ثقافة و فنونعربي هل غيرت الروايات النسائية معنى الحب؟ by admin 14 فبراير، 2023 written by admin 14 فبراير، 2023 15 القاهرة- النهار العربي \ شريف صالح قبل مئة عام اشتهرت قصص مصطفى لطفي المنفلوطي مثل “ماجدولين” و”في سبيل التاج” بتلك الميلودراما العاطفية النبيلة، حيث يخوض الحب صراعاً أزلياً ضد ظلم المجتمع، والطبقية، وفي مواجهة حب أسمى لله والوطن. كان المنفلوطي يُعرّب نصوصاً فرنسية، مُحتفظاً بقيمها الإنسانية، مع مراعاة الأخلاقيات العربية. ثم جرت في مياه الحب دماء وأفكار وقصص كثيرة… فالحب في أغاني عبد الوهاب ليس هو في أغاني عبد الحليم ولا تامر حسني. وفي أفلام فاتن حمامة ليس كأفلام سعاد حسني. وعند أم كلثوم هو مونولوغ أبدي طويل، بينما في شدو فيروز كان قصة قصيرة حزينة. مرّ علينا الحب في ملابسه المدنية الأنيقة، كما في قصص إحسان عبد القدوس، وعبّر عن المرأة تعبيراً صريحاً جريئاً… ثم مرّ علينا الحب في ملابسه الريفية البسيطة، خجولاً، فلم تقل المرأة شيئاً كما في روايات محمد عبد الحليم عبد الله. سافر الحب إلى مدن العالم في روايات طه حسين وتوفيق الحكيم والطيب صالح وعبد الحكيم قاسم وبهاء طاهر، ثم عاد وحكى لنا بلغة عربية. بينما رآه محفوظ تفصيلة صغيرة في صراعات وجودية كبرى تعيشها الحارة. جاء شفيفاً نبيلاً في أشعار وسطور جبران خليل جبران، ومتشعباً واسعاً في روايات كبيرة الحجم لواسيني الأعرج، وصاخباً لاهباً في نصوص ورسائل غادة السمان، وسريعاً مكثفاً في “روايات عبير” المحمولة في الجيب كأنها أسرار شخصية. فماذا بعد مرور قرن على غراميات المنفلوطي التي أبكتنا بنبلها الحزين؟ هل غيرّت الكاتبات العربيات في القرن الحادي والعشرين معنى الحب وكيفية الشعور به؟ اخترنا أربع روايات انشغلت جميعها بالحب وأثارت ضجة متفاوتة حين صدورها… وبحثنا بين سطورها عن معنى الحب: أحببتُك أكثر مما ينبغي في عام 2009 صدرت “أحببتُك أكثر مما ينبغي” (دار الفارابي) للكاتبة السعودية أثير عبد الله النشمي، ثم توالت منها طبعات لا تُحصى. أهم ما يميز الرواية لغتها البسيطة التي تناسب المراهقين، والحميمية في صياغتها كأنها رسالة طويلة جداً كتبتها المعذبة “جمانة”، إلى حبيبها “عزيز”. تماماً مثل أغنية أم كلثوم الشهيرة “كان لك معايا أجمل حكاية”. وإذا كانت “وسمية تخرج من البحر” للكاتبة الكويتية ليلى العثمان، من أوائل الروايات “الرومانسية” الخليجية التي كتبتها امرأة، قد انطوت إلى إدانة للتقاليد المحافظة، فإن النشمي حيّدت تأثير التقاليد، أو التفت حولها، باختيار فضاء غربي لقصتها حيث يعيش الحبيبان ويدرسان في كندا. لم تكن بجرأة الطيب صالح حين قرر لبطله الأفريقي الانتقام من المستعمر الغربي بغزو نسائه، وإنما استمتعت بفضاء الحرية كي تلتقي هناك حبيبها ابن وطنها الذي يكبرها بعشر سنوات. وجاء خطابها متذللاً نوعاً ما، يقدم المرأة كمخلصة في الحب، بلغة لا يفهمها الرجل الشرقي غالباً، فالتوتر الدائم في رسالتها الطويلة، ينبع من سوء الفهم في تعبير الجنسين عن الحب. وما تقوله في أول الرواية لا يختلف عما تقوله في نهايتها، كامرأة شرقية: “عرفتُ وبعد أن تزوجتَ من غيري بأنني على استعداد لأن أكون الثانية… الثالثة… الرابعة! المهم أن أكون معك!” وفي الختام تكرر ما قالته في البدء: “أحببتك أكثر مما ينبغي! وأحببتني أقل مما أستحق!”. إنها شكاية الضحية على الطريقة الكلثومية. في قلبي أنثى عبرية في عام 2012 نشرت الكاتبة التونسية خولة حمدي روايتها “في قلبي أنثى عبرية” (كيان للنشر) في قرابة أربعمئة صفحة. ورغم أن الحب كان موضوعاً مركزياً فيها، لكنها اكتسبت خصوصيته في انفتاحها على الآخر، ليس على طريقة أبناء الشرق الذين بحثوا عن الحرية والحب في الغرب، بل فتشت عن الآخر في الجوار. فما يُسمى “الوطن العربي” ضم دائماً عرقيات وأقليات دينية شتى، تعايشت بمحبة إلى حدٍ كبير. لكن ثمة أقلية ظلت النظرة إليها محفوفة بالمخاطر والحذر وهي “الأقلية اليهودية” التي عاشت في بلدان شمال إفريقيا مثل المغرب وتونس ومصر، عقب سقوط الأندلس. وكثيراً ما أثير اللغط حول تلك الأعمال بوصفها تطبيعاً ثقافياً مع العدو. ترتكز الرواية على خطين أساسيين: خط التعايش والتسامح بين أبناء الأديان السماوية الثلاثة في تونس، مقابل خط المقاومة في لبنان والمواجهة مع العدو. وبالتالي وسعّت حمدي معاني نصها كي لا يبقى عند حيز الاجترار العاطفي كما في رواية النشمي، بل شمل أيضاً معنى الدين، والمقاومة. فليس الحب وحده هو ما يقرر مصائرنا. ولعل من أسباب نجاحها هذه المراوحة بين المعاني الثلاثة: العاطفي، والوطني، والديني، اضافة إلى لغتها البسيطة، ونهايتها السعيدة بزواج الحبيبين. وربما أُعجب بها بعض الشرائح المحافظة لأنها في نهاية الأمر انتصرت للدين الإسلامي، فالبطلة “ندى” اليهودية التي تربت في بيت مسيحي، وافقت على اعتناق الإسلام، رغم أنها “كتابية” وبإمكانها أن تتزوج حبيبها المسلم وهي على دينها من الناحية الشرعية، لكنّ النص ينتصر لقدرة الإسلام على تذويب الأقليات الدينية في نسيجه، ومن ثم يصبح انتصار ندى في الحب، هو خضوع تام لهوية حبيبها وإرادته. فالنص يقدم صراحة خطاباً يُغازل الحس الإسلامي الراديكالي كما في عبارة “تقدم إليها شاب مسلم على خلق… كان يريد أن يحميها ويحتويها حتى لا تضطر للارتداد عن دينها”. وهناك العديد من مثل هذه العبارات: “لم تسافر سارا (زوجة النبي إبراهيم) وهي يهودية، بل وهي مسلمة لترفع راية الإسلام وتشرف المسلمين”. وصبغت الكاتبة، على روايتها صبغة “الحقيقة” بمقدمة توحي أنها توثق سيرة شخصية عرفتها في المنتديات الإلكترونية. مع ذلك فهي تنطوي على تراجع فادح عما كتبه إحسان عبد القدوس عن نسائه المتمردات، وتبدو قصة الغرام مجرد حيلة عاطفية لتمرير خطاب ديني محافظ، يناقض حتى فكرة التعايش والتسامح التي انطلق منها النص. الأسود يليق بك تظهر لبنان أيضاً في فضاء “الأسود يليق بك” (دار نوفل 2012) للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي تملك لغة أكثر كثافة وشعرية وعامرة بالصور والمجازات مثل تعبيرات: “وسادة من ريش الذكريات”، و”يقف على خشبة الحب”، “كم من الأحلام كانت ستتهشم داخلها”. تملك مستغانمي تلك الصنعة بين ضخ جمل بسيطة و”كليشهات” أحياناً، ثم تطريزها بتعبير مجازي لامع ومصقول. مثلما تتميز ببراعة الانتقال بين الصوت الداخلي للبطلة “هالة” المطربة الجزائزية ابنة السابعة والعشرين، والصوت الداخلي الكهل اللبناني الثري طلال ابن الخمسين عاماً. فالرواية أقرب إلى رؤية من الداخل للفروق بين الحبيبين على مستوى النوع والانتماء الجغرافي، والعمر، والخبرات والفلسفة الحياتية. كما تمر الرواية مروراً خفيفاً على الأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي. المؤلمة بطبيعة الحال. لا ينتهي الحب نهاية سعيدة، لكن -على الأقل- حافظت مستغانمي على كبرياء الأنثى التي ترغب في تجاوز الرجال والخسارات: “اليوم هي تغني للناس جميعاً عداه. ليس ثوبها، بل صوتها هو من يأخذ بالثأر”. أحدثك لترى صدرت “إني أحدثك لترى” عام 2008 (دار ميريت) للكاتبة المصرية منى برنس، ورغم أنها أقل شهرة من الروايات الثلاث، وصدرت قبلها، لكنها تشترك معها في الصوت الأنثوي، وفي الملمح الرسائلي الموجه إلى حبيب، بعد ضياع الحب. وكذلك التصريح الواضح في مقدمتها بأنها “رواية عن الحب” رغم أن الساردة تعلق “ما الذي سأضيفه أنا في موضوع كتب فيه أعظم الكتاب والفلاسفة؟”، وتُهدي الرواية إلى “علي… النور الذي أضاء الله به قلبي”. البطلة “عين” شابة مصرية لها جذور روسية من ناحية الأم، والبطل “علي” إعلامي عربي (أجداده من البربر) يعيش في القاهرة. تكسر برنس الإيهام، فتخبرنا وهي تكتب أنها تحاول كتابة “رواية” عن مشاعرها الجياشة والفوضوية، وتعلق على الأحداث بصوت الكاتبة أحياناً. لا تعرف “عين” كيف تحافظ على حبها وتدافع عنه، فيبقى الحب متوتراً ومدمراً لكليهما، وتباعد بينهما المسافات وسوء الفهم، فتجد عزاءها في رحلات السفاري والانتقال بين عوالم مختلفة، توفر لها أقصى درجات التحرر والعربدة والإروسية، فتُلقي بنفسها في علاقات حسية صاخبة مع سليمان البدوي في واحة سيوة، ومايكل الألماني، وجورج النمساوي، وأخيراً “أبوللو” من كورسيكا. بالنظر إلى مجمل التجارب الأربع، منحت الكاتبات للساردة/البطلة، صوتاً أنثوياً حاضراً ومهيمناً على السرد، وكان هناك ميل -وإن عبر الراوي العليم- إلى كتابة “مونولوغات” ورسائل مطولة إلى الحبيب، ظلت النشمي في حالة اجترار مثالي ومحافظ، وفضلت مستغانمي أن تنتصر بطلتها لكبريائها الأنثوي، وظلت بطلة منى برنس تائهة في فهم مشاعرها ورغباتها، وجميعها انتهت بالانفصال، انشغالاً بوعي أفضل بالذات، باستثناء رواية خولة التي تكللت بالزواج والنهاية السعيدة في ظل الإسلام. ولم تعد الكتابة عن الحب امتيازاً ذكورياً، يتغزل في “أنثى ما”، بل بات اختياراً أساسياً في تجارب الكاتبات. فالمرأة الآن تملك أن تحكي عن نفسها مباشرة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة موقفاً “ثورياً” ولا مضاداً للمجتمع، ولا “نسوياً”… بل كان الغالب هنا تقديم رؤى “محافظة” وموافقة نسبياً على تقاليد وأعراف المجتمع الشرقي. فهي كتابة تتراجع كثيراً عما نادت به نسويات مثل نوال السعداوي، وتقدم قوالب جاهزة للحب إلى حدٍ ما، ربما الاستثناء كانت الرواية الأقل شهرة، والأكثر جرأة في إيروسيتها “إني أحدثك لترى”، لأن كاتبتها -وهي أكاديمية مصرية- ليست بعيدة عن المنطلقات النسوية، واشتهرت بمواقفها المتمردة والمثيرة للجدل. وبطريقة ما قدمت رؤية معكوسة لما قدمه الطيب الصالح في “موسم الهجرة إلى الشمال”، فبدلاً من السفر لغزو الغرب في نسائه هناك، استقطبت البطلة “عين” إلى مخدعها الشرقي، كل من مر بها من رجال الغرب. في صورة مفرطة الحسية تعيد إنتاج التصور الاستشراقي عن الجواري واللذات العابرة والغامضة. فنياً لا يمكن الزعم بأن هذه الكتابات -الأقرب إلى نموذج البيست سيلر- بحرفية الكتابات النسائية كما في تجارب رضوى عاشور وهدى بركات وإنعام كجه جي. المزيد عن : الفالنتاين\ عيد الحب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زيلينسكي يشكر جولي في كييف على دعم كندا لأوكرانيا next post 14 رواية حب من الأدب العالمي شغلت القراء دهشة وحزنا You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024