تكنولوجيا و علومعربي “الإثم الرقمي” هاجس المتدينين الشعبيين by admin 10 أكتوبر، 2022 written by admin 10 أكتوبر، 2022 20 خفتت أصوات جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أرض الواقع بينما تحاول ممارسة سلطتها في الفضاء الإلكتروني اندبندنت عربية \ أمينة خيري صحافية صورة فوتوغرافية متداولة لما يفترض أنه مدرسة إعدادية أو ثانوية للفتيات في مصر تكاد تفجر أثير التعليقات والتدوينات والتغريدات على منصات الـ”سوشال ميديا“. الصورة لطالبات يرتدي جميعهن دون استثناء الخمار الأبيض مع جلابيب زرقاء قاتمة في فناء المدرسة، وتظهر الطالبة “المميزة” الموكلة لها مهمة ما يبدو إنه “إذاعة المدرسة” ترتدي نقاباً صارماً حيث لا يدع مجالاً حتى لعينيها أن تظهرا. الصورة يتداولها فريق الباكين على ما يسمونه “مدنية الدولة” الحالمين بما يفصل الدين عن مظاهر الحياة اليومية، معتبرين أن انتشار الأزياء الدينية بشكل واسع و”إجبار” الفتيات على ارتداء الحجاب والخمار في المدارس قهراً وعدواناً على العقل ودهساً للتنوير. وحسبما تنص قوانين الـ”سوشال ميديا” الشعبية، فإن ما يتداوله فريق باعتباره شراً مطلقاً وظلماً بيناً ما هو إلا خير كامل وعدل شامل للفريق الآخر، والعكس صحيح. في عام 2007، أي في السنوات الأولى لبزوغ عصر منصات التواصل الاجتماعي، قامت الدنيا في ألمانيا واندهش الجميع حين صممت مجموعة من الطلاب الجامعيين موقعاً إلكترونياً يستخدمه طلاب المدارس لتقييم أداء معلميهم، اندهش الألمان لأن مثل هذا الموقع الذي لاقى صدى كبيراً بين طلاب المدارس مثل بالنسبة إليهم نهاية عصر احتكار المعلمين لمنظومة التقييم، وأصبح التقييم متبادلاً. ثار المعلمون وأعلنوا غضبهم واعتراضهم، لا اعتراضاً على وسيلة التقييم، أو حتى لأن الطلاب هم من يقيمونهم، ولكن لأن التقييم علني. مضت سنوات تبدو قليلة، لكنها في دستور العصر الرقمي كثيرة وطويلة. وأصبح في إمكان نحو ستة مليارات شخص حول العالم، من إجمالي ثمانية مليارات شخص هم مجموع سكان العالم، أن يقيم كل منهم ما يكتبه أو يذيعه أو يصوره أو يعلق عليه الآخرون. حزمة سلوكية رقمية صورة الطالبات المحجبات والمنتقبات المتداولة عنكبوتياً نموذج لحزمة سلوكية وأخلاقية واجتماعية تتوسع وتتمدد على أثير التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق، هذه الحزمة تحولت من إبداء الرأي أو التعليق أو المشاركة لتصبح تأديباً وتقويماً وتقييماً وبعضها يصل إلى ما يشبه ما كانت تقوم به جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطوعون. “مطوعو الإنترنت” أصبح توصيفاً شارحاً لنفسه، أحدث استخدامات صورة الطالبات المحجبات والمنتقبات كانت من قبل شخص على “فيسبوك” وضعها أحدهم مع تدوينة مقتضبة “مدرسة في مصر. لك الله يا مصر”. وما هي إلا دقائق حتى اتخذ المعلقون مراكزهم خلف المتاريس وأشهروا أسلحتهم استعداداً للهجوم المضاد. بؤس عظيم أو خير كبير الفريق المعارض لما يسمونه “أسلمة الدولة” أو “تديين الفضاء العام” أو “قهر النساء باسم الدين” لم يدخر جهداً في وصف الصورة بـ”البؤس العظيم” و”الحزن العميق” و”الظلام الدامس”، ومنهم من سارع لنشر صور مصر ما قبل موجة تدين سبعينيات القرن الماضي من حفلات أم كلثوم وجمهور بلا حجاب، وشواطئ الإسكندرية ومصطافات دون بوركيني أو جلباب، وشوارع وسط القاهرة بلا خمار أو نقاب أو شبشب، فقط فساتين وأحذية أنيقة وتسريحات شعر منسقة. الفريق الآخر استشعر المقصود من نشر الصورة، فاتخذ اللازم من ذخائر قرآنية وأحاديث نبوية للتلويح بها في وجوه الفريق “المنفلت” حيث المعترض على الصورة يتحول إلى معترض على القرآن والسنة. آخرون من الفريق نفسه استدعوا متلازمة الحجاب في مقابل البيكيني، حيث المعترض على الزي الديني حتماً يطالب بتعميمه إلى آخر منظومة الدفاع الهجومي. منظومة الدفاع الهجومي ذائعة الصيت على منصات التواصل الاجتماعي آخذة في تمدد وتوسع الرقيب الديني (أ ف ب) منظومة الدفاع الهجومي منظومة الدفاع الهجومي ذائعة الصيت على منصات التواصل الاجتماعي آخذة في التمدد والتوسع، وبحسب أحدث الإحصاءات المتوافرة حول متوسط الوقت الذي يمضيه البشر حول العالم وهم مثبتون أمام شاشاتهم المتصلة بـ”السوشال ميديا”، يمضي كل من المليارات الستة المتصلة بالإنترنت نحو 147 دقيقة يومياً على الأثير الاجتماعي، وهي المدة الأطول منذ ابتكار منصاته على الإطلاق، بحسب موقع “ستاتيستا” المتخصص في الإحصاءات وبحوث الإنترنت. لكن هذه الدقائق مجرد متوسط، ففي نيجيريا مثلاً يمضي الشخص نحو أربع ساعات يومياً غارقاً في صفحاته وصفحات الآخرين على التواصل الاجتماعي، هذا الغرق في صفحات الغير بات يهمين عليه الحكم على الآخرين وتقييمهم وتقويمهم وأخيراً القيام بدور الناهي عن المنكر والآمر بالمعروف وإن استلزم ذلك الشتم أو الاتهام أو التهديد والوعيد بعذابات ومعاناة وعقاب ووعد بنار جهنم والحرق والتعذيب لمن لا يمتثل للتقويم والتأديب على الأثير. مطوعو الإنترنت قدر غير قليل مما تموج به منصات التواصل الاجتماعي حالياً من تقويم وتأديب ونهي عن المنكر سببه أن “مطوعي الإنترنت” و”المقومين الرقميين” مقيمون على أثير الـ”سوشال ميديا” يمضون وقتاً طويلاً في البحث والتدقيق في ما يكتبه وينشره غيرهم، لا بهدف القراءة والاطلاع والاستفادة وتبادل وجهات النظر، ولكن بغرض “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. أستاذة علم النفس الأميركية غوندولين سيدمان تقول في بحث لها عنوانه “كيف يطلق آخرون الأحكام علينا أون لاين؟”، “على أغلبنا أن يعترف بأننا نمضي الجزء الأكبر من الوقت في تصفح ما يكتبه الأصدقاء، وغالباً نصدر أحكاماً عليهم بناء على ما يكتبون، سواء كانت أحكاماً إيجابية أو سلبية”. إيجابية الأحكام المطلقة على أثير منصات التواصل الاجتماعي أو سلبيتها شائعة في شتى أرجاء العالم. يكتب بريطاني مؤيداً للعائلة المالكة فينعته صديق بأنه كاره للديمقراطية. يغرد أوكراني مطالباً بخروج القوات الروسية فوراً من بلاده، فيجد من يخاطبه باعتباره من النازيين الجدد. يكتب أميركي أن فترة رئاسة ترمب تركت آثاراً سيئة في السلام الاجتماعي في المجتمع الأميركي، فيسارع أحدهم ليتهمه بأنه يريد أن يقدم أميركا على طبق من فضة لمجموعات من اللاجئين القادمين من دول متخلفة يتقاضون أموال ضرائبه، وهلم جرا. الويل للتدوينات والهلاك للتغريدات ما يدور على أثير التواصل الاجتماعي في أي مجتمع انعكاس لما يدور في داخله، إن لم يكن علناً في الشارع فسراً في القلوب والعقول، وفي هذا الجزء من العالم، حيث متلازمة الدين أم الدنيا، وهل أحدهما يفسد الآخر بالضرورة تموج منصات التواصل الاجتماعي بكم مذهل من المحتوى إما المطالب بفصل الدين عن الدنيا، أو العودة بالدين ليكون شأناً خاصاً بصاحبه، أو مزيد من الإغراق في جعل الدين بحسب تفسيرات بعينها والتدين بتعريفه الشعبوي القائم على مظاهر وطقوس بعينها توأم ملتصق يحمله المواطن أينما ذهب، وإن لم يحمله فالويل لتدويناته والهلاك لتغريداته والدمار لفيديوهاته والعذاب الأليم والمستقر المستدام له في جهنم وبئس المصير. مصير أي محتوى يحوي رأياً أو وجهة نظر أو توجهاً ينشر على منصات الـ”سوشال ميديا” وفيه رائحة أو نكهة أو مذاق يختلف ولو قليلاً عن النسخة السائدة من التدين الشعبي. الدين والتدين ويشار في هذا الصدد إلى أن الدين يختلف عن التدين وكلاهما يختلف عن التدين الشعبي، الباحث المغربي في علم الاجتماع زكرياء مزواري يشير في كتابه “التدين الشعبي والتغير الاجتماعي في المغرب” (2020) إلى أن “الدين هو مجموع التصورات والمعتقدات التي تحمل رؤية عامة وشاملة للعالم، ويكون غير قابل للضبط أو القياس أو المقاربة الموضوعية، أما التدين فهو البعد الاجتماعي التطبيقي للدين حسبما يفسره أشخاص يقومون بوضع معان ودلالات وقواعد اجتماعية لهذا الدين، ويوصف من ينتهجها بـ(المتدين) ومن لا يفعل بـ(غير المتدين)”. ويشير مزواري إلى أن مصطلح “الشعبي” يعني تصنيفاً لأنماط التدين وتجلياته المختلفة، ويرى أن التدين الشعبي يكون عادة “ذلك المزيج من المعتقدات التي تتشكل بتراكم التاريخ، والتدين الشعبي يكون عادة دمجاً لعناصر مشتركة من ديانات مختلفة موجودة في منطقة جغرافية بعينها”. القرب الجغرافي والبعد الأيديولوجي جغرافياً، قد تكون المسافة الفاصلة بين صديقين مدونين أو مغردين أو مستخدمين لأي من منصات التواصل الاجتماعي أمتاراً قليلة، لكن المسافة الفكرية والتأثرات الأيديولوجية والفكرية والاجتماعية والثقافية وضمن مكوناتها الدينيون تقدر بآلاف الكيلومترات. هذه الكيلومترات تعبر عن نفسها عبر صورة ينشرها أحدهم لبطلة رياضية في السباحة أو التنس أو الإسكواش أو الغطس تحرز ميدالية أو لقباً عظيماً على سبيل الفخر والاحتفال، لكنها تتحول في تعليقات الأصدقاء والصديقات على المنشور إلى خطب ذات طابع ديني تتراوح بين هدوء الوعظ والإرشاد مفاده أن هذا النشاط والزي والإنجاز حرام والإشارة إليها مشاركة في الإثم مع دعاء بطلب الهداية، وبين عصبية وصراخ وتهديد بالعذاب والجحيم والسعير لمن يشارك في هذا الإثم العظيم. البحث عن الآثام البحث عن “الآثام” على أثير التواصل الاجتماعي مهمة سهلة، لكنها أيضاً بالغة الصعوبة، تكمن سهولتها في أن كل درجة من درجات التدين تليها درجة أكثر تشدداً، وما يعتبره أحدهم معقولاً ومقبولاً يراه آخرون منفلتاً ومرفوضاً، وما يعتبره شخص ما أمراً خاصاً وحرية شخصية يذهب من حوله إلى أنه أمر عام ولا مجال للحديث عن الحرية فيه طالما يتعلق بدين المجتمع وتدينه. المهندس المفكر ماهر يوسف معروف بكتابته التي تدق على أوتار “التدين الشعبي” وآثاره على المجتمعات والتقدم والعلم والتنوير، كتب على صفحته في “فيسبوك”، “يتحفز كثيرون على كل صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي لكل من ينشر صورة أو يكتب تدوينة، يقفز لينصحك نصيحة من عينة: اتق الله، الدنيا فانية، كلنا سنموت. وهناك بالطبع من ينتظر أن ينشر أحدهم صورة مع أفراد أسرته من النساء ليصفه بالديوث. هكذا بكل فجاجة ووقاحة، طبعاً متطوع الإنترنت يريد تغيير المنكر من طريق الهجوم على صفحات الآخرين وهو أضعف الإيمان، وعندما تضعف الحكومات وينهار الأمن سيظهر كل هؤلاء حولنا وربما يلجأون إلى العنف لتغيير ما يرونه منكراً بأيديهم وبالعنف. هؤلاء “دواعش” ينتظرون انهيار الأمن وضعف الحكومات، وسيطلون بأفكارهم ورؤوسهم الظلامية القبيحة، أي وقاحة هذه التي تجعل بعضهم يدخل ليبث سمومه وأفكاره السخيفة الظلامية بين أناس مسالمين فرحين بحياتهم بعيداً من أنفك الذي تصر على أن تدسه في شؤونهم”. دس الأنف لكن ما يبدو لبعضهم دساً للأنف في شؤون الآخرين هو أمر بالمعروف ونهي عن المنكر منصوص عليهما وواجب القيام بهما بالنسبة إلى آخرين. موقع “إسلامي” متداول بين ملايين يشجع جموع المتدينين والمتدينات على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن تضطره الظروف أن تكون له حسابات على السوشال ميديا، أما من لا حسابات له فعليه البقاء بعيداً من هذا المعترك. المعترك يبدأ بمقدمة عبارة عن حديثين منسوبين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هما، “ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب”. والثاني، “من رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب”. البداية إذاً تكمن في تحذير من يقرأ أو يشاهد “المنكر” دون أن يغيره من العقاب، ثم يمضي الموقع في حث “أخي الحبيب إليك خطوات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وسائل التواصل الاجتماعي”. كرنفال يصور قاضيا ممسكا بذيل كائن فضائي مكتوب عليه فيبسوك وتطرف وكراهية واندفاع (أ ف ب) الخطوات تتراوح بين “استخدام خدمة أعجبني على المشاركات الطيبة النافعة، واستخدام خدمة التعليق على المنشورات التي ترى أن فيها إساءة إلى الدين أو سخرية منه أو من المتدينين، وفي حال كان المكتوب أو المنشور فيه إساءة مؤكدة للدين أو المتدينين فعليك “الإبلاغ” فوراً حتى يتوقف المحتوى وصاحبه”. كيف تنهى عن المنكر رقمياً؟ يحتوي الموقع على عديد من المعلومات الإرشادية للراغبين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنكبوتياً، فمثلاً “لا يجوز نشر صور النساء، ومن نشرها فعليه الإثم مرتين، مرة بنشرها ومرة كلما نظر أحدهم إليها، بل لعلها تجري عليك وأنت في قبرك ولم تتب عن نشرها قبل أن تموت”. وتتعدد مجالات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر افتراضياً، فلا تقتصر عند حدود صور النساء فقط، بل تشمل عديداً من الممنوعات مثل الغناء “الذي لا شيم في حرمته لأنه يجر إلى المعاصي والفتن ويجر إلى العشق والزنا والفواحش واللواط وشرب المسكرات ولعب القمار وصحبة الأشرار وربما الشرك والكفر بالله”. الحساب السيئ ومن دواعي دخول صفحات الغير بغرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقيم “المتدين” حساب أحدهم باعتباره “حساباً سيئاً”. وهنا ينصح الموقع المتدين بأن يكتب شيئاً من هذا القبيل للصديق صاحب الحساب السيئ، “أخي الكريم. موقعك رائع وجميل، ولكن فيه ما يغضب ربك وخالقك، فأرجو منك تصفيته وتنقيته لأنك لا تدرك متى يفاجئك ملك الموت”. فكرة تنقية الحسابات وتطهير الصفحات والتدقيق في المنشورات والتأكد من خلوها من الموبقات قبل أن يموت صاحبها تهيمن على كثيرين على الأثير، ومنهم من نصب نفسه إما ناصحاً أميناً أو محذراً غليظاً أو ناهياً فظاً. أنماط التدين الرقمي مستشار “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” نبيل عبد الفتاح وجد أنماطاً جديرة بالبحث والتحليل في التدين الرقمي الذي يعم الأثير. يقول في دراسة معمقة عنوانها “التدين الشعبوي الرقمي والفعلي والحالة الدينية في مصر وتونس” (2022) إن “النظر إلى الحياة الدينية الرقمية في بدايات تشكلها أشارت إلى أن المقولات الدينية التي تطرحها بعض الجموع الغفيرة باتت تسود الحياة الرقمية بكثافة، ومعها السائد من المفاهيم والتصورات الدينية الشعبية، أو آراء بعض المشايخ الرسميين أو الدعاة، وما أطلق عليهم طه حسين دعاة الطرق، أو بعض آراء السلفيين ورموز جماعة الإخوان المسلمين. وانتقلت هذه التصورات الدينية الشعبية من الحياة الدينية الشعبية الفعلية إلى الحياة الرقمية”. يمضي بعض متطوعي الإنترنت وقتاً طويلاً بحثا وتدقيقا في ما يكتبه وينشره غيرهم بهدف التقويم الديني (أ ف ب) يذكر عبد الفتاح أسباباً عدة ربما تفسر هذا الطوفان الديني الرقمي الذي لم يعد يتوقف عند حدود طلاء الحسابات بألوان التدين، ولكن اقتحام حسابات وصفحات الآخرين لنشر هذا النوع من التدين، يقول إن “الأسباب والدوافع كثيرة، لكن أبرزها رغبة (المتدين) إثبات تدينه على سبيل تحقيق الذات غير المتوفر على أرض الواقع، أو للإعلاء من الذات القلقة، أو بناء مكانة مفتقدة على أرض الواقع، وهناك من يفعل ذلك بهدف الترويج للأفكار السلفية والإخوانية وهؤلاء يكونون أفراد أو أعضاء اللجان الإلكترونية التابعة لهذه الجماعات ودعاتها ويسعون إلى تمدد أفكارها وسطوتها عبر المنصات الرقمية”. أسباب الظاهرة هذه الظاهرة الآخذة في التمدد والانتشار سببها، كما يقول عبد الفتاح، الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في دول ما يسمى بـ”الربيع العربي” وعلى رأسها مصر وتونس. وقد أدى ذلك إلى إقبال الملايين على منصات التواصل الاجتماعي لإبداء الرأي في شأنين رئيسين، السياسة والدين المتصلين حتى بالأعمال الفنية. على أثير منصات التواصل الاجتماعي، تكاد لا تمر تدوينة أو صورة أو فيديو لفنانة أو ممثلة دون أن تستنفر جموع “المتدينين” الداعين صاحب الصفحة إلى التوبة أو الرجوع عن نشر ما ينشر، ولا ينجو من حملات الاستتابة والتبكيت المعلقون الذين إن أبدوا إعجاباً فهم مشاركون في الإثم، وإن دخلوا في مواجهة فكرية أمام المطالبين بالتوبة، فهم حتماً يريدون نشر الفسق ويدعون إلى الكفر والإلحاد. تديين المجالين العام والخاص ويرصد عبد الفتاح ما هو أبعد من ذلك، حيث توظيف الطقوس الدينية اليومية مثل الصلاة وتديين الخطاب اليومي العادي بهدف تديين المجالين العام والخاص باستخدام الـ”سوشال ميديا”، ناهيك عن استنفار خطاب الذكورية الدينية والاجتماعية في كل ما يختص بالمرأة مع التركيز الأوحد حول الحجاب ووصفه بأنه الجزء الرئيس الخاص بالمرأة في المعتقد الإسلامي، وأنه ليس خياراً شخصياً بل زياً لا مجال للنقاش حوله. “لا مجال لطرح فكرة الحجاب للنقاش في وفاة الشابة الإيرانية (مهسا أميني). ناقشوا سياسة إيران أو برنامجها النووي أو علاقاتها الاستراتيجية، أما الحجاب فغير قابل للتفاوض”. نص التعليق على ما نشرته سيدة مصرية على “فيسبوك” تقول فيه إن ما يجري في إيران نتيجة طبيعية لفرض زي على المرأة رغماً عن أنفها، التعليق الذي أصدر قراراً بعدم السماح بنقاش ما طرحته صاحبة الصفحة حظي بـ”لايكات” وتعليقات مؤكدة على فرضية الحجاب رغم أنف السافرات الفاجرات تفوق اللايكات والتعليقات المؤيدة لصاحبة الصفحة. رمزية الحجاب يرى عبد الفتاح في التركيز المفرط على الحجاب في دفاعات “المتدينين” الهجومي على منصات التواصل الاجتماعي، ويصل أحياناً إلى درجة البحث والتنقيب في صفحات الغير بحثاً عن فكرة للهجوم هنا أو مادة للاتهام هناك هدفاً واضحاً، ألا وهو “تحويل الحجاب إلى رمزية على أسلمة المجالين الخاص والعام أثناء الحركة اليومية في الشارع والمصالح الحكومية والقطاع الخاص والسيارات الخاصة والمركبات العامة وفي الطرق. هذه الاستراتيجية سبق أن أطلقنا عليها قبل عقود “الأسلمة من أسفل”. وسواء كانت “الأسلمة” أو الإجبار على نوع معين من التدين من أسفل أو من أعلى فإن النتيجة الحالية واحدة، حضور طاغ لـ”المتدينين الشعبيين” وكذلك دعاة ورجال الدين على الأثير الرقمي ربما يكشف حالة من الخوف والقلق جراء تزايد النبرات الداعية إلى فصل الدين عن الدولة وتدخل الآخرين في علاقة المواطن بربه وماهية تدينه، لكن ربما يكون هذا الحضور “المتدين” المتزايد أيضاً انعكاساً لزيادة أعداد “المتدينين”، لا سيما أولئك الذين يعتنقون مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر الأثير وفي عقر دار وصفحات الآخرين. المزيد عن: التواصل الاجتماعي\الإثم الرقمي\الأمر بالمعروف\الدين والحياة\الشرق الأوسط\الإسلام السياسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post متظاهرون يزيلون العلم الإيراني من مبنى سفارة طهران في لندن next post دراسة: الصداع النصفي يفاقم خطر الإصابة بالخرف You may also like ملفات “البنتاغون”: الحياة في الكون البعيد ليست مستحيلا 25 نوفمبر، 2024 ليزر يعمل بالطاقة الشمسية قد يكون مفتاحا للسفر... 25 نوفمبر، 2024 ما هي تطبيقات التجسس وكيف يمكن الكشف عنها؟ 24 نوفمبر، 2024 بينها اللغة العربية.. واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى... 24 نوفمبر، 2024 الحكومة الأميركية تطلب من القضاء إجبار “غوغل” على... 21 نوفمبر، 2024 تعرف على مزايا «بلايستيشن 5 برو»: جهاز الألعاب... 19 نوفمبر، 2024 “استنسخ سراً”.. خروف عملاق يضع أميركا في حالة... 17 نوفمبر، 2024 اكتشاف كائن بحري عملاق يمكن رؤيته من الفضاء 15 نوفمبر، 2024 كيف يجعل الذكاء الاصطناعي الطابعات أكثر ذكاءً؟ 15 نوفمبر، 2024 صمم موقعك ثلاثي الأبعاد بخطوات بسيطة ودون «كود» 15 نوفمبر، 2024