طائرة زراعية تحلق فوق تايلاند في محاولة لتلقيح السحب (رويترز) تكنولوجيا و علوم تلقيح السحب بين مكافحة الجفاف وسرقة المطر by admin 10 سبتمبر، 2024 written by admin 10 سبتمبر، 2024 97 يستخدم العلماء “يوديد الفضة” لأن بنيته تشبه إلى حد كبير بلورات الجليد الطبيعية اندبندنت عربية / سامي خليفة صحافي متخصص في العلوم والتكنولوجيا يلحق الجفاف بحسب منظمة الصحة العالمية أضراراً بما يقدر بنحو 55 مليون نسمة في العالم كل عام، ويخلف تأثيراً خطراً في الصحة والزراعة والاقتصاد وغيرها من القطاعات الحيوية. من أجل ذلك تلجأ بعض الدول إلى تلقيح السحب، وهي عبارة عن عملية علمية تساعد على تحسين قدرة السحابة على إنتاج المطر أو الثلج، فضلاً عن التحكم في أحداث الطقس الأخرى. ويمكن أن تساعد تقنية تلقيح السحب التي يطلق عليها العلماء أيضاً “عملية تعديل الطقس” في المناطق التي لا يوجد بها إمداد كافٍ من المياه الطبيعية، فتكون هذه العملية المسبب لهطول الأمطار أو خلق غطاء ثلجي جبلي يعزز إمدادات المياه للمجتمعات المحلية، وتالياً مكافحة الجفاف والحد من أضراره. ولا يزال هذا المفهوم الذي تطور بصورة كبيرة منذ تجاربه الناجحة الأولى في منتصف القرن الـ20 يثير الاهتمام بسبب إمكاناته في معالجة ندرة المياه والتأثير في أنماط الطقس، وتشتد الحاجة إليه اليوم في ظل أزمة المناخ وظاهرة “إل نينيو” اللتين ظهرت تجلياتهما في السنوات الأخيرة بموجات الحر التي ضربت دولاً عدة، وبتزايد عدد الأشخاص المعرضين للحرارة الشديدة، لا سيما أن الدراسات أظهرت وجود نحو 489 ألف حالة وفاة سنوية مرتبطة بالحرارة من الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2019. تاريخ عملية تلقيح السحب تعود أولى تقنيات تلقيح السحب إلى عام 1946 حين اكتشف علماء في مختبر بحوث “جنرال إلكتريك” الأميركي قدرتهم على استخدام مركب “يوديد الفضة” والثلج الجاف لتحسين تكوين بلورات الجليد في السحب، وهذا ما يعزز من فرص هطول الأمطار وتساقط الثلوج. واستخدمت الولايات المتحدة هذه التقنية في حرب فيتنام لإبطاء تقدم القوات المعادية من طريق التسبب في الفيضانات. وبعد ذلك، وتحديداً عام 1976، حظرت الأمم المتحدة تقنيات تلقيح السحب للأغراض العسكرية من خلال اتفاق “حظر الاستخدام العسكري لتقنيات تعديل البيئة”، ومنذ ذلك التاريخ فصاعداً أصبح من المحظور تلقيح السحب لأغراض “عدائية”. تعود أولى تقنيات تلقيح السحب إلى عام 1946 (أ ف ب) ومع ذلك يصعب أحياناً إثبات الطبيعة العدائية لهذه التقنية، خصوصاً أنه عام 1986 انتشرت إشاعات في الوسط العلمي تفيد بأن الاتحاد السوفياتي عمد إلى تلقيح السحب في أعقاب حادثة تشرنوبل لجعل المطر يهطل فوق بيلاروس، بالتالي حماية موسكو من الأمطار المشعة. واليوم هناك نحو 50 دولة تلقح السحب لضمان هطول أمطار منتظمة، وتعد الصين من الدول الرائدة في هذا المجال، إذ استثمرت مبالغ هائلة من المال في هذه التقنيات، للتأثير في الطقس خلال دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، أو لمكافحة الجفاف بصورة عامة. وفي عام 2020 أعلنت بكين عن نيتها نشر برنامج تلقيح السحب على أكثر من نصف أراضيها بحلول عام 2025، بهدف تجنب الجفاف والعواصف البردية التي يمكن أن تؤثر في إنتاجها الزراعي. إلى جانب ذلك تطبق دول الخليج العربي أيضاً تقنيات تلقيح السحب باستخدام التفريغات الكهربائية في السحب. أما في فرنسا فتطور جمعية تدعى “أنيلفا” البحوث في هذا المجال بهدف مكافحة حبات البرد التي تضر العنب. ولا تزال عملية تلقيح السحب تتضمن استخدام “يوديد الفضة” والثلج الجاف، لكن في السنوات الـ60 الماضية تعلم المتخصصون كثيراً عن هذه الطريقة وعزز هذا الأمر من فهم عمليات المطر والثلج وأدى إلى تحسين طرق التلقيح. كيف تعمل عملية تلقيح السحب؟ لا تنتج كل السحب المطر، وحتى لو أنتجت الأمطار فإن قليلاً منها قادر على إنتاج ما يكفي من الرطوبة للسماح بتشكل قطرات المطر الكبيرة، وهنا يأتي دور عملية تلقيح السحب التي تستخدم فيها الطائرات لإسقاط جزيئات صغيرة مثل “يوديد الفضة” في السحب، بحيث يمكن لبخار الماء أن يتكثف بسهولة أكبر ويتحول إلى مطر. يستخدم العلماء “يوديد الفضة” لأن بنيته تشبه إلى حد كبير بلورات الجليد الطبيعية، وعندما يضعون هذا المركب في الجزء العلوي من سحابة متنامية، تنمو بلوراته بسرعة بمجرد تعرضها لرطوبة السحابة. بعد ذلك مباشرة، تصبح بلورة الجليد قطرة مطر كبيرة وثقيلة، ومن ثم تسقط عبر السحابة وعلى الأرض. في بعض الأحيان قد لا يكون “يوديد الفضة” هو الخيار الأفضل لتلقيح السحب، ذلك أنه في بعض حالات الجفاف قد لا تتمكن السحب من تكوين قطرات الماء، وحينها يلجأ العلماء إلى مادة ممتصة للرطوبة مثل الملح العادي كخيار أفضل لتلقيح السحب. وخلال عام 2021 بدأت الإمارات في تجربة استخدام الطائرات من دون طيار لتلقيح السحب عبر إلقاء شحنة كهربائية، ويعتمد هذا المبدأ العلمي الجديد على صعق السحب بشعاع ليزر، مما يتسبب في اندماج قطرات الماء ويؤدي إلى هطول الأمطار. وتتبنى الإمارات تقنيات رائدة في مجال تلقيح السحب تراوح ما بين استعمال شعلات ملحية جاذبة للماء واستخدام جزيئات الملح النانوية، وهو نهج حديث يعزز من عملية التكثيف ويولد قطرات ماء كافية لتكوين الأمطار. ماذا عن المستقبل؟ لا يختلف طعم أو رائحة مياه الأمطار الناتجة من تلقيح السحب عن مياه الأمطار العادية، وهكذا لن يتمكن أي منا من معرفة الفرق بين الاثنين. وحتى الآن لم يجد الخبراء أيى آثار ضارة لتلقيح السحب بمركب “يوديد الفضة” في البيئة، كون تركيز الفضة عند هطول الأمطار الناتج من تلقيح السحب أقل بكثير من الحد المقبول وهو 50 ميكروغراماً لكل ليتر، وحتى في المشاريع التي استمرت من 30 إلى 40 عاماً لم يجد الباحثون أي مخاوف كبيرة في عمليات تلقيح السحب. وعلى رغم ذلك تثير هذه التقنية سؤالين مهمين للمستقبل، يتعلق الأول بملكية موارد المياه، خصوصاً أنه بمرور الوقت قد يكون هناك خطر نشوب صراع على المياه بين الدول المتجاورة حول من “يملك” المطر، وكثر يتحدثون راهناً عن سيناريو مفترض تقرر فيه دولة ما جعل المطر يهطل على أراضيها، و”تسرق” المطر الذي كان ليهطل لاحقاً في دولة مجاورة. إطلاق الشعلات الاسترطابية أثناء رحلة تلقيح السحب في الإمارات (رويترز) إذا نظرنا إلى المستقبل يمكننا أن نفترض وجود تكنولوجيات متقدمة للغاية مرتبطة بتلقيح السحب، وعند هذه النقطة، وفي غياب نظام عالمي يحدد الاستخدام المشروع لهذه التكنولوجيات، ستكون الدول الأكثر ثراءً قادرة على الاستثمار بكثافة والسيطرة في نهاية المطاف على السحب. ويتعلق السؤال الثاني بالتأثيرات البيئية والصحية للمواد المستخدمة في تلقيح السحب بكميات كبيرة، فقد كشفت دراسة بريطانية أجراها مركز “البيئة والهيدرولوجيا” البريطاني في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 أن “يوديد الفضة” إذا كان تركيزه أقل من معدل معين فهو ليس ساماً للبيئة، ولكن هذه المادة توصف بأنها “غير قابلة للذوبان إلى حد كبير”، وهكذا فإن الخطر يكمن في تراكمها وإمكانية أن تكون ضارة على المدى الطويل. وفي المحصلة يقدم تلقيح السحب فرصاً وتحديات في الوقت نفسه، وفي حين أنه يقدم حلاً محتملاً لمشكلة ندرة المياه والتخفيف من الكوارث، فإن تأثيراته الطويلة الأجل في البيئة والنظم الإيكولوجية المحلية تظل موضوعاً للبحث المستمر، وبذلك فإن التطورات المستقبلية في التكنولوجيا والتقييمات البيئية الشاملة ضرورتان لضمان استخدام تلقيح السحب بصورة مسؤولة ومستدامة. ومع استمرار تغير المناخ في التأثير في أنماط الطقس العالمية، فإن دور تلقيح السحب الاصطناعي قد يصبح أكثر بروزاً، مما يتطلب تحقيق توازن دقيق بين الحاجات البشرية والحفاظ على البيئة. المزيد عن: أميركافيتنامالاتحاد السوفياتيأرباح طيران الإماراتتلقيح السحبالأمطار 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جهاد الزين يكتب من بيروت عن : لِنُعِد حساباتنا.. هذه حرب لسنوات طويلة next post الصحافة الروبوتية… عبور إلى مستوى مختلف من العمل الروتيني You may also like شاطئ يتنفس وأمواج عالية.. ظواهر تثير رعب الجزائريين 26 ديسمبر، 2024 غزو الفضاء: نظريات العلم تقارع مشاريع الأحلام 23 ديسمبر، 2024 نهاية الإنترنت… كما نعرفها 23 ديسمبر، 2024 مجرة “أضواء عيد الميلاد” تكشف عن كيفية تشكّل... 22 ديسمبر، 2024 درة التاج في “إمبراطورية غوغل” أمام مصير مجهول 21 ديسمبر، 2024 شواطئ مريخية تُعيد كتابة تاريخ الكوكب الأحمر 20 ديسمبر، 2024 قد تعرضك ساعتك الذكية لمواد كيميائية ضارة 19 ديسمبر، 2024 الغموض يكتنف ظروف “وفاة” روبوت في مكان عمله 11 ديسمبر، 2024 «غوغل» تطور شريحة للحوسبة الكمومية بسرعة فائقة «لا... 11 ديسمبر، 2024 هذه تفاصيل خطة إيلون ماسك لاستيطان المريخ 9 ديسمبر، 2024