منزل باردي في عدن حيث سكن وعمل رامبو عدة سنوات X FILEثقافة و فنون إضاءات على حياة رامبو في عدن by admin 28 فبراير، 2025 written by admin 28 فبراير، 2025 27 أسئلة عن حقيقة متاجرته بالعبيد واعتناقه الإسلام المجلة / علي المقري لا يمر عام إلا ويصدر كتاب جديد عن الشاعر الفرنسي أرتور رامبو (1854- 1891) بمختلف اللغات، متناولا حياته وشعره من زوايا جديدة، وإن كانت تتكئ، في معظمها، على منشورات ومدونات وسير ووثائق سابقة. فهناك كتب تناولت عائلته في شارلفيل وطفولته ودراسته ومراهقته وشبابه ورحلاته إلى عدن وأفريقيا وعمله في التجارة، إضافة إلى تتبع الأماكن التي عاش فيها أو زارها، كما عمل آلان بورير وغيره. وفي كل مرحلة من هذه المراحل، نقرأ الكثير من التفاصيل التي تبدو، في تحليلاتها ونتائجها، كاشفة عن جوانب جديدة في حياة هذا الشاعر ومنجزه الشعري. ما نقرأه في اللغة العربية يقتصر في الغالب على مقالات صحافية أو كتب سبق أن صدرت، مثل أعماله الشعرية التي ترجمها إلى العربية كاظم جهاد، وكتابي “العابر الهائل بنعال من ريح- رسائل رامبو العربية” لشربل داغر و”رامبو الشاعر والإنسان” لبيار بتفيز، بترجمة حسين عبد الزهرة مجيد. وقد أعيد اصدار الكتابين الأخيرين أخيرا عن دار “خطوط وظلال” في الأردن، بعد نحو من أربعين سنة من صدور الطبعة الأولى لكتاب داغر، عن “المؤسسة الجامعية” في بيروت، وثلاثين سنة من صدور ترجمة كتاب بتفيز عن المركز الثقافي الفرنسي في عدن الذي أغلق مع مشروع بيت رامبو هناك بسبب الاضطرابات خلال العقد الأخير. الشاعر والإنسان يجيب كتابا بتفيز وداغر عن الكثير من الأسئلة التي لا تزال تُطرح عن حياة رامبو بمختلف مراحلها، بما فيها تلك الأسئلة الإشكالية، التي تتكرر دائما، مثل حقيقة متاجرته بالعبيد إلى جانب متاجرته بالأسلحة، ومدى إمكان الجزم باعتناقه الإسلام، أو سوء معاملته سكان البلدان التي عاش فيها. قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يتناول كتاب بتفيز حياة رامبو بمختلف مراحلها وبالذات كتاباته الشعرية الأولى وعلاقته بفرلين وبداية تمرده حين وصل إلى باريس، حيث كتب قصيدته “صرخة الحرب الباريسية”، ومقالة تعكس تخيلاته الأولى بعنوان “دستور الشيوعي”، التي لم يعثر عليها، لكنها وصفت بأنها حلم طوباوي يدعو إلى “إلغاء النقود والحكومة المركزية”، وأن “على الكومونات أن تكون مستقلة وتتحد تحت راية قادة منتخبين، سلطاتهم محدودة ومؤقتة، ويجب على السلطة التنفيذية أن تعتمد استفتاء الشعب”.”. بدا رامبو عاشقا السفر فقد تعلم الإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية ولاحقا تعلم الروسية والعربية والهندوستانية والأمهرية لكن هذه الحماسة لم تدم طويلا، فنجده يتغير بعد تجربة سيئة مع رفاقه في الكومونة، الذين وجد أنهم يهتمون بالملذات اليومية فقط، حيث أصبح من المؤكد أنه “يعشق الثورة وليس ثوارها”، وأن إقامته القصيرة في الثكن أثارت “رعبا ومقتا في نفسه للخدمة العسكرية استمر معه حتى نهاية عمره”. وإن بدا رامبو عاشقا السفر، فقد تعلم الإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية، ولاحقا تعلم الروسية والعربية والهندوستانية والأمهرية، ولكي لا يزعجه أحد، كما يقول لويس بيركون “كان يحبس نفسه في صندوق قديم، ويبقى فيه بعض الأحيان أربعا وعشرين ساعة متواصلة، دون أكل أو شرب، مستغرقا في عمله تماما”. AFP / على اليسار، جاك تاجان يعرض قصيدة “أوفيليا” المخطوطة لآرثر رامبو، والتي تم العثور عليها إلى جانب مخطوطة “فصل في الجحيم”، أحد أعظم أعمال الأدب الفرنسي رامبو المتخيَّل ما إن أعلن سفره نحو الشرق، حتى بدأت الأسئلة تدور بين رفاقه حول مصيره هناك وماذا سيعمل، وكيف سيكون شكله وهو يتعامل مع “الآخرين”، رغم أن رامبو قال مرة “أنا الآخر”. فقد استخدم فرلين وديلاهاي خيالهما في تصور مصير رامبو، فظنا أنه ربما “سينتهي به الحال مع المتوحشين في وسط أفريقيا”، ولذا منحاه مجموعة من الألقاب: “السنغالي، الهوتينتوتي، الكافر… إلخ” وتظهره رسومات ديلاهاي “في ملابس الكفرة، أو مبشرا لإحدى الجماعات، أو ملكا على المتوحشين”. في تلك الأثناء، كان رامبو وصل إلى الإسكندرية، لكنه لم يجد عملا، فذهب إلى قبرص وهناك واجه بعض الأحداث التي دفعته إلى مغادرتها نحو أفريقيا. ذكر التاجر الإيطالي أوتورينو روزا “أن رامبو حين كان في هرر، كان يثق به جدا وأخبره أنه، في نوبة من نوبات الغضب، رمى أحد العمال بحجر في رأسه فقتله. وهذا يفسر سر هروبه المفاجئ إلى أفريقيا، وتلك الإفادات المحيرة التي تقدم بها إلى بيار باردي، صاحب عمله الجديد في عدن”. غلاف كتاب رامبو العدني لصلاح ستيتيه وحدث الأمر نفسه في عدن، حيث اعتدى رامبو في 28/1/ 1883 بالضرب على أمين مخزن يدعى علي شيماك. وكان رامبو توقف في عدد من الموانئ في البحر الأحمر: سَواكن وجدة ومصوّع والحديدة “دون أن يعثر على عمل”، وذلك قبل أن يمضي إلى عدن ليعمل هناك لدى شركة باردي، بعد أن قدّم نفسه باسمه الحقيقي لكنه أخفى مكان ولادته، إذ قال إنه ولد في دولي (جوا). في عدن عمل رئيسا “لما كانوا يدعونه الحريم، وهي ورش تقوم فيها النساء الهنديات بوزن البن وعزله، وكان أكثرهن زوجات للجنود الهنود التابعين للفوج الهندي المعسكر في عدن. كان رؤساؤه في العمل مسرورين جدا بأدائه. وكان يتحدث العربية بما يضمن له الاحتفاظ بعمله. كان محبوبا من رفاقه، وهذا لم يمنعهم من تسميته بـ”الكرّاني” وهو اسم يطلق غالبا على رؤساء العمل ولا يزال مستخدما حتى اليوم في بعض مدن اليمن. ولم تدم انطباعات أصحاب العمل الإيجابية عن رامبو طويلا، فقد توصل الأخوان باردي إلى أنه “كان شابا حيّ الضمير، لكن له نفسية يصعب التعامل معها”. أما رامبو فكان يرى أن هؤلاء “أناس مخادعون ولصوص، لا يصلحون إلا لسرقة جهود من يعمل عندهم”. كان محبوبا من رفاقه، وهذا لم يمنعهم من تسميته بـ”الكرّاني” وهو اسم يطلق غالبا على رؤساء العمل ولا يزال مستخدما حتى اليوم في بعض مدن اليمن اللافت في كتاب بتفيز هو إشارته إلى قول لإميل ديشان، يذكر فيه أن شخصا آخر كان يحمل الاسم نفسه، رامبو، وكان موجودا في تلك الأمكنة حينذاك، حيث خطط مع “فريق صغير لسلب سفينة غارقة كانت قد غاصت بالقرب من رأس غور دافي”، في طرف الصومال. وأنه لا يمكن أن يكون هو نفسه رامبو المعروف. وأكد رامبو ذلك في رسالة الى أهله بتاريخ 22/ 9/ 1880 قال فيها: “اكتبوا عنواني بوضوح وذلك لوجود رامبو آخر هنا، هو وكيل شركة ميساجيرس للملاحة”. هذه الإشارات قد تشكك في حقيقة الكثير من الأعمال التي تُنسب إلى أرتور رامبو. مع ذلك، يمكن القول إن الباحثين قاموا بالتحقق من كثير من جوانب حياة رامبو المثيرة للجدال، فهو، إذ لم تناسبه درجة الحرارة المرتفعة في عدن، ظل يكتب لعائلته أنه لا يكنّ لهذه المدينة سوى الكره. لكنه يفضل العيش فيها على فرنسا، حيث يمكنه أن يجد عملا بسهولة في هذه “المدينة المتحضرة”، كما وصفها. وفي النهاية، فضل أن يُدفن في عدن بجوار الناس الذين يعرفونه، كما تذكر أخته إيزابيل. وتؤكد أنه لولا عناد أمه لتحققت رغبته. غلاف كتاب رامبو الشاعر والإنسان للكاتب بيير بتفيز تجارة الرقيق من الواضح أن الكتابة هنا تتركز حول حياة رامبو بعد أن هجر الشعر وتنكر لماضيه. يخبره باردي مرة أن هناك من يتذكره كشاعر في باريس، فيرتبك ويحمر وجهه ويتمتم قائلا: “أمر غريب… سخيف… مقرف!”. وفي هذا المنعطف من حياته، فضل العمل في التجارة، ومن ذلك عمله في تسهيل وتوصيل بعض صفقات بيع الأسلحة إلى الحبشة، وسط أخطار عديدة. وإن كانت متاجرته في السلاح أكدها أكثر من مصدر، فإن موضوع متاجرته بالرقيق لم تؤكده معظم المصادر، إذ أن الشبهة نشأت نتيجة عمله في تجارة السلاح مع جماعة في هرر تتاجر بالرقيق، كما يُستنتج من المعلومات التي يوردها بتفيز. فتجارة الرقيق “كانت حكرا على أبناء أبي بكر (توفي الأب عام 1885 وترك أحد عشر ولدا) وكانوا لا يتسامحون مع أي منافسة في تجارتهم السرية، مهما كان نوعها). ويظن بتفيز أن ورود اسم رامبو بطريقة مشبوهة في أحد التقارير البريطانية سببه أن رامبو “لم يكن يحمل رأيا مشرفا عن السياسة البريطانية”. أما طلبه من ألفريد إلغ في رسالة عام 1889 “اثنين من الصبيان العبيد”، فيرى بتفيز أن ذلك كان لمساعدته أو خدمته الشخصية ليس إلا. وكان إلغ رفض هذا الطلب بالقول “… أما بالنسبة الى العبدين، فأعذرني، لأني لا أستطيع أن أورط نفسي بهذا الأمر. لم يسبق لي أن اشتريت عبيدا ولا أريد أن أفعل ذلك الآن. أعرف تماما نياتك الطيبة، لكني لن أفعل ذلك، حتى لو كان الأمر لنفسي”. ويورد بتفيز الكثير من التبريرات التي تنكر متاجرة رامبو بالرقيق. AFP / تمثال نصفي للشاعر الفرنسي آرثر رامبو، في عمل فني للفنان الألماني أوتمار هورل بساحة دوكال في مسقط رأسه شارلفيل-ميزيير، رامبو والإسلام أما عن زواج رامبو، فيذكر الفريد باردي في 10/7/ 1897 أن رامبو، في إحدى رحلاته إلى هرر، عاد إلى عدن ومعه امرأة شابة. ويقول: “كانت علاقته بالمرأة الحبشية بدأت في عدن بين عامي 1884 و1886. كان زواجهما حميما، وقام رامبو، بعد أن كان في البداية يسكن ويأكل في بيتي، باستئجار بيت خاص يعيش فيه مع رفيقته، خارج الساعات التي كان يقضيها معنا في بيوتنا”. وفي مكان آخر ينقل بيار بتفيز عن موظف فرنسي بحث في حياة رامبو في جيبوتي قوله إن رامبو تزوج في السابق “امرأة أخرى من قبيلة أرغوبا، كان له منها عدة أطفال، لكنهم اختفوا جميعا دون أثر”. والأرغوبيون قبيلة مسلمة من أمهرا. تأويلات رامبو الخاصة بالقرآن أغضبت البعض، مما دفعهم إلى الاعتداء عليه وضربه بالعصا و”كان من الممكن أن يُقتل، لولا أن المسلمين لا يقتلون المجانين” إلى ذلك، تكشف رسائل رامبو إلى أهله، التي ترجمها شربل داغر، مدى إحساسه بالابتعاد تدريجيا عن أوروبا، موضحا أن حياته مع من وصفهم بالقبائل الهمجية صارت معتادة. وقال بتفيز، معلقا على إحدى الرسائل، إن “الاستياء أخذ يفسح الطريق للأسف، ومن ثم إلى قبول بالقضاء والقدر”. في هذه الأثناء “أخذ رامبو يميل إلى الإسلام”. وفي 7/1/ 1883 “طلب من الناشر هاشيت نسخة من القرآن الكريم باللغتين العربية والفرنسية”. ليصرح بعدها: “أنا كالمسلمين أعرف أن المكتوب مكتوب، ولا مفر منه”. غلاف كتاب رامبو العربي للكاتب آلان بورير ويرى بتفيز أن رامبو مضى إلى أكثر من ذلك في علاقته بالإسلام “فأصبح داعية للقضية”. يقال إنه فعل ذلك “ليكسب رضا أصحابه من باعة القهوة المسلمين، وقد يكون هذا صحيحا. فحينما ذهب إلى بابوسا كان متنكرا في زي مسلم. في الحقيقة، لم ينتحل الثياب الإسلامية فقط، بل العادات الإسلامية أيضا، مثل جلوسه القرفصاء أثناء التبول. كتب أوغو فيراندي يقول: وقد نصحني باتباع الطريقة نفسها”. مع ذلك، يشير بتفيز إلى أن تأويلات رامبو الخاصة بالقرآن أغضبت البعض، مما دفعهم إلى الاعتداء عليه وضربه بالعصا و”كان من الممكن أن يُقتل، لولا أن المسلمين لا يقتلون المجانين”. كما أن نزعته الإسلامية بدت في الختم الذي كان يحمله وصار مع أمه، إذ يحتوي على كلمات عربية، عُرف منها اسمه الذي غيره ومهنته: “عبده رينبو، ناقل بخور”، وعبده هو اختصار لعبدالله. ولعل هذا الأثر هو ما رأته أخته إيزابيلا حين شهدت موته بعد عودته من عدن إلى مرسيليا، حيث وصفت نهايته بالخاتمة النورانية “أرتور لديه الإيمان! أرتور بلغ الهداية! أرتور أمسك بالرحمة الإلهية! إنه واحد من ذوي الاستقامة، المختارين، القديسين والشهداء!”. ومع تأكيدها أنه كان يكرر “الله كريم (بالعربية) عسى أن يتم الله إرادته!”، فإن ما يقوله بتفيز لا يتفق مع قولها. فقد حاول القس أ. شولير والأب ف. سوشي في مناسبتين مختلفتين، بطلب من أخته إيزابيل، أن يتصلا بالرجل المحتضر، لكنه “استقبلهما بطريقة سيئة بحيث لم يجرؤا على التحدث معه بجدية. لقد ظل رامبو، كما كان دائما، نفورا ومعاديا لأية فكرة دينية”. كما ستبقى حياته قابلة باستمرار للكشف والتأويل، مثل نصوصه العابرة للزمن. المزيد عن: رامبو الشعر الفرنسي الاستشراق عدن 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ماجد كيالي يكتب عن: إسرائيل تريد تغيير واقع الضفة… بعد غزة next post أزمة الطائرة الإيرانية تكشف المستور… “حزب الله” ينازع ماليا You may also like غموض يلف ظروف وفاة الممثل جين هاكمان وزوجته…... 28 فبراير، 2025 الروسي أندريه ماكين يستعيد سقوط الحلم البولشفي 27 فبراير، 2025 “مجهول تماما” سيرة سينمائية جديدة لبوب ديلان 27 فبراير، 2025 العثور على الممثل جين هاكمان وزوجته ميتَين في... 27 فبراير، 2025 “مسرح ما بعد الدراما” يدعو الى إنهاء سلطة... 27 فبراير، 2025 أم كلثوم تكسر حاجز اللغة التركية وتحدى تغريب... 27 فبراير، 2025 عندما دمر الإسبان حضارة “تينوكيتثلان” عاصمة الأزتيك 27 فبراير، 2025 البطلة الصغيرة أليس تصطحب فيلسوفا الى بلاد الأفكار 27 فبراير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: مجمرة من موقع البثنة... 26 فبراير، 2025 اشتراكية فرنسية أحبت مصر الفرعونية ودافعت عن قضيتها 26 فبراير، 2025