من رسوم وضعت لأجواء إحدى روايات بلزاك (موقع الكتاب) ثقافة و فنون يوم زاوج بلزاك في “الجلد المسحور” بين الفانتازيا والواقعية فكسب جمهورين by admin 13 مايو، 2025 written by admin 13 مايو، 2025 21 رهان فاوستي من نوع شديد الإنسانية وحملة دعائية بالغة الحداثة لانطلاقة كاتب اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب . كان أمراً بالغ الجدة ما رصده جمهور قراء الصحافة الأسبوعية الباريسية طوال عام 1830 خلال الزمن الذي كانت فيه موضة المسلسلات الروائية التي تنشر أسبوعياً في الصحافة الشعبية الفرنسية قد وصلت إلى ذروتها. كان أمراً بالغ الجدة أن يطالع القراء طوال ما يقارب عام فقرات ومقاطع مجتزأة من رواية أعلنت إحدى أشهر مطبوعات ذلك الحين أنها ستبدأ بنشرها عما قريب وستكون من تأليف “الكاتب الشاب الموهوب” أونوريه دي بلزاك مركزة بصورة خاصة على أن هذه “الرواية الجديدة للمسيو بلزاك ستكون مختلفة جذرياً عما سبق أن نشر له من روايات”. والحقيقة أن هذا الاختلاف لفت الأنظار حقاً إذ يشار إليه على تلك الشاكلة خصوصاً أن كتابين سابقين لبلزاك كانا قد مرا مرور الكرام من دون أن يحققا ضجة كانت متوخاة منهما، وهما رواية “الشوان” التي تدور أحداثها خلال الثورة الفرنسية وتمجد الفلاحين الملكيين المعادين للثورة، و”مشاهد من الحياة الخاصة” المؤلفة من عدة حكايات “فلسفية”. غير أن ما لفت الأنظار أكثر كان عنوان الرواية الموعودة، وهو في الفرنسية حرفياً “جلد الشجن” حتى وإن كان سيترجم لاحقاً في بلدان عديدة بما يعني “الجلد المسحور”، وهو العنوان الأقل دقة الذي نفضل اعتماده هنا لبساطته. علماً أن العنوان الأول وغموضه كان هو ما ولد ذلك الفضول الذي أدى إلى النجاح التجاري الكبير للرواية جماهيرياً، سواء حين نشرت مقاطع متفرقة أسبوعية أو لاحقاً حين صدرت في كتاب في العالم التالي 1831. حكاية حزينة والحقيقة أن القراء في مجملهم، وخارج إطار الحملة الدعائية التي كالعادة أحسوا فيها قدراً مبالغاً فيه من الخداع، أحبوا الرواية إلى درجة أنها ظلت لعقود طويلة تعد من أشهر روايات بلزاك. ولعل الجانب الاختلافي الذي أعلن عنه طوال عام بأكمله قبل وصول الرواية إلى أيدي القراء، كان هو ما قرب الرواية من عقول الناس في زمن كانت الروايات الغرائبية قد بدأت تنتشر وتصل إلى ذروة لافتة في حذوها حذو روايات النوع الإنجليزية. بالتالي يمكن القول إن هذه الرواية التي تبدو لوهلة ما، ذات نفس إنجليزي وأنها، وبالفعل، تختلف عن كل ما كان نشره بلزاك قبل ذلك، كانت في خلفية شعبية جديدة عرفها أدب بلزاك في تلك المرحلة. ولربما يكون في الخلفية أيضاً، الحزن العميق الذي يهيمن على تلك الرواية من خلال حبكتها المعكوسة في العنوان الحرفي. حققت الرواية نجاحاً كبيراً في القرن الـ19 وتواصل نجاحها في القرن الـ20 مع اقتباس السينما الفرنسية لها مرات عديدة، هذا إذا أغفلنا الكلام عن اقتباساتها المسرحية والأوبرالية. وفي المضمار الأخير لا شك أن في إمكاننا أن نخمن كيف أنها اتسمت أيضاً بقدر ما من الميلودرامية. غير أن ذلك لم ينزع عنها سمتها الأساسية والمزدوجة كرواية واقعية – غرائبية، وربما واقعية بأكثر من كونها غرائبية وسنعرف لماذا بعد سطور. في سبيل الخلاص لكن قبل ذلك لا بد من الحديث عن حبكة الرواية نفسها حتى وإن لم تكن أهم ما في موضوعنا هنا. فالرواية تدور من حول الشاب رافائيل دي فالنتان اليتيم المليء بالطموح، الذي يعيش حياة عزلة لا شك أنها يجب أن تذكرنا بالحياة التي عاشها بلزاك نفسه حين كان في عمره، وفي عنوان بشارع ليديغيير الباريسي هو نفس شارع بلزاك، حتى وإن كان علينا أن نعد الأمر مجرد استعارة عابرة، فلا نربط بين رافائيل وبلزاك بوصفهما واحداً. وبالنسبة إلى رافائيل سندرك منذ البداية أن ما يساعده على تحمل العيش والفقر حتى، إنما هي جارته بولين التي تحبه بينما هو مغرم من ناحيته بفتاة متعجرفة تدعى فيودورا تمارس نحوه رفضاً يدفعه دفعاً إلى الرغبة في الانتحار. غير أن الصدفة تجمعه يوماً بتاجر تحف غريب الأطوار يتمكن من إحداث تحول جذري في حياته: ذلك أن هذا التاجر يقدم له يوماً قطعة من الجلد مصنوعة من مادة غامضة منبهاً إياه إلى أن لتبني القطعة مخاطره إذ إنها حيث تبدو قادرة على تحقيق أمنيات من يمتلكها، لها خصوصية تكمن في التقلص كل يوم بقدر ما تحقق من تلك الأمنيات. ومن هنا ذلك الخطر القاتل الذي يمكن أن تستتبعه المبالغة في الاستعانة بذلك الجلد المسحور. والحال أن رافائيل يدرك بسرعة مكمن الخطر والمجازفة التي يقدم عليها. لكنه لا يبالي فهو حاضر للمخاطرة ولو بحياته في سبيل رغباته وأمنياته. وبالفعل ستنتهي الرواية حين يضحى بطلها عاجزاً تماماً عن إسكات رغباته لا سيما تلك الرغبة الأخيرة التي تستبد به وتكمن في الاستحواذ على… بولين. بعد فلسفي من الواضح أننا هنا في صدد حكاية تتلخص غرائبيتها في حكاية الرهان الفاوستي من حول قطعة الجلد. بيد أننا هنا أيضاً أمام حكاية فلسفية تماماً تتلخص أيضاً في كون الرهان فاوستياً بصرف النظر عن محرك الرهان نفسه وغرائبيته. فحتى ولو أن للموضوع كل سمات الأدب الفانتازي من الواضح أن ما ركز عليه المؤلف إنما هو استخدام الفانتازيا نفسها لغاية فلسفية. أونوريه دي بلزاك (1799 – 1850) (غيتي) والحقيقة أن بلزاك لا يبتعد في هذا التوجه عن المسلك الأساس الذي سار عليه الأدب الفانتازي منذ بداياته، لا سيما، في حالتنا هنا، مع غوته الذي كان أول من أضفى على حكاية فاوست بعداً فلسفياً إلى الحد الذي باتت معه من أهم الحكايات الفلسفية الإنسانية في تاريخ الأدب. صحيح أن بلزاك لم يصل في “الجلد المسحور” إلى هذا المستوى، لكنه عبر روايته هذه تمكن من أن يخلق لأدبه فرعاً سيكون له شأن في خريطة كوميديا الإنسانية الكبرى. لكن أيضاً في نوع أدبي ذي سمة أخلاقية قد لا يبدو متصدراً الصورة في هذا العمل. وذلك لأن ما لدينا هنا هو ذلك الميثاق الشيطاني الذي يعقده رافائيل مع القوى الجحيمية كناية عن الرغبات المدمرة، ولكن أيضاً عن الفجوة الهائلة التي تفرق بين الأهواء والإمكانات المحدودة التي تملكها طبيعة الأشياء… وكأن بلزاك يريد أن يقول لنا في نهاية الأمر إن للحياة نفسها مخزوناً ينفد بالضرورة بقدر ما تتراكم ملذاتنا ورغباتنا، حتى النهاية التي لا ندرك حدودها إلا بعدما نكون في غفلة عن ذلك. بمعنى أن ما يكون فلسفياً في فاوست غوته يضحى هنا وعظياً أخلاقياً لدى بلزاك. لكن من دون أن يبتعد كثيراً عن الملامح الفلسفية التي تميز نص غوته. خصائص بلزاكية غير أن ما يمكن التوقف عنده لدى بلزاك على أية حال، ونراه يتميز به، الهندسة التي جعلها لروايته، هندسة تجعل من اللقاء الأول بين رافائيل وتاجر التحف نقطة المركز في السرد الروائي، لا حكاية حبه لبولين أو لفيودورا. مع أن حكاية حياة رافائيل قبل ذلك اللقاء إنما تروى لنا خلال جلسات هذا الأخير الماجنة مع خلانه. وذلك من دون أن ننسى خاتمة الرواية، التي تأتي على شكل ملحق لأحداثها، كي تلقي كثيراً من ظلال الشك على كل ما يروى في الرواية نفسها، معطوفاً على لفتة تبدو مباغتة في مجال التوصيف الذي تقدمه الرواية، في هذا الجزء منها، لمدينة باريس كمسرح يبرز الآن فقط لأحداث كانت تبدو، ولو جزئياً أول الأمر، كما لو أنها أحداث هلامية تدور في أي مكان وفي كل مكان… وربما في ذاكرة ما، قبل أن تتحول هنا إلى الحدوث في عالم ملموس هو العالم الباريسي. المزيد عن: فرنسابلزاكفاوستالثورة الفرنسيةالسينما الفرنسيةالأدب الإنجليزيغوته 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “بيبي جيرل” الانتصار للرغبة ولو بكسر القواعد next post “حي بن يقظان” ما زال يعاصرنا بعد 850 عاماً You may also like “حي بن يقظان” ما زال يعاصرنا بعد 850... 13 مايو، 2025 “بيبي جيرل” الانتصار للرغبة ولو بكسر القواعد 13 مايو، 2025 «جماليات الإفصاح الوجداني»… قراءات في الأدب الألماني 12 مايو، 2025 “العروس الشابة” رواية فانتازية للإيطالي أليساندرو باريكو 12 مايو، 2025 مونتسكيو يخرق صرامة “روح الشرائع” بكتابة لئيمة ساخرة 12 مايو، 2025 تاريخ بأسره وإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وفيلم... 11 مايو، 2025 محمد أبي سمرا يكتب عن: “لعنة باب عكا”... 11 مايو، 2025 عن الازدراء الفلسفي للوجود بعين الكاميرا السينمائية 10 مايو، 2025 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر مايو 2025 10 مايو، 2025 أرتيميسيا تلميذة كارافاجيو التي تفوقت عليه تستعيد مكانتها... 10 مايو، 2025