الثلاثاء, أبريل 29, 2025
الثلاثاء, أبريل 29, 2025
Home » البريطانية رينور وين تخوض أدب الرحلة في بعده الملحمي

البريطانية رينور وين تخوض أدب الرحلة في بعده الملحمي

by admin

بطلا الرواية يسلكان “درب الملح” بين ضياع وحلم بالمستقبل

اندبندنت عربية \ سلمان زين الدين 

لعل أبرز ما يميز رواية الرحلة عن سواها من الروايات هو أن أحداثها حقيقية، وأمكنتها جغرافية، وأزمنتها تاريخية، وشخوصها من لحم ودم، الأمر الذي ينطبق على رواية “درب الملح”، الأولى للكاتبة البريطانية رينور وين، الصادرة عن “المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب” الكويتي، في سلسلة “إبداعات عالمية”، بترجمة حنان مظفر. والرواية سبق أن تأهلت لجائزتي ويرنرايت وكوستا الأدبية عام 2018، ونالت جائزة كريستوفر بلاند للجمعية الملكية للآداب، وترجمت إلى عديد من اللغات. أما صاحبتها فهي الكاتبة رينور وين التي تعيش مع زوجها موث وكلبهما مونتي في مقاطعة كورنوال البريطانية.

في الجغرافيا، “درب الملح” هو درب الساحل الجنوبي الغربي الذي يبلغ طوله 630 ميلاً، ويمتد من ماينهيد في الشمال الغربي، حتى بول في الشمال الشرقي، مروراً بلاندزإند في أقصى الجنوب، بحسب الخريطة التي تصدر بها الكاتبة روايتها. وتحيط بها القناة الإنجليزية من الشرق، والمحيط الأطلسي من الغرب والجنوب.

 وضعيتان روائيتان

الرواية البريطانية في الترجمة العربية (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت)

في الرواية، تمتد “درب الملح” بين وضعيتين روائيتين، تمثل الأولى حالة من الضياع يعيشها بطلا الرواية إثر وضع اليد على منزلهما وفقدانهما المأوى والعمل والدخل. وتعبر عنها الروائية/ الراوية بالقول: “… لكننا الآن تركنا هائمين، دون ملاذ آمن نعود إليه، نطفو وسط الضباب على طوف من اليأس لا نعلم أي شاطئ سيلقانا، أو ما إذا كان هناك شاطئ على الإطلاق” (ص 35). وتمثل الثانية حالة من الأمل بالمستقبل وتلمس بداية جديدة للحياة، وتعبر عنها بالقول: ” لقد استغرق الأمر كل شيء مادي، وتركني مجردة، صفحة فارغة في نهاية كتاب مكتوب جزئياً. لقد أعطاني أيضاً خياراً، إما ترك هذه الصفحة فارغة أو الاستمرار في كتابة القصة بأمل. واخترت الأمل” (ص 327). وبين الوضعيتين سلسلة من التجارب يعيشها البطلان، ورحلة ملحمية يقومان بها، ومخاض عسير يخوضان غماره. تتمخض جميعها عن قدرة الإنسان على التكيف مع نوازل الحياة، وأهمية أخذه القرار بيده، وعدم الاستسلام لما تمليه عليه الطبيعتان البشرية والأرضية.

جور مزدوج

تجور الطبيعتان البشرية والأرضية على وين وزوجها موث في بداية الرواية، يتمظهر جور الأولى في غدر صديق وظلم قاضٍ، ويترتب عليه وضع اليد على منزلهما والمزرعة التابعة له في ويلز، صيف 2013، وخسارتهما المأوى والعمل والدخل. ويتمظهر جور الثانية في إصابة موث بمرض الضمور القشري الخطير. وفي مواجهة هذا الجور المزدوج، يتخذ الزوجان قرار السير على درب الساحل الجنوبي الغربي لمسافة 630 ميلاً، وعدتهما حقيبتا ظهر، وقليل من طعام، وبقية من مال، وكتاب بادي ديلون دليلاً للرحلة. وهكذا، يضعان لهما هدفاً بعد أن خسرا كل شيء، ويفران من واقع قاتم إلى آخر مجهول، ما يشكل بداية رحلة ملحمية، تبدأ من ماينهيد في الشمال الغربي، في مرحلة أولى. ثم تبدأ من بول في الشمال الشرقي، في مرحلة ثانية. وتنتهي المرحلتان في بولروان، على المستوى الجغرافي. وهنا، تتقاطع النهايتان الجغرافية والروائية، وتشكلان معاً بداية لحياة جديدة، ترهص بها الرواية دون أن تخوض فيها.

رواية “درب الملح” بالإنجليزية (أمازون)

يشكل الزوجان وين وموث ثنائيا شجاعاً. لا يستسلمان لنوازل الدهر. ويحولان النهاية القاتمة إلى بداية جديدة. ويشرعان في مغامرة غير مضمونة العواقب. ويتحملان وعورة الدرب، وثقل الأمتعة، وتقلب الطقس، والنوم في العراء، وندرة المال، وقلة الطعام، وفقدان الدواء، وتنمر الغرباء، والجوع والعطش والتعب. ويترجحان بين حضيض اليأس إلى حد تمني الموت في لحظات الضعف، وفسحة الأمل التي تحدوهما إلى مواصلة السير في لحظات القوة، ويتراوحان بين متعة الاكتشاف ووجع الصمود، وينخرطان في صراع غير متكافئ مع الطبيعة ينتهي بالتناغم معها والاندماج فيها.

نقاط ضوء

في غمرة هذا المخاض العسير، كان ثمة نقاط ضوء تلمع، في اللحظات الصعبة، لتشحن الرحالة بالقوة حتى بلوغ الخواتيم المنشودة، فحين يستبد بهما العطش في داكبول، ويشارفان الهلاك، يطلع لهما غرانت، صانع النبيذ، ويقلهما إلى مزرعته، ويوفر لهما سبل الراحة. وحين يفتقران إلى سقف يؤويهما في بولروان، على عتبة الشتاء، تؤمن لهما بولي، الصديقة القديمة، المأوى في غرفة كانت تستخدم لتقطيع اللحوم. يبقيان فيها حتى بداية الصيف، موعد استئناف المرحلة الثانية من رحلتهما. وحين يحتاجان إلى مأوى يقيمان فيه ليتابع موث دراسته في جامعة بولروان، تطلع لهما آنا، المرأة الصغيرة الرقيقة التي التقياها، خلال الرحلة، لتعرض عليهما استئجار شقة تملكها. على أن المفارق في هذه النقاط أنها تحصل جميعها بفعل الصدفة. وكأن الطبيعة، البشرية والأرضية، التي جارت عليهما في بداية الرحلة، وترجحا بين الصراع والتناغم معها خلال الرحلة، تأبى إلا أن تنصفهما في نهايتها.

 تحولات طارئة

ثمة تحولات تطرأ على بطلي الرواية، على المستويين الجسدي والنفسي، خلال الرحلة، فعلى المستوى الأول، يستعيد موث مرونته وقدرته على الحركة، في ظاهرة غريبة مخالفة لتوقعات الأطباء، بعد أن كان يعاني تصلب العضلات والآلام المبرحة. وتنجح وين في التكيف مع شظف العيش والابتعاد عن نعم الحضارة. وعلى المستوى الثاني، يتخفف الزوجان من عبء الشعور بخسارة المنزل وفقدان المأوى والعمل والدخل. ويتحرران من التأسي على ما فات. ويصبحان أكثر قبولاً للمستجدات. ويشعران بالأمان والاستمرار والحرية. ويجددان ثقتهما بالحياة وأملهما بالمستقبل. وكثيراً ما كانت التفاصيل الصغيرة كافية لصناعة هذا التحول، فيتعللان بالقليل المتاح عن الكثير المفقود. تقول وين في التعبير عن ذلك التعلل: “لقد فقدنا كل شيء باستثناء أبنائنا وأنفسنا، ولكن لدينا العشب الرطب وإيقاع البحر على الصخور” (ص 243). وهكذا، تكون “درب الملح” درساً مركباً في مواجهة النوازل، وتحمل المشاق، واجتراح الأمل. فالإنسان، في نهاية المطاف، صنيعة أفكاره وخياراته ومبادراته.

الراوية في “درب الملح” هي نفسها الروائية، وهي تروي ما عاشته بنفسها، وخبرته مع زوجها، وترسم الجلجلة التي قطعاها معاً، ما يجعل الرواية جزءاً من سيرتها الذاتية. ولعل في اعتمادها خطية الزمن، وتسمية الأشياء بأسمائها، وذكر الوقائع بتفاصيلها، وطغيان الحقيقي على المتخيل، ما يعزز البعد السيري في الرواية على حساب البعد الروائي، وهي تشتمل على مئات أسماء العلم للأماكن والرؤوس والخلجان والمدن والقرى والمقاطعات، بالتسلسل الرحلي، ما يجعل منها أطلساً مرسوماً بالكلمات، ويعكس تنوعاً جغرافيا كبيراً. والكاتبة لا تكتفي برصد ما تقع عليه حواسها، لا سيما حاسة البصر، خلال الرحلة، ولا يقتصر عملها على الوصف السردي لكل ما ترى أو تسمع أو تختبر، بل تفتح النص على حقول معرفية أخرى، فلا يعود مجرد معرفة جغرافية بالدرب الطويل. وتجعل منه مصدراً لمعارف متنوعة، بمقادير تختلف بين حقل وآخر، ما يجعل القراءة محفوفة بالمتعة والفائدة.

 حقول معرفية

في هذا السياق، تذيل وين الفصل الأول من روايتها بخمس صفحات عن المشردين في المملكة المتحدة، والتشريعات التي ترعى وجودهم، ما يفتح النص على الاجتماعي والقانوني. وترصد حركة السكان وأنماط العيش في مدينة نيوكواي، في الفصل الثالث، ما يفتحه على الأنثروبولوجي. وتؤرخ لقاعدة نانسكيوك العسكرية، في الفصل نفسه، ما يطل على التاريخ العسكري. وتبدي ملاحظات عمرانية وفنية تفضي إلى تاريخ الفن. وتتناول الحياة البحرية والبيئية في كورنوال، ما يدخل في علم البيئة. وتستعيد واقعة غرق سفينة وقارب نجاة عند شاطئ ماوسهول، في الفصل الرابع، ما يحيل إلى التاريخ. وهكذا، نكون أمام نص روائي، معرفي متنوع، يعود منه الرحالة والقارئ بغنائم كثيرة.

الرحلة في “درب الملح” ليست مجرد سياحة في المكان، تقوم بها الكاتبة، بفعل الضرورة أو الاختيار، بل فعل وجود تمارسه، على الخط الفاصل بين البداوة والحضارة، وتعبر عنه بقولها: “كنا نبحث في هذا الهامش الضيق بين البر والبحر عن طريقة أخرى للوجود، لنصبح متسلقي الحافة على طول الطريق” (ص 216). وبرأيي، لقد عثرت على تلك الطريقة، وحافظت على توازنها على الحافة، ولم تسقط في البر أو البحر.

المزيد عن: روائية بريطانية\رواية\أدب رحلة\معاناة\مغامرة\بعد ملحمي\سرد\مشهدية روائية

 

 

You may also like

24 comments

Physiotherapy Health Tips Coquitlam 26 يناير، 2025 - 12:13 ص

Does your website have a contact page? I’m having trouble locating it but, I’d like to send you an e-mail.
I’ve got some ideas for your blog you might be interested in hearing.

Either way, great website and I look forward to seeing it
develop over time.

Reply
ai 28 يناير، 2025 - 12:53 م

Write more, thats all I have to say. Literally, it seems as though you relied on the video to make
your point. You definitely know what youre talking about,
why waste your intelligence on just posting videos to your site when you could be giving us something informative to read?

Reply
How to open YouTube Channel in 2025 31 يناير، 2025 - 10:41 ص

I’ll right away clutch your rss feed as I
can’t to find your e-mail subscription hyperlink or newsletter service.

Do you have any? Please let me know so that I could subscribe.
Thanks.

Reply
how to use chatgpt in tamil 3 فبراير، 2025 - 5:44 م

Hey there, I think your website might be having browser compatibility issues.
When I look at your website in Opera, it looks fine
but when opening in Internet Explorer, it has some overlapping.
I just wanted to give you a quick heads up! Other then that, excellent blog!

Reply
deepseek tamil 4 فبراير، 2025 - 2:30 ص

An interesting discussion is worth comment. I think that you need to
publish more about this subject, it might not be a taboo subject but typically folks don’t talk
about these subjects. To the next! Many thanks!!

Reply
elafonisi beach 20 فبراير، 2025 - 7:18 ص

Right here is the perfect website for anyone who really wants to find out about this topic.
You know a whole lot its almost hard to argue with you (not that I really will
need to…HaHa). You definitely put a brand new spin on a subject which has
been discussed for ages. Great stuff, just great!

Reply
how to get more subscribers in tamil 4 مارس، 2025 - 6:25 م

Hi, every time i used to check webpage posts here in the early hours in the break of day, because i like to gain knowledge
of more and more.

Reply
professional photographers with studio 15 مارس، 2025 - 2:10 م

Can you tell us more about this? I’d like to find out more details.

Reply
affordable photographers 15 مارس، 2025 - 3:23 م

Hi there! I know this is kind of off topic but I was wondering if you knew
where I could locate a captcha plugin for my comment form?
I’m using the same blog platform as yours and I’m having trouble finding one?
Thanks a lot!

Reply
dad jokes funny 17 مارس، 2025 - 9:49 ص

It’s genuinely very complicated in this active life to listen news on Television, therefore I
simply use world wide web for that purpose, and take the most up-to-date information.

Reply
text case converter 17 مارس، 2025 - 1:57 م

I’m gone to convey my little brother, that he should also pay a quick visit this web site
on regular basis to get updated from most up-to-date news.

Reply
decoratrice d'interieur Toulouse 1 أبريل، 2025 - 3:18 م

It’s in reality a nice and helpful piece of info.
I’m glad that you shared this helpful info with us.
Please keep us up to date like this. Thanks for
sharing.

Reply
décoratrice Toulouse 1 أبريل، 2025 - 5:38 م

Good day! I could have sworn I’ve been to this web site before but after browsing through some of the articles I realized it’s new to me.

Nonetheless, I’m certainly happy I discovered it and
I’ll be book-marking it and checking back frequently!

Reply
おすすめのオンカジBEST3 2 أبريل، 2025 - 12:16 م

Hi to every body, it’s my first pay a quick visit
of this weblog; this web site carries amazing
and truly excellent material in support of readers.

Reply
今おすすめのオンラインカジノをチェック! 3 أبريل، 2025 - 1:44 م

For the reason that the admin of this site is working, no question very quickly it
will be well-known, due to its feature contents.

Reply
homepage 3 أبريل، 2025 - 1:53 م

This article will help the internet users for setting up new webpage or even a blog from start to end.

Reply
BitStarz Casino Bonus Code 4 أبريل، 2025 - 9:52 م

I don’t even understand how I stopped up here, but I believed
this submit was great. I don’t understand who you are but definitely you’re going to a famous blogger if you happen to aren’t already.
Cheers!

Reply
steamy webcam show 6 أبريل، 2025 - 12:31 ص

I like what you guys are usually up too. Such clever work and coverage!
Keep up the excellent works guys I’ve incorporated you
guys to blogroll.

Reply
check my portfolio 6 أبريل، 2025 - 1:17 ص

Appreciate this post. Will try it out.

Reply
live adult stream 6 أبريل، 2025 - 8:46 م

You need to be a part of a contest for one of the highest quality blogs
on the web. I most certainly will highly recommend this web site!

Reply
mostbet 11 أبريل، 2025 - 10:11 ص

485277 487268I think this web website has got extremely fantastic indited written content articles . 312115

Reply
alyarmok university college 13 أبريل، 2025 - 7:40 ص

511118 648302You can certainly see your enthusiasm in the function you write. The world hopes for more passionate writers like you who arent afraid to say how they believe. Always go following your heart. 99536

Reply
my website 23 أبريل، 2025 - 3:30 ص

What’s up Dear, are you in fact visiting this site
daily, if so then you will definitely get nice experience.

Reply
look at this web-site 26 أبريل، 2025 - 4:25 ص

Hello, I enjoy reading through your post. I like
to write a little comment to support you.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili