الأربعاء, فبراير 26, 2025
الأربعاء, فبراير 26, 2025
Home » “باركر”… رحلة إلى قلب نجمنا النابض

“باركر”… رحلة إلى قلب نجمنا النابض

by admin

 

مهمة جريئة

المجلة / محمد منصور

في أعماق الفضاء، حيث تشتد الحرارة وتتصاعد الرياح الشمسية بسرعة هائلة، يشق مسبار “باركر” الشمسي طريقه بشجاعة نحو أحد أعظم أسرار الكون: الشمس. يغامر المسبار في بيئة قاسية لم تكن البشرية قد اقتربت منها من قبل، حاملا معه آمال العلماء في فك شيفرة الظواهر الشمسية التي تؤثر على كوكبنا وعلى مستقبل استكشاف الفضاء.

في نهاية العام الماضي؛ حقق المسبار إنجازا تاريخيا بعد نجاحه في الوصول إلى أقرب نقطة من الشمس على الإطلاق؛ بعد أن مر على بعد 3.8 مليون ميل (6.1 مليون كيلومتر) فقط من سطح الشمس… لكن مستقبل ذلك المسبار لا يزال يحمل الكثير رغم اقتراب الموعد الرسمي لانتهاء مهمته.

الشمس محور اهتمام الحضارات

لطالما كانت الشمس محور اهتمام البشرية منذ آلاف السنين. بدءا من الحضارات القديمة التي سجلت كسوف الشمس على ألواح حجرية، مرورا بعلماء عصر النهضة الذين استخدموا التلسكوبات لرصد البقع الشمسية، ووصولا إلى الأقمار الصناعية التي التقطت الجسيمات الشمسية التي تتدفق عبر الفضاء.

واجه كل جيل حدود أدواته، فقام بابتكار أدوات جديدة، مما أدى إلى ظهور أسئلة علمية جديدة. اليوم، يمكننا أن نرى أن أبحاث الشمس الحديثة لا تزال تستمد جذورها من جهود العلماء الأوائل الذين كانوا حرصاء على فهم أقرب النجوم إلينا.

شاترستوك / مسبار “باركر” الشمسي يقترب من الشمس

قبل اختراع التلسكوبات بوقت طويل، كان البشر يراقبون الشمس ويسجلون ملاحظاتهم. في عام 1375 قبل الميلاد، استخدم البابليون ألواحا حجرية لتسجيل كسوف الشمس. وفي عام 800 قبل الميلاد، سجل علماء الفلك الصينيون القدماء أولى ملاحظات للبقع الشمسية في كتاب “التغيرات”. وفي عام 150 للميلاد، كتب كلوديوس بطليموس كتاب “المجسطي”، الذي وصف فيه نموذجا للكون تدور فيه الشمس والكواكب والنجوم حول الأرض. وفي عام 1543، نشر نيكولاس كوبرنيكوس كتاب “دوران الأجرام السماوية”، الذي قدم فيه نموذجا جديدا وضع الشمس في مركز النظام الشمسي، وليس الأرض.

اقترح العلماء مهمة فضائية لدراسة الشمس عن قرب، حيث أوصوا بإرسال مسبار يمر داخل مدار عطارد لدراسة الجسيمات والمجالات المغناطيسية بالقرب من الشمس

في عام 1608، قدم هانز ليبرشي، صانع العدسات الألماني الهولندي، طلبا لبراءة اختراع لجهازه المعروف باسم “النظارة الهولندية”، الذي جمع بين العدسات المحدبة والمقعرة لتكبير الأجسام بثلاثة أضعاف. وفي عام 1609، قام عالم الفلك الإيطالي غاليليو غاليلي بتحسين تصميم الجهاز لتحقيق تكبير بعشرين ضعفا. واستخدم غاليليو التلسكوب لرصد السماء، وسجل للمرة الاولى وجود بقع غامضة على سطح الشمس، بعدها افترض يوهانس كيبلر في رسالة إلى غاليليو أن ذيول المذنبات تنجرف بسبب “نسيم سماوي” قادم من الشمس. وكانت هذه الفكرة مقدمة لاكتشاف الرياح الشمسية بعد أكثر من 400 عام.

في عام 1611، لاحظ العالم الهولندي يوهان غولدسميد بقعا على سطح الشمس، وافترض أن هذه البقع تتحرك عبر قرص الشمس، مما يشير إلى أن الشمس تدور حول نفسها. وفي عام 1613، أثبت غاليليو أن هذه البقع هي ملامح فعلية على سطح الشمس، وليست كواكب غير مكتشفة في الفضاء. هذه الاكتشافات تحدت الاعتقاد السائد منذ عصر أرسطو بأن الشمس كرة مثالية لا تتغير.

وعلى مدار السنوات التالية؛ اكتشف العلماء طرق التحليل الطيفي لضوء الشمس، وتغير مواقع البقع الشمسية، والهالة الشمسية، حتى جاء عام 1859، حين لاحظ الفلكي الإنكليزي ريتشارد كارينغتون توهجا مفاجئا على سطح الشمس. بعد 17 ساعة، ظهرت الأضواء الشمالية في أماكن بعيدة مثل كوبا، وتعطلت أنظمة التلغراف في جميع أنحاء العالم. كان هذا الحدث، المعروف باسم “حدث كارينغتون”، أول حالة موثقة لعاصفة مغناطيسية أرضية مرتبطة بانبعاث كتلة إكليلية من الشمس.

من خلال هذه الاكتشافات المتتالية، تطور فهمنا للشمس من مجرد ملاحظات بسيطة إلى علم متقدم يعتمد على أدوات وتقنيات حديثة. اليوم، نستمر في استكشاف أسرار الشمس، مستفيدين من الإرث العلمي الذي تركه لنا العلماء الأوائل الذين لم يستطيعوا الاقتراب فعليا من الشمس… حتى جاء عصر “باركر”.

مهمة جريئة

تعود جذور فكرة إرسال مسبار لدراسة الشمس عن قرب، إلى تقرير صدر في عام 1958 من قبل “لجنة العلوم الفضائية” التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة. في ذلك التقرير، اقترح العلماء مهمة فضائية لدراسة الشمس عن قرب، حيث أوصوا بإرسال مسبار يمر داخل مدار عطارد لدراسة الجسيمات والمجالات المغناطيسية بالقرب من الشمس. كانت هذه الفكرة طموحة جدا في ذلك الوقت، لكن التكنولوجيا اللازمة لتحقيقها لم تكن متوفرة بعد.

وخلال السبعينات والثمانينات، أجرت “ناسا” والمراكز البحثية دراسات متعمقة حول إمكان إرسال مسبار إلى الشمس. ومع ذلك، كانت التحديات التقنية والمالية كبيرة، خاصة في ما يتعلق بحماية المسبار من الحرارة الشديدة والإشعاع الشمسي. في تلك الفترة، تم إطلاق مهمات مثل “هيليوس 1″ و”هيليوس 2” في السبعينات، اقتربت من الشمس لمسافة 43 مليون كيلومتر، لكنها لم تصل إلى المسافات القريبة التي كان العلماء يحلمون بها.

تم تصميم مسبار “باركر” الشمسي للإجابة عن أسئلة علمية أساسية تتعلق بالشمس وتأثيرها على النظام الشمسي

في التسعينات، بدأت “ناسا” في دراسة تصميمات أكثر تقدما لمسبار شمسي. كانت الفكرة الأصلية تعتمد على استخدام جاذبية كوكب المشتري لتعديل مسار المسبار وإرساله في مدار قطبي حول الشمس. ومع ذلك، كانت هذه المهمة مكلفة جدا وتتطلب تقنيات متطورة، مثل مولدات الطاقة الحرارية النووية، مما أدى إلى تأجيل المشروع.

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم إحياء فكرة المسبار الشمسي مرة أخرى تحت اسم “سولار بروب بلس” وتم إعادة تصميم المهمة لتكون أقل تكلفة وأكثر فعالية، حيث تم الاعتماد على مساعدة جاذبية كوكب الزهرة لتعديل مسار المسبار بدلا من المشتري. هذا التصميم الجعل المهمة أكثر قابلية للتنفيذ باستخدام الألواح الشمسية بدلا من المولدات النووية.

وفي مايو/أيار 2017، أعلنت “ناسا” تغيير اسم المسبار من “سولار بروب بلس” إلى “باركر سولار بروب” تكريما لعالم الفيزياء الفلكية يوجين باركر، الذي قدم نظريات رائدة حول الرياح الشمسية في الخمسينات. كان باركر أول من افترض وجود رياح شمسية، وهي تدفق مستمر من الجسيمات المشحونة التي تنبعث من الشمس وتؤثر على الكواكب. كانت نظرياته مثيرة للجدال في البداية، لكنها أثبتت صحتها لاحقا من خلال الملاحظات الفضائية.

شاترستوك / وصلت هذه المركبة من صنع الإنسان إلى سرعة قياسية بلغت 635 ألف و266 كيلومترا في الساعة

تم إطلاق هذا المسبار في عام 2018 بهدف دراسة الهالة الشمسية، وهي الطبقة الخارجية من الغلاف الجوي للشمس التي تمتد إلى ملايين الكيلومترات في الفضاء. ويعتبر هذا المسبار أول مركبة فضائية تقترب من الشمس بهذا القدر الكبير، محطمة الأرقام القياسية في السرعة والتحمل الحراري.

التناقض الحراري

تم تصميم مسبار باركر الشمسي للإجابة عن أسئلة علمية أساسية تتعلق بالشمس وتأثيرها على النظام الشمسي. من بين هذه الأسئلة كيفية تسخين الهالة الشمسية، حيث تصل درجة حرارتها إلى ملايين الدرجات المئوية، بينما يبلغ سطح الشمس نحو 5500 درجة مئوية فقط.

وهذا التناقض الحراري لا يزال يشكل لغزا علميا كبيرا. يهدف المسبار إلى فهم آلية تسريع الرياح الشمسية، وهي تدفق الجسيمات المشحونة التي تنبعث من الشمس وتؤثر على الكواكب والأجسام في النظام الشمسي. كما يدرس المسبار كيفية تشكل وتطور المجالات المغناطيسية الشمسية، التي تلعب دورا رئيسا في ديناميكية الشمس وتأثيرها على الفضاء بين الكواكب.

ولتحقيق هذه الأهداف، تم تجهيز المسبار بتقنيات متطورة تمكنه من تحمل الظروف القاسية بالقرب من الشمس، إذ يتميز المسبار بدرع حراري مصنوع من مواد متقدمة قادرة على تحمل درجات حرارة تصل إلى نحو 1370 درجة مئوية. يحمي هذا الدرع الأجهزة العلمية الموجودة داخل المسبار، مما يسمح لها بالعمل في بيئة حرارية شديدة. بالإضافة إلى ذلك، تم تزويد المسبار ألواحا شمسية قابلة للطي، حيث يتم إخفاؤها خلف الدرع الحراري أثناء الاقتراب الشديد من الشمس لتجنب التلف.

ويعتمد مسار المسبار على استخدام جاذبية كوكب الزهرة لتعديل مداره بشكل متكرر، مما يسمح له بالاقتراب أكثر فأكثر من الشمس. خلال مهمته، سيقوم المسبار بالتحليق بالقرب من الشمس مرات عدة، حيث سيصل إلى مسافة تقدر بنحو 6.1 مليون كيلومتر من سطح الشمس، وهي أقرب مسافة تحققها أي مركبة فضائية على الإطلاق. وعند هذه المسافة، ستكون سرعة المسبار نحو 690 ألف كيلومتر في الساعة، مما جعله أسرع جسم صنعه الإنسان على الإطلاق.

لاحظ المسبار وجود ما يقارب ألف موجة مغناطيسية “شاذة” في الغلاف الجوي الشمسي، تزيد سرعة الرياح الشمسية بشكل مفاجئ بما يصل إلى 480 ألف كيلومتر في الساعة

أحد التحديات الكبرى التي واجهت فريق العمل هو كيفية حماية المسبار من الحرارة الشديدة والإشعاع الشمسي القوي. تم تصميم الدرع الحراري بحيث يكون قادرا على عكس معظم الحرارة والإشعاع، مما يحافظ على درجة حرارة الأجهزة الداخلية عند نحو 29 درجة مئوية. كما تم تزويد المسبار نظاما للتبريد يعتمد على سائل لتبريد الألواح الشمسية والأجهزة العلمية أثناء الاقتراب من الشمس.

ويحمل المسبار أربعة أجهزة علمية رئيسة مصممة لدراسة المجالات المغناطيسية، والجسيمات المشحونة، والرياح الشمسية، بالإضافة إلى تصوير الهالة الشمسية. توفر هذه الأجهزة بيانات قيمة تساعد العلماء في فهم أفضل لطبيعة الشمس وتأثيراتها على الفضاء المحيط بها.

منذ إطلاق المسبار، قام باقترابات عدة ناجحة من الشمس، حيث جمع بيانات علمية غير مسبوقة. وفي ديسمبر/كانون الاول 2024، وصل المسبار إلى أقرب نقطة له من الشمس، حيث نجح في اجتياز الهالة الشمسية وأرسل إشارات تؤكد نجاح المهمة. هذه البيانات ستساعد العلماء في فهم أفضل للعمليات التي تحدث في الشمس وتأثيراتها على النظام الشمسي.

اكتشافات “باركر”

في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، رصد مسبار “باركر” الشمسي لأول مرة ما يُعرف بـ”الانعكاسات المغناطيسية المفاجئة”، وهي تغيرات مفاجئة في اتجاه المجال المغناطيسي الذي تحمله الرياح الشمسية. لوحظت هذه الظاهرة سابقا بواسطة مهمة “يوليسيس”، وهي مهمة مشتركة بين “ناسا” ووكالة الفضاء الأوروبية، التي كانت أول مركبة فضائية تحلق فوق قطبي الشمس. وتولد هذه الانعكاسات المغناطيسية حرارة تساهم في تسخين الهالة الشمسية، مما يساعد في تفسير سبب ارتفاع درجة حرارتها إلى ملايين الدرجات المئوية.

شاترستوك / صورة تعبيرية لمسبار “باركر” الشمسي توضح اقترابه من الشمس

في الرابع من ديسمبر/كانون الاول 2019، تم نشر أول أربع أوراق بحثية تعرض نتائج البيانات التي جمعها المسبار خلال اقترابيه الأولين من الشمس. تناولت هذه الأوراق اتجاه وقوة المجال المغناطيسي للشمس، بالإضافة إلى التغيرات غير المعتادة في اتجاه هذا المجال، التي تكون غالبا قصيرة الأمد.

كما لاحظ المسبار وجود ما يقارب ألف موجة مغناطيسية “شاذة” في الغلاف الجوي الشمسي، تزيد سرعة الرياح الشمسية بشكل مفاجئ بما يصل إلى 480 ألف كيلومتر في الساعة، وفي بعض الحالات تعكس اتجاه المجال المغناطيسي المحلي بالكامل، مما قدم رؤى جديدة حول كيفية تحرك الطاقة من الشمس إلى الفضاء المحيط بها.

وأظهرت البيانات أيضا أن الانعكاسات في المجال المغناطيسي للشمس غالبا ما تكون مصحوبة بزيادات محلية في السرعة الشعاعية للبلازما، وهي السرعة في الاتجاه بعيدا عن مركز الشمس. كما وجد الباحثون مكون سرعة “زاوي” كبيرا بشكل مفاجئ، وهو السرعة العمودية على الاتجاه الشعاعي. واكتشف العلماء أن هذا المكون ناتج من قوة دوران الشمس، التي تقذف البلازما خارج الهالة عندما يتم تحريرها من المجال المغناطيسي الشمسي.

تعد الهالة الشمسية، التي تعتبر الغلاف الجوي الخارجي للشمس، من أعقد الألغاز التي لم تُحل بعد. على الرغم من أن سطح الشمس تصل حرارته إلى 5800 درجة كلفن فقط

واكتشف المسبار أيضا دليلا على وجود منطقة خالية من الغبار الكوني حول الشمس، تمتد لمسافة 5.6 مليون كيلومتر من سطح الشمس. يعود سبب هذه المنطقة إلى تبخر جزيئات الغبار الكوني بسبب الإشعاع الشمسي الشديد، مما سلط الضوء على التفاعلات المعقدة بين الشمس والمواد المحيطة بها في الفضاء.

في الثامن والعشرين من أبريل/نيسان 2021، وخلال اقترابه الثامن من الشمس، تمكن مسبار “باركر” الشمسي من اختراق ما يُعرف بـ”سطح ألففين”، وهي النقطة التي تصبح فيها سرعة الرياح الشمسية أكبر من سرعة موجات “ألففين”، مما يعني أن المسبار قد دخل بشكل فعلي في الغلاف الجوي الخارجي للشمس. وصفته “ناسا” بأنه “لمس الشمس”، حيث قام المسبار بقياس بيئة البلازما للرياح الشمسية باستخدام أجهزته المتخصصة.

في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول 2022، تم اكتشاف أول مذنب في صور التقطها مسبار “باركر” الشمسي، وأُطلق عليه اسم “PSP-001”. تم اكتشاف هذا المذنب بواسطة عالم الفلك بيتر بيريت، الذي يشارك في مشروع “Sungrazer” الممول من “ناسا”. منذ هذا الاكتشاف، تم العثور على 19 مذنبا آخر في الصور التي التقطها المسبار، بما في ذلك ثلاثة مذنبات لا تنتمي إلى أي مجموعة معروفة.

نهاية قريبة

رغم اقتراب مسبار “باركر” الشمسي من نهاية مهمته الأساس في يونيو/حزيران 2025، إلا أن رحلته نحو الشمس لم تنتهِ بعد، حيث لا تزال هناك فرص لمزيد من الاكتشافات العلمية التي قد تغير فهمنا للفيزياء الشمسية.

من المقرر أن يقوم المسبار بتحليقين إضافيين في مارس/آذار ويونيو/حزيران 2025، حيث سيواصل الغوص في الغلاف الجوي الشمسي، جامعا بيانات قيّمة عن الرياح الشمسية، ودرجة حرارة الهالة الشمسية، والمجال المغناطيسي للشمس.

والرياح الشمسية تيارات من الجسيمات المشحونة المنبعثة من الغلاف الجوي للشمس، تلعب دورا حيويا في تشكيل البيئة الفضائية للأرض والكواكب الأخرى.

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الغموض حول كيفية نشأتها وتسارعها عبر الفضاء. يهدف مسبار “باركر” إلى تقديم إجابات حاسمة عن هذه الأسئلة، حيث يسعى العلماء لفهم الطريقة التي تنطلق بها الرياح الشمسية من سطح الشمس، وكيف يمكنها الوصول إلى سرعات مذهلة تبلغ ملايين الكيلومترات في الساعة.

إضافة إلى ذلك، فإن التغيرات المفاجئة في سرعة وكثافة هذه الرياح قد تكون مسؤولة عن اضطرابات كبيرة في أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية، وهو ما يجعل دراستها أمرا بالغ الأهمية. كما أن التفاعل بين الرياح الشمسية والمجال المغناطيسي للأرض يؤدي إلى ظواهر مذهلة مثل الشفق القطبي والعواصف الجيومغناطيسية، التي يمكن أن يكون لها تأثيرات عميقة على التكنولوجيا الحديثة.

من ناحية أخرى، تعد الهالة الشمسية، التي تعتبر الغلاف الجوي الخارجي للشمس، من أعقد الألغاز التي لم تُحل بعد. على الرغم من أن سطح الشمس تصل حرارته إلى 5800 درجة كلفن فقط، فإن حرارة الهالة تصل إلى ملايين الدرجات، وهو ما يتحدى الفهم التقليدي للفيزياء الحرارية.

هنا يأتي دور مسبار “باركر”، الذي يسعى إلى كشف الآليات التي تجعل الهالة أكثر سخونة من السطح، مثل موجات البلازما وتأثيرات المجال المغناطيسي. كما ستساعد بياناته في فهم دور الانفجارات الشمسية في تسخين هذه الطبقة الغامضة، وتحديد مدى تأثير الرياح الشمسية في توزيع الحرارة داخلها. وستساهم هذه الاكتشافات في تطوير فهمنا للعمليات الحرارية في النجوم الأخرى أيضا، وليس الشمس فقط.

في النهاية؛ ودون تصحيحات دفع إضافية، ستؤدي الرياح الشمسية تدريجا إلى دفع المسبار بعيدا عن محاذاة الأرض، مما يفقده القدرة على إرسال البيانات

أما في ما يخص المجال المغناطيسي للشمس، فهو المسؤول عن العديد من الظواهر الشمسية الديناميكية، مثل البقع الشمسية والتوهجات والانبعاثات الكتلية الإكليلية، التي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات شديدة في الطقس الفضائي. من خلال الاقتراب غير المسبوق من الشمس، يهدف مسبار “باركر” إلى تحليل كيفية تشكل هذه المجالات المغناطيسية، ولماذا تتغير مع مرور الوقت.

قد يساعد فهم العلاقة بين المجال المغناطيسي للشمس والرياح الشمسية العلماء على التنبؤ بالعواصف الشمسية العنيفة التي يمكن أن تؤثر على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة إعادة الاتصال المغناطيسي—وهي العملية التي تؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الطاقة—قد تكشف عن أسرار التوهجات الشمسية القوية، التي يمكن أن تشكل تهديدا مباشرا لأنظمة الاتصالات والملاحة على الأرض.

AFP / تصور فني لمسبار “باركر” الشمسي التابع لوكالة “ناسا”، المركبة الفضائية التي ستحلق عبر هالة الشمس لتتبع كيفية تحرك الطاقة والحرارة عبر الغلاف الجوي للنجم

وهذه المعلومات ستكون حاسمة في فهم كيفية تأثير الشمس على النظام الشمسي، وخاصة على الأرض والأقمار الصناعية ورواد الفضاء. وعلى الرغم من أن المهمة الأساس للمسبار كانت محددة بزمن معين، إلا أن استمرارية الأجهزة والأنظمة في حالة جيدة قد تتيح تمديد عمله لفترة أطول. إذا تم اتخاذ قرار التمديد، فسيتمكن العلماء من استغلال المزيد من الفرص لدراسة الشمس خلال ذروة نشاطها الشمسي، مما قد يساهم في تحسين القدرة على التنبؤ بالطقس الفضائي وحماية التكنولوجيا على الأرض.

في النهاية؛ ودون تصحيحات دفع إضافية، ستؤدي الرياح الشمسية تدريجا إلى دفع المسبار بعيدا عن محاذاة الأرض، مما يفقده القدرة على إرسال البيانات. عندما تنتهي مهمته، سيحترق معظم المسبار، تاركا درعه الحراري المصنوع من الكربون ليدور حول الشمس لمليارات السنين، حتى نهاية النظام الشمسي نفسه.

المزيد عن:  الشمس مسبار باركر سولار بروب مركبة الفضاء أبحاث الفضاء

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili