هنري باربوس (1873 – 1935) (غيتي) ثقافة و فنون هنري باربوس آمن بستالين فكرس له موهبته ولغته الفرنسية by admin 23 يوليو، 2023 written by admin 23 يوليو، 2023 78 يوم انتقل صاحب “النار” من الأدب الرمزي الخالص إلى الكتابة السياسية ممجداً “أبو الشعب” اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب “ستالين هو الرجل الذي من خلاله نكتشف عالماً جديداً”. عندما كتب واحد من أكبر وأشهر الكتاب الفرنسيين هذه العبارة عنواناً لكتاب أصدره عن الزعيم الروسي الذي حين وضع عنه كتابه هذا كان العالم كله، ما عدا شيوعيي ذلك العالم، يعتبره ديكتاتوراً نكّل أول ما نكّل بالمبدعين الروس بعد أن خلف في السلطة السوفياتية المؤسس لينين. ومع ذلك سيقول كثر من الشيوعيين الفرنسيين في معرض تبريرهم لاحقاً، أي بعد نصف قرن من صدور ذلك الكتاب، بأن هذا الكاتب لم يكن يعرف حين رحل عن عالمنا في صيف عام 1935 أن بطله الكبير كان قد ارتكب وسيرتكب في حق رفاقه قبل غيرهم، تلك المجازر على شكل محاكمات كانت قد بدأت تنعقد في موسكو نفسها. ومن الواضح أنه كان تبريراً لا منطق فيه. كل ما في الأمر أن الشيوعيين الفرنسيين الذين ظلوا يؤمنون بستالين عقوداً من السنين حتى بعد تقرير خروتشيف الشهير في المؤتمر 20 للحزب الشيوعي السوفياتي (1956) والذي أسفر عما يشبه نزع الستالينية في العالم الاشتراكي بأسره، كانوا فخورين جداً بكون موسكو أقامت لكاتبهم الكبير حين مات هناك “جنازة ضخمة تواصلت ثلاثة أيام”. أمام جثمان الكاتب يومها وكما تخبرنا مقالات الصحافة الشيوعية في فرنسا ذلك الحين، ظل “البروليتاريون الموسكوب، يتقاطرون جماعات زاحفين بإجلال أمام جثمانه المسجى في قاعة في الكونسرفاتوار” قبل أن ينقل ذلك الجثمان بعد أسابيع قليلة إلى باريس “حيث تقاطر البروليتاريون الفرنسيون هذه المرة بدورهم لإلقاء نظرة وتحية أخيرتين على الراحل المسجى وهم يحيون من خلاله الزعيم السوفياتي الذي كان الكاتب قد كتب سيرته حافلة بالتمجيد لتصدر بالروسية أولاً في موسكو قبل أيام من رحيله وبعد ذلك عام 1946 في أصلها الفرنسي”. صحيح أن الأصل الفرنسي والترجمة الروسية قد ذهبا في مهب النسيان منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن ثمة دائماً مَن من خلال حنينه إلى ستالين وتلك البادرة الفرنسية تجاهه من جهة، أو من جهة ثانية، بين الذين قد تحلو لهم العودة إلى تذكر تلك “الخطيئة التي اقترفها هنري باربوس في حق نفسه وسمعته وشعره” أن يعيدوها إلى الإذهان. ونحن بالطبع نذكر هنري باربوس هنا لأنه هو الكاتب الذي نتحدث عنه ككاتب “استثنائي” لسيرة الزعيم السوفياتي. السيرة التي تقول الحكاية إن ستالين طلب أن يؤتى له من المطبعة بالنسخة الأولى من ترجمتها الروسية ليقرأ الكتاب من فوره بل يدون ملاحظات عدة على هوامشه تشي بإعجابه الشديد به ولا سيما بعبارات مثل تلك التي يذكر فيها باربوس أن “ستالين قد ألف عدداً من الكتب الرائعة، العديد منها يمكن اعتباره نماذج كلاسيكية للأدب الماركسي الحقيقي”، أو “إنه الرجل الذي يهتم بكل كبيرة وصغيرة”. ولكن قبل أن نواصل هذا الحديث هنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه النسخة التي تحمل ملاحظات ستالين بقلمه قد عرضت للبيع في مزاد علني في لندن في ربيع عام 2009 لكنها… لم تجد من يشتريها. غلاف “النار” لهنري باربوس (أمازون) سيرة كاتب ولنعد هنا إلى هنري باربوس (1873 – 1935) لنذكر أنه بدأ حياته الأدبية ميالاً إلى النزعة الرمزية، بل مؤمناً بنزعة “الفن للفن” فحياه أول ما حياه، مالارميه وجماعة “البارناس” الذين كانوا يعتبرون أنفسهم الأوصياء الشرعيين على تلك النزعة. لكن باربوس وعلى مر السنين سوف يتحول واقعياً اشتراكياً لا يشق له غبار. وهو خاض الحرب العالمية الأولى متطوعاً وقد جاوز الأربعين من عمره، إذ استبدت به حماسة للقتال لا تضاهيها حماسة، وأنهى تلك الحرب مناصراً للسلم يكره الحروب ويبحث عن الأخوة بين البشر. بعد ذلك حين خاض معمعان السياسة، خاضها لإعجابه بشخصية لينين، ذلك الإعجاب الذي قاده ليس فقط للانضمام إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، بل كذلك إلى تمضية جل وقته في رحلات كان يقوم بها إلى موسكو ويمتد بعضها سنوات. لكنه حين كتب في نهاية الأمر سيرة لزعيم سوفياتي كان يحلم بكتابتها منذ زمن طويل، كانت السيرة من نصيب ستالين. “النار” رواية الحرب الأقوى وذلك هو باختصار شديد، هنري باربوس، الكاتب الفرنسي الذي لولا شهرة كتابه “النار” يكاد يكون نسياً منسياً في أيامنا هذه. و”النار” أشهر رواية كتبت عن حرب من الحروب، كتبها باربوس حين كان طريح الفراش جريحاً خلال الحرب العالمية الأولى، ولقد سبب له الجرح يومها خيبة أمل في الحرب كانت من الضخامة بحيث أن كتابه ذاك كان كله كتاباً عن الحرب وضد الحرب: كتاباً يصف الخنادق المليئة بالجنود الخائفين اليائسين، بالمطر ووحولها، بالجوع، بمشاهد الحياة اليومية على جبهات القتال، وعبثية المعارك وعبثية سقوط القتلى. كل هذا يصفه باربوس في كتابه بواقعية هزت الناس جميعاً، وجعلت كتابه يقرأ على نطاق واسع. وكان ذلك على أي حال أول كتاب عن الحرب يهتم أساساً وفقط بالمقاتلين البسطاء، بتلك الجمهرة من الجنود الذين يتجاهلهم قادتهم ويحتقرونهم. في كتاب باربوس يطالعنا جنود لا يتوقعون شيئاً ولا يعرفون لماذا يحاربون؟ وما الذي يدافعون عنه حقاً؟. هذا الموقف الذي عبر عنه باربوس، كان موقف الجنود الذين رآهم من حوله، وهو الموقف الذي هزه هزاً، وجعله يختار سلوك نزعة إنسانية سلمية بدلاً من نزعته السابقة التي كانت نزعة ترى في الحرب شاعرية ما. “الجحيم” قبل “النار” ولد هنري باربوس عام 1873 في ضاحية آنيير بالغرب من باريس وبدأ خوض الحياة العملية كصحافي حال تخرجه من المدرسة الثانوية وكان في السادسة عشر من عمره. في البداية، وإلى جانب عمله الصحافي، خيل لهنري باربوس أنه يمتلك موهبة شعرية حقيقية، فراح يكتب شعراً على الطراز الرمزي، وأصدر بالفعل وهو في الحادية والعشرين من عمره مجموعة بعنوان “سر آدم” كانت هي التي لفتت إليه أنظار ستيفان مالارميه وموريس باريس. غير أن إقامته في ملكوت الشعر لم تدم طويلاً، وكذلك فإن انتماءه إلى الرمزية لم يرض طموحاته، وهكذا نجده في 1908 يصدر رواية أولى بعنوان “الجحيم” تتميز بواقعية طبيعية تقربها كثيراً من عمل إميل زولا. وكانت تلك، على أية حال، بداية انغماسه من لون من اجتماعية الأدب حقق الانفصال النهائي بينه وبين الرمزيين. في “الجحيم” رسم باربوس لوحة شمولية للمجتمع كشفت عن نوع من الالتزام الغامض لديه، بقضايا ذلك المجتمع، وكان ذلك الالتزام نفسه هو الذي قاده للتطوع حين اندلعت الحرب العالمية الأولى باعتبار أن الحرب هي “حرب ضد الرأسمال العالمي”. غير أنه سرعان ما اكتشف أنه كان متوهماً وبدأت الحرب، حين عاصر أهوالها، بدأت تفقد بالنسبة إليه بريقها. ومن هنا، ما إن جرح واستراح قليلاً من عناء القتال، حتى كتب رواية “النار” التي سجلت قطيعته النهائية مع غموض التزاماته الاجتماعية. بعد تلك الرواية لم يعد هنري باربوس كما كان في السابق. صار، أولاً، كاتباً بالغ الشهرة، وصار، ثانياً، ملتزماً بقضايا السلم، وبدأت تتضح لديه أبعاد القضية الاجتماعية، فكان انتصار لينين وثورته البولشفية بالنسبة اليه الرد الحاسم على عبثية الحرب. وهكذا خرج من “مأزق الحرب” على حد تعبيره، ملتزماً سياسياً – وليس فقط اجتماعياً -، وصار عضواً في الحزب الشيوعي الفرنسي، يؤثر أن يمضي جل وقته في “بلاد الثورة الاشتراكية”. ولقد واصل التزامه ذاك إلى أن رحل عن عالمنا يوم 30 أغسطس (آب) 1935، خلال زيارة طويلة كان يقوم بها إلى موسكو. خلال السنوات الأخيرة من حياته، وضع باربوس العديد من الكتب، إلى جانب سيرة ستالين، وأبرزها روايتان هما “ضروب وضوح” (1919) و”بريق الفجر” (1921) عبر فيهما عن صدق شعوره الثوري، كما أصدر مجموعات من القصص القصيرة أبرزها “بعض زوايا الفؤاد” (1922) و”يهوذا المسيح” (1927)، وكتباً أخرى تحمل دراسات متنوعة مثل “السكين بين الأسنان” و”هاكم ما فعلوه بجورجيا”. المزيد عن: جوزيف ستالينهنري باربوسالحركة الشيوعيةالأدب الماركسيفلاديمير لينينالحزب الشيوعي الفرنسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post احذروا فخ الماء البارد اثناء موجة القيظ next post هل يستطيع طبيب “غوغل” شفاء الروبوت صوفيا من هلوساتها المدمرة؟ You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024