القدس القديمة (المؤسسة الفلسطينية) ثقافة و فنون وجوه فلسطين المتعددة بعين مستشرقة بريطانية by admin 30 سبتمبر، 2024 written by admin 30 سبتمبر، 2024 84 رحلة التاريخ والجغرافيا والحياة الدينية والاجتماعية في الأراضي المقدسة اندبندنت عربية / لنا عبد الرحمن “هنا على أرض فلسطين تلتقي كل الأجيال. في بلد مشرق الشمس ومغربها، نجد آثار أولئك الذين عرفوا الأرض وأحبوا البحث في أسرارها، لنعرف أن الشمس قد غربت لتشرق مرة أخرى”. توجز هذه العبارات رؤية الرحالة الإنجليزية آدا غودريتش فرير إلى الأرض المقدسة من خلال رحلة حجها إلى هناك، منذ أن حطت في ميناء يافا وصولاً إلى القدس عام 1901. فقد ألفت كتاباً يحمل عنوان “اسمها فلسطين” يضم بين دفتيه تأملاتها في الأماكن والبشر والمدن التي شاهدتها. وصدر هذا الكتاب أخيراً عن دار الرواق بترجمة الكاتبة خميلة الجندي التي تقول في مقدمها “ما كتبته آدا ما هو إلا قول حق مهما ابتعد من أعين القراء فهو آمن بين دفتي كتاب. لا يدافع بحمية لسان أو عرق أو دين بل ببساطة تقول: لهذه الأرض أهل منذ قديم الأزل، وعادات أهلها عندما زرتها كذا وكذا. لم تلجأ إلى وصف الأماكن بعين زائرة متجولة فحسب، بل بطنت رؤيتها بعدسة دينية، اليهودية والمسيحية والإسلام، وهو دليل واضح وصريح منها على أن أهل هذا البلد لهم جذور كجذور الزيتون راسخة عميقاً في باطن الأرض”. لا يمكن القارئ أن يغفل في سرد الكاتبة عن تأثير رؤيتها الحية إلى المكان، فقد انشغلت خلال رحلتها الإبداعية بالكتابة في مجال الظواهر الروحية والفلكلور والظواهر الخارقة للطبيعة والأبحاث النفسية، وهذا يتجلى في تعبيراتها الحساسة للعلاقة مع الطبيعة والأشياء المحيطة بها التي تحمل دلالات تراثية سواء كانت أماكن، أو ثياباً تدل على انتماء ما للقرية أو البادية أو المدينة. الكتاب بترجمته العربية (دار الرواق) في “اسمها فلسطين” تقدم فرير مقاربتها النصية لفلسطين من جوهر إيمانها بأنها الأرض المقدسة، التي تمتلك مكانة تاريخية ودينية استثنائية تتجاوز حدود الجغرافيا والزمن. إنها واحدة من أقدم المناطق المأهولة في العالم بحيث شهدت على مر العصور تعاقب الحضارات والشعوب، بدءاً من الكنعانيين مروراً بأعراق وأقوام كثيرين تعاقبوا على أرضها، مما أسهم في صياغة الهوية الدينية والثقافية للبشرية كونها مهداً للديانات السماوية الثلاث وتحتضن في رحابها مواقع مقدسة لها دلالة عميقة لكل دين. على مدار الفصول الثمانية التي تبدأ مع “عتبة يافا” وتنتهي مع “الأماكن المقدسة في الأرض المقدسة”، تفرد الكاتبة داخل فصولها مساحات للتأمل في حياة الصحراء وحياة القرية والمدينة وطبيعة الحياة الدينية والاجتماعية في فلسطين خلال مطلع القرن الـ20. وتتمكن الكاتبة من أخذ القارئ بخفة ليلاحق كلماتها كما لو أنه يرافقها في زيارة بوابة الصديق أو قبة راحيل في يافا أو بيت لحم أو القدس، أو غيرها من الأماكن. روح رحالة تمتلك فرير روح رحالة أصيلة تطمح إلى كشف الحقيقة واعتناق روح الولاء للأرض، ولا تغفل عن التفاصيل الدقيقة للأشخاص والأماكن. وتبحث عن رؤية متفردة نابعة من وقوعها تحت “سحر الأرض المقدسة” وإيمانها بضرورة رؤيتها بعين الحق. إنها مهد العالم والمسرح الذي دارت عليه أعظم دراما في تاريخ البشر. يافا في القرن التاسع عشر (المؤسسة الفلسطينية) وخلال السرد التاريخي الذي يستدعي الماضي البعيد، لا تغفل عن تدوين ما تراه عيناها من مناظر طبيعية بديعة في فصلي الصيف والخريف وقت حصاد العنب والذرة ونبات الدخن والسمسم، تصف تدرجات الألوان والأرض التي لفحتها الشمس وتدرج الألوان الترابية مع عدد لا يحصى من الأزهار الصغيرة والحجر الجيري وأشجار الزيتون الفضية اللامعة واللوز الأخضر، وأشجار التين نصف العارية ذات الأوراق العريضة. كل هذه المشاهد تؤلف معاً لوحة فنية متداخلة تظللها سماء ياقوتية صافية. وعلى مدار السرد ثمة حضور مشتبك للحواس واحتفال بالألوان والروائح والثمار والأصوات والنجوم. وتقول “يكن المشرقي حباً جماً للزهور، بخاصة الزهور ذات الروائح العذبة، ومسلمو الطبقة الثرية عادة ما يملكون بيتاً في الريف حيث يزرعون الحدائق وتمكث السيدات فيه خلال أشهر الصيف. وللسبب نفسه هناك ميل الآن بين سكان المدن ولا سيما أورشليم ويافا ودمشق وبيروت لامتلاك منازل جديدة خارج المدينة، إذ هناك مساحة كافية لبناء بيوت عصرية”. وتعقد الكاتبة مقارنات مع ما رأته في أوروبا، وترى أن كروم العنب في فلسطين تترك مائلة نحو الأرض ولا تزرع في ممرات مقنطرة كما يحصل في الغرب. وتقارن أيضاً بين القدس وغيرها من المدن الشرقية التي مرت بها مثل القسطنطينية ودمشق والقاهرة. ويستوقفها الزحام عند باب الخليل الذي لا يعتاده حتى أكثر المسافرين خبرة، لأن القدس تقف متفردة بين سائر المدن بتنوع الأعراق التي تفد إليها من كل أنحاء الدنيا لزيارة المدينة المقدسة، إذ يسهل الوصول إليها من جميع أصقاع الأرض. وتقول “تبعد بورسعيد وهي بوابة البحر الأحمر مسافة ليلة واحدة عن يافا وميناء أورشليم، وعبر البحر الأحمر يمر كثر من المسافرين الوافدين من أستراليا وجنوب أفريقيا”. لكن المقارنات التي تدور في ذهن الكاتبة تمتد أيضاً إلى القناعات المستلهمة من الأديان ويمارسها أتباع كل دين، وإلى التراث الشعبي عند العوام سواء في المدن المشرقية أو في إنجلترا والبلدان الأوروبية المجاورة، ومن وجهة نظرها “يمكننا أن نعثر على حكايات شاملة في بلد كفلسطين. هناك خرافات يقبلها الجميع. الأمهات المسلمات والمسيحيات يملكن قطعاً من غار أو كهف في بيت لحم، بحيث يقال إن قطرات من حليب العذراء تساقطت على الأرض. وعلى صعيد آخر تستخدم الأمهات اليهوديات تمائم بعينها لتشتيت انتباه ليليث، زوجة آدم الأولى. جميعهن متساويات في ثقتهن بأن كهفاً بعينه في جبل الكرمل له صلة بالنبي إيليا، وله فضائل شفائية”. وتتجلى في فصول الكتاب ضروب متباينة من العادات والتقاليد التي كانت تجري على أرض فلسطين، سواء في حياة الفلاحين في القرى أو البدو في الصحارى أو أهل المدن. وتتقصى المؤلفة المسارات الاجتماعية في العلاقات الإنسانية وتداخلها أو حيادها بين البدو والفلاحين من جهة، وبين الفلاحين وأهل المدينة من جهة أخرى. وتتوقف مطولاً أمام أحوال المرأة البدوية التي تتزوج من أبناء قبيلتها ويكون مهرها من الماشية. فتحكي عن عرف القبائل في الزواج وعن تجنب حدوث زيجات بين البدو والفلاحين، فلكل منهما طباع مختلفة، لا تسهل عليهما العيش المشترك. وتتناول مسألة تعليم المرأة ومدى انتشاره في المدن، وكيف أن أعداداً كبيرة من بنات طبقة النبلاء المسلمات كن يتلقين التعليم، فمنذ أكثر من 30 عاماً وُضعت مدرسة البنات في أورشليم تحت رعاية جمعية تعرف باسم “المستعمرة الأميركية” بعد أن كانت تحت رعاية البلدية، وقبلها بأعوام كانت البنات يرسلن إلى أديرة كثيرة ليتلقين تعليمهن. نطاق واسع في الفصل الذي يحمل عنوان “الحياة الاجتماعية في الأرض المقدسة” تتحدث الكاتبة عن الإمبراطورية العثمانية وعلاقتها برعاياها المسيحيين، كما تتناول صعود اليهود وشراءهم المستمر للأراضي الفلسطينية، وكيف انجذبوا إلى شمال فلسطين لما تمثله صفد وطبريا من قداسة في عقيدتهم. وتقول “وهنا في أورشليم أيضاً يتملكون الأراضي من كل صوب، اليهود شأنهم شأن الألمان يملكون مستعمرات زراعية واسعة في بادية شارون ويجري التجهيز في الجليل لمدرسة صناعية ضخمة ومجهزة، تهتم في المقام الأول بالزراعة والبستنة”. الجدير ذكره أن الكاتبة آدا جودريتش فرير عالمة نفسانية وباحثة ورحالة إنجليزية تيتمت في سن مبكرة، ورعتها عمتها التي كانت تدير مدرسة داخلية للفتيات. وانشغلت الكاتبة بدراسة الظواهر الروحية والنفسية الغامضة مما جعل كتاباتها مثيرة للجدل في جانب منها. وإضافة إلى اهتماماتها الروحية كانت فرير باحثة متميزة في مجال الفلكلور الاسكتلندي. وجمعت وسجلت عديد القصص الشعبية والتقاليد الشفهية من المناطق النائية في اسكتلندا، وساهمت في حفظ التراث الشعبي للمرتفعات والجزر الاسكتلندية. وسافرت عام 1901 إلى القدس وهناك التقت زوجها الوزير الدكتور هامز هنري سبور، وقد نشرت عديد المؤلفات من بينها كتب في أدب الرحلات. المزيد عن: التراث الفلسطينيفلسطين القديمةمشاهداتآثارالهويةالعمارةالقدسالحياة الدينيةمستشرقة بريطانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف ينجو أمثال هارفي واينستين ومحمد الفايد من انتهاكاتهم؟ next post البشر يريدون الحرب للبقاء ولكن ما ذنب الضحايا؟ You may also like محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 كوليت مرشليان تكتب عن: الصحافي والكاتب جاد الحاج... 26 ديسمبر، 2024 إسماعيل فقيه يكتب عن: “دعوني أخرج”!… قالها الشّاعر... 26 ديسمبر، 2024 عقل العويط يكتب عن: سوف يصفّق في الظلام... 26 ديسمبر، 2024 روؤف قبيسي يكتب عن جاد الحاج … صفحات... 26 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024