الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Home » أنطونيوني يطل على أميركا في  فيلمه “زابريسكي بوينت”

أنطونيوني يطل على أميركا في  فيلمه “زابريسكي بوينت”

by admin

ثورة الهبيين بين صراع الأجيال وتدمير مجتمع الاستهلاك

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

من بين عشرات وربما مئات المخرجين السينمائيين العالميين الذي حلموا ولو مرة في سياق عملهم أن يقدموا صورة ما عما يتصورونه أميركا وعالمها “الغامض”، هناك على الأقل ثلاثة من السينمائيين الأوروبيين – من غير الذين هاجروا في نهاية الأمر إلى أميركا واندمجوا في عوالمها -، تمكنوا من تحقيق ذلك الحلم الإبداعي من دون أن ينتهي بهم الأمر إلى سكنى العالم الجديد إذ بقوا أوروبيين بشكل أو بآخر. وهؤلاء الثلاثة هم الألماني فيم فندرز، و”اليوغوسلافي” أمير كوستوريتسا، والإيطالي ميكائيل أنجلو أنطونيوني. فكل واحد من هؤلاء وفي فيلم كبير له تمكن ذات مرة من أن ينقل “تصوّره” لأميركا إلى الشاشة مع تفاوت في ما بينهم إنما في تميّز لافت عن مجمل الذين أتيح لهم بدورهم تحقيق ذلك الحلم الإبداعي.

دور الخراب في العمار

ولئن كانت الحيرة تستبد عادة بمتابعي هذا الشأن في لعبة المفاضلة بين الأفلام “الأميركية” لهؤلاء السينمائيين الكبار، لا شك أن الصور الثلاث التي يقدمونها في أفلامهم، وهي تباعاً “لا تأت قارعاً بابي” لفندرز، و”حلم آريزونا” لكوستوريتسا، و”زابريسكي بوينت” لأنطونيوني، ستبدو في نهاية المطاف متكاملة حيث أن فندرز صور أميركا وشيخوختها، من منظور الثقافة المضادة ونقده للرأسمالية على الطريقة الأميركية، فيما صور كوستوريتسا الحلم الأميركي في أوضح تجلياته، بينما صور أنطونيوني تلك الثقافة المضادة الأميركية التي سادت القارة الجديدة والعالم عند نهائيات ثورات الشبيبة لتسفر عن نفسها ثقافة تخريبية من منطلق الفكرة التي تقول إن ما من بناء تغييري يمكن أن ينجز من دون خراب يطاول ما سبقه. وطبعاً نعرف أن هذه الفكرة شغلت كثراً من السينمائيين الأميركيين بين سنوات الستين والثمانين من القرن العشرين، لكنها في التكامل الذي يمكن ترصده بين أفلام هؤلاء الأوروبيين الثلاثة الكبار، أتت من الخارج أكثر صدقاً وشمولية في تعبيرها عما كان يعتمل في أذهان شبيبة ومثقفين كانوا يتناغمون مع تلك الروح الثورية التي وصلت أميركا آتية من خارجها في ذلك الحين.

ميكائيل أنجلو أنطونيوني (غيتي)​​​​​​​

كل “التيمات” له

والحقيقة أن النقاد ومؤرخي السينما واشتغالها على الذهنيات، فضلوا دائماً فيلم أنطونيوني وهو الأقدم بين الأفلام الثلاثة التي نشير إليه، على اعتبار أن “زابريسكي بوينت” أتى شاملاً في ثنايه العناصر الثلاثة المكونة لتلك النظرة الجديدة تُلقى على أميركا: الحلم الأميركي، الثقافة المضادة وبالتالي، لعبة التدمير التي تكاد تكون هيبية الجذور… ولعل كوستوريتسا وفندرز كان في إمكانهما أن يقولا في هذا الصدد أن مشكلتهما كمنت في أن سلفهما الإيطالي الكبير، استحوذ لنفسه قبلهما على تلك “التيمات” الأساسية معاً ليكوّن واحداً من تلك الأفلام التي تسم مرحلة بعينها مطلقة مرحلة جديدة باحثة عن ذهنيات جديدة وأفكار تتقاطع مع ثورات “صراع الأجيال” التي بدت في ذلك الحين مغلفة للقضية بأسرها.

أميركا العميقة

وذلكم هو في الحقيقة، جوهر ذلك الفيلم المدهش الذي حققه أنطونيوني في عام 1970 وكان قد بلغ حينها الثامنة والخمسين من عمره وباتت سينماه تمعن في إنتاج أفلام خارج بلده إيطاليا ولا تمت بصلة إلى جذوره أو مواضيعه الإيطالية كما سنرى بعد سطور. فـ”زابريسكي بوينت” هو بعد كل شيء أكثر الأفلام أميركية بين الأفلام التي صورها غير أميركيين عن أميركا. ولعل الدلالة الأعمق على هذا هو تصوير أنطونيوني فيلمه في أميركا العميقة متأرجحاً بين الواقع المفرط الذي يكاد ينتمي إلى لوحات إدوارد هوبر، وإلى الأحلام الميتافيزيقية التي كانت تعبق بها حياة الهبيين على خطى أشعار جيل البيتنكس، والاستعراضات الراقصة المسرحية في برودواي وخارجها. وإذا قلنا هبيين هنا فإننا نعني شريحة عريضة من الشبيبة المنتمية إلى البورجوازية المتوسطة والصغرى، بل الكبرى كذلك بالنسبة إلى الفتاة بطلة “زابريسكي بوينت” التي في ثورتها على عائلتها وانخراطها في الممنوعات والموسيقى والغناء الناقم على مجتمع الآباء وعلى الضد من حرب فيتنام التي كانت قد وصلت ذروتها في ذلك الحين، راحت تحقق ثورتها ولكن، كما يفيدنا الفيلم في مشهد أخير فيه لم يسبق لأي فيلم آخر أن صور الخراب المنشود بمثل ما صوره، في لغة “بسيكيديلية” مذهلة… لكنها تبقى لغة حلم، بالنسبة إلى البعض، ولغة كابوس بالنسبة إلى البعض الآخر، حتى ولو نقلت لنا الكاميرا صورة انفجارات تطاول ألوف البضائع والمواد التي يمكن اعتبارها رموزاً حقيقية لمجتمع الاستهلاك الذي كان الهبيون قد بدأوا ثورتهم ضده.

بين المجتمع وحكايات الحب

مهما يكن من أمر، إذا نحينا واحداً من أول أفلام أنطونيوني، وهو “مدونات حب” (1950)، الذي يحمل حتى هو، تناقضاته بين تصوير المناخ الاجتماعي، وبين الحبكة “الغرامية” التي يدور من حولها، سنجد كل سينما أنطونيوني، من “المهزومين” (1952) إلى “ما وراء الغيوم” (1995)، ومن “سيدة دون كاميليا” (1953) إلى “زابرسكي بوينت” و”المهنة مخبر” و”تعريف امرأة” (1982)، أفلاماً شديدة الخصوصية، حتى من الناحية الاجتماعية. بل أن ثمة في سينما أنطونيوني (راجع مثلاً “المغامرة” و “الصرخة” و “الصحراء الحمراء” – وكلها حققت بين 1957 و1964، في أوج توجه فن السينما يساراً، في أنحاء عدة من العالم) ما ينسب هذه السينما إلى نوع خاص من الرواية الوجودية، حتى وإن كانت الأولى بين هذه الأفلام تنتمي إلى المجتمع الإيطالي، الذي كان مثقفوه الأكثر راديكالية، على تناقض تام مع أية نزعة وجودية. الحب، الملل، الموت، العائلة، فقدان التواصل، الآفاق المسدودة… ولكن خصوصاً لدى الأفراد، وفي شكل أكثر وأكثر خصوصية لدى البورجوازية الصغيرة والمتوسطة كما لدى شرائح من الأنتلجنسيا.

قبل الخروج إلى العالم

تلكم هي المواضيع الأساسية التي دارت من حولها كل الأفلام الروائية الطويلة التي حققها أنطونيوني في إيطاليا، قبل أن يخرج من ثوبه الإيطالي هذا، بدءاً من أواسط ستينيات القرن العشرين. وبالتحديد منذ حقق “بلو آب” عام 1966، في لندن، انطلاقاً من قصة قصيرة لخوليو كورتاثار. والمدهش أن أنطونيوني الذي كان عام 1964 قد حقق “الصحراء الحمراء” (أول أفلامه الملونة)، فيلماً إيطالياً خالصاً، عرف كيف يحمل نفس مواضيع هذا الفيلم، ليحط بها في لندن الستينيات، أي لندن “بلو آب”. ولسوف يكون ذلك بداية تجوال سينمائي حقيقي لديه، حتى وإن كان عدد الأفلام المحققة خلال آخر ثلث قرن من حياته، أي منذ “بلو آب”، حتى “ما وراء الغيوم” (1995)، قليلاً جداً لا يتجاوز الستة أفلام روائية، كان يقطعها بين الحين والآخر بأعمال وثائقية لعل أروعها “تشونغ كيو” الذي جال فيه، مع كاميرا ذكية وحادة، أرجاء عدة من الصين. أما الأفلام الروائية الأخيرة، فكانت تباعاً، بعد “بلو آب”، “زابرسكي بوينت” (في الولايات المتحدة  (1970، “المهنة مخبر” (بين أفريقيا وإسبانيا عام 1974)، “سر أوبروالد” -الذي عاد فيه عام 1980، ليصور في إيطاليا، ومن بطولة فاتنة بعض أفلامه الأولى مونيكا فيتي-  و “التعريف بامرأة”، الذي جعل السينما موضوعاً له، قبل أن يحقق عام 1995، وهو على كرسي نقال غير قادر على الكلام أو الإصغاء، فيلمه الأخير “ما وراء الغيوم”، الذي كان في الأصل أشبه بأنطولوجيا لأفلام لم يتمكن أنطونيوني من تحقيقها طوال حياته، وموضوعها الأساس الحب… وهو كان قبل ذلك قد جمعها في كتاب.

هل كان إيطالياً؟
خلال الجزء الثاني من حياته، لم يكن أنطونيوني، إذاً، إيطالياً، بالمعنى الذي كان يمكننا أن نقول معه إن فيسكونتي وفلليني إيطاليان، أو أن إنغمار برغمان سويدي. ولعل هذا ما جعل أنطونيوني يعتبر “البدوي الأكبر” في فن السينما خلال الثلث الأخير من القرن العشرين. ومن المؤكد أن مراجعة سينما أنطونيوني، لا تضعنا فقط أمام هذه الحقيقة، بل إنها تطرح علينا سؤالاً آخر أساسياً بدوره: هل كان انطونيوني، أصلاً، إيطالياً حتى في أفلام مرحلته الأولى؟ بل لعل في إمكاننا أن نبدل هذا السؤال بسؤال آخر: ترى أفلم يكن أنطونيوني كوزموبوليتياً بالمعنى الأعمق للكلمة في معظم أفلامه/ كوزموبوليتياً توّج مساره بتلك الإطلالة الرائعة والقاسية على أميركا في “زابريسكي بوينت”؟

المزيد عن: فيم فندرز/أمير كوستوريتسا/ميكائيل أنجلو أنطونيوني/سينما/فيلم زابريسكي بوينت

 

 

You may also like

10 comments

college essay template 13 نوفمبر، 2021 - 5:31 م

You’re an extremely beneficial web site; could not make it without ya! http://multiessay.com/

Reply
ebony sex games 19 نوفمبر، 2021 - 12:21 ص

Awesome Site, Continue the useful work. Thank you. https://winsexgames.com/

Reply
keto diet desserts 19 نوفمبر، 2021 - 2:14 م

Just simply had to stress I’m just happy I came on the website. https://ketogendiet.net/

Reply
green beans keto 19 نوفمبر، 2021 - 2:17 م

Thanks a ton! It is definitely an wonderful website. https://ketogendiets.com/

Reply
keto diet 20 نوفمبر، 2021 - 4:13 ص

Thanks really handy. Will share site with my friends. https://ketogenicdiets.net/

Reply
keto fruit list 21 نوفمبر، 2021 - 2:31 ص

How goes it, excellent site you possess at this time there. https://ketogenicdietinfo.com/

Reply
gay dating documentary youtube 11 يناير، 2022 - 1:50 م

gay dudes strong bo odor dating sitesgay dating documentary youtubedating gay bbc meet twinks
gay stoner dating gay dating sim

Reply
gay closet dating 12 يناير، 2022 - 1:24 ص

gay dating profile “always-looking” free gay dating skwerts gay dating naked gay closet dating

Reply
example of a toulmin essay 12 يناير، 2022 - 9:08 ص

persuasive essay examples 500 word essay persuasive essay outline example of a toulmin essay

Reply
gay dating hamptonroads virginia 14 يناير، 2022 - 6:41 ص

tucson free local gay only dating sites smooth chubby chub
gay dating facebook gay dating group gay dating hamptonroads virginia

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00