ثقافة و فنونعربي “فتاة” الأدب الياباني مييكو كاواكامي تروي محَن الطفولة by admin 11 ديسمبر، 2020 written by admin 11 ديسمبر، 2020 63 “أعشق” روايتها الجديدة تبيّن هيمنة أسرار الراشدين على حياة أبنائهم اندبندنت عربية / انطوان جوكي منذ روايتها الأولى “أثداء وبيض” (2007)، تحوّلت اليابانية مييكو كاواكامي إلى ظاهرة أدبية في وطنها وموضع نقاش ثابت في الساحة الأدبية لبلادها. اهتمام لا يعود فقط إلى كونها تجرّأت في رواياتها الثلاث الأولى على مقاربة موضوعات حساسة، موجّهةً نقداً لاذعاً للمجتمع الذي نشأت فيه؛ مجتمع بطريركي وذكوري لا رحمة فيه تجاه الجنس اللطيف. فهذه الكاتبة التي ولدت في مدينة أوساكا عام 1976 اضطرت إلى التوقف عن دراستها باكراً جداً، بعد مغادرة والدها المنزل العائلي، وإلى العمل في مصنع منذ الرابعة عشرة، قبل أن تصبح نادلة في ناد مخصّص للرجال، ثم مغنية. ولا عجب إذاً في تصوير رواياتها صعوبات العيش في عالمٍ يتحكم به الرجال والمظاهر، خصوصاً الواقع اليومي لنساء حطّمتهن محن الحياة، بلغة فجّة، طريفة وساخرة. في روايتها الأخيرة “أعشق”، التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثاً عن دار “أكت سود”، تبتعد كاواكامي قليلاً عن الأجواء المعتمة لأعمالها السابقة بمنحنا قصة معجونة بالرقّة والنضارة، عن طفلين يابانيين، هيغاتي وموجي، يسعيان للعثور على أجوبة عن أسئلتهما ولشقّ طريقهما بين ظلال الراشدين وأسرارهم، الذين يحيطون بهما. هيغاتي وموجي على وشك إنجاز تعليمهما الابتدائي في المدرسة نفسها والخروج من سن الطفولة. الأولى تعيش مع والدها، والآخر مع أمه وجدّته، والاثنان تربطهما صداقة مؤثّرة يتشاركان حسّاً سليماً مدهشاً بالنسبة إلى عمرهما وتلك الصراحة البسيطة والمباشرة ليانعين لم يلتحقا بعد بعالم الراشدين الذي تتسلّط عليه المظاهر الخادعة. على طول الرواية، نراهما يتشاركان أيضاً الصعوبات التي يلاقيانها للخروج من “شرنقة” الطفولة والدخول تدريجاً إلى واقع بدءا تواً في تمييزه وتملّكه، وأيضاً لتجاوز محنة غياب أحد والديهما. شخصيتان تتكلمان خلال سردها المزدوج، تمنح كاواكامي الكلام لكلّ منهما على حدة. هكذا نعرف أولاً أن موجي يتيم الأب وأمه تعمل منجّمة وبالكاد تكترث له، وهو ما يفسّر من دون شك محاورته جدّته المشلولة والعاجزة عن النطق، وهيامه ببائعة سندويتشات في متجر كبير. هيام يلامس الهوس ويدفعه إلى رسمها بلا انقطاع والمجيء يومياً للشراء إلى المتجر. أما لماذا هذا الهيام، فلأنها تملك عينين زرقاوين كبيرتين لا يشبع من تأمّلهما من بعيد. أما هيغاتي فيتمية الأم تقتصر علاقتها بوالدها الناقد السينمائي، على مشاهدة أفلام معه عند المساء، تملك فلسفة حياة تختصرها على النحو الآتي: “بتُّ أسكن عالماً لا وجود فيه للمرة المقبلة، بل فقط للآن. لقد قررتُ ذلك منذ فترة طويلة”. مع موهبة تأدية بعض مشاهد الأفلام التي تشاهدها؛ لعلها تجد فيها انعكاساً دقيقاً لأفراحها وأحزانها. الرواية اليابانية في الترجمة الفرنسية (دار أكت سود) تدريجاً، لا تلبث هذه الفضاءات الخيالية التي يحيا موجي وهيغاتي داخلها أن تضيق، ما يحثّهما على مساءلة حدود العالم الذي ابتكره كل منهما لنفسه، ودقّة التعابير التي يستخدمها لوصفه، قبل أن يدركا أيضاً ضرورة تفحّص القصص التي رواها الراشدون لهما، والتنقيب في ماضي الوالدين وكشف الأسرار التي فضّلا طمرها بدلاً من مواجهتها. وحين تتوارى بائعات السندويتشات من المتجر بشكل مفاجئ، يتلقى موجي صدمة تدفعه إلى مساءلة رابطه بهذه المرأة التي احتلت، من دون أن تدري، موقعاً مركزياً في حياته، بينما تكتشف هيغاتي بالمصادفة أن لوالدها ابنة من زوجة سابقة، ما يجعلها تفقد ثقتها به وتخطّط مع صديقها للقاء هذه الشقيقة المجهولة. تجدر الإشارة إلى أن كاواكامي تعيد في هذه الرواية استثمار ما يقف خلف نجاح روايتها السابقة، “جنّة”، أي تلك الصداقة الرقيقة بين قاصرَين على خلفية بحث مؤثّر عن الذات وعلاقة بريئة بالعالم الخارجي. لكن بخلاف “جنّة”، تبدو “أعشق” عند الوهلة الأولى كأنها شاحبة وضعيفة على المستوى الأدبي بسبب قلة التطورات في أحداثها وشعور القارئ بأن سرديتها تعاني من تكرار ومراوحة في مكانها، ومن لغتها “البشعة”. لكن حين نتمعّن في نصّها، يتبيّن لنا أن قيمتها تكمن تحديداً في هاتين النقطتين، أي في محاولة الكاتبة الانزلاق تحت جلد طفلين لإنارة الشكوك والانفعالات التي تعتريهما من خلال كتابة تتطابق مع طريقة تفكيرهما وتعبيرهما. محاولة جريئة ومدهشة في نتيجتها الموفّقة، خصوصاً أن “ثمة دائماً مجازفة في سعي أي روائي إلى تبنّي على طول نصّه وجهة نظر طفل، وإلى إعادة تشكيل لغة هذا الأخير التي يُفترض أنها خرقاء”، كما أشار إلى ذلك أحد النقّاد، مضيفاً أن “إسقاط عواطفنا المبكرة في كلمات يمكن أن يتطلّب حياة بكاملها ويشكّل مشروعاً كتابياً بذاته”. وهو ما يجعلنا نتساءل عمّا إذا لم يكن موجي وهيغاتي معاً استعارة لسيرورة الإبداع الأدبي والروابط التي تحافظ عليها مع الطفولة والانفعالات الخاصة بها التي لم تجد بعد طريقها إلى الكلمات. تستمد “أعشق” أهميتها أيضاً من تفاصيل مشاهدها التي تبدو بريئة وغير مهمة في ظاهرها، لكنها تأخذ كل معناها ما إن يتم التأمّل فيها وتحليلها، كعينيّ بائعة السندويتشات اللتين يهجس موجي بهما ليس لشيء سوى لأن أمّه المشغولة بالتنجيم لم تعد تراه، أو شجرة الميلاد التي تحضر على مدار السنة في صالون منزل هيغاتي حيث تنام قربها كل ليلة، بدلاً من النوم في غرفتها، لأنها تشكّل رابطها الوحيد بأمها التي توفّيت عشية عيد الميلاد… مشاهد ما أن نضعها الواحد تلو الأخر حتى نفهم شخصيّتي هذين الطفلين ونرى الفجوة العميقة في حياتهما. أما السرد المزدوج فيعزز بفعاليته توصيفهما النفسي ويسمح للقارئ بالتآلف مع أفكارهما وتطوّرات مزاجيهما. تغوص قصة هذه الصداقة بنا داخل مشاعر وانفعالات طفولية كثيرة يتعذر وصفها أو فرزها في البداية، لكنها تضاء فجأة في نهايتها كما ينفتح باب في غرفة معتمة على نور باهر. المزيد عن: رواية يابانية/قصة حب/الذكورية/واقعية/أدب ياباني/التنجيم/حوار 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post غروبيوس في بغداد وطموح كبير لبناء الجامعة – الحلم next post الشاعر الروسي ألكسندر بلوك أيد الثورة ولم يلق الصدى المفترض You may also like قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.