الحروب كنوع من صراع الإنسان ضد الإنسان (لوحة بريشة جون سينغر سارجنت، موقع متحف الحرب الملكي ـ لندن) ثقافة و فنون هوبس الذي لم ينصف الإنسان أنصفه التاريخ المعاصر by admin 15 أبريل، 2025 written by admin 15 أبريل، 2025 9 ثلاثة مؤلفات ومئات الصفحات المكثفة لتأكيد فكرة أن “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من المؤكد أنه كان في مقدور قراء العصور التالية للزمن الذي عاش فيه الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس (1588 – 1679) أن يكرهوه بقدر ما يشاؤون، بسبب مؤلفاته وأفكاره ولكن أيضاً بسبب ملامحه الكريهة المليئة بالحقد، التي تلوح من شتى البورتريهات التي رسمت له، غير أن ثمة أمراً ربما يمكننا اعتباره “إيجاباً” يتعلق بهذا المفكر الذي لا يخلو من الحديث عنه أي كتاب في تاريخ الفلسفة أو تاريخ الفكر السياسي، من ناحية بوصفه فيلسوفاً، ومن ناحية ثانية بوصفه المؤسس الحقيقي في تاريخ هذا الفكر لمبادئ قيام الدولة الحديثة. وثمة أيضاً إلى جانب ذلك، مكانته في تاريخ الفكر الأخلاقي التي كان ثمة خلاف عميق حولها منذ الزمن الذي عاش فيه، وحتى مشارف الألفية الثالثة. ولماذا حتى هذه المشارف؟ بكل بساطة لأن بدايات القرن الـ21 أعطته الحق في الأقل بالنسبة إلى المنطلق، البسيط، الذي انطلق منه ومن عبارات قليلة قالها، ليبني صرحاً فكرياً يمكننا اليوم أن نستعيده ولو آسفين ونحن نتحدث عن الدولة وبنائها وضرورتها. وهذا المنطلق يقوم أساساً على ما حاول هوبس أن يقوله دائماً من أن “الإنسان إنما هو ذئب بالنسبة إلى أخيه الإنسان”، مركزاً على أن هذا المبدأ السلبي هو ما أسس للدولة في تاريخ البشرية ويبرر ضرورتها وحتمية الرجوع إليها لتسوية أمور الحكم والرعية والتناحرات بين الأمم في التاريخ الإنساني، في اختصار لولا أن الإنسان يعامل أخاه في البشرية تعامل الذئب في البرية مع بقية الحيوانات لما كان ثمة حاجة إلى الدولة. كائن شرير بطبعه بالنسبة إلى هوبس، وعلى النقيض من كثرة من الفلاسفة والمؤلفين في مجالات العلوم والأفكار الإنسانية من الذين يصرون عادة أن الإنسان طيّب في ذاته، لكن الظروف التاريخية تضطره إلى استئصال تلك الطيبة من حياته، هوبس يفتي بأن الإنسان كائن شرير بطبعه، وهو لكي يتصدى لذلك الشر فيبارح الأدغال التي يحيط نفسه بها، يجد نفسه مضطراً، حين تتحول حياته من فردية إلى جماعية ما يضطره إلى التعامل مع الآخرين تعاملاً هو فعل التأسيس لوجود السياسة والحكم والتسويات بين الأفراد والجماعات – تلك البنى التي ستختصر دائماً تحت مسمى الدولة، بصرف النظر عن الأشكال التي تتخذها تلك الدولة بالطبع – يجد الوسيلة التي تلجم توحشه ووقوفه، مدافعاً أو مهاجماً، في وجه الذئاب الأخرى التي تتكون منها البشرية منقسمة إلى جماعات، ومن هنا فإن الدولة ليست بالنسبة إلى هوبس سوى الوسيلة الأكثر منطقية لانتزاع توحش الإنسان وتمكنه من التعايش مع الآخرين. وانطلاقاً من هذا الواقع البسيط تتفرع كل تلك الأفكار المتعلقة بالدولة وبنائها والمجتمعات وسيرورتها وعلاقات التبادل بشتى تفرعاتها، كما تنشأ الحروب وضروب السلام. ونعرف طبعاً أن هوبس، للبرهنة على تلك الفكرة وتأصيلها في فلسفته السياسية، وزعها على ما لا يقل عن ثلاثة مؤلفات أساسية هي “اللفياتان” (التنين)، الكتاب الذي أجمل فيه في عام 1651 كل تلك الأفكار بعدما كان قد استعرضها بالتفصيل في كتابين سابقين هما “عن المواطن” (1640) و”حول الطبيعة البشرية” (1650). والحقيقة أنه مهما كان غنى التفاصيل والأفكار التي وزعها هوبس على تلك المؤلفات الثلاثة، فإنها تصب معاً في تلك الفكرة البسيطة التي تمسك بها منذ البداية متعلقة بكون الإنسان في طبيعته ذئباً. توماس هوبس (1588 – 1679) (غيتي) تأسيس الدولة والحال أن ما ساعد هوبس، أساساً، على الوصول إلى صياغة تلك الفكرة إنما كان نزعته المادية الخالصة التي تفاقمت لديه على الضد من نزعات روحية كانت تسود عالم الفكر منذ القرون الوسطى، وحتى من دون أن تكون لها علاقة بقضايا الإيمان. فبالنسبة إلى هوبس لم تكن الأفكار نابعة من الشؤون الروحية بل من الأحاسيس، ومن هنا فإن أخلاقه التي يمكن وصفها بأنها نفعية حتى من قبل ولادة هذا المصطلح بقرون، تلك الأخلاق التي نجدها في أساس كتاب تأسيسي ومبكر له هو “حول القانون الطبيعي والسياسي” قبل أن نلتقيها في تفاصيلها في “التنين”، يمكننا أن نصفها بأنها اشتهرت لكونها قد أوضحت، بين أمور أخرى، جذور الاستبداد في الاستعداد الطبيعي لدى الكائن البشري لأن يكون ذئباً بالنسبة إلى بقية الكائنات البشرية، حيث وفي الوضعية الطبيعية للعلاقات، ليس ثمة سوى “حروب يخوضها الكل ضد الكل”. ومن ثم بغية الحيلولة دون تأبيد تلك الحروب ومنعها من أن “تأكل الأخضر واليابس من دون هوادة” تفرض نفسها الحاجة – في مواجهة الخلاص الآخر المتمثل في “ملكية الحق الإلهي”، التي إذ تقوم في البداية على هيمنة الأقوى في مجتمع من المجتمعات – إلى قيام عقد جديد يوكل به موقعوه، أكانوا أفراداً أو جماعات، تسوية أمورهم وضبط علاقاتهم، إلى هيئة حاكمة وحيدة يمكن أن تكون فرداً أو ملكاً أو أوليغاركية (طغمة) أو مجلساً تشاورياً تمتلك، بموافقة موقعي العقد، مقدرات الحكم لغاية أساسية، تتفرع عنها شتى الغايات الأخرى: منع الإنسان من أن يبقى ذئباً بالنظر إلى أن بقاءه كذلك سيعني أن المجتمع سيتألف من مجموعات لا تنتهي من الذئاب، و”الدولة” هو الاسم الذي سيطلق على أداة الحكم تلك والتي مقابل صلاحياتها المطلقة الخاضعة بصورة دائمة لرقابة الذين عينوها – بأية وسيلة من الوسائل التي لن يتوقف المفكرون عن النقاش حولها بطبيعة الأمر – لا يمكن أن تقوم لها قائمة إن لم تمتلك وحدها القوة التي تمكنها من السيطرة على الأمور… أي على الذئاب المتربصة في كل حين ساعية إلى ممارسة توحشها ضد بعضها بعضاً. نحو الدولة الحديثة في الحقيقة أننا قد لا نبدو في السياق السابق وكأننا نقول جديداً، بل نبدو وكأننا نعزو إلى هوبس تلك الأفكار التي تعرفها البشرية منذ أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى مفكري مفاهيم الحكم في العصور الوسطى بمن فيهم مفكرون مسلمون كالفارابي والماوردي وابن خلدون مروراً بشيشرون والمفكرين الرومان، وهذا صحيح، بيد أن ما يطرحه هوبس هنا إنما هو المنهج النظري النابع أصلاً من سعي واعٍ لوضع نظرية تحكم مسار الدولة الحديثة على الضد من أولئك المفكرين السابقين عليه من الذين اشتغلوا على تفسير بل حتى تبرير مسألة الحكم وضرورة الدولة، وأحياناً عبر اللجوء إلى “أمثلة” مستقاة من “المدن الفاضلة”، بالنسبة إلى هوبس كان المشروع نظرياً بحتاً وإن كان ينطلق أصلاً من رصد دقيق وفلسفي لما هو قائم فعلاً ليس في وطنه الإنجليزي فقط، بل في دول أوروبية عدة درس أوضاعها عبر تجوالات له فيها، أو عبر أدبيات تناولتها وتناولت مسألة الدولة والحكم فيها، ولا سيما بعدما زالت ظلال دولة العناية الإلهية بالتدريج، وراحت تختفي، على ضوء الواقع الاجتماعي والفكري والاقتصادي الناشئ تزامناً مع نشوء مجتمعات الإنسان، بخاصة في حمى المنظومات المركانتيلية المستجدة على ضوء تطور الفتوحات الكولونيالية والثورات العلمية والاكتشافات الجغرافية، فالواقع أن هذا كله كان في خلفية ذلك “البنيان النظري” الذي أقامه توماس هوبس من خلال مؤلفاته التي كثيراً ما رجمت أول الأمر ولا سيما من قبل زملاء له مفكرين، قبل أن يُتعامل معها كمادة للنقاش حتى من دون قبولها أول الأمر، لتعود لاحقاً إلى الواجهة، على ضوء سقوط يوتوبيات القرن الـ20 لتبدو وكأنها الأكثر واقعية. ترى أفلم يكن توماس هوبس نفسه، وغير بعيد من مصائره تلك، محقاً حين كان يحلو له أن يتحدث عن نفسه بوصفه “غاليليو” زمنه؟ وفي السياق أفلا يمكننا اليوم أن نجد قدراً كبيراً في الواقع الذي يجعل اسم توماس هوبس يوضع بين أسماء أرسطو والفارابي والفيدراليين الأميركيين وجان جاك روسو، بوصفه واحداً من كبار مفكري تاريخ النظريات السياسية على مدى التاريخ الفكري للإنسان، الذي ربما كفّ بفضلهم عن أن يكون “ذئباً بالنسبة إلى أخيه الإنسان” ولو إلى حين على أية حال؟ المزيد عن: توماس هوبستاريخ الفلسفةالنزعة الماديةأفلاطونأرسطوالفارابيابن خلدونجان جاك روسوغاليليو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مانيتوبا تحول بعض صادراتها الكهربائية من الولايات المتحدة إلى كندا next post عبده وازن يكتب عن: معرض أربيل للكتاب يرسخ الحوار الثقافي الكردي – العربي You may also like ( 10 ) أفلام لبنانية غاصت في هاوية... 15 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: معرض أربيل للكتاب يرسخ... 15 أبريل، 2025 خوليو سانتانا على طريق إيخمان أوفر حظا وأهدأ... 15 أبريل، 2025 ماريو فارغاس يوسا… حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني 15 أبريل، 2025 فارغاس يوسا يسدل الستار على الجيل الذهبي لكُتَّاب... 15 أبريل، 2025 “غيبة مي” لنجوى بركات: الغائبة الحاضرة في كل... 14 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: رثاء البشر في شيخوختهم... 14 أبريل، 2025 أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو... 14 أبريل، 2025 هاروكي موراكامي والرواية بوصفها مهنة 14 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: 50 عاما على الحرب... 13 أبريل، 2025