ثقافة و فنونعربي إلياس كانيتي سمع صوت الهمجية قبل إصغائه إلى أصوات مراكش by admin 23 أبريل، 2022 written by admin 23 أبريل، 2022 14 “حرق الكتب” رواية تنبأت بمصير الكتب في عهد هتلر واعتبرها كثر من النقاد استكمالاً للجنون الذين رأوا أنه من سمات آداب القرن العشرين اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب من ناحية مبدئية، لا يمكن أن تكون للكاتب إلياس كانيتي (المولود في بلغاريا عام 1905 والراحل في سويسرا عام 1994) الحائز على جائزة نوبل الأدبية عام 1981، أية علاقة بالعالم العربي أو حتى بمنطقة الشرق الأوسط عموماً، إذ حتى لو كان يهودياً، فإنه ظل بعيداً من إسرائيل. ومع ذلك، يمكن اعتبار أحد كتبه، “أصوات مراكش”، واحداً من أجمل النصوص التي كُتبت حول تلك المدينة المغربية الفاتنة، كما أنه خصص فصولاً عدة في كتابه الفكري العمدة “الجمع والسلطان” للحديث عن شؤون اجتماعية – دينية تتناول العالم الإسلامي. ولكن على الرغم من ذلك، قد يصح القول إن كانيتي هو الفائز بنوبل الأقل شهرة في المناخات الثقافية العربية. وهذه ليست أقل “غرائب سيرته” لفتاً للنظر. فهناك أيضاً كون هذا الكاتب الذي غالباً ما كتب بالألمانية، فاز بالجائزة الأدبية الكبرى في العالم من دون أن يكون قد أنتج سوى بضع مسرحيات ورواية واحدة هي الأقل شهرة بين مؤلفاته. ونعني بذلك روايته “حرق الكتب” Auto-da-Fé التي ربما تزداد غرابة شأنها إن نحن علمنا أنها كُتبت وصدرت عام 1936 حتى قبل أن تقدم عصابات النازيين المسيطرة على الحكم بزعامة هتلر، على إحراق عشرات ألوف الكتب في احتفالات وثنية صاخبة بذريعة أنها تعبّر عن “انحطاط إبداعي” لا يمكن أن يتناسب مع “العالم الجديد” الذي يريد النازيون بناءه. ولادة لم تكتمل وهنا لا بد من الإشارة قبل أي شيء آخر، إلى أن كانيتي كتب هذه الرواية قبل التظاهرات الهمجية النازية تلك، ما يعني أن ما جاء فيها كما سنرى بعد سطور، كان نوعاً من نبوءة ما لبثت أن تحققت. ولعل هذا ما انتزع منها صفتها كرواية وأنسى كثراً أن توماس مان، كبير الروائيين الألمان في ذلك الحين، كان من أوائل الذين أشادوا بها كعمل أدبي، معلناً أنها تشير إلى ولادة روائي كبير واعد جديد. ومهما يكُن، فإن الألمان لم يتمكنوا بالطبع من التعرف إلى رواية كانيتي تلك إلا بعد عقود وفي سياق اكتشافهم لأعماله الكبرى، لا سيما منها كتب ذكرياته التي روى فيها بلغة فائقة الجمال سيرة حياته المتنقلة بين مدن ودول القارة الأوروبية التي عاش في معظمها غير شاعر بالانتماء، في نهاية الأمر، إلا للوطن الأهم الذي اختاره داراً له: الكتاب والفكر واللغة بصورة عامة، هو الذي تنقل بين اللغات تنقله بين المدن وبين الأنواع الأدبية والفكرية. غلاف إحدى الترجمات الأولى لرواية “حرق الكتب” (1967) (أمازون) جنون الكتب تدور رواية “حرق الكتب” من حول بيتر كاين، وهو عالم في الشؤون الصينية في الأربعين من عمره، يعيش في شقة واسعة في أحد أحياء فيينا. وكل ما في الشقة عبارة عن جدران سُدّت نوافذها جميعاً لتحوّل الجدران إلى مكتبات تحمل ما يصل إلى 25 ألف كتاب. أما كاين، من ناحيته فإنه من دون أن يشغل منصباً رسمياً، جعل اهتمامه الأساس اللغة والثقافة الصينيتين. فهو لأنه ثري، يرفض أن يدرّس في الجامعة، بل لا يكاد يخرج من شقته التي يعيش فيها وحيداً غير مهتم بما يحصل خارج عالمه. أما جيرانه، فهو ليس بالنسبة إليهم سوى مجنون. ولكن ذات يوم، يحدث لبيتر كاين هذا أن “يلعب الشيطان في عقله” فيتزوج خادمة بيته، التي ما إن تصبح زوجته حتى تتكشف عن لبوءة حقيقية وتطرده من الشقة بلا رحمة… وفي الخارج، نراه يقع بين يدَي الشقي فيشرل، الذي سرعان ما يجرّده من بقية ما تبقى له، فيتواكب هذا مع فقدانه لبقية ما كان له من عقل، ليخوض مغامرات إجرامية تقوده إلى السجن. وهنا يظهر أخوه غيورغ، المحلل النفسي المعروف الذي يعيش في باريس، فيصل إلى فيينا لإنقاذ أخيه وهو غير دارٍ بجنونه. يعيد غيورغ بيتر إلى الشقة ويرحل. وبيتر ما إن يجد نفسه وحيداً في شقته بين كتبه، حتى يغلق الأبواب جميعاً ثم يشعل النار في الكتب، وحين تصل النار إليه “ينفجر في ضحكة لم يسبق له أن انفجر في مثلها من قبل في حياته”… أوطان مدن ولغات وبهذه العبارة، تنتهي الرواية التي بالكاد تنبّه إليها أحد حين ظهرت للمرة الأولى عام 1936. ولكن بعد زمن، وعلى ضوء الصعود النازي، وإذ اكتشف كثر من النقاد الرواية، نظروا إليها على أنها عمل تنبّؤي أساسي في أدب القرن العشرين، بل أكثر من هذا: اعتبر كثر من النقاد رواية “حرق الكتب” استكمالاً للجنون الذين رأوا أنه من سمات آداب القرن العشرين، فباتت الرواية تُعامَل، أسلوبياً ومضمونياً، على غرار ما تُعامَل روايات كبرى معاصرة لها أو سابقة بعض الشيء، لا سيما روايات روبرت موتسيل وألفريد دوبلن وفرانز كافكا. وإذا كانت “حرق الكتب” رواية عن الثبات في المكان والجنون من دون مغادرته، والموت فيه، فإن اللافت في الأمر هو أنه ربما كان من الصعب العثور على كاتب في القرن العشرين يمكنه أن يمثل “بداوة” الإبداع مثل ما فعل إلياس كانيتي، الذي ظل يُعتبر كاتباً نخبوياً من دون أن يعرف الجمهور العريض كنه ما يكتبه حقاً، حتى كان عام 1981 حين فاز بجائزة نوبل للآداب، فاشتهر اسمه بين ليلة وضحاها، وراح القراء الفضوليون يكتشفون فيه الروائي والناقد والفيلسوف في آن. لكنهم أيضاً اكتشفوا “البدوي” الحقيقي، ذلك الذي عرف كيف يتجول بين الأوطان واللغات بشكل ندر أن عرفه أي كاتب آخر، فإلياس كانيتي، المولود في بلغاريا في أسرة إسبانية يهودية الأصل، تلقّى علومه في بريطانيا، وعبّر عن نفسه دائماً باللغة الألمانية، أما لغته الأم، فكانت الإسبانية إضافة إلى البلغارية. سيرة تنقل مستديم أما بالنسبة إلى سيرة حياته، فهي تقول إن إلياس كانيتي وُلد في مدينة روتشوك في بلغاريا عام 1905، لكنه لم يبقَ هناك سوى ستة أعوام إذ إنه اضطر عام 1911 إلى اللحاق بوالديه في إنجلترا. وبعد ذلك بسنتين، حين توفي أبوه، توجه كانيتي إلى النمسا ليعيش بضع سنين، غادر بعدها للتنقل بين ألمانيا وسويسرا حيث حصّل علومه الثانوية، وهو بعد ذلك عاد إلى فيينا، عاصمة النمسا، لكي يحصّل دراسته الجامعية ويحوز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة. والحقيقة أن مدينة فيينا هي المدينة التي أحبها كانيتي أكثر من أي مدينة أخرى، كما عبّر عن ذلك في كتاباته، غير أنه اضطر إلى مغادرة فيينا، بين من غادرها من كبار الكتّاب والمبدعين التقدميين والديمقراطيين عام 1938 يوم دخلتها القوات الهتلرية، وهذا أمر لن يغفره كانيتي لهتلر بعد ذلك، على الإطلاق. موتى مع وقف التنفيذ إذاً، غادر كانيتي النمسا، وتوجه منذ ذلك الحين ليعيش في إنجلترا، حيث سيمضي القسم الأعظم من سنواته، ممتهناً حرفتَي الكتابة والترجمة في الوقت ذاته. صحيح أن كانيتي عاش عقوداً عدة من حياته في إنجلترا وأن لغته الأم كانت الإسبانية، إلا أنه فضّل دائماً أن يكتب بالألمانية، لغة أعدائه الهتلريين! فأبدع بها عدداً من النصوص التي جعلته يُعتبر من كبار كتّاب الألمانية في القرن العشرين. مهما يكُن، فإن كانيتي حين كان يُسأل عن ذلك التناقض وعما كان يدفعه إلى استخدام لغة تحلّ لديه في المرتبة الرابعة من حيث وجودها في حياته، كان يقول إنه يتبع في ذلك مثال كافكا، ويريد أن يظل شقيقاً في الكتابة لعدد من كبار كتّاب الألمانية الذين يحبهم، من هرمان بروخ إلى كارل كراوس إلى بريخت. رواية “حرق الكتب” (1936) كانت أول عمل كبير كتبه كانيتي، أما العمل الشهير التالي، فكان مسرحيته “كوميديا الوحدات” (1950) التي تتحدث عن حكومة تمنع الناس من استخدام المرايا أو من تعليق صورهم! وفي مسرحية تالية له عنوانها “موتى مع وقف التنفيذ” (1956)، يطالعنا قادة دولة شمولية وقد آلوا على أنفسهم أن يوقفوا ألم الناس إزاء الموت بتحديد موعد محدد لموت كل واحد منهم. ويكون أن تقوم ثورة باسم اللايقين يقودها أناس لم يعودوا راغبين بمعرفة تاريخ موتهم بشكل مسبق. ويبقى أن نذكر أخيراً أن كانيتي زار شمال أفريقيا مراراً، ونتجت من تلك الزيارات نصوص عدة لا شك في أن “أصوات مراكش” يبقى أجملها على قصره. المزيد عن: إلياس كانيتي \ كتاب أصوات مراكش \ ألمانيا النازية \ جائزة نوبل\ حرق الكتب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رحيل أسطورة الهوكي، الكندي غي لافلور next post كتب جديرة بالقراءة من “الفتيات السمراوات” إلى “المستعمرة” You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024