الحضارة الأندلسية في واحد من تجلياتها- قصر الحمراء (موقع القصر) ثقافة و فنون المستشرق بروفنسال يسبر كوامن الحضارة الإسلامية في إسبانيا by admin 19 أبريل، 2025 written by admin 19 أبريل، 2025 24 أفرد للفنون والأفكار محاضرات تجدد في تفسير انعكاس التبدل المذهبي على ثقافاتها اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب “يتميز الفتح العربي لإسبانيا – من بين كل الفتوحات التي قام بها العرب في نهاية القرن السابع الميلادي وأوائل الثامن بعيداً من البحر الأحمر والخليج العربي بالسرعة والجرأة والسهولة، فقد أتيح للمسلمين بموجبه الاستيلاء على أغنى أرض حلموا بها في نهاية مشوارهم تجاه غرب البحر الأبيض المتوسط. كما أن اقتحامهم غير المتوقع لشبه جزيرة إيبيريا – من أعمدة هرقل حتى حائط جبال البرانس – أثار دهشة وفزع العالم المسيحي الغربي، وتحير مؤرخو العصور الوسطى في تحديد الظروف التي هُيِّئت له”. بهذه العبارات افتتح المستشرق العالم الفرنسي إيفاريست ليفي – بروفنسال في عام 1938 واحداً من كتابين من تأليفه سيتحولان إلى مرجع بالنسبة إلى تاريخ إسبانيا المسلمة سينشر ثانيهما بعد ذلك بـ10 أعوام. ولا بد أن نبدأ هنا كلامنا بتأكيد أن “الفزع” الذي أصيب به الغرب ويشير إليه الكاتب سيكون مثار سخريته طوال كتابيه، أما الدهشة فهي التي ستحركه للاشتغال على ذلك التاريخ. غير أن الدهشة تضافرت لديه مع حب للحضارة العربية سنرى بعد سطور كيف أنه كان دافعه الرئيس لهذين العملين الموسوعيين فيما كان في القاهرة محاضراً للتاريخ في جامعتها ومتنقلاً بين عديد من مناطق الشمال الأفريقي. تاريخ بنظرة جديدة مهما يكن من أمر يمكننا أن نقول بداية كمدخل هنا إنه من منذ عام 1861 لم يكن أي مستشرق قد أقدم على وضع تاريخ مفصل وموسع للوجود العربي – الإسلامي في الأندلس. كان آخر مؤلف في ذلك المجال قد صدر في ذلك العام المبكر وواضعه كان الهولندي دوزي، ولكن دراسات وبحوثاً عديدة كانت منذ ذلك الحين قد ألقت أضواءً جديدةً على تاريخ الأندلس، بحيث إن الأمر بات في حاجة إلى من يضع تاريخاً لتلك الفترة الذهبية من فترات التاريخ العربي – الإسلامي، يأخذ في حسبانه ما تم الكشف عليه. هذا العمل انتهى بالمستشرق الفرنسي إيفاريست ليفي – بروفنسال، لأن يأخذه على عاتقه، فشرع في كتابه ما لا يزال يعد حتى يومنا هذا قمة عطائه، وأهم ما خط في مجال التأريخ للأندلس، ولا سيما في كتابه “تاريخ إسبانيا الإسلامية” الذي لن يكون من غير المفيد أن نذكر أن الرجل بدأ بكتابته، بعدما انتقل إلى مدينة تولوز، في الجنوب الغربي الفرنسي، في 1940، بعدما هزم النازيون فرنسا، وبدأ المثقفون اليهود – وليفي بروفنسال منهم – يشعرون بالخطر. واللافت هنا أن قوانين النازيين المضادة لليهود كادت تطبق على ليفي بروفنسال في ذلك الحين لولا أن تدخل عديد من أصدقائه لدى السلطات النازية فاكتفت بإبعاده. وهناك في تولوز، حيث أقام هادئاً مرتاح البال عكف الرجل على وضع كتابه الأشهر، الذي كان قد حفزه على وضعه أمران: أولهما خلو الساحة الثقافية من كتاب شامل وحديث حول ذلك الموضوع، وثانيهما النجاح الهائل الذي كان من نصيب كتابين آخرين له، في الموضوع نفسه تقريباً، كان قد نشر أولهما “إسبانيا المسلمة في القرن العاشر” في 1932، وثانيهما “حضارة العرب في إسبانيا” في 1938. وهذا الأخير هو على أية حال الكتاب الذي تحدث فيه للمرة الأولى عن أن الشعر الجوال الذي كان معروفاً في فرنسا وأوروبا خاصة باسم “شعر التروبادور” إنما كان في أصله شعراً عربياً ازدهر في الأندلس لينتقل منها إلى نواحٍ أوروبية عديدة، وبخاصة إلى الجارة الفرنسية. إيفاريست ليفي – بروفنسال (1894 – 1956) (ويكيبيديا) كتاب عمره إذاً، وضع كهذا ليفي – بروفنسال كتاب عمره، الذي صدر جزآه الأولان، على أي حال، في القاهرة تحت إشراف المعهد الفرنسي للأركيولوجيا الشرقية (عام 1944)، ثم عادت الأجزاء الثلاثة لتصدر معاً في باريس خلال الأعوام 1950 – 1953 فتضفي على ليفي – بروفنسال مجداً ما بعده مجد. ولئن كان قد سبق لنا أن تناولنا في هذه الزاوية ثلاثية ليفي – بروفنسال على ضوء الجديد الذي جاء به، قد يكون من المفيد هنا أن نعود إلى هذا الكاتب العالم الذي أمضى القسم الأكبر من سنوات عمره في الاشتغال على تلك الحضارة الأندلسية لنتوقف عند كتاب آخر له لا يقل أهمية عن الثلاثية، وهو على أية حال كتاب يمكن اعتباره استكمالاً لتلك الثلاثية، حتى وإن كان المؤلف قد ركز فيه، ليس هذه المرة على الجوانب السياسية والتاريخية المرتبطة بهذا الجانب الأخير، بل على الشؤون الفكرية، أي بالتحديد، وكما يشي العنوان الذي اختاره للكتاب، على الفنون والآداب وقدم فيه للجمهور العريض بين اكتشافات أخرى، ما أشرنا إليه قبل سطور من طرح يتعلق بالجذور العربية – الأندلسية لشعر “التروبادور”. ولقد ولد هذا الكتاب بالتحديد، فيما كان ليفي – بروفنسال مقيماً في القاهرة مدرساً، حيث طلبت منه الجمعية الجغرافية أن يقدم مجموعة من المحاضرات لطلبة الدراسات العليا ترتبط بالموضوع الذي كان تشتغل عليه ويلقي دروسه من حوله: موضوع إسبانيا المسلمة، على أن يدنو هنا بصورة موسعة من الجوانب الأكثر ارتباطاً بالشؤون الثقافية الحضارية. وهكذا ألقى على طلبته هناك ما مجموعه ثلاثة دروس تتوزع على 20 محاضرة. ولقد تناولت مجموعات الدروس الثلاثة جملة من مواضيع مترابطة فيما بينها تدور جميعاً من حول الشؤون التي عني بها. من العباسيين إلى الأمويين فهو في الدرس الأول الذي توزع على ثلث المحاضرات تناول ما سماه “الغرب المسلم والحضارة العربية الإسبانية”، بينما تناول في المجموعة الثانية “المشرق الإسلامي وعلاقاته بالحضارة العربية كما سادت في شبه الجزيرة الإيبيرية”، بينما نراه في القسم الثالث والأخير يتناول العلاقة بين “إسبانيا المسيحية والحضارة العربية الإسبانية”. وحتى لئن كان الهدف الأساس من هذا الكتاب أن يكون رافداً فكرياً ثقافياً للثلاثية الأندلسية التي كانت تشكل الهم الأول لليفي – بروفنسال فإن تلك المحاضرات لم تبد في نهاية الأمر بعيدة أكثر مما يجب عن هم التأريخ السياسي. بالتالي، لم يكن غريباً أن يلجأ المؤلف – المحاضر إلى لغة سياسية إنما شديدة التكثيف وحتى الإيجاز في المحاضرات الأولى حين وجد لزاماً عليه أن يبرهن بالتدريج على أن خلفية الازدهار الثقافي – الحضاري الذي عاشته الأندلس خلال تلك المرحلة ترتبط بالظروف التي نشأت في البنية الفوقية للمجتمع تحت تأثيرات الحكم الأموي الذي كان قد بدأ يحل بصورة تدريجية محل الهيمنة العباسية في تلك المنطقة من العالم الإسلامي، ما أحدث خط سير معاكساً لما كانت عليه الحال في المشرق الإسلامي، إذ هنا أتى الحكم الأموي ليحرر الأندلس من الربقة العباسية، وبخاصة في ظل اتباع مسلمي شبه الجزيرة للمذهب المالكي المنفتح على الإبداع بديلاً من تعددية المذاهب على الطريقة العباسية! والحال أن ذلك التفسير بدا بالغ الغرابة في ذلك الحين – أي حين دنا منه ليفي – بروفنسال من حيث لم يكن متوقعاً، إذ كانت تلك محاولة جديدة لربط المذهبية السنية بازدهار أو تراجع ثقافي، حتى وإن كان في الإمكان تلمس شيء من ذلك على أية حال، في ثنايا التفسيرات الخلدونية، سواء في “المقدمة” أو في “التعريف بابن خلدون ورحلته…”، لكن الجديد هنا هو اعتماد ليفي – بروفنسال تلك المبادئ التحليلية في تفسيره لشؤون تمس الثقافة. وقد يجدر بنا هنا أن نقول أن هذا الكتاب – كتاب “الحضارة العربية في إسبانيا” – حتى وإن كان قد ارتكز في عدد من أهم ملاحظاته على دراسات وتحديدات كان قد اشتغل عليها العالم الإسباني رامون منينديس بيدال، وهو أمر ذكره ليفي – بروفنسال في مقدمة كتابه شاكراً لبيدال أفضاله الفكرية عليه – فإنه تميز عن عمل بيدال وعن كل ما سبقه من أعمال إسبانية بخاصة في هذا المجال بكونه في مجمل تلك المحاضرات التي تكون في نهاية الأمر الكتاب الذي نتناوله هنا، يُمنهج تلك الملاحظات التي تبدو متناثرة لدى الباحثين الآخرين وبخاصة لدى بيدال. والحقيقة أن تلك المنهجة هي التي لا بد من القول في نهاية الأمر إنها تَسِمُ عمل ليفي – بروفنسال وتميزه. المزيد عن: الاستشراقالحضارة الإسلامية في إسبانياالعباسيونالأمويونالفتح العربي لإسبانياشبه جزيرة إيبيرياأعمدة هرقلإيفاريست ليفي – بروفنسالالأندلسشعر التروبادور 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الفلسفة والسينما: ابتكار المفاهيم وإنتاج الصور next post “الخرف الرقمي”… آفة التكنولوجيا تصيب عقل الإنسان You may also like محمد أبي سمرا يكتب عن: سيوران بترجمة آدم... 20 أبريل، 2025 “صمت مثير للقلق”… متى يدرك البيض أن السود... 20 أبريل، 2025 هيغل… ليس فيلسوفاً؟ 20 أبريل، 2025 الفلسفة والسينما: ابتكار المفاهيم وإنتاج الصور 19 أبريل، 2025 “درب الريش” تكشف عبثية الصراع بين الشمال والجنوب 19 أبريل، 2025 “شكاوى تاسو” الإيطالي بريشة الفرنسي ديلاكروا 17 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: بارغاس يوسا تخطى “الواقعية السحرية”... 17 أبريل، 2025 معرض باريس يكرم الأدب المغربي الفرنكوفوني ويتجاهل العربي 17 أبريل، 2025 غاودي شيد مبنى سكنيا تنبأوا له بالانهيار 17 أبريل، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: الأفعى والجمل قطعتان أثريتان... 17 أبريل، 2025