديولوجيا سياسية لتبرير نشاطها السياسي، مع التركيز على بناء دولة تستند إلى تفسير معين للشريعة”. كذلك يصف المستشرق الفرنسي جيل كيبل الإسلام السياسي بأنه التيار الذي “يجمع بين الدين والسياسة” في صورة حركات تهدف إلى الاستيلاء على السلطة أو التأثير فيها، مستندة إلى رؤية إسلامية للدولة والمجتمع، مشيراً إلى أن ذلك التيار يتأثر بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية للبلد الموجود فيه. الفصل بين الدين وإدارة الدولة ظل محل خلاف منذ بوادر ظهور مفهوم الإسلام السياسي قبل نحو قرن من الزمان، فبينما دعا الشيخ علي عبدالرازق (تولى وزارة الأوقاف في مصر) إلى عدم الخلط بين الإسلام كدعوة إلى الله وطرق الحكم المختلفة في الدول في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” عام 1925، رد عديد من الكتاب على هذا الطرح، ومنهم محمد عمارة في كتابه “في النظام السياسي الإسلامي”، إذ ذكر أن الإسلام ليس مجرد دين عبادات، بل نظام شامل يشمل السياسة والحكم، معتبراً أن الإسلام السياسي هو التصور الإسلامي لنظام الحكم والمجتمع. وتعود جذور فكرة الإسلام السياسي إلى حركات الإصلاح في أواخر القرن الـ19، مثل كتابات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، اللذين ربطا بين الإسلام والحاجة إلى مقاومة الاحتلال الغربي وإصلاح نظم الحكم، لكن المصطلح نفسه لم يستخدم صراحة في تلك الفترة، بل كان يشار إليه ضمنياً عبر مفاهيم مثل “الإسلام والحكم” أو “الدولة الإسلامية”، وذلك وفق المتخصص في مجال العلوم السياسية الأميركي ليونارد بيندر، فيما أشار المؤرخ البريطاني برنارد لويس، في كتابه “ظهور تركيا الحديثة” إلى أن سقوط الدولة العثمانية وإلغاء نظام الخلافة عام 1924 أدى إلى ظهور حركات تسعى إلى “استعادة نموذج الخلافة أو إعادة صياغته، مما مهد الطريق لظهور أفكار الإسلام السياسي”. “الإخوان” في مصر يعتبر الكاتب الأميركي ريتشارد ميتشل ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 نقطة تحول رئيسة في التأريخ للإسلام السياسي، إذ يرى أن “الإخوان” كانت أول حركة منظمة تجمع بين الدعوة الإسلامية والعمل السياسي بصورة منهجية، مما جعلها نموذجاً حذت حركات أخرى خارج مصر حذوه. فيما يرجع أوليفييه روا تبلور مصطلح الإسلام السياسي إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي، بخاصة بعد الثورة الإيرانية عام 1979، التي كانت نموذجاً عملياً لدولة تطبق نظام حكم إسلامي، تزامناً مع نشاط الجماعات الإسلامية في مصر وسوريا والجزائر، مما عزز استخدام المصطلح. كما كان ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر محطة فارقة في مسار الإسلام السياسي، فقد لعب ذلك التيار دوراً مؤثراً في الحياة السياسية المصرية على مدى نحو قرن، تحديداً منذ إطلاق حسن البنا الجماعة عام 1928، معتمداً في البداية على العمل الاجتماعي والدعوي في المدارس والمستشفيات، ثم التوسع سياسياً بما جعل “الإخوان” قوة سياسية كبيرة في الأربعينيات من القرن الماضي، إلى أن قررت الدولة حظر الجماعة عام 1948 بعد اتهام أعضائها بارتكاب أعمال عنف. عاد دور “الإخوان” إلى الواجهة عقب إطاحة الحكم الملكي إثر ثورة يوليو (تموز) 1952، لكن فترة الوفاق مع الضباط الأحرار لم تدم طويلاً، إذ حظرت الجماعة مجدداً بعد اتهامها تدبير محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954، وسُجن كثير من أعضائها، بينما أعدم منظرون للجماعة مثل سيد قطب عام 1966، ويرى ريتشارد ميتشل أن تلك الفترة “أضعفت (الإخوان) تنظيمياً، لكنها عززت تأثيرها الأيديولوجي”. في عهد أنور السادات، سمح للتيارات الإسلامية بالعمل السياسي لتنافس الأحزاب اليسارية، لكن دون منحهم ترخيص حزب رسمي، واستمر وجود “الإخوان” تحت مظلة الترشح كمستقلين في عهد الرئيس حسني مبارك في انتخابات البرلمان والنقابات المهنية، حتى إنهم حققوا 20 في المئة من مقاعد مجلس الشعب في انتخابات عام 2005. وبلغت ذروة النشاط السياسي الإخواني بعد ثورة الـ25 من يناير 2011، بتأسيس حزب الحرية والعدالة والفوز بـ47 في المئة من مقاعد أول برلمان في النظام الانتقالي الجديد بعد إطاحة مبارك، وكان ذلك مقدمة لفوز مرشح الجماعة محمد مرسي في انتخابات الرئاسة 2012. إلا أن التجربة لم تدم سوى عام واحد، إذ دفعت المشكلات الاقتصادية والخلافات السياسية، بخاصة بعد الإعلان الدستوري والاعتراضات على الدستور، إلى احتجاجات واسعة أفضت إلى إطاحة جماعة الإخوان في ثورة الـ30 من يونيو (حزيران) 2013، وفي العام نفسه صنفت الحكومة الإخوان جماعة إرهابية، لتكون المرة الثالثة التي تقرر فيها الدولة حل الجماعة منذ تأسيسها. صنفت الحكومة المصرية الإخوان المسلمين جماعة إرهابية (أ ف ب) الكاتب المتخصص في شؤون الإسلام السياسي أحمد الخطيب أشار إلى أن مصر من الدول المؤسسة لفكرة “الإسلام السياسي” وهي أول دولة عرفت تلك الظاهرة، مضيفاً أنها أثرت بصورة كبيرة في الحياة السياسية المصرية، لأنه لاعب رئيس في كل الأنظمة التي حكمت مصر منذ تأسيسه عام 1928، بحسب تصريحاته لـ”اندبندنت عربية”. ويرى الخطيب أن تيار الإسلام السياسي لا يزال موجوداً في مصر على رغم معركته الأخيرة مع النظام عام 2013، موضحاً أنه الآن في فترة كمون يتبعها انتشار، موضحاً أن الإسلام السياسي دائماً يؤسس علاقات مع الأنظمة وسريعاً تتدهور العلاقات، ليتحول إلى فترة الكمون، وأشار إلى أن تنظيم الإخوان في مصر مؤثر رغم عدم وجوده كتنظيم، لكنه موجود كحالة وفكرة حاضرة على الأرض، فضلاً عن ريادته في ملف العمل الاجتماعي، على رغم نجاح الدولة حالياً في قيادة ذلك الملف الذي يعد أحد أهم روافد وجود الإسلام السياسي بصورة عامة. وجه آخر للإسلام السياسي ظهر في مصر بعد ثورة يناير هو الجانب السلفي الذي أنشأ أحزاباً استطاعت بسرعة الوجود في مقاعد البرلمان بتحقيق حزب النور 22 في المئة من مجلس الشعب 2012. وعلى عكس “الإخوان” نجا “النور” من دعوات التخلص من الإسلام السياسي في ثورة يونيو 2013، إذ كانت القيادات السلفية داعمة للتحرك الذي أطاح الرئيس محمد مرسي. ولدى حزب النور 7 مقاعد في مجلس النواب الحالي. واعتبر أن الأحزاب السلفية مجرد وجه آخر للإسلام السياسي، ووجودها شكلي في البرلمان، وليس تمثيلاً حقيقياً في الشارع. موضحاً أن الدولة أرادت تقسيم الإسلام السياسي إلى سلفي وإخواني، وأبقت على الحالة السلفية للقضاء على “الإخوان”، لكنهما تيار واحد عقائده واحدة وإيمانه وأفكاره واحدة. ولفت الخطيب إلى أن الإسلام السياسي لا يقتنع بالديمقراطية، وإن وافق عليها يكون “من باب التكتيك”، ويعدها سلماً للوصول إلى أهدافه، مضيفاً أن فكرة الإسلام السياسي قائمة على أن يكون منافياً للحقوق والحريات، بالتالي جماعات الإسلام السياسي عائق أمام تقدم المجتمعات. ويعتقد الخطيب أن الإسلام السياسي أحد عوائق الأنظمة في الحياة الديمقراطية في مصر، وأن هذه الجماعات تفرض على الأنظمة فرض قوانين معينة مثل قانون الطوارئ، بالتي وجودها يكبل المجتمع نتيجة للصراع ويدفع ثمنها الشعوب من اقتصادها وحرياتها وتقدمها. سقف محدد في الأردن على عكس حال الصدام التي طبعت علاقة الدولة مع الإسلام السياسي في مصر، كانت التجربة الأردنية في هذا الملف، حيث اتسم وجود جماعات الإسلام السياسي بـ”الشرعية” منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، التي شاركت في الحياة السياسية تحت مظلة احترام النظام الملكي، حتى إن بعض الباحثين مثل محمد أبو رمان في كتابه “الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع” يرى أن تأسيس الجماعة كان بدعم من الملك عبدالله الأول لدعمه في مواجهة التيارات القومية واليسارية. وفي نهاية ثمانينيات القرن الماضي أصبح “الإخوان” أكبر كتلة معارضة داخل البرلمان، وتقلد عدد منهم مناصب وزارية، وعلى رغم التوتر مع الحكومة إثر اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1994، لم تتجه الأمور إلى العنف وحظر الجماعة كما حدث في دول أخرى. كذلك، شارك “الإخوان” في الاحتجاجات ضد الفساد عام 2011 ضمن موجة الربيع العربي، لكن الجماعة لم تدعُ إلى إسقاط النظام، ما يؤكد تقييم أبو رمان في شأن نجاح النظام الأردني في “احتواء” الإسلام السياسي، مستفيداً من ولاء “الإخوان” للملكية كجزء من استراتيجيتهم السياسية، فيما مكنت “المرونة” الإخوان من الوجود الشرعي في الحياة السياسية، وفي الوقت نفسه فشلوا في الحصول على دور كبير في الحكم لوجود قيود من جانب الدولة. ومنذ اندلاع الحرب في غزة، صعدت جماعة الإخوان من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي من الضغط الشعبي والإعلامي على الحكومة، عبر تنظيم التظاهرات المطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل، لكن مراقبين رأوا أن الحزب يستغل تلك التجمعات لـ”تحقيق أهداف سياسية خاصة”. شاركت “الإخوان” في الحياة السياسية الأردنية تحت مظلة احترام النظام الملكي (أ ف ب) يشير رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات إلى أن الإسلام السياسي انتقل إلى الأردن في الأربعينيات عبر جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا في مصر، مضيفاً أن الدولة اعترفت بهم كجمعية خيرية، وأتيحت لهم لاحقاً المشاركة في الحياة السياسية كبقية الطوائف من القوميين والوطنيين والشيوعيين وغيرها تحت مظلة الدستور. وقال شنيكات لـ”اندبندنت عربية” إن جماعة الإخوان المسلمين وجدت التحالف مع النظام السياسي فرصة لحماية نفسها خلال فترة الخمسينيات والستينيات، على عكس اليساريين والقوميين الذين كانوا يسعون إلى قلب نظام الحكم، لافتاً إلى أنه حينما حظرت الأحزاب عام 1957 مارست الجماعة السياسة كجمعية خيرية ولم تؤسسا حزباً. ويرى أن عدم إقصاء تيار الإسلام السياسي من الأردن على غرار دول مجاورة مثل سوريا ومصر يرجع إلى أنه بقي معتدلاً وضمن “السقف المحدد”، منوهاً إلى احتمالية تحولهم إلى العنف مثل مصر وسوريا إذا جرى إقصاؤهم. ولفت إلى تمددهم السياسي بعد استئناف الحياة الديمقراطية في الأردن عام 1989، إذ حصلوا على ربع مقاعد مجلس النواب، لكنهم لم يشكلوا غالبية نيابية على الإطلاق، ولم يستطيعوا إسقاط الحكومة من قبل، موضحاً أن كل الأطراف في الأردن تعرف طبيعة التوازنات في الحياة السياسية في ظل ضعف التيارات السياسية الأخرى التي لم تستطع إثبات نفسها. ويعتقد أن الحياة السياسية ستسير بوجود جماعة الإخوان أو من دونها في ظل استمرارها “تحت السقف”، وفي ظل سمة أساسية للحياة السياسية الأردنية التي تقوم على نبذ العنف واحترام النظام الملكي. التجربة الإيرانية تجارب الإسلام السياسي خارج الدول العربية ربما كانت أكثر تأثيراً، ففي إيران التي تسمى رسمياً “الجمهورية الإسلامية” فقد قاد رجل الدين روح الله الخميني الاحتجاجات التي أطاحت نظام حكم الشاه عام 1979، وتبنى النظام الجديد فكرة تصدير الثورة ودعم تنظيمات سياسية ذات خلفية دينية في دول أخرى، مثل “حزب الله” في لبنان وجماعة الحوثي باليمن. وترى المؤرخة والباحثة السياسية الأميركية نيكي كيدي في كتابها “جذور الثورة الإيرانية” أن تجربة الإسلاميين في إيران حملت شكلاً من الديمقراطية هو إجراء انتخابات، وفي الوقت نفسه نزعة تسلطية عبر سلطة المرشد. يرى البعض أن تجربة الإسلاميين في إيران حملت شكلاً من الديمقراطية هو إجراء انتخابات وفي الوقت نفسه نزعة تسلطية عبر سلطة المرشد (أ ف ب) رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية محمد محسن أبو النور يشير إلى أن التساؤل في شأن شكل الحياة السياسية في إيران في حال غياب الإسلام السياسي أصبح يشغل في السنوات الأخيرة كثيراً من الكتاب والأكاديميين في الأوساط الإيرانية، لأنه يتعلق بتحديد هوية الدولة الإيرانية، وما إذا كانت قومية أم دينية أم عالمية. وقال أبو النور لـ”اندبندنت عربية” إنه في حال اختفاء الإسلام السياسي من المعادلة السياسية في إيران، فإن ذلك سيعني غياب الدولة الثيوقراطية القائمة على تطبيق الشريعة الإسلامية، ومحو الركائز التي قامت عليها إيران منذ عام 1979 مثل دعم ما يسمى محور المقاومة، وهو ما سيكون تغيراً راديكالياً لا يؤثر فقط في الداخل الإيراني، إنما في السياسات الإقليمية والدولية. وأشار إلى أن إيران في السنوات الأخيرة تنتقل من منطق الثورة إلى الدولة بحكم مرور الزمن، وأن معظم الإيرانيين حالياً لم يعاصروا الثورة، بل هي أجيال لا علاقة لها بالثورة وليست متشبعة بقيم الثورة. سياسة إسلامية في بلد علماني أما في تركيا التي شهدت نهاية الخلافة الإسلامية، فيصنف بعض الباحثين تجربة حزب العدالة والتنمية الحاكم حالياً على أنه في سياق الإسلام السياسي، وضمن محاولات أقدم لعودة التيار الديني إلى الحكم منذ فرض السياسات العلمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، إذ أوضح كتاب “الإسلاميون والحكم في البلاد العربية وتركيا” الصادر عام 2006 أن فوز الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس في الخمسينيات من القرن الماضي فتح المجال لعودة المظاهر الدينية، مثل السماح بالأذان باللغة العربية، وإعادة فتح المعاهد الدينية. بعض الباحثين يرون تجربة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حالياً بأنها في سياق الإسلام السياسي (أ ف ب) لكن الظهور الصريح للإسلام السياسي بدأ مع تأسيس حزب النظام الوطني عام 1970 بقيادة نجم الدين أربكان، الذي يعد “أبو الإسلام السياسي” في تركيا حسب ناجي سويد في دراسته ضمن كتاب “عودة العثمانيين: الإسلامية التركية”، لكن واجهت تجربته تحديات كبيرة من المؤسسة العسكرية التي نفذت انقلابات لحماية العلمانية، مثل انقلاب 1980. وعلى رغم جذوره الإسلامية، تبنى حزب العدالة والتنمية في مطلع القرن الحالي خطاباً براغماتياً يجمع بين القيم الإسلامية المحافظة والديمقراطية الليبرالية، وفق الباحث الجزائري رياض بن عربية في دراسة بعنوان “جدلية العلاقة بين الإسلام السياسي والدولة في تركيا”، ونجح الحزب في البقاء بالسلطة خلال العقدين الأخيرين، وكذلك تعزيز التعليم الديني والسماح بالحجاب في الأماكن العامة، إلا أن تجربة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه تعرضت لانتقادات باستخدام الدين كأداة شعبوية لتعزيز سلطته، بخاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، بحسب كتاب “تركيا تحديات الداخل ورهانات الخارج” الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات. فشل في الانتخابات وتأثير في الشارع أما في باكستان فقد أقر دستورها عام 1956 أنها “جمهورية إسلامية”، مما يبرز دور حزب الجماعة الإسلامية بزعامة “أبو الأعلى المودودي” أحد أوائل المنادين بتطبيق الشريعة، وفق كتاب “الإسلام والسياسة في باكستان” الصادر عام 2010 عن مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز بحثي أميركي. وفي مرحلة لاحقة استخدم الدين لتكريس سلطة الجنرالات، بخاصة في عهد ضياء الحق (1977 – 1988) الذي فرض قوانين الحدود وأنشأ المحاكم الشرعية، وهو ما اعتبره السفير السابق حسين حقاني في كتابه “باكستان بين المسجد والجيش” استراتيجية لتعزيز الشرعية العسكرية بدعم من الأحزاب الإسلامية والغرب، في فترة كانت تشهد تمدد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان المجاورة. وعلى رغم فشل الأحزاب الدينية في تصدر الانتخابات خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإنها ظلت مؤثرة في الشارع من خلال الضغط لتبني سياسات محافظة. وترى الباحثة الأكاديمية الباكستانية لبنى فرح أنه على رغم فشل الإسلام السياسي في البلاد بالسيطرة على الحكم فإنه يؤثر في تطور باكستان، من خلال غياب احترام أكبر للتنوع الثقافي أو التوجه نحو تعميق التشدد، مشيرة في تصريحات إلى “اندبندنت عربية” أن البحث عن نموذج سياسي يحترم التنوع العرقي في البلاد لا بد أن يدرس كيفية “احتواء” الإسلام السياسي. وأضافت فرح أن تنفيذ إصلاحات سياسية في هذا الشأن يبدو صعباً بالنظر إلى حال “التشوش والارتباك” التي تسود باكستان، في ظل استغلال بعض التيارات للدين في تحقيق أهداف سياسية، مثل حزب حركة الإنصاف بزعامة عمران خان، التي عملت على خلط الدين بالسياسة دون إدراك لعواقب ذلك، ما أدخل البلاد في “دوامة من الهيجان الديني”، ما ظهر في تنفيذ حركة “لبيك” الإسلامية وحركة عوامي التابعة لحركة الإنصاف أطول اعتصام في إسلام آباد. وأشارت إلى أنه في ظل الفكر الديمقراطي يحاسب الشعب القادة السياسيين على سياساتهم الفاشلة، لكن بين مؤيدي خان ووسط استغلال أفكار الإسلام السياسي، هناك معارضة مسبقة لأي شخص ينتقد زعيم الحزب. التطرف في غياب خدمات الدولة وعلى صعيد الدول الإسلامية في أفريقيا فقد ظهر الإسلام السياسي في دول عدة منها مالي، التي تبنت دستوراً علمانياً على رغم أن 90 في المئة تقريباً من سكانها مسلمون، لكن في العقد الماضي بدأت بوادر تصاعد التطرف، بخاصة بعد سيطرة جماعات مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي على شمال البلاد، مما دفع فرنسا لاحقاً للتدخل العسكري. فيما أشار تقرير بعنوان “الإسلام السياسي في الساحل” نشره مركز كارنيغي للسلام عام 2019، إلى أن السكان المحليين قاوموا فرض تفسيرات متشددة للشريعة. ويرجع الكاتب الفرنسي جان بيير فيليو ظهور التشدد إلى فشل الدولة في تقديم الخدمات الأساسية. مشيراً في كتابه “من الجهاد إلى الدولة” إلى أن هذه التجربة لم تترجم إلى نظام سياسي إسلامي مستدام، بل ظلت محصورة في سياق التمرد. يرى الأستاذ بجامعة العربي التبسي في الجزائر أحمد ميزاب أن المكون الديني في منطقة الساحل، خصوصاً مالي لم يخلق مشروعاً إسلامياً متكاملاً كما في بعض الدول الأخرى، إنما ظل مؤثراً من خلال العلاقات الاجتماعية والدينية، وكذلك من خلال الجماعات الإرهابية التي تستخدم الدين وحالة الفراغ السياسي كأداة لتبرير نفوذها. ظهر الإسلام السياسي في دول عدة بأفريقيا منها مالي ونيجيريا (أ ف ب) وقال ميزاب لـ”اندبندنت عربية” إن تأثير المكون الديني في منطقة الساحل، بينها مالي، ليس مجرد عنصر ثقافي أو اجتماعي، بل عامل رئيس في تشكيل الهوية الوطنية والتوجهات السياسية، موضحاً أن الإسلام باعتباره الدين السائد في دول منطقة الساحل يلعب دوراً مركزياً في الحياة العامة من خلال المؤسسات الدينية كالزوايا الصوفية، أو من خلال بعض المنظمات ذات التوجه الديني التي برزت خلال العقود الأخيرة. وعن تأثير المكون الديني في الحياة السياسية، أشار إلى أن هناك تأثيراً تقليدياً يتمثل في نفوذ الزعاماًت الدينية التي تؤثر في خيارات الناخبين وتشكيل الخطاب العام من دون أن تكون طرفاً مباشراً في الحياة السياسية، أما الجانب الآخر فينحصر في لعب دور الوساطة بين الدولة والمجتمع في أوقات الأزمات، ولا تسعى إلى السيطرة على السلطة، وهي تتمتع بخط سياسي متوازن ومعتدل، لافتاً إلى أن هناك بعض التيارات التي تتخذ الدين واجهة سياسية بغرض التغلغل السياسي، خصوصاً التنظيمات الإرهابية التي تستفيد من عدم الاستقرار. أوضح الأكاديمي الجزائري أنه منذ عام 2012 تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية ذات المرجعية الإسلامية مثل “أنصار الدين” و”نصرة الإسلام” التابعتين لتنظيم “القاعدة” الإرهابي، التي تسعى إلى فرض نموذج معين في مناطق سيطرتها ولا تشارك في الحياة السياسية التقليدية، بل تحاول فرض واقع مُوازٍ في مناطق سيطرتها ما يحد من الاستقرار السياسي، ويؤكد أهمية مواجهة هذه الظاهرة. ويعتقد ميزاب أنه إذا غاب الإسلام السياسي عن المشهد السياسي في دول الساحل الأفريقي، فإنه يجب تعزيز الدولة العلمانية والمؤسساتية ما يمكن بعض الدول بمنطقة الساحل من ترسيخ حكم مدني ديمقراطي، لكن المشكلة الأكبر تتمثل في الاصطدام بالصراعات العرقية والانقلابات ومحاربة الإرهاب، لذا يجب دعم صعود التيارات البديلة في مواجهة الإسلام السياسي. وأشار إلى أن غياب التيار الإسلامي لا يعني استقرار مالي أو دول الساحل فقد تتحول الصراعات بين الدولة والتيارات الدينية إلى صراع مع النخب القبلية والأنظمة الحاكمة. المزيد عن: مصرالأردنإيرانتركياالجمهورية الإسلاميةالإخوان المسلمونالإسلام السياسيمفهوم الإسلام السياسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أكثر من “النووي” أقل من الحرب… حدود محادثات مسقط next post من هو ألكسندر دوغين “عراب بوتين” الذي يؤيد ترمب؟ You may also like تقرير: محامي الملكة إليزابيث أدار ثروة رفعت الأسد... 18 أبريل، 2025 ماذا نعرف عن الكلية العسكرية التي درّبت قوات... 18 أبريل، 2025 غسان شربل في حوار مع أمين الجميل: حاولت... 13 أبريل، 2025 الوجه الخفي للعبودية في المثلث الذهبي بجنوب شرق... 13 أبريل، 2025 القلق المغاربي خلال “العشرية السوداء” في الجزائر 13 أبريل، 2025 وثيقة أميركية: هذا ما تعلمته إسرائيل وسوريا من... 13 أبريل، 2025 محادثات نووية بين طهران وواشنطن وعصف الرسوم الجمركية... 13 أبريل، 2025 «الحرب نائمة فلا توقظوها»… نصفُ قرنٍ على «نيسان»... 12 أبريل، 2025 جبهات ساخنة: رسوم ترمب وغزة والسودان واليمن وأوكرانيا 5 أبريل، 2025 “اندبندنت عربية” تنشر وثيقة سودانية للأمم المتحدة لإنهاء... 4 أبريل، 2025