ثقافة و فنونعربي هل تتحوّل أهراءات القمح إلى نصب تذكاري للبنان جديد؟ by admin 13 أغسطس، 2020 written by admin 13 أغسطس، 2020 75 “يُقال إنها أسهمت في امتصاص ما يقارب 20 في المئة من قوة عصف الانفجار” اندبندنت غربية / فيديل سبيتي تحوّلت بقايا أهراءات القمح المدمّرة في مرفأ بيروت إلى رمز فنيّ مجازي للكارثة، التي حلّت بالمدينة بعد الانفجار الكبير. فهذه الجدران الإسمنتية التي ما زالت مرتفعة بين الحطام العميم اعتُبرت بمثابة مقياس لما كان قبل الانفجار ولما حدث بعده. إنها “العلامة”، أو “الدلالة”، أو “التعويذة” التي تدّل اللبنانيين الناظرين إلى مرفأ بلادهم، ومتنفّسها وبابها على العالم الخارجي على فداحة الضرر الذي سبّبه هذا الانفجار. لو أتى الانفجار على كل شيء عن بكرة أبيه، وترك المرفأ أرضاً قاحلة لا وجود فيها لأثر ما أو لعلامة، لانتهت المشهدية في لحظتها، ولبقيت ذاكرة الانفجار محفوظة في نفوس الذين طالتهم مباشرةً، وفي الصور ومقاطع الفيديو التي التُقطت بعد الحريق وقبل الانفجار بلحظات. ولكن بقايا الأهراءات تؤدي وظيفة مختلفة، فهي الدليل الملموس على أن كارثة كبرى وقعت، وهذا ما فعله اليابانيون بعد قنبلتَي هيروشيما وناغازاكي النوويتين، حين تركوا مبنى “قبة جينباكو” الذي يتوسط “حديقة السلام”، على حاله بعد إعادة إعمار المدينة بكاملها. تُرك هذا النصب كمحفز للذاكرة لما حدث، وكإشارة إلى أنها “هنا وقعت الكارثة”. وراحوا يضعون الورود والزهور سنوياً عند هذا النصب كتحية لذكرى الموتى والدمار الذي وقع. وصار المبنى مزاراً يومياً للزوار الذين يمرون في هذه المدينة. اللبنانيون بدورهم آخذون بتحويل الأهراءات إلى رمز وعلامة، سواء في التغطيات التلفزيونية وإعلاناتها حول الحدث، أو في الصور التي تتوزع على الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية. وباتت الأهراءات تتثبت شيئاً فشيئاً كنصب في مخيلة وذاكرة اللبنانيين، وربما غيرهم من المتابعين للحدث في أنحاء العالم. ممَ بُنيت؟ يُقال إن هذه الأهراءات بنيت من الإسمنت المسلّح المحشو بقضبان من الفولاذ لتقاوم أشدّ الهزات الأرضية أو الجوائح الطبيعية، وأنواعاً معينة من الانفجارات، وحُفرت تحتها أنفاق ودهاليز كي تكون مكاناً للاحتماء من حرب مدمرة. ويُقال إن الأهراءات أسهمت في امتصاص ما يقارب 20 في المئة من قوة عصف الانفجار، ولولا وجودها في مكانها القريب من العنبر 12 المنفجر، لكانت الأضرار مضاعفة على المدينة الثكلى. لطالما كانت الشعوب بحاجة إلى نصب يذكّر بالفواجع والحروب، وكأنه مثال مصغّر للحدث كلّه. فنصب الجندي المجهول، يعبّر عن كل الجنود الذين قُتلوا في الحرب، وأقام الأميركيون نصباً تذكارياً لضحايا الهجوم على برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001. الجزائريون بنوا أيضاً نصباً للمليون شهيد الذين سقطوا في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي في أعلى بقعة من عاصمتهم. وترك الألمان جزءاً من “جدار برلين” الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية والغربية إبان الحرب الباردة، على ما هو عليه، ليصبح دليلاً على ما حدث في تلك الحقبة السوداء من عمر ألمانيا. ويمكن إعطاء مثال على نصب تذكارية في كل بلد من بلدان العالم. ذاكرة اللبنانيين تتحوّل الأهراءات في مرفأ بيروت رويداً رويداً إلى نصب تذكاري للبنانيين، يذكّرهم بمصاب أليم وقع في عام 2020، يضاف إلى المصائب الكثيرة التي وقعت بين ظهرانيهم خلال العقود الأخيرة. وإذا ما تم الأمر وتحولت إلى تذكار، فإن الأهراءات ستنضم، إلى تمثال الشهداء الذي يتوسط بيروت، والذي بات محجَة للتظاهرات الاستقلالية في البلاد منذ عام 2005، إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وسينضم إلى “بوسطة (أي حافلة) عين الرمانة” التي تُعدّ رمزاً لانطلاق الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، وإلى شعلة وتمثال رفيق الحريري اللذين أقيما في مكان الانفجار، الذي أودى بحياته و20 لبنانياً، منهم من كانوا برفقته، وآخرون مجرد مارة في المكان لحظة وقوع الاعتداء، وإلى عشرات النصب التذكارية التي نصبتها الأحزاب اللبنانية لشهدائها وزعمائها وقادتها في معظم المناطق اللبنانية، التي تقول كلها إنهم ماتوا في سبيل قيامة لبنان. كلٌ بحسب رؤيته للبنان الذي يريده طبعاً، والذي ما زال محل اختلاف حتى اليوم، وليس انفجار مرفأ بيروت سوى أحد وجوه هذا الاختلاف حول “لبنان” الذي يريده كل قسم من اللبنانيين. ساحة الشهداء والتظاهرات تقع ساحة الشهداء في قلب الحدث “الانفجاري” اللبناني، فهي تطلّ على المرفأ من جهته الشمالية، ومنها يتفرّع شارعٌ رئيسٌ يصل إلى الأحياء المحيطة بالمرفأ، التي تضررت بشدة لانكشافها عليه، وعند ضفاف هذه الساحة يقع “مبنى جريدة النهار” التي أصابها ضرر بالغ، وبقربها “ساحة سمير قصير” حيث تمثاله وشجرتي الجميز العاليتين المتبقيتين من بيروت ما قبل الحرب، اللتين تظللان التمثال، وعلى الزاوية فندق “لوغراي” الذي كان بمثابة علامة انطلاق بيروت السياحة والازدهار، الذي طاله أيضاً ضرر كبير، كما طال الأبنية التي تُشيّد في قلب الساحة. وتُعدُّ “ساحة الشهداء” بمثابة المغناطيس الذي يجذب جميع اللبنانيين على اختلاف مشاربهم للتعبير ورفع الصوت بمطالبهم. فهناك أُقيمت تظاهرة 14 مارس (آذار) 2005، وإلى جانبها في “ساحة رياض الصلح” أقيمت تظاهرة 8 مارس (آذار) 2005، اللتان قسمتا اللبنانيين إلى فريقين سياسيين حملا اسمي التظاهرتين. ومن “ساحة الشهداء” انطلقت ثورة اللبنانيين في عام 2005 التي يعتبرونها نقطة الانطلاق الثورية لكل “الربيع العربي”، الذي انطلق في عام 2011، وباتت الساحة في تلك الآونة مزاراً يومياً لهم، على مدى أشهر عدة، قبل أن تؤدي إلى خروج الجيش السوري من لبنان، وانهيار النظام الاستخباراتي اللبناني-السوري. وفي تلك الساحة أُعلِن إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وفيها اعتصم فريق “8 آذار” المقرّب من سوريا لمدة سنة كاملة، لمنع تشكيل المحكمة، وإقالة الحكومة المشكّلة مباشرة بعد جريمة اغتيال الحريري، التي كان يرأسها فؤاد السنيورة، أحد صقور فريق “14 آذار”. في السنتين الماضيتين تحوّلت ساحة الشهداء إلى مركز انطلاق “ثورة 17 نوفمبر” (تشرين الثاني) التي ما زالت قائمة حتى الآن ولو بشكل غير منظّم. فباتت الساحة مقراً للثوار المطالبين بتغييرات جذرية في النظام السياسي اللبناني، بعد رحيل كامل الطبقة السياسية اللبنانية تحت شعار “كلن يعني كلن” (كلهم يعني كلهم). فاستقبلت الساحة مجدداً لبنانيين من كل الطبقات والمناطق والطوائف والأهداف. فأقاموا المخيمات الثابتة، وشيّدوا خيماً كثيرة للقاء والنقاش وتبادل الأفكار، وكانت كل خيمة تحمل اسم جماعة أو منطقة تشرف عليها. ولم يكن هؤلاء الثوار متفقين على كل تفاصيل ثورتهم على الرغم من اتفاقهم على العناوين الرئيسة العامة. لذا اجتمع في هذه الساحة المجتمع المدنى المطالب بالتغيير السلمي، والمجموعات الثورية “العنفية” التي لا ترى سبيلاً للتغيير بغير العنف، والجمعيات النسوية والبيئية، والمؤسسات الخيرية، كان ذلك كله قبل تفشي وباء كورونا وعودة الجميع إلى منازلهم. العودة إلى الساحة انفجار مرفأ بيروت أعاد جميع هؤلاء إلى الساحة، في تظاهرات يومية لا تهدأ منذ وقوع الانفجار. وهذه التحركات والاعتصامات والمسيرات يحركها شباب من مختلف المناطق اللبنانية، ويختلط فيها نوعان، الأول هو “العنفيُّون” الذين يريدون احتلال المؤسسات العامة ومجلس النواب، ما يؤدي إلى وقوع صدامات مع القوى الأمنية بشكل حاد، ويسقط فيها جرحى من الطرفين، وغالباً ما يتم توقيف عدد كبير من المتظاهرين لاعتدائهم على القوى الأمنية والأملاك العامة. أما النوع الثاني من المتظاهرين فهو “السلميون”، الذين يبقون في الخلف، يحملون الأعلام اللبنانية، ويطلقون شعارات تطالب برحيل الطبقة السياسية كلها. لكن ما بين المتظاهرين وقوى الأمن، هناك طرف ثالث غالباً ما يتدخل في مسار هذه المناوشات، وهم المسلحون التابعون للزعامات السياسية الحاكمة، أو المنتفعون منها، أو الذين يقدسونها لأسباب أيديولوجية وفكرية، أو بسبب الانتفاع المادي المباشر. وهؤلاء تُطلق يدهم بكلمة سر معينة، في أوقات وظروف محدّدة من أجل التعدي على المتظاهرين الثوريين وردهم على أعقابهم، أو إضعاف النخوة فيهم وإخافتهم، فيهجمون بالعصي والأدوات الحادة ويحرقون الخيم ويكسرونها، واستخدموا في حالات كثيرة السلاح الناري، من بنادق الخردق إلى الكلاشينكوف، فأصابوا عدداً كبيراً من المتظاهرين بجروح، مثلما جرى في التظاهرة الأخيرة التي أُطلق عليها اسم “يوم الحساب” وجرت يوم السبت 8 أغسطس (آب) الحالي. والتُقطت صور كثيرة لهؤلاء يقفون فيها بين القوى الأمنية الحكومية، ويطلقون النار على المتظاهرين من دون رادع. كما لم يُوقَف أي شخص منهم منذ اندلاع ثورة 17 نوفمبر وحتى اليوم، على الرغم من كل ما ارتكبوه من فظائع. يمكن القول إن ساحة الشهداء كما “النصب التذكاري”، هي صورة مصغّرة عن الصراع السياسي في لبنان. بين متحكمين في السلطة يملكون السلاح ولا يخضعون للمحاسبة، وبين متحمسين للتغيير بعدما طفح الكيل من فساد السلطة الحاكمة منذ استلامها مقاليد الحكم خلال الحرب الأهلية وبعد “اتفاق الطائف”. ساحة الشهداء كنيترات الأمونيوم، والصاعق الذي يفجرها هو المتظاهرون الذين لن يستسلموا حتى تتحقق مطالبهم. وكما الأهراءات ستكون نصباً تذكارياً للمأساة، لعل “ساحة الشهداء” تكون المكان التذكاري لتحوّل البلاد من فاشلة بسبب الشحن الطائفي، إلى عنوان للتغيير السياسي، والإصلاح المؤسساتي، والازدهار الاقتصادي الذي يرجوه كل اللبنانيين بلا استثناء. المزيد عن: لبنان/اهراءات/مرفأ بيروت/انفجار بيروت 8 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الأخبار الكاذبة التي غزت شبكة الإنترنت إثر اندلاع انفجار بيروت next post ما هي خيارات العراق لردع الانتهاكات التركية المتكررة لسيادته؟ You may also like “شكاوى تاسو” الإيطالي بريشة الفرنسي ديلاكروا 17 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: بارغاس يوسا تخطى “الواقعية السحرية”... 17 أبريل، 2025 معرض باريس يكرم الأدب المغربي الفرنكوفوني ويتجاهل العربي 17 أبريل، 2025 غاودي شيد مبنى سكنيا تنبأوا له بالانهيار 17 أبريل، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: الأفعى والجمل قطعتان أثريتان... 17 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: التروبادور ينتصرون للحب المستحيل... 17 أبريل، 2025 ( 10 ) أفلام لبنانية غاصت في هاوية... 15 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: معرض أربيل للكتاب يرسخ... 15 أبريل، 2025 هوبس الذي لم ينصف الإنسان أنصفه التاريخ المعاصر 15 أبريل، 2025 خوليو سانتانا على طريق إيخمان أوفر حظا وأهدأ... 15 أبريل، 2025 8 comments Lamborghini Aventador S 28 يوليو، 2024 - 5:18 م I never thought about it this way before. Thanks for opening my eyes. Reply usa89 11 مارس، 2025 - 10:05 ص 289274 114179Yeah bookmaking this wasnt a risky decision outstanding post! . 427084 Reply navigate to 21 مارس، 2025 - 2:53 م 125644 305752This is a great web page, could you be interested in performing an interview about just how you designed it? If so e-mail me! 75008 Reply mostbet 25 مارس، 2025 - 7:08 م 175383 33725I discovered your website web site on google and check a couple of your early posts. Preserve within the top notch operate. I just extra up your Feed to my MSN News Reader. Looking for toward reading far much more of your stuff afterwards! 42603 Reply pg168 27 مارس، 2025 - 10:38 ص 843971 978997Thoughts talk within just around the internet control console video clip games have stimulated pretty expert to own on microphone as nicely as , resemble the perfect tough guy to positively the mediocre ones. Basically fundamental problems in picture gaming titles. Drug Recovery 374713 Reply fruit cocktail 28 مارس، 2025 - 10:24 م 131947 834405Thoughts speak within just about the internet control console video clip games have stimulated pretty expert to own on microphone as properly as , resemble the perfect tough guy to positively the mediocre ones. Basically fundamental difficulties in picture gaming titles. Drug Recovery 244535 Reply omnitelltech.com 29 مارس، 2025 - 1:18 ص 298865 879175Keep up the amazing piece of work, I read few weblog posts on this internet website and I believe that your site is real intriguing and has lots of great information. 691030 Reply หวยลาว พัฒนา คืออะไร 30 مارس، 2025 - 12:29 ص 90918 136800Slide small cooking pot within the cable to make it easier for you to link the other big wooden bead for the conclude with the cord. 143159 Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.