الروائي خالد خليفة (دارنوفل) ثقافة و فنون خالد خليفة العائد برواية أخيرة عن انهزام مدينة وجيل وكاتب by admin 16 أكتوبر، 2024 written by admin 16 أكتوبر، 2024 35 “سمك ميت يتنفس قشور الليمون” مخطوطة لم يتسن له أن يراجعها اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil تقوم رواية خالد خليفة “سمك ميت يتنفس قشور الليمون” (دار نوفل) على أربعة فصول، كل فصل منها يتألف من نحو 60 أو 70 صفحة ترويه شخصية كلية العلم، بمعنى أن الراوي الذي يمسك بالسرد يعلم بخفايا الأمور كلها، ما كان وما سيكون وبما تفكر فيه الشخصيات الأخرى. وتقدم هذه الفصول الأربعة نماذج أربعة من المجتمع السوري/ اللاذقاني الحديث، ونقول الحديث بمعنى أنه يمتد على مدى القرن الـ20 مع تركيز على السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات التي يكون فيها الأبطال بعمر الفتوة والشباب. وبينما يختار خالد خليفة عموماً الغوص في تاريخ سوريا، يجعل أحداث روايته هذه المرة في أواخر القرن الـ20 من دون بلوغ الثورة السورية التي اندلعت عام 2011. وتدور الأحداث في معظمها في اللاذقية مع رفض الشخصيات مغادرتها وتعلقهم الواضح بها. ويختار خليفة أن يصور في هذه الرواية منذ بدايتها بقايا المجتمع والمدينة والبشر، فالكل به عطب وخطب ونقص، العائلة نفسها تتحول إلى مصدر انهزام وسقوط وفشل، ليحاول كل بطريقته التحرر منها كما يستطيع. الرواية غير المنشورة (دار نوفل) يشكل الراوي الأول سام نموذج المواطن السوري القادم من عائلة بسيطة الدخل، من الطبقة المتوسطة التي تبلغ فجأة أعلى درجات النفوذ مع بلوغ أحد أبنائها رتبة عالية في الجيش. يجسد سام بشخصه الإنسان الذي تفتح أمامه أبواب السلطة والجاه والمال بحكم قرابته من أحد ضباط النظام القائم، ليكون بذلك نموذج الشخص الانتهازي الفاسد المتسلق الذي يروح ينجر خلف جني الأموال والمناصب لمجرد قرابته من شخص في الجيش. مريانا المهاجرة الراوية الثانية في النص المؤلف مما يربو على الـ260 صفحة بقليل، هي مريانا حبيبة سام المسيحية التي تهاجر هرباً مما أصبح عليه سام والمجتمع والمدينة. تهرب مريانا إلى الولايات المتحدة الأميركية بزواجها من شاب ممل فارغ بخيل إنما مسيحي ومتوافق مع عائلتها وطبقتها وبيئتها. تجسد مريانا نموذج الفتاة المتمردة إنما بحدود، الفتاة التي تعرف ما تريده لكنها لن تواجه أحداً من أجله فتؤثر الرحيل ومشاهدة المدينة تسقط والأصدقاء يتشتتون، من بعيد. أما الفصل الثالث فيمسك بزمامه موسى، الشاب الثري ابن العائلة الأرستقراطية المرموقة وصاحب القصر والأراضي والأملاك والغارق في الموسيقى والأحلام والعجز عن التوسع وإكمال السير على خطى العائلة الوجيهة. يجسد موسى الطبقة المخملية من المجتمع بعراقتها وعاداتها وأناقتها الطبيعية التي تتلاشى وتضمحل لتحل محلها طبقة الأغنياء الجدد من الضباط وأصحاب المراكز العالية في الاستخبارات. أما القسم الرابع من السرد فهو الأقسى والأفدح والأحلك. تتولى السرد في الفصل الرابع منال، الفتاة الموهوبة الطموح المتحدرة من عائلة فقيرة معدمة فيها ما فيها من مصائب وشوائب ومثالب. فالوالد قواد يبيع الفتيات لرجال كبار في السن، والوالدة بلا عمل ولا شخصية فذة، والشقيقة تنتقل من رجل إلى آخر في دوامة لا تنتهي من الضرب والذل والإهانات، أما الشقيق فهو جلاد في الجيش يعذب المساجين ويهتك أعراضهم في محاولة منه لسد عقد النقص التي تربى عليها. وعلى رغم قسوة هذا الفصل الأخير، يبدو أن منال هي الشخصية الوحيدة في النص التي تتملص من عائلتها وماضيها ومآزقها لتتوجه إلى مستقبل واعد نسبياً. أربعة نماذج مقسومة بين شابين وصبيتين، بين مسيحيين ومسلمين، بين فقراء وأغنياء، بين جلادين ومجلودين، أبطال يشكلون بتفاصيلهم وأخبارهم ومعاناتهم هزيمة مجتمع بكامله بمختلف طبقاته ووجوهه وأطيافه. لا ينجو أحد من فخ الزمن القاسي ولا من فخ المدينة المدمرة التي لا تبقي ولا تذر، وكأن خالد خليفة يهجو المدينة ويهاجمها ويحملها مسؤولية دمار هذه الشخصيات التي تعجز عن نفض الانهزام والانحطاط عن نفسها، فيلخص خليفة الموضوعات كلها على لسان إحدى شخصياته قائلاً: “كتبت منال قصائدها عن الحب المعطوب، والقلوب اليابسة، والمدن المهزومة وأوراق الشجر الصفراء في الشوارع، كانت تحدث الموت، تمسك به وتسحبه من يده كطفل صغير مصاب بالرمد”، (ص: 195). حتى إن هؤلاء الأربعة الذين شكلوا في ما مضى فرقة موسيقية، خسروا الموسيقى نفسها ووقعوا في فخ الصمت فيقول موسى: “لقد تعبنا جميعاً في السنوات الأخيرة، بدأت المرحلة الجديدة تفصح عن مشروعها دون خجل: الصمت الأبدي. إذا أردت العيش هنا فعليك بالصمت. كان خياراً مرعباً”، (ص: 190)، لتقسو منال أكثر بخيار كلماتها عندما تصف العالم قائلة: “أرى العالم مجموعة بشر مظلومين، مضطهدين، مبيعين بالجملة والمفرق كلحم بشري للكلاب والقتلة”، (ص:231). موت الشغف يتابع قارئ هذه الرواية هزيمة الشخصيات وهزيمة الشغف وهزيمة الكلمات منذ السطر الأول، بل بالأحرى منذ العنوان. فالعنوان بحد ذاته سوداوي ومثير للإحباط وهو يرد داخل النص مراراً في لفتة من الكاتب إلى تعزيز الصورة التي يريد بثها. فالسمك الميت ما هو سوى شلة الأصدقاء الذين يعاركون الحياة وينازلونها في معركة خاسرة منذ البداية. أما قشور الليمون فهي كل ما هو جميل في الحياة من حب إلى موسيقى فتحرر من القيود فرغبة في التمرد والتملص من الظلمة، “قشور الليمون هي نحن حين نقاوم الاندثار” (ص:92). لكن خالد خليفة يحكم على شخصياته بالسقوط والتلاشي والانهزام منذ العنوان، فالسمك ميت وإن كان يتنفس قشور الليمون. الأمر اللافت في هذه الرواية هو أن الصداقات هي أساسية فيها وهي قشور الليمون التي تسمح للأبطال بالتنفس. ومن قرأ أعمال خليفة وجد أنها تيمة وردت في رواية “لم يصل عليهم أحد” التي صدرت عام 2019 عن الدار نفسها. يبدو أن إيمان الكاتب بالصداقة لم يتزعزع وهو الإيمان الوحيد المتبقي له مع مرور الأيام، ففي الروايتين كلتيهما يقع القارئ على شلة أصدقاء متفلتين من القيود ومن القيم الاجتماعية يعيشون بمفردهم في عالمهم الخاص وصداقتهم هي التي تنقذهم. يتكرر هذا الفضاء الذي يبنيه خالد خليفة في الروايتين، فضاء الصداقة التي تبنى على هامش المجتمع وتحمي الأبطال وتشكل لهم درع سعادة، فيرد في الرواية: “تدهشني تلك العلاقات التي تصمم على ألا تنتهي”، (ص: 157)، ثم يرد كذلك في نوع من رثاء للأصدقاء الذين ماتوا وفي حزن لفقدهم: “فكرت أن من الظلم أن يغادر الأصدقاء فرادى، يجب أن يموت البشر كمجموعات، لا يمكن احتمال الفقدان، هذه الثنائيات التي تتكرر الآن يجب أن تعيش وتموت بعضها مع بعض”. (ص: 203). “سمك ميت يتنفس قشور الليمون” هدية خالد خليفة الأخيرة قبل رحيله، هدية إلى المدينة والأجيال الحزينة المشتتة المنهزمة، وكأن خالد خليفة أراد أن يحزن على المدينة في نصه الأخير، وكأنه أراد أن يجعل شلل الأصدقاء واللحظات السعيدة القليلة المسروقة إرثه، وكأنه أراد أن يكتب ما عاش: الهامش والصداقات المتينة والشغف الذي يحييه الحب والمحبة والصداقات. شاء خالد خليفة أن تكون كلماته سكاكين تنهش لحم القارئ وتوقظه من سباته وموته، هو الذي لم يعلم أنها ستكون كلماته الأخيرة إلينا عندما كتب: “تناسلت بداخلي مجموعة أفكار حقيرة عن الحياة، كل شيء أسود وتافه”، (ص: 73)، وقد يكون أجمل ما في النص أن خالد خليفة عاش وكتب ورحل قشرة ليمون، من تلك التي تسمح لنا بالتنفس. المزيد عن: روائي سوريروايةمخطوطةالحرب السوريةالحبشخصياتالسردالمدينةجيلالكاتب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أين تقع “إيثاكا” مدينة “يوليسيس” في إلياذة هوميروس؟ next post رحيل مصطفى حجازي رائد علم نفس التخلف والقهر You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024