ثقافة و فنونعربي أونتي بين بطل غارق في ذكرياته وآخر على شفا الموت by admin 10 يناير، 2023 written by admin 10 يناير، 2023 19 “البئر” و”الوداع” روايتان قصيرتان قائمتان على الوصف والسرد ذي الشخصية الواحدة اندبندنت عربية \ كاتيا الطويل @katiatawil روايتان للكاتب خوان كارلوس أونتّي (Juan Carlos Onetti) من الأوروغواي صدرتا معاً عن دار ممدوح عدوان (2022)، في ترجمة عربية أنجزها علي إبراهيم أشقر. وأونتّي الذي عاش في القرن العشرين (1909- 1994) وشارك في ما يُعرف بمرحلة نهضة أدب أميركا اللاتينية وأدب الواقعية السحرية الذي غزا العالم منذ ستينيات القرن العشرين لم ينل حظ غابرييل غارثيا ماركيز (1927-2014) أو ماريو فارغاس يوسا (1936- ) أو خورخي لويس بورخيس (1899-1986) من الشهرة. هذا الكاتب والصحافي لم يعرف الشهرة إلا بعد سنوات طويلة من الكتابة وعندما أصبح في الخمسينيات من عمره. ويعزو البعض هذا الأمر إلى عزلته وإلى ميله إلى الوحدة بينما يعزو آخرون ذلك إلى الوجودية والعبثية في نصوصه التي تحمل أبطاله دوماً إلى الموت أو إلى الغوص في الأحلام والأوهام بعيداً من أرض الواقع. ومن الجدير بالذكر أن العملين اللذين تمت ترجمتهما هما “البئر” أول أعمال أونتي و”الوداع” الذي ظهر بنسخة عربية سابقة في سورية، والعملان لا يتخطى كل منهما المئة صفحة حجماً. أونتي كاتب المدينة الحديثة رواية “البئر” (دار ممدوح عدوان) على رغم العزلة التي كان فيها تعاطى خوان كارلوس أونتي العمل السياسي والكتابة الصحافية السياسية ما أودى به إلى السجن ثم إلى المنفى في إسبانيا حيث توفي. إنما بعيداً من السياسة يمكن أن يلاحظ من يقرأ نص “البئر” و”الوداع” أن أونتي يغوص في أعماق النفس البشرية فيراقبها ويلاحقها ويقدمها بوصف دقيق فريد. فيبدو من هذين النصين أن الإنسان والتغيرات التي تطرأ على دواخله جراء مجريات الحياة تشكل هم أونتي الأول وهاجسه، فهذان العملان يركزان على شخصية واحدة وعلاقاتها بمحيطها وماضيها ومستقبلها. وقد يختلف أدب أونتي في هذين العملين عما يتوقعه القارئ من أدب أميركا اللاتينية، فقد استطاع هذا الكاتب أن ينتشل نفسه من الواقعية السحرية في هذين النصين على رغم أنه معروف في أعماله الأخرى بأنه كاتب المدينة الحديثة بامتياز ليكون بذلك قد سبق ماركيز في خلقه مفهوم الواقعية السحرية والمدينة الجغرافية المتخيلة. فمن الجدير بالذكر أن أونتي خلق مدينة متخيلة هي سانتا ماريا ظهرت للمرة الأولى في رواية “حياة وجيزة” (La vida breve)، التي نُشرت عام 1950 وبعد ذلك تحولت إلى مسرح رئيسي لمعظم النصوص والروايات المتأخرة التي كتبها لتخلق ما يمكن تسميته بملحمة سانتا ماريا. فتبلورت هذه المدينة في نص “مصنع السفن” (El astillero ) الذي صدر عام 1961، وفي “خاطف الأجساد” (Body Snatcher) سنة 1964، وفي “لندع الريح تتكلم” (Dejemos hablar al viento ) عام 1979. حولت هذه النصوص خوان كارلوس أونتي إلى راوي المدينة الحديثة باعتراف عدد كبير من النقاد وكتاب أميركا اللاتينية فقد خلق أونتي مدينة متخيلة ورافق إنسانها وتوقف عند دواخله ومآزقه الوجودية وأحزانه. “البئر” و”الوداع” رواية الوداع (دار ممدوح عدوان) يكتشف قارئ هاتين الروايتين المنقولتين حديثاً إلى العربية جوين مختلفين طبعاً إنما متقاطعين في أماكن متعددة من الفضاء السردي. “البئر” الرواية الأولى التي كتبها أونتي في حياته (1939) لم تنل شهرة مباشرة لدى صدورها. في هذه الرواية يعمد الكاتب إلى توظيف ضمير المتكلم المفرد لينقل دواخل سارد أربعيني قرر أن يكتب مذكراته، فيرد في الرواية: “ما أكتبه هو مذكراتي. إذ يجب على المرء أن يكتب قصة حياته حينما يبلغ الأربعين، لا سيما إذ حدثت له أمور هامة. ولا أدري أين قرأتُ هذا”. (ص9). فتروح هذه المذكرات الوجيزة والسريعة والحزينة تتناول النساء والطفولة وبعض الأمسيات المميزة من دون أن يوغل الراوي بالتفاصيل أو بالإطالة. جمل قصيرة، أسلوب سهل ومباشر ووصف موجز إنما كافٍ تحول الذكريات إلى هلوسات أو مجموعة هذيانات يتلقاها القارئ متقطعة متداخلة. يتم سرد هذه الذكريات في جو ضبابي إيقاعه سريع بانتقاله من ذكرى إلى أخرى إنما بأسلوب وصفي يلفت الانتباه. ويلاحظ قارئ أونتي قدرة وصف هائلة لدى الكاتب، وصف غريب غير متوقع وغير وافٍ إنما بطريقة من الطرق ينقل المشهد بجمالية وفنية عالية. وعلى عكس كتاب أميركا اللاتينية الذين يغالون في الوصف والإطالة ووضع نصوص تربو على الخمسمئة صفحة عموماً يبدو الوصف هنا طويلاً إنما ثاقباً وموجزاً ولا يتخطى المئة صفحة. أما رواية “الوداع” (1954) فهي رواية رجل يُحتضر وهي قائمة بأسرها على الوصف بطريقة تُشعر القارئ أنه يعرف الشخصية جيداً وأنه عايشها لمئات الصفحات وليس لتسعين صفحة فقط. يظهر راوي هذا النص متحدثاً بضمير المتكلم المفرد أيضاً إنما عن رجل آخر يلتقي به ويكرس النص بأسره له ولعلاقاته ولتصرفاته. ويشترك هذان النصان بأنهما يسيران بالشخصيات بخط مستوٍ بطيء نحو نهاية حزينة متوقعة. يسير النصان بالقارئ وبالشخصيات إلى خاتمة حتمية لا مفر منها تأتي معروفة ومفاجئة في الوقت نفسه. خوان كارلوس أونتي كاتب من الأوروغواي يستحق أن تتم ترجمة المزيد من أعماله إلى العربية ليعرفه القارئ العربي ويطلع على أسلوبه ووصفه وأدبه المفعم بالوجودية الحزينة البطيئة الثاقبة والمميزة. المزيد عن: روائي\الأورغواي\أميركا اللاتينية\سرد\الذكريات\التخييل\الواقعية السحرية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الروائية الأمريكية سوزان ميجن تعود إلى الظهور بعد عامين من إعلان وفاتها منتحرة next post فن “الراي” الأصيل بدأ يفقد هويته ويقع في الهجانة You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024