من تقديم لمسرحية فولبوني (مؤسسة شكسبير الملكية) ثقافة و فنون هكذا عاد بن جونسون الأكثر شهرة من شكسبير by admin 7 يناير، 2024 written by admin 7 يناير، 2024 104 سيرة جديدة لصاحب “فولبوني” الذي أهمله التاريخ فعاش منسياً بعد أن لفظه المجتمع اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كانوا ثلاثة صنعوا بين نهاية القرن الـ16 وبداية القرن التالي له مجد تلك المرحلة المسرحية العظيمة التي سميت بـ”المسرح الإليزابيثي” تيمناً باسم ملكة إنجلترا في ذلك الحين: ويليام شكسبير، كريستوفر مارلو وبن جونسون. وهذه التراتبية التي استخدمناها هنا من منطلق تفضيل العصور التالية لشكسبير على مارلو ثم لمارلو على جونسون، لم تكن كذلك في حياة الثلاثي، بل كانت الأولوية لجونسون الذي سرعان ما فقدها على رغم أنه عمر أكثر من زميليه. مهما يكن كان جونسون في ذلك الحين يعتبر، ومن بعيد، أكبر كاتب إنجليزي على الإطلاق، وهي صفة لم تمنح لمعاصره ومواطنه وغريمه أحياناً، ويليام شكسبير، إلا بعد رحيل الاثنين بزمن طويل. حين كان على قيد الحياة كانت سمعة بن جونسون تطغى على سمعة شكسبير، حتى وإن كان قام تعاون خلاق بينهما أحياناً. رجل المغامرات المدهشة لكن، بعد ذلك برز شكسبير وتضاءلت أهمية جونسون، وسنكتشف بعد سطور لماذا. واليوم إذ يعرف الناس جميعاً معظم أعمال صاحب “هاملت” و”عطيل” و”ماكبث”، بالكاد يذكر أحد لبن جونسون مسرحية غير رائعته “فولبوني”. والناس إذا ذكروا بن جونسون إنما يكون موضوعهم حياة الرجل المدهشة ومغامراته الأخاذة ومزاجه الصدامي أكثر من أعماله. ومع هذا، وفي وقت كان الشكسبيريون لا يزالون عاجزين عن فرض أعمال رائدهم بوصفها “أعمالاً أدبية” جديرة بهذا الاسم، وكان المسرحيون في شكل عام غير قادرين على فرض النصوص المسرحية قطعاً أدبية، لم يتوان بن جونسون عن إصدار مجلد يضم مسرحياته وقد حمل اسم “أعمال بنيامين جونسون”، ومن المؤكد أن مثل هذا العنوان لكتاب يعتبر تكريماً ما بعده تكريم في ذلك الزمن، تكريماً لم يسبق أن حصل عليه أي مسرحي آخر منذ العصور الإغريقية في الأقل. لكن، هنا علينا ألا ننسى أن بن جونسون في ذلك الحين بالذات نال شهادتي دكتوراه – فخريتين على أية حال – من الجامعتين المتنافستين، أوكسفورد وكامبردج، في الوقت نفسه. وهذا كله كان خلال عقد واحد من حياة الرجل، بلغ خلاله المجد بعد أن سبقته عقود من التعب والشعور بالمهانة، وستليه عقود من الفقر. في عقد المجد الذي توازى مع حكم جيمس الثاني ملكاً على إنجلترا منذ 1603، كتب بن جونسون أهم أعماله وكرم، كما خفت في الوقت نفسه حدة تحديه زملاءه ومبارزاته إياهم ومشاكساته لهم. وحده “الثعلب” نفذ بجلده ولم يكن غريباً على بن جونسون من ثم أن يستهل ذلك العقد، تقريباً، بكتابة “فولبوني”، مسرحيته التي لا تزال حية وتقدم إلى اليوم، والتي تخلى فيها عن محاولاته النيل من زملائه وأصدقائه، ليغوص في سخرية من المجتمع بصورة عامة، ناعياً على طبقة معينة من الناس أخلاقها وتكالبها على الأمور المادية، وكان ذلك شيئاً جديداً في ذلك الحين، أو بالأحرى استعادة لأجواء مسرح روماني قديم كان جعل من انتقاد الجشع والتكالب والنفاق الاجتماعي موضوعاً رئيساً له، واستباقاً لما قام به رائد هذا النوع الكبير في المسرح الفرنسي: موليير. وهذا البعد هو بالتأكيد ما يعطي “فولبوني” طابعها المعاصر. فبن جونسون كتبها في وقت كان بدأ يخرج من بوتقة حلقات الممثلين والمثقفين وصراعاتها – التي يشير إليها شكسبير بكل وضوح في بعض حوارات “هاملت” – ليدخل حياة المجتمع. فماذا وجد؟ وجد طبقات بدأت تصعد، حب المال هوسها الأول، والنفاق والرياء وعدم الرغبة في العمل منهاج حياتها. ولما لم يكن من شأن عقل كعقل بن جونسون أن يتسامح مع صورة المجتمع الفاسد تلك، وجه إليه سهام نقده اللاذع في “فولبوني” (وتعني الثعلب باللاتينية)، ونجح في ذلك إلى حد كبير. ومن الواضح في النهاية أن أحداث مسرحية “فولبوني” لم تكن كل ما يهم بن جونسون هنا، ما يهمه كان تلك الصورة التي يقدمها عن مصير غياب الأخلاق والفضيلة في عالم بدأت المادة تطغى عليه تماماً، لا سيما لدى تلك الطبقة التي أجاد جونسون تماماً التعبير عنها من خلال أسماء ممثليها، الغراب، والذبابة والصقر والثعلب وما إلى ذلك. والأهم من هذا أنه عرف كيف يرسم سيكولوجية كل شخصية من الشخصيات، وكيف يعطيها من الشفافية ما يجعلها تنم عما هو موجود فعلاً في المجتمع. من الصعود إلى المنحدر في ذلك الحين كان مجتمع المدن البورجوازي استكمل بنيانه، بعد قرن من الصعود الذي كانت لا تزال تسيطر فيه عوامل النبل والفضيلة، وهكذا كان الجديد الذي أتى به جونسون، من دون أن يكون الأول في رسمه، هو التعاطي مع أخلاقيات ذلك المجتمع. وحتى لئن كان اختار البندقية مسرحاً لأحداث عمله، من الواضح أن ما كان يقصده إنما هو المجتمع اللندني تحديداً. وهذا ما عاد لتأكيده قبل سنوات كتاب سيرة عن حياة بن جونسون أصدره الباحث الإنجليزي إيان دونالدسون وسط دهشة كثر فوجئوا بأن تلك السيرة كانت غائبة تماماً مقارنة بعشرات الكتب التي تصدر بصورة منتظمة عن حياة شكسبير. غلاف السيرة الجديدة لحياة بن جونسون (أمازون) ومع ذلك كان لا بد من التذكير وفي مناسبة صدور تلك السيرة النادرة بأن بن جونسون كان أكثر شهرة من شكسبير بكثير خلال حياتيهما، بل كان الأكثر شهرة بين ذلك الثلاثي المسرحي الإليزابيثي، إلى درجة أنه هو الذي سعى لدى الناشرين اللندنيين إلى إصدار طبعة كاملة لم تكن موجودة لأعمال صاحب “هاملت” و”ماكبث” الذي كان يقال عنه في بعض الأوساط حينها إنه لم يكن موجوداً في الحقيقة ككاتب، بل كان فقط ممثلاً أعار اسمه لجونسون الذي كان المؤلف الحقيقي للمسرحيات “الشكسبيرية” العظيمة. صحيح أن تلك النظرية لم تعمر طويلاً لكن لا يزال البعض يتبناها حتى اليوم. حياة مشاكسة متواصلة لكن لماذا غاب بن جونسون طويلاً قبل أن يعود في القرن الـ17 متواضعاً خجولاً وفي ظل شكسبير تحديداً؟ بسبب شراسة شخصيته والعداء المطلق الذي كان لا ينفك يبديه تجاه كبار القوم وصولاً إلى رجال البلاط، في وقت عرفت عن شكسبير مسايرته أولئك الكبار وسعيه الدائم لحماية اجتماعية يؤمنها له هذا الأمير أو ذلك الدوق مما جعله على الدوام في مأمن، فيما كان بن جونسون عرضة لمطاردة الشرطة والقضاء ونزيلاً شبه دائم للسجون. مهما يكن عندما كتب بن جونسون “فولبوني” كان، كما أشرنا، من القوة بحيث يمكنه أن يوجه سهام نقده إلى ذلك المجتمع. في ذلك الحين كان كاتبنا في الـ34، وكانت بدأت مرحلة الهدوء في حياته، وهو الذي قبل ذلك كان عاش حياة تجوال وصراع عنيف. وكان عرف منذ صباه بالمشاكسة. وهو بدأ حياته العملية كاتباً وممثلاً يعكس على المسرح ما في شخصيته نفسها من هزء وسلاطة لسان ومقدرة على فضح عيوب الآخرين. وكان أول عمل شارك في كتابته مسرحية “جزيرة الكلاب” التهكمية – مفقودة حالياً – التي سجن إثر تمثيلها وحين أطلق سراحه انضم إلى ممثلي فرقة “الأدميرال”، وكتب للفرقة مسرحيات عدة، كما كتب لمسارح أخرى، وشارك ويليام شكسبير لفترة في الكتابة والتمثيل، وخلال “حرب المسارح” راح يكتب بكثرة ويبارز أكثر. ولقد حدث له مرة أن قتل ممثلاً خلال مبارزة، وأودع السجن مرة أخرى، لكنه منذ اعتلاء جيمس الأول العرش (1603) هدأ وإن لم تهدأ حدة نقده. وراح يكتب بوفرة هزليات ومآسي تاريخية ومسرحيات أقنعة. وعاش سنوات مجد، أيقظه منها موت الملك راعيه، والظروف الجديدة التي طرأت (الطاعون وإغلاق المسارح)، وراح وضعه يتدهور مالياً واجتماعياً، حتى مات في لندن عام 1637، تاركاً وراءه مسرحيات عدة غير مكتملة، وأهلاً عاجزين عن دفع كلف جنازته. المزيد عن: المسرح الإليزابيثيبن جونسونوليام شكسبيرمولييرإنجلتراالمسرح الرومانيعطيلماكبثهاملتفولبوني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جبال الجنوب في ليبيا كنوز منسية في غياهب الصحراء next post صدمة المعارك تهبنا أعظم شاعري حرب في العالم You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024