بأقلامهمعربي ماجد كيالي يكتب عن : انتفاضة الإسرائيليين… لا جديد بالنسبة الى الفلسطينيين by admin 30 مارس، 2023 written by admin 30 مارس، 2023 106 إنها انتفاضة إسرائيلية إذاً، ضد حكومة إسرائيلية، هي حكومة نتنياهو وبن غفير وسموريتش (الوزيران المتطرفان)، أي أكبر من عصيان مدني موقع درج \ ماجد كيالي – صحافي وكاتب فلسطيني ما حصل في إسرائيل هزة كبيرة، أو انتفاضة، أو عصيان مدني، ستكون له تداعيات كبيرة، من الصعب الإحاطة بها في وقت مبكر، لذا الأجدى انتظار ما سيأتي في الأيام المقبلة. إنها انتفاضة إسرائيلية إذاً، ضد حكومة إسرائيلية، هي حكومة نتنياهو وبن غفير وسموريتش (الوزيران المتطرفان)، أي أكبر من عصيان مدني، إذ عمّ الشلل إسرائيل في كل قطاعاتها، فقد توقفت وسائل المواصلات عن العمل (المطارات والموانئ والسكك الحديدية)، وشمل الإضراب الجامعات والبنوك وقطاع الأعمال، وهددت بعض الشركات بالإغلاق، وثمة رؤوس أموال واستثمارات تهيأت للمغادرة، حتى الجيش تأثر بذلك، ما تُرجم بتلويح البعض بعدم تلبية الدعوة الى الاحتياط، أو الانخراط في دورات التدريب الروتينية، وذلك كله في خضم تظاهرات في الشوارع بمئات الألوف، لا سيما في تل أبيب والقدس. إنه حدث مفاجئ وغير مسبوق، منذ إقامة إسرائيل (1948)، على رغم كل التناقضات التي اعترتها، والصراعات التي عايشتها، طوال 75 عاماً، بين المتدينين والعلمانيين، والشرقيين والغربيين، واليسار واليمين، والمعتدلين والمتطرفين. ولعل ذلك طبيعيّ في دولة طبيعية، لكنه يكتسي أهمية أكبر في دولة مصطنعة، مثل إسرائيل، تأسّست لمهاجرين مستوطنين، من شتى أنحاء الدنيا، على مشروع سياسي، من نقطة الصفر في علاقتهم بالأرض والتاريخ، عكس الدول العادية التي تنشأ بحكم علاقة الأفراد ببعضهم في إقليم جغرافي معين، في سياق تطور تاريخي طبيعي. فالمشروع الصهيوني هو الذي جلب المستوطنين، واغتصب الأرض، وأقام دولتهم بدعم أطراف دولية مؤثرة، في وضع إقليمي موات. ثمة دلالات مهمة يمكن استنباطها من انتفاضة الإسرائيليين، أهمها: أولاً، إنها أتت بسبب محاولة حكومة نتنياهو تقويض السلطة القضائية، لجمع كل السلطات في يده، وفي يد حكومته اليمينية المتطرفة، دينياً وقومياً، والمشكلة هنا أن كلمة قومية متضمنة الدين أيضاً، لأن الصهيونية (“العلمانية”) قومنت الدين، وديّنت القومية، لتبرير مشروعها واستقطاب يهود العالم للهجرة إلى فلسطين. وهي أتت أيضاً بحكم افتقاد الإسرائيليين دستوراً يعبر عن إجماعاتهم، وينظم علاقاتهم، ويضبط العلاقة بينهم وبين الدولة، ويوازن بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. وكان مؤسسو إسرائيل تعمدوا، منذ البداية، التملص من الالتزام بحدود إسرائيل، البشرية والجغرافية، ففي مشروعهم كل يهودي هو مشروع مواطن في إسرائيل، في أي وقت، ومن أي مكان، أما الحدود الجغرافية، فبانتظار توسيعها (كما حصل في حرب 1967). ولعل ذلك يفسر، أيضاً، تملص إسرائيل، بكل تياراتها، من التزاماتها في اتفاقات أوسلو، وإصرارها على الاستيطان في كل شبر من النهر إلى البحر، وما يفسر الخريطة التي وقف أمامها سموريتش، في باريس، والتي تضم في حدود إسرائيل الكبرى الأردن، ودولاً أخرى في المنطقة. المهم أنه بناء على ذلك، استبدلت إسرائيل الدستور بقوانين أساس يصدرها الكنيست، وحلت محكمة العدل العليا محل السلطة القضائية، وهو ما يريد نتنياهو الانقلاب عليه، باستحواذه على غالبية في السلطة التشريعية، أي الكنيست (مع 64 نائباً من أصل 120)، ما يجعله متحكماً بكل السلطات، ما يفسر تسمية تلك المحاولة بالانقلاب وتغيير النظام السياسي في إسرائيل بالتحول نحو الدكتاتورية. ثانياً، استطاعت إسرائيل، طوال الـ75 عاماً الماضية، إدارة أو تجاوز التناقضات المذكورة بالاستناد إلى نظامها الديمقراطي (نسبة الى مواطنيها)، والذي يتضمن تداول السلطة، والتمثيل في الهيئة أو السلطة التشريعية (الكنيست) بالطريقة النسبية، التي تتيح لأي كيان سياسي التمثل، ما يضمن أوسع إجماع. وأيضاً، تم لها ذلك من خلال تأسيس إدراكات الإسرائيليين على مواجهة ما أسمته “الخطر الخارجي”، من محيطها، علما أنها هي التي ظلت تشكل تهديداً لمحيطها. هكذا، فإن التطورات الناجمة عن انكفاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وعلاقات التطبيع مع إسرائيل، وضمنها تحول الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة تحت الاحتلال، أدت إلى نشوء شعور لدى الإسرائيليين بنوع من الاحتلال المريح والمربح، ما خفّف حساسيتهم إزاء المظالم المرتكبة بحق الفلسطينيين، الذين يعيشون على الأرض ذاتها، من جهة، والتخفف من سيطرتهم على تناقضاتهم الداخلية، من جهة أخرى. وفي محصلة ذلك، فقد تفجرت تلك التناقضات بخاصة مع محاولة التيارات اليمينية والدينية إلى التعبير عن نفسها بفجاجة، إلى درجة تجرؤها على حسم الازدواجية في طبيعة إسرائيل، بتغليب طابعها اليهودي على الديمقراطي، والديني على العلماني، من دون التحسّب لانكشاف صورتها كدولة استعمارية أمام العالم، ومن دون الاهتمام بصورتها كامتداد للغرب في المشرق العربي، ومع القطع مع قيم الديمقراطية والليبرالية والحداثة التي يتبناها. والمشكلة، أن هذا التوجه يختلط فيه البعدان الديني والإثني، فقاعدة الأحزاب الدينية في غالبيتها من اليهود الشرقيين، فيما قاعدة الأحزاب العلمانية في غالبيتها من اليهود الغربيين. وفي هذا السياق، أيضاً، فإن ذلك يفيد بأن التيار الديني يسعى الى أخذ المشروع الصهيوني إلى جهته، بعدما كان آباء الصهاينة العلمانيون استخدموا الدين كسلم لاستقطاب اليهود، ما يمكن اعتباره بمثابة “سخرية التاريخ”. ثالثاً، إن الانتفاضة على حكومة نتنياهو، في اتجاهها العام، لا تمسّ بطبيعة إسرائيل كدولة استعمارية، تحتل أراضيَ شعبٍ آخر، وتسيطر بواسطة القوة عليه، وتمارس ضده التمييز العنصري، فهي خاصة بالإسرائيليين، ولا علاقة لها بسياسات دولتهم إزاء الفلسطينيين، سواء كانوا من مواطنيها أو مواطني الأراضي المحتلة (1967)، أي إن سقفها هو فقط إسقاط حكومة نتنياهو، أو تفكيك الائتلاف الحكومي، الذي يستهدف تقويض السلطة القضائية (محكمة العدل العليا)، علما أن ذلك يهمّش النصف الآخر من الإسرائيليين، أو يجحف بحقوقهم وتطلعاتهم، ما يعني أن تلك الانتفاضة تريد الديمقراطية من أجل المواطنين اليهود فقط، وأيضا لضمان صورة إسرائيل في الغرب، كامتداد لذلك الغرب في الشرق. رابعاً، ما يحصل في إسرائيل نبّه مجدداً إلى الخلل في الانتقاص من القيم الليبرالية في الديمقراطية، باقتصار الأخيرة على الانتخابات، وحكم الأكثرية للأقلية، لأن لا ديمقراطية حقيقية من دون ليبرالية، ومن دون مكانة متساوية لمواطنين أحرار. لذا، لا توجد في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية أكثرية وأقلية دائمة، ولا يحق لأكثرية ما انتقاص حقوق أية أقلية، ولا لأي سبب، لأن حقوق المواطنة هي للجميع، وهي قيم فوق دستورية، وبمثابة حكم وميزان، ولأن الغالبية والأقلية هي مفهوم سياسي، يتعلق بفترة آنية وبمصالح معينة، فمن هو أقلية اليوم قد يصبح أكثرية في انتخابات تالية، وبالعكس. وفي الواقع، فإن نتنياهو في ذلك يختصر الديمقراطية بالانتخابات، كحال دول العالم الثالث، ويسلبها روحها الليبرالية. على أية حال، وبضغط من تلك الانتفاضة، والضغوط الخارجية (لا سيما الأميركية)، فقد اضطر نتنياهو وسموريتش وبن غفير، إلى تجميد، أو تأجيل التشريعات الانقلابية المقترحة، ما يفتح الباب في السياسة الإسرائيلية على احتمالات عدة: الأول، بقاء الحال على ما هي عليه، مع احتمال قيام نتنياهو بمناورة جديدة لتعزيز موقعه من خلال ضم كتل أخرى الى ائتلافه الحكومي، وهو احتمال ضعيف، بالنظر إلى تصدّع مكانة نتنياهو في إسرائيل، وعلى الصعيد الخارجي. الثاني، تفكك الائتلاف الحكومي، والتوجه نحو انتخابات مبكرة، وهذا يعني أن الانتفاضة أنهت حياة نتنياهو السياسية، علماً أنه الرجل الذي مكث أطول فترة في منصب رئيس وزراء إسرائيل، في ثلاثة حقب (1996 ـ 1999 ثم 2009 ـ 2021، ثم الفترة الحالية). الثالث، تبعاً للاحتمالين السابقين، وللزخم الذي شهدته تحركات الإسرائيليين، فعلى الأرجح انكفاء اليمين الديني والقومي المتطرف، بدلالة مبادرة أرييه درعي (زعيم حركة شاس لليهود الشرقيين) الى دعوة نتنياهو بشكل مبكر للتراجع عن مشاريعه، وأيضاً بالنظر الى إدراك معظم الإسرائيليين أن الكثرة العددية لا تؤثر في مجتمع يعيش على إنتاج نخب تتحكم بالاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمار والعلاقة مع الغرب، في حين أن الجمهور المتدين معفى من الخدمة في الجيش، ومن الضرائب، ويعيش منكفئاً على ذاته، باستثناء التصويت لأحزابه. الرابع، لا جديد بالنسبة الى الفلسطينيين، إذ إن حالهم في ظل حكومات “العمل” أو “ليكود” أو “كاديما” أو “يش عيتيد” هي ذاتها، في مواجهة دولة هي بطبيعتها دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، على رغم تزايد الأصوات الإسرائيلية التي تتجرأ على ربط التطرف ضد الفلسطينيين بالتطرف إزاء الإسرائيليين أنفسهم. فقط ربما تشهد الفترة المقبلة نوعاً من التخفف من الأنشطة الاستيطانية، وتعزيز العلاقة بالسلطة الفلسطينية. ما حصل في إسرائيل هزة كبيرة، أو انتفاضة، أو عصيان مدني، ستكون له تداعيات كبيرة، من الصعب الإحاطة بها في وقت مبكر، لذا الأجدى انتظار ما سيأتي في الأيام المقبلة. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Macdonald bridge to close this upcoming weekend next post Man and woman sought after man robbed in Dartmouth You may also like شيرين عبادي تكتب عن: السعودية وإيران من وجهة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024