الكاتب المسرحي الإيرلندي صمويل بيكيت (غيتي) ثقافة و فنون هل نسف الكوميدي الهوليوودي باستر كيتون محاولة بيكيت السينمائية؟ by admin 12 أغسطس، 2024 written by admin 12 أغسطس، 2024 82 عندما حقق صاحب “في انتظار غودو” فيلماً صامتاً وغريباً أواسط سنوات الـ60 اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب تعود حكايتنا هنا إلى عام 1964 حين كان مسرح العبث أو اللامعقول في ذروة شعبيته، وكان ثمة رغبات خفية لدى قطاعات عريضة من الجمهور العريض في “التحول” إلى جمهور نخبوي يحاول أن يتفاعل مع إبداعات من نوع جديد ومميز تحمل توقيعات مبدعين لم يكن له بهم عهد من قبل. ومن هنا واتت منتجاً شعبوياً يدعى بارني روسيه فكرة جيدة حتى وإن كانت تبتعد كثيراً عما اعتاد إنتاجه من كتب وشرائط. فهو تساءل عما قد يمنعه من إنتاج أفلام سينمائية، قصيرة أو طويلة يعطي فيها فرصة لمبدعين نخبويين ناجحين في مجالات متنوعة غير السينما فيخوضون هم لعبة الإخراج السينمائي محققين ما قد يكون نزوات خفية لديهم فيما هو يستغل أسماءهم وربما مواهبهم أيضاً لاجتذاب جماهير عريضة تسعى إلى مشاهدة ما يحققونه ولو على سبيل الفضول أو التباهي. فكرة مشروعة كانت فكرة جيدة ومشروعة بالتأكيد. وهكذا صاغ الرجل دفعة أولى تتألف من ثلاثة مشاريع تحقق معاً، ولكن في الحقيقة لم يتحقق منها سوى مشروع واحد طويت الفكرة من بعده ونسيت تماماً. ولكن بقي منها ذلك الفيلم الوحيد، ولكن أي فيلم وأي توقيع! فالفيلم يحمل عنواناً شديد الدلالة والاختصار هو “فيلم!” مع علامة التعجب التي أصر المخرج على أنها يجب ألا تنسى أبداً لأنها جزء من العنوان لا ينفصل عنه “وإلا ضاع كل شيء!”. لكن كل شيء سيضيع بالفعل وليس بسبب العنوان. وليس لأن اسم المخرج كان مجهولاً للجمهور العريض كما سنرى، ولكن بسبب بطل الفيلم وممثله الرئيس الذي لم يكن سوى الهزلي الهوليوودي العظيم باستر كيتون الذي حتى تشارلي شابلن فنان القرن الـ20 في مجال الكوميديا تحديداً كان يعده الأستاذ الأكبر في فنه هذا. حين عرض الفيلم في مهرجان البندقية في دورة عام 1965 وسئل كيتون عنه وعن مشاركته فيه، اكتفى بابتسامة سخرية رسمها على وجهه الذي اعتاد ألا يعبر عن شيء، وقال لعشرات الصحافيين ومئات المعجبين المتحلقين من حوله: “الحقيقة أنني لم أفهم شيئاً من هذا الفيلم”. البطل نسف الفيلم الحقيقة أن ذلك الجواب الذي سيقول كثر إنه في حد ذاته كان كافياً لينسف الفيلم من أساسه بدا متلائماً مع نظرة الجمهور ليس إلى ما شاهده على الشاشة فحسب، بل إلى مخرج الفيلم نفسه وكاتبه الذي لم يكن آخر غير صمويل بيكيت مؤسس مسرح العبث واللامعقول. فبيكيت كان الوحيد الذي استجاب لرغبات المنتج الأميركي بارني روسيه الإنتاجية وحقق له ذلك الفيلم الأول (والأخير) في مشروعه الذي كان ينبغي أن تتألف مجموعته الأولى من فيلمين آخرين يضمان إلى فيلم بيكيت، واحداً من إخراج هارولد بنتر والآخر من تحقيق أوجين يونسكو. ولئن كان كثر قد تساءلوا حينها بعد عرض “فيلم!” مباشرة ثم لاحقاً مرات كثيرة، عما دفع يومها بيكيت صاحب “في انتظار غودو” المسرحية المؤسسة لتيار مسرح العبث واللامعقول بأسره إلى خوض تجربة تحمل قدراً كبيراً من المجازفة وتبتعد كل ذلك البعد من فنه. جاء الجواب من خلال العودة إلى تاريخ ذلك المبدع الذي ذكر على الفور أن بيكيت كان يحب السينما، وربما أيضاً العمل في عالمها منذ وقت مبكر. والدليل بعثه عام 1935 برسالة إلى المخرج السينمائي السوفياتي الكبير سيرغاي إيزنشتاين يعرض عليه فيها أن يستقبله في موسكو كطالب في معهدها السينمائي ليحقق له كفتى إيرلندي طموح يعيش في ألمانيا في ذلك الحين رغبته في أن يتعلم السينما ويتجه إلى الإخراج تحت إشراف المعلم الكبير، ولكن في ذلك الحين كان إيزنشتاين أكثر انشغالاً وكانت الأوضاع في بلاد السوفيات أكثر ارتباكاً من أن تسمح له بالاهتمام بالاستجابة إلى طلب من ذلك النوع يأتيه من فتى مجهول تماماً. الكوميدي الهوليوودي باستر كيتون (غيتي) على مضض طوى بيكيت رغباته على مضض لتبرز لديه من جديد مع ولادة ذلك المشروع الذي حقق له نزوته السينمائية بعد ما يقارب 30 سنة. ولكن من المؤكد أن الكاتب الكبير الذي خاض المشروع كان شخصاً آخر تماماً غير الفتى المتوسل لإيزنشتاين الكبير كي يدخله عالم السينما. وهكذا بدلاً من أن يجعل الفيلم يتحقق بناءً على تعاليم المعلم الروسي الكبير جعله يسير على خطى مسرحه نفسه أو بالأحرى أغرب ما قد يمكن أن يعبر عنه مسرحه. ومن هنا تلك “الصعوبة” التي لم تتمكن حتى من إقناع بطل الفيلم بأن يسعى كي يفهم شيئاً ليس فقط مما يصور في حضوره، بل بما يفعله هو نفسه أمام الكاميرا. والحقيقة أنه في ذلك الفيلم القصير الذي استعان فيه بيكيت بمخرج الأفلام القصيرة آلان شنايدر ليحقق البعد التقني والتعاطي مع الممثلين، بل لنقل الممثل الأساس الوحيد باستر كيتون، ومع الحوارات حتى ولو كان كيتون لا يلقي أية جملة حوارية في الفيلم، بل يختمه بتلك الكلمة، التي تترجم على التلفزات العربية في أيامنا هذه بـ”تباً!”. مع أنها في ذاتها وحقيقتها أكثر قذارة مما تعنيه “تبا” بكثير، التي يختتم بها الفيلم. ففي النهاية كان الفيلم صامتاً ولعل هذا ما أغرى كيتون في خوض المغامرة، ناهيك طبعاً عن المبلغ الضخم الذي دفعه له المنتج معتقداً أن الجمهور الذي قد لا يتدفق لمشاهدة عمل لبيكيت سيفعل لمجرد مشاهدة بطل التحف الهوليوودية الصامتة والأيقونية” مثل “ميكانيكي الشركة العامة” و”الكاميرامان” وغيرهما وكيف سيديره سيد المسرح الأوروبي المعاصر. سينما عن السينما لكن الطريف في حكاية هذا الفيلم أنه أتى، بعد كل شيء، فيلماً عن السينما نفسها فـ”أحداثه”، إن جاز لنا الكلام عن “أحداث”، تدور تحديداً عام 1929 غداة النهاية التي أحلها ظهور السينما الناطقة بالسينما الصامتة. بالتالي فإن محور الفيلم هو ذلك الموضوع بالتحديد. والحقيقة أن الدور الوحيد الأساس في الفيلم كان قد عرض على شابلن كما على زيرو موستيل، والاثنان من عمالقة الهزل في السينما الصامتة، وقد جمعهما موقف يكاد يكون مشتركاً تجاه نطق السينما، لكنهما رفضا، كما تهرب في اللحظات الأخيرة الممثل المسرحي الإيرلندي جاك ماكغورام الذي كان من كبار ممثلي مسرح بيكيت. وهكذا وجد المنتج نفسه يتجه صوب باستر كيتون المقيم في عزلة نهايته في كاليفورنيا، وكذلك فعل بيكيت الذي استقل الطائرة متوجهاً بدوره إلى مكان إقامة كيتون ليقنعه، فكانت رحلته الأولى والأخيرة إلى “العالم الجديد”. والحقيقة أن تلك السفرة لم تسفر فقط عن إقناع كيتون بخوض التجربة، بل انتهت بأن صور الفيلم غير بعيد من نيويورك صيف عام 1964، وهنا قد لا يكون مفر من أن نذكر أن العنوان الأول الذي كان للفيلم قبل تحقيقه هو “نظرة”، لكنه المشروع عاد وعند بدء التصوير ليعنون بـ”فيلم!”. ويبدو أن هذا العنوان الجديد قد اجتذب كيتون ليقتنع بالعمل مع بيكيت. وهذا الأخير في مجال شرحه لفيلمه أولاً أمام المنتج ثم أمام الممثل، اكتفى أول الأمر بأن يقول إن مشروعه هو منذ البداية محاولة لتصوير رجل يسعى كل الوقت لتفادي نظرة الآخرين إليه. فـ”أو”، وهو الاسم الذي سمى به “بطله” لا هم له سوى تفادي تلك النظرة حتى ولو ألقاها عليه قط أو كلب أو ببغاء أو أي كائن من أي نوع كان حتى يجابهه شخص آخر لا يبعد اسمه كثيراً عن اسم البطل هو “أوي” الذي يتمكن أخيراً من أن يخرق محظور النظر ذاك عاثراً على زاوية نظر تمكنه من ذلك ولا يمكن للبطل أن يحظرها. ومهما يكن فإن الباحثين الأكثر جدية التقطوا في “فلسفة” الفيلم ما لم يشرحه بيكيت بنفسه أي التعبير عن المعاناة التي يعيشها المرء في الوقت نفسه الذي يستشعر رغبة ونفوراً من أن ينظر أحد إليه. ما يبدو وكأن الكاتب هنا إنما يمهد لمجيء عالم يحس فيه كل شخص بأنه مراقب في كل لحظة من وجوده. عالم كان جورج أورويل تعامل معه كخيال علمي في روايته “1984”، وها هي “سينما صمويل بيكيت” تحوله إلى واقع مخيف في فيلم من المؤسي القول إنه لم يصل إلى أي جمهور. المزيد عن: صمويل بيكيتباستر كيتونفيلم صامتتشارلي شابلنالسينما الصامتة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وليد الحسيني يكتب عن: التحول الإستراتيجي..من التحرير إلى الثأر next post مدينة الروائي مارتن هارنيتشيك لا تأكل سوى لحوم البشر You may also like يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: التشخيص والتجريد يتآلفان في... 15 نوفمبر، 2024 عندما لاعب التلفزيون الذكي كاسباروف على رقعة الشطرنج 15 نوفمبر، 2024 غريملينز يحول فوضى فيلم “درجة ثانية” إلى نجاح... 15 نوفمبر، 2024 فلسطين حاضرة في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي 14 نوفمبر، 2024 أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد 14 نوفمبر، 2024