الهجوم الأوكراني المفاجئ أربك القيادة الروسية بزعامة فلاديمير بوتين (أ ف ب) عرب وعالم هجوم القوات الأوكرانية على روسيا حالة يأس أم لحظة إلهام؟ by admin 13 أغسطس، 2024 written by admin 13 أغسطس، 2024 108 عملية التوغل قد تكون مفيدة لكييف معنوياً لكنها قطعت الطريق أمام انتقال الصراع إلى طاولة المفاوضات اندبندنت عربية / سعيد طانيوس كاتب لبناني شكل اختراق القوات الأوكرانية للحدود الروسية في منطقة كورسك الحدودية أول احتلال لأراض روسية منذ الحرب العالمية الثانية وتحدياً جديداً وغير متوقع لموسكو، وعلى ما يبدو حدثاً غير مفاجئ للغرب الذي يضحك في سره، ويرجع هذا الإنجاز العملياتي للقوات الأوكرانية إلى الأسلحة التي قدمها إلى كييف خلال الأشهر القليلة الماضية. أربك هذا الهجوم المفاجئ الذي بدأ في السادس من أغسطس (آب) الجاري القيادة الروسية بزعامة فلاديمير بوتين، فلجأت إلى استخدام أنواع مختلفة من العبارات الملطفة التي لم تهدأ لأيام عدة حتى لا تصف هجوم خصم مسلح على الأراضي الروسية بأنه “انتصار” ظرفي موقت، فاستخدم بوتين علناً في وصف هذا الاختراق مصطلح “الاستفزاز” من دون أن يحدد ما إذا كان استفزازاً غربياً أو أوكرانياً بحتاً. الدعاية الروسية، التي لم تكن لديها في البداية تعليمات من الكرملين حول كيفية تغطية اختراق عمق الأراضي الروسية الواضح، والعمليات الناجحة لضباط استخبارات القوات المسلحة الأوكرانية، لم تتحدث تقريباً عن تقدم الجيش الأوكراني نحو واحد من أكبر المفاعلات النووية الروسية. وفي وقت لاحق تلقوا تعليمات بمقارنة المعارك الحالية بمعركة كورسك الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية، ومواساة سكان المناطق الحدودية بحقيقة أن “بوتين لن يتخلى عنهم” وسيدفع لهم تعويضات عن كل الأضرار التي لحقت بهم وبممتكاتهم. على العكس من ذلك نوقشت عمليات الجيش الأوكراني بمنطقة كورسك في قنوات” تيليغرام” العسكرية والمدنية الروسية باعتبارها حدثاً خطراً، مع الشكوى من تباطؤ وجهل القيادة الروسية، فضلاً عن النقص شبه الكامل في وصول قوات النجدة والمعدات التي تتطلبها القوات المسلحة. هذا النقاش المحموم لم يكن محصوراً بالمدى الجغرافي الذي بلغته القوات الأوكرانية في توغلها داخل الأراضي الروسي، ولا بأسماء البلدات والمدن والقرى التي استولت عليها القوات الأوكرانية المهاجمة، بل بأهداف هذا الهجوم والغاية من شنه في هذا التوقيت بالذات؟ وما إذا كان يشكل توسعة للحرب أم وضع نقطة بداية النهاية لها؟ والانتقال من الصراع العسكري في الميدان إلى العراك خلف طاولة المفاوضات. الوقائع الميدانية فجر السادس من أغسطس الجاري، تعرضت منطقة كورسك الروسية لهجوم مفاجئ واسع النطاق من مفرزة كبيرة من القوات المسلحة الأوكرانية، تعرضت خلاله بلدة سودزا الحدودية لقصف عنيف أوقع عدداً كبيراً من القتلى والجرحى وأضراراً جسيمة، واستمر القتال في المنطقة منذ ذلك التاريخ وتوسع حتى لحظة كتابة هذا التقرير. وتعمل القوات الأوكرانية على تعزيز مواقعها في الأراضي التي استولت عليها بمنطقة كورسك الروسية، وفي بعض المناطق تقوم بتوسيع منطقة السيطرة أو تواصل تقدمها أو تقوم بغارات استطلاعية من رأس الجسر الذي شكل. في الوقت الحالي، احتلوا معظم المركز الإقليمي لسودزا إلى الغرب من النهر الذي يحمل الاسم نفسه، وتحتفظ القوات الروسية بأرض مرتفعة على الضفة الشرقية، لكنها في وضع صعب، إذ طوقت من كلا الجانبين، علاوة على ذلك فإن الوضع يتغير بسرعة. أوقع هذا الهجوم المفاجئ مئات القتلى والجرحى بين المدنيين الروس القاطنين في هذه المنطقة، وصنفت وزارة حالات الطوارئ الروسية الوضع في منطقة كورسك على أنه حالة طوارئ فيدرالية. في غضون ذلك اعترفت وزارة الدفاع بأن قوات القوات المسلحة الأوكرانية توجد على مشارف مدينة سودزا، وأكدت أن “تقدم العدو غير مسموح به”، ويستمر القتال في المناطق الحدودية سودجانسكي وكورينيفسكي طوال أسبوع كامل. وفي مساء الثامن من أغسطس أفادت وزارة الصحة بأن أكثر من 60 شخصاً من السكان المحليين أصيبوا نتيجة القصف، ووفقاً للبيانات الرسمية توفي أربعة. كما أبلغت السلطات الإقليمية عن إجلاء المواطنين على مدار الساعة، ويذكر أن أكثر من 3 آلاف شخص أخلوا من المناطق الخطرة. ونتيجة لضراوة القتال وتوسع رقعته، في ثلاث مناطق روسية متاخمة لأوكرانيا، أدخل نظام عمليات مكافحة الإرهاب منذ الجمعة التاسع من أغسطس. يعمل هذا النظام القانوني الذي فرض بسبب زيادة مستوى التهديدات من أوكرانيا في مناطق مقاطعات كورسك وبريانسك وبيلغورود على النحو التالي: في البدء أعلنت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب إدخال نظام مكافحة الإرهاب في منطقة بريانسك المجاورة لمقاطعة كورسك، بعد ذلك أعلن القائم بأعمال حاكم منطقة كورسك أليكسي سميرنوف إدخال هذا النظام في المنطقة، ثم أعلنت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب إجراء مماثلاً في منطقة بيلغورود. وشددت اللجنة على أن السلطات تتخذ إجراءات إضافية تهدف إلى ضمان سلامة المواطنين، والحفاظ على القانون والنظام وتعزيز حماية المرافق من الإرهاب. وبموجب هذا النظام تفرض السلطات عدداً من التدابير الطارئة، مثل تعزيز حماية النظام العام، والتحقق من مستندات كل من يوجد في المنطقة المفروض فيها، وتفتيش السيارات والأشخاص بالمنطقة التي يتم إدخاله فيها، والحد من حركة السيارات والمشاة، وتعليق أو تقييد استخدام شبكات الاتصالات ووسائل الاتصال، ومراقبة المحادثات الهاتفية و”المعلومات الأخرى المنقولة عبر أنظمة الاتصالات”، وحظر بيع الأسلحة والكحول. اجتماع بوتين بقيادات عسكرية في موسكو (أ ف ب) إضافة إلى ذلك يحق للسلطات مصادرة مركبات المنظمات، وكذلك المواطنين في “الحالات العاجلة”، كما يمكن لموظفي إنفاذ القانون الدخول بحرية إلى المباني السكنية وغير السكنية والأراضي الخاصة المملوكة للأفراد والمنظمات. التصدي العسكري الروسي تحاول القيادة الروسية وقف تقدم القوات الأوكرانية، وتحشد قوات كبيرة لطرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك، لكن حتى مع بذل جهد كبير سيستغرق الأمر أسابيع عدة في الأقل، وفي هذه الحالة يبدو أن القوات المسلحة الأوكرانية ستضطر إلى التحول من الهجوم إلى الدفاع في المواقع التي تمكنت من احتلالها، ثم سيعتمد كل شيء على مدى استعداد القيادة الأوكرانية للاستثمار في استمرار هذه العملية، وما إذا كانت مستعدة لنقل قوات إضافية إلى هناك. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية نقل معدات عسكرية كبيرة إلى منطقة كورسك، ونشرت الوزارة لقطات مصورة لعملية نقل المدرعات باتجاه المنطقة التي تدور المعارك فيها، فيما يستمر القتال في المناطق الحدودية لمنطقة كورسك منذ صباح السادس من أغسطس. ونشرت وزارة الدفاع لقطات لنشر وحدات من القوات التي يزج بها في عمليات قتالية مع القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة سودجانسكي بمنطقة كورسك، وفي وقت سابق أعلنت الإدارة العسكرية وقف تقدم القوات المسلحة الأوكرانية في هذا الاتجاه. وشملت الأرتال التي وجهت إلى مناطق القتال أنظمة إطلاق صواريخ متعددة من طراز”غراد”، وقطع مدفعية ذاتية الحركة، ودبابات منقولة بشباك الجر، ومركبات مجنزرة ثقيلة، ومركبات أورال وكاماز. كما نشرت قناة “زفيزدا” التلفزيونية لقطات لحركة المعدات باتجاه منطقة كورسك الحدودية، وهي تظهر منصات مدفعية ذاتية الدفع محملة ومركبات مدرعة ودبابات وراجمات صواريخ. ويستمر القتال في المناطق الحدودية لمنطقة كورسك منذ صباح السادس من أغسطس، وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن خسائر القوات المسلحة الأوكرانية يوميا تبلغ 280 عسكرياً، وخلال كامل فترة الأعمال العدائية في اتجاه كورسك تم تحييد 945 عسكرياً أوكرانياً وعشرات المركبات المدرعة. وأوضحت الوزارة أن الجيش الروسي هاجم “القوى البشرية والمعدات التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في مناطق مستوطنات دارينو وغوغوليفكا وميلوفوي ونيكولسكي، وفي الضواحي الغربية لسودزا”. ووفقاً لوزارة الدفاع أوقفت جميع الهجمات من أوكرانيا من وحدات مجموعة قوات الشمال، وألحقت النيران بأفراد ومعدات القوات المسلحة الأوكرانية في مناطق مستوطنات دارينو وغوغوليفكا وميلوفايا ونيكولسكي خسائر فادحة. وأفاد رئيس الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف يوم السابع من أغسطس أن تقدم القوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة توقف، ووصف هدف الهجوم بأنه “الاستيلاء على جزء من أراضي منطقة سودزانسكي”. وحتى مساء الثامن من أغسطس أصيب 66 شخصاً نتيجة القصف في منطقة كورسك، بينهم تسعة أطفال، لكن عدد الوفيات غير معروف بالضبط بسبب غياب البلاغات الرسمية. كما أصبح معروفاً أن مقاتلين من شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة وقوات “أحمد” الشيشانية الخاصة وصلوا إلى منطقة كورسك للمشاركة في المعارك ضد القوات المسلحة الأوكرانية، وبحسب عمدة مدينة كورشاتوف فإن القتال يدور على بعد عشرات الكيلومترات من المدينة التي تضم أكبر محطة للطاقة النووية في المنطقة. وقال عمدة المدينة إيغور كوربونكوف في قناته على تطبيق “تيليغرام” إن القتال يدور على بعد عشرات الكيلومترات من حدود كورشاتوف، ولا يزال الوضع متوتراً، وأضاف “الوضع متوتر وحالة الطوارئ سارية، ومع ذلك فإن جميع الخدمات والمؤسسات، بما في ذلك إدارة المدينة، تعمل كالمعتاد. أنا شخصياً في المدينة، في مكان عملي، والوضع تحت السيطرة”. ودعا كوربونكوف سكان المدينة إلى عدم الاستسلام للذعر و”استفزازات العدو الإعلامية”، ووفقاً له، فإن السلطات الأوكرانية لا تستخدم الأسلحة العسكرية فحسب، بل تستخدم أيضاً “القوات الخاصة النفسية” ضد سكان منطقة كورسك، بهدف زرع الذعر بين السكان وخلق حالة من الفوضى خارجة عن السيطرة، مهمتنا المشتركة هي منع حدوث ذلك! ثق فقط بمصادر المعلومات الرسمية. ابقوا هادئين وآمنوا بانتصارنا! ردود الفعل الروسية: الأوغاد وصف الرئيس الروسي بوتين الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك بأنه “استفزاز واسع النطاق”، ووفقاً له فإن كييف “تطلق النار بشكل عشوائي من مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، على المباني المدنية والمباني السكنية وسيارات الإسعاف”. أما نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، فقال تعليقاً على القتال بين الجيشين الروسي والأوكراني في منطقة كورسك إن الجيش الروسي سيوقف هجومه في أوكرانيا عندما يعتبر ذلك مقبولاً ومربحاً، ووصف الدول الغربية التي قدمت التسليح والمساعدات العسكرية لكييف بالأوغاد. وأشار إلى أنه في ما يتعلق بالقتال في المناطق الحدودية لمنطقة كورسك، فإن العمليات العسكرية في أوكرانيا يجب أن تكتسب “طابعاً يتجاوز الحدود الإقليمية بشكل علني”، ودعا إلى الذهاب “إلى كييف وخارجها”، وأضاف ميدفيديف أنه لا ينبغي أن تكون هناك أي قيود في ما يتعلق بالحدود المعترف بها للدولة الأوكرانية، “وهذا يمكن وينبغي الآن مناقشته علناً، من دون تردد أو انحناءات دبلوماسية”. وأكد ميدفيديف “فليفهم الجميع هذا، بما في ذلك الأوغاد الإنجليز: لن نتوقف إلا عندما نعتبر ذلك مقبولاً ومربحاً لأنفسنا”. ووعد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، بعد مقالة لصحيفة “بيلد” حول استخدام المعدات العسكرية الألمانية على الأراضي الروسية، ببذل كل ما في وسعه لضمان وصول أحدث الدبابات الروسية إلى الساحة أمام الرايخستاغ في ألمانيا وسط برلين. نشرت صحيفة بيلد الألمانية مقالة انتقامية أعلنت فيها بفخر عودة الدبابات الألمانية للأراضي الروسية، ورداً على ذلك أعلن ميدفيديف “سنبذل قصارى جهدنا لضمان وصول أحدث الدبابات الروسية إلى ساحة الجمهورية (الساحة في برلين أمام الرايخستاغ – المحرر)”. وفي وقت سابق ذكرت صحيفة بيلد أنه رصد ما لا يقل عن ثلاث مركبات قتال مشاة ألمانية من طراز “ماردر” في منطقة كورسك، بدوره حاول رئيس لجنة الدفاع في البوندستاغ الألماني ماركوس فابر تبرير استخدام أوكرانيا للأسلحة الألمانية، قائلاً إنه بعد نقل هذه الأسلحة لكييف، بما في ذلك دبابات “ليوبارد 2″، تصبح أوكرانية. ووصفت وزارة الخارجية الروسية الهجوم على منطقة كورسك بأنه هجوم إرهابي ضد المدنيين، ولن تقوم لجنة التحقيق وغيرها من وكالات إنفاذ القانون “بتقييم هذا الأمر فحسب”، بل ستقوم أيضاً “بجمع الأدلة واتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان وصول كل هذا إلى المحكمة وتأهيله وفقاً لذلك”، حتى يتسنى لجميع المسؤولين عنه “الحصول على ما يستحقون”، وقالت الممثلة الرسمية للوزارة ماريا زاخاروفا: “إنها تستحق”. قصف روسي لقوات أوكرانية (أ ف ب) وفتحت لجنة التحقيق الروسية قضية جنائية بموجب مواد عدة، منها عمل إرهابي والقتل وحمل أسلحة غير مشروعة، ومحاولة اغتيال موظفين مكلفين بإنفاذ القانون. وفي الأثناء أصدر مجلس النواب الروسي (الدوما) استنتاجين رئيسين بعد هجوم القوات المسلحة الأوكرانية على منطقة كورسك، معتبراً أن الهجوم على منطقة كورسك يبدد الآمال في محادثات سلام قريبة لوقف الحرب والتوصل إلى حلول وسط لإنهائها. وأعلن نائب رئيس لجنة مجلس الدوما لشؤون رابطة الدول المستقلة والتكامل الأوراسي والعلاقات مع المواطنين فيكتور فودولاتسكي، الجمعة التاسع من أغسطس، أن هجوم القوات المسلحة الأوكرانية لمنطقة كورسك وضع حداً لإمكان إجراء مفاوضات سلام، وأكد أيضاً الحاجة إلى إنشاء منطقة عازلة لمصلحة السكان. وقال “بعد دخول الإرهابيين إلى أراضي منطقة كورسك، يجب حذف مسألة المفاوضات، لأنه من المستحيل التفاوض مع حثالة، وأضاف النائب “لا يمكن الوثوق بهم، فلديهم خطط وأهداف مختلفة تماماً”. كما أشار البرلماني إلى أهمية تنظيم منطقة عازلة لحماية السكان، وأكد فودولاتسكي في الوقت نفسه أن من المهم أن نأخذ في الاعتبار قدرات الأسلحة الغربية المنقولة إلى أوكرانيا، أي أنه إذا كان الصاروخ قادراً على الوصول لمسافة 200 كيلومتر، فيجب أن تكون المنطقة العزلة متناسبة مع مدى الصاروخ. ويعتقد النائب أن توريد الدول الغربية مقاتلات “إف-16” لن يقلب الوضع في ساحة المعركة لصالح كييف، وأشار إلى أن دبابات “أبرامز” و”ليوبارد” لم تعط للقوات المسلحة الأوكرانية أي أفضلية ولم تتمكن من التقدم على الجبهات على رغم قوتها. وأشار فودولاتسكي “نعمل اليوم على عدد من التقنيات التي ستسمح لنا بمنع الصواريخ من الوصول إلى حدود الاتحاد الروسي”. وبالتزامن مع ذلك أعلنت الوكالة النووية الروسية أن الهجوم عبر الحدود الذي شنته أوكرانيا “شكل تهديداً مباشراً” لمحطة للطاقة النووية، إذ تقع على بعد أقل من 50 كيلومتراً من منطقة القتال. ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن وكالة الطاقة النووية الروسية (روساتوم) قولها إن “تصرفات الجيش الأوكراني تشكل تهديداً مباشراً” لمحطة كورسك للطاقة النووية في غرب روسيا بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، مضيفة أنه “في الوقت الحالي هناك خطر حقيقي من وقوع ضربات واستفزازات من جانب الجيش الأوكراني”. كورشاتوف هي المركز الإداري لمنطقة كورتشاتوفسكي وثالث أكبر مدينة في منطقة كورسك، ويبلغ عدد سكانها نحو 40 ألف نسمة، وتقع المدينة على بعد حوالى 65 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا. تقع محطة كورسك للطاقة النووية العاملة في بلدة كورشاتوف، وتعمل المحطة الآن على تشغيل وحدتين (من أصل أربع) لتوليد الطاقة بقدرة إجمالية تبلغ ألفي ميغاوات، وهي توفر أكثر من 50 في المئة من القدرة المركبة لجميع محطات الطاقة في منطقة الأرض السوداء. وأعلن قائد قوات أحمد الشيشانية الخاصة التي تقاتل إلى جانب الجيش الروسي اللواء أبتي علاء الدينوف أنه رصد عدداً من المرتزقة الأجانب في اتجاه كورسك، وقال حليف الرئيس الشيشاني “نحن نسجل الآن أن هناك كثيراً من الفرنسيين، وكثيراً من البولنديين، أي كثير من الأجانب (في اتجاه كورسك)”. وقيم علاء الدينوف قدرة القوات الروسية على إيقاف القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك، وذكر أنه لا توجد عمليات لا رجعة فيها أو أحداث خارقة للطبيعة تحدث بالمنطقة. وبحسب قوله سيطرت القوات المسلحة الأوكرانية على مستوطنات عدة، لأنها “لم يكن لديها أي أموال أو قوات أو موارد”. وتحدث رئيس الشيشان رمضان قديروف عن توقيت إحباط هجوم القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك، ووعد قائلاً “انتظروا يومين أو ثلاثة أيام، وستكون هناك نتائج جيدة”. أوكرانيا تقرن هجومها بموقفها التفاوضي وفيما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهجوم الذي شنته القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك بأنه “استفزاز واسع النطاق”، وقال مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إن الغرض منه هو تعزيز المواقف في المفاوضات، وفي الوقت نفسه قال الرئيس الأوكراني متفاخراً بأن الجيش الأوكراني “يعرف كيف يفاجئ”. وقال مستشار مدير مكتب رئيس أوكرانيا ميخائيل بودولياك إن الهدف من هجوم القوات المسلحة الأوكرانية على منطقة كورسك هو تعزيز موقف كييف في المفاوضات. المستشار السابق لرئيس مكتب الرئيس الأوكراني أليكسي أريستوفيتش اعتبر أن الغرض من الهجوم الذي شنته القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك بالاتحاد الروسي هو تذكير الأميركيين بأنفسهم. وقال أريستوفيتش إن الغرض من ضربة القوات المسلحة الأوكرانية لم يكن الاستيلاء على محطة كورسك للطاقة النووية، التي يحلم بها بعض سكان نيزاليجنايا، علاوة على ذلك كانت مثل هذه العملية مستحيلة من حيث المبدأ. وأضاف “مع حجم القوات المخصصة هناك، من المستحيل سحق تاريخ العالم، إنه غير واقعي على الإطلاق. هذه عملية يبلغ نطاقها عشرات عدة من الكيلومترات كحد أقصى، في ظل مجموعة من الظروف المواتية للغاية، لذلك لن تكون قادرة على تدمير أي شيء، وعلى الأرجح، لن تصل حتى إلى محطة كورسك للطاقة النووية. أقول هذا على وجه التحديد لأولئك الذين حلموا بالفعل أننا سنأخذ محطة كورسك للطاقة النووية، هذا كل شيء”. ووفقاً للسياسي فإن عملية القوات المسلحة الأوكرانية لها معنى سياسي منفصل، لقد سمعت روايات وهي منطقية على خلفية التصعيد في الشرق الأوسط والوضع الانتخابي في الولايات المتحدة يتم نسيان أوكرانيا، وأشار المستشار السابق إلى أنه لذلك علينا أن نذكر بأنفسنا. المدون الأوكراني المنشق أناتولي شاري كتب في قناته على “تيليغرام” أنه “قريباً ستكتب جميع وسائل الإعلام الغربية أن كييف لديها كثير من القوة، وأن كل المليارات والمعدات التي أرسلتها لم تذهب سدى! الشيء الرئيس هو مواصلة التحركات حتى نوفمبر، وهذا مهم للغاية حتى يتمكنوا من رؤيتها هناك”. وأضاف “وإذا كان علينا إرسال 50 ألف جندي إضافي، فلن يكون ذلك عبثاً. فمن تشبث بالعرش (في إشارة إلى زيلينسكي) سيبقى في مكانه، وعلى بعد آلاف الكيلومترات، سيكون للديمقراطيين في الولايات المتحدة حجة”. وكشف وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاجورودنيوك (2019-2020)، الذي يقدم الآن المشورة للحكومة، في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”، عن أن السلطات الأوكرانية بدأت التحضير لهجوم الجيش الأوكراني في منطقة كورسك قبل وقت طويل من التنفيذ. ووفقاً له، فإن القوات المسلحة الأوكرانية لا تخطط للحفاظ على السيطرة على الأراضي الروسية لفترة طويلة. وبحسب زاغورودنيوك فإن هجوم منطقة كورسك له أهداف عدة، بينها تحويل القوات الروسية عن قطاعات أخرى من الجبهة وتحديد نقاط ضعفها، ونقل الأعمال العدائية إلى الأراضي الروسية، وأخذ زمام المبادرة في ساحة المعركة وتقليل الدعم للعمليات العسكرية بين السكان. وتشير “فاينانشيال تايمز” إلى أن بعض المحللين العسكريين يشككون في توقيت هجوم كورسك وإعادة انتشار القوات لهذه المنطقة، في حين أن كييف غير قادرة على تحقيق نجاحات كبيرة على الجبهة، وكتبت أن وحدات من أربعة ألوية نخبة ميكانيكية ومحمولة جواً في الأقل من القوات المسلحة الأوكرانية تشارك في الهجوم على المنطقة الروسية. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” نقلاً عن محللين أن هدف القوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة قد يكون وقف جميع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا كوسيلة للضغط. التوغل الأوكراني في الصحافة العالمية وسائل الإعلام الغربية تقيم في الغالب المغامرة الأوكرانية بشكل سلبي، إذ هاجم الأوكرانيون الآن كورسك لصرف الانتباه عن الإخفاقات على الجبهة الشرقية. وهذا يعني “خلق أخبار إيجابية للغرب حتى يستمر في دعم أوكرانيا”، على وجه الخصوص كما كتبت صحيفة “دي فيلت” الألمانية. كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” عن أن الغرض من الهجوم الأوكراني في منطقة كورسك غير واضح، لأن القوات المسلحة الأوكرانية لم تكن قادرة على مقاومة القوات الروسية لأشهر عدة وتخسر الأرض بشكل مطرد في منطقة الصراع. وفقاً لهذه الصحيفة فإن القوات الأوكرانية منتشرة بشكل كبير على طول خط الاتصال القتالي، وبالتالي من غير الواضح كيف سيؤدي هجوم القوات المسلحة الأوكرانية إلى منطقة كورسك إلى تحسين موقفها في قطاعات أخرى من الجبهة، ويشير مؤلفو “نيويورك تايمز” أيضاً إلى أن الجيش الأوكراني لديه احتياطات قليلة ولا يزال يعاني نقص الأسلحة والذخيرة. جنود من الجيش الأوكراني يطلقون طائرة مسيرة (أ ف ب) ووفقاً لمسؤول أوكراني لم يذكر اسمه، فإن الغرض من الضربة هو “صرف انتباه القوات الروسية عن قطاعات أخرى من الجبهة”، إذ تهزم القوات المسلحة الأوكرانية، وفي الوقت نفسه نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن خبراء عسكريين أن روسيا سترسل قوات غير مشاركة في العملية الخاصة في أوكرانيا لقمع الهجوم الأوكراني. وقالت وكالة “رويترز” البريطانية إن القتال حول سودزا يأتي في مرحلة حرجة من الصراع، وهو أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتشعر كييف بالقلق من أن الدعم الأميركي قد يضعف إذا فاز الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وقال ترمب إنه سينهي الحرب. وتسعى كل من روسيا وأوكرانيا إلى اتخاذ أقوى موقف تفاوضي ممكن في ساحة المعركة، وتريد أوكرانيا تحديد موقع القوات الروسية والإظهار للغرب أنها لا تزال قادرة على خوض معارك كبرى. شبكة “الجزيرة” القطرية أشارت إلى أن الجيش الأوكراني نفذ غارات عدة قصيرة المدى داخل الأراضي الروسية من قبل، لكن صور تدمير المعدات الروسية والأوكرانية تشير إلى أنه نفذت عملية عسكرية كبيرة هذه المرة. أهداف الهجوم غير واضحة، لكن إذا تمكنت أوكرانيا من التمسك بالإقليم، فإنها ستكتسب نفوذاً على روسيا في محادثات السلام الافتراضية. ومع ذلك يشكك المراقبون العسكريون في قدرة هذا الهجوم على التأثير في مسار الحرب، لأن القوات الأوكرانية لا تملك الوسائل اللازمة للاحتفاظ بالأراضي التي استولت عليها. ورأت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن القوات الأوكرانية نفذت هذه المرة الهجوم، واستخدمت فيه مزيجاً من المشاة والمركبات المدرعة والطائرات من دون طيار والحرب الإلكترونية والدفاع الجوي. وأضافت يشكك المراقبون إلى حد كبير في الحكمة من وراء الهجوم الأوكراني على روسيا، على رغم أن تقدمه على الأرض كان أفضل مما توقعه كثيرون، ويأتي في وقت تتعرض فيه كييف لضغوط متزايدة على جبهتها في وسط دونباس. وذكرت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية أن الاستفزازات واسعة النطاق من جانب أوكرانيا والدعم الغربي لأعمالها في منطقة كورسك تؤدي إلى تفاقم الصراع العسكري وتعوق إمكان إجراء مفاوضات السلام، وهو ما عمل المجتمع الدولي جاهداً إلى تحقيقه. وتوقع العسكريون أن يؤدي الهجوم بالتأكيد إلى تصعيد الوضع في ساحة المعركة وتبديد الآمال التي تحققت بشق الأنفس في محادثات السلام التي عمل المجتمع الدولي جاهداً لتحقيقها. وقال الباحث في المعهد الوطني الصيني للتبادلات الدولية ومقره شنغهاي تسوي هنغ إن “توقيت هذا الهجوم حدد بشكل أساس مع الأخذ في الاعتبار الفرصة التي أتاحها التغيير في القيادة العسكرية الروسية وتناوب القوات الروسية على خط المواجهة”، وأضاف “الآن بعد أن دعت الدول الغربية إلى إجراء محادثات مع روسيا، تريد أوكرانيا إظهار قدراتها القتالية وتصميمها في هذه المرحلة لتجنب الانسحاب السريع”. وقالت صحيفة “شبيغل” الألمانية “بالنسبة إلى بعض السياسيين الألمان، فإن الهجوم الأوكراني على الأراضي الروسية يعني بالضبط ما كانوا يخشونه بعد الهجوم الروسي في فبراير (شباط) 2022: تصعيد الحرب”. وقال عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البوندستاغ رالف شتيغنر إن أحداث الأيام القليلة الماضية تثبت مرة أخرى أنه من الضروري وضع حد نهائي لهذه الحرب، التي تكلف كثيراً من الضحايا والدمار كل يوم، ويعتقد النائب أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام يتضمن ضمانات أمنية لأوكرانيا، ويكون مقبولاً لدى جميع الأطراف. وأعربت “نيو تسورخر تسايتونغ” السويسرية عن اعتقادها بأن الهجوم الأوكراني الخاطف لا يبشر على المدى الطويل بأي آفاق حقيقية، يقع مركز ثقل الصراع في مكان آخر – في دونباس، وهذا هو المكان الذي ينبغي على الأوكرانيين أن يركزوا قواتهم فيه. ومع ذلك أنه من الناحية التكتيكية البحتة، أظهرت القوات الأوكرانية نتائج مثيرة للإعجاب، لكن النجاحات الأولى لن تتكرر تلقائياً. لقد تلاشى التأثير المفاجئ، ويمكن الآن للقوات الروسية التي تقطعت بها السبل إعادة تنظيم نفسها. قناة “فرانس 24” ذكرت أن أهداف هذه العملية بعبارة ملطفة غامضة، وانتظرت الحكومة الأوكرانية حتى الخميس الثامن من أغسطس لبدء الشرح، وقال مستشار الرئيس الأوكراني ميخائيل بودولياك في مقابلة مع صحيفة “كييف اندبندنت” اليومية الأوكرانية إن العملية يمكن أن تعزز موقف أوكرانيا خلال محادثات السلام المحتملة مع روسيا. لكن هذا جزء فقط من القصة، ويقول المحلل غلين غرانت “من المستحيل أن نعرف بالضبط ما أسباب هذا الهجوم”. ووفقاً له، يمكن أن تكون هذه عملية لتدمير القواعد الخلفية التي تستخدمها روسيا في منطقة كورسك لقصف أوكرانيا، فضلاً عن هجوم للاستيلاء على البنية التحتية للطاقة أو إتلافها على سبيل المثال، خط أنابيب الغاز سودزا، الذي يسلم جزءاً من روسيا الغاز إلى أوروبا، أو المفاعل النووي في مقاطعة كورسك. وذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، أنه بالنسبة إلى أوكرانيا فمن المرجح أن يعزز ذلك حجج كييف بأن حلفاء الولايات المتحدة وأوروبا لا ينبغي لهم أن يخشوا تهديدات التصعيد من جانب الكرملين، وأنه ينبغي السماح لها بمحاربة بوتين بأية طريقة تراها مناسبة للتعجيل بنهاية الحرب. وقالت شبكة “بي بي سي” البريطانية إن من المحتمل أن تستخدم السلطات الروسية الهجوم الأوكراني لمحاولة حشد الشعب الروسي خلف الحكومة ودعم رواية الكرملين الرسمية القائلة إن روسيا ليست المعتدي في هذا الصراع (أ)، وروسيا حصن محاصر محاط بالقوات المسلحة (ب)، والأعداء يخططون للهجوم عليها وتدميرها. وكتبت “هاندلسبلات” الألمانية، أنه من وجهة نظر المراقبين العسكريين، فإن التقدم غير المتوقع داخل الأراضي الروسية لا يغير الوضع على الجبهة في أوكرانيا، وقال أندراس راتز من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية للصحيفة إن الجيش الأوكراني تمكن من منع القوات الروسية من الهجوم على المنطقة الواقعة شمال منطقة خاركيف، لكن في جميع المناطق الأخرى على خط المواجهة تتقدم القوات الروسية ببطء، ولكن بالتأكيد. شبكة “سي إن إن” الأميركية قالت إنه قد يكون الهجوم على روسيا محاولة من جانب كييف لإجبار موسكو على إعادة توجيه مواردها [من خط التماس] إلى مكان آخر، ونظراً إلى سلسلة الأحداث السلبية على خط المواجهة، فإن الأخبار عن الهجمات الناجحة من شأنها أن تساعد كييف في رفع معنويات قواتها ومدنييها. أما صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية فذكرت أنه على رغم أن البيت الأبيض سمح أخيراً لكييف باستخدام الأسلحة المقدمة لضرب القوات الروسية في بعض النقاط عبر الحدود، فإن تقدم المركبات العسكرية التي زودتها بها الولايات المتحدة إلى روسيا يظل محظوراً كشرط لتلقي أوكرانيا الأسلحة. وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن واشنطن تتواصل مع الجيش الأوكراني لمعرفة مزيد عن العملية وأهدافها. وأشار بعض المتخصصين إلى أن هدف كييف قد يكون قطع جميع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا كوسيلة ضغط، والخميس الماضي كان الغاز لا يزال يتدفق عبر سودزا، وهي آخر نقطة تحميل عاملة على خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا. وتحصل أوكرانيا على أموال جيدة في مقابل العبور، لكنها أعربت عن رغبتها في إنهاء أعمال الطاقة الروسية المتبقية في أوروبا. مجلة “فوربس” الأميركية اعتبرت أنه من الممكن أن الهجوم الأوكراني لم يكن مجرد تحويل للتركيز، وبدلاً من ذلك قد يكون الأمر كما يبدو بالضبط: محاولة جادة للاستيلاء على الأراضي الروسية والاحتفاظ بها. في هذه الحالة قد يكون الهدف النهائي دبلوماسياً، إن احتلال ولو جزءاً صغيراً من روسيا سيسمح لأوكرانيا، خلال مفاوضات السلام المستقبلية المحتملة، باستبدال هذه المنطقة بأجزاء من أوكرانيا. ومن ناحية أخرى قد لا يهتم المخططون الأوكرانيون على الإطلاق بمفاوضات السلام الافتراضية، وقد يأملون مخلصين في مواصلة الهجوم على روسيا وإن كان ذلك في خطر كبير. وأضافت “هذه الإجراءات مهمة لأن روسيا تهاجم الأراضي الأوكرانية باستمرار، ومثل هذا الاختراق هو تذكير بأن روسيا نفسها ليست محصنة ضد الخطر. هذه إشارة إلى أن روسيا نفسها قد تعاني الحرب التي بدأتها”. ووفقاً لها “الآن أصبح الواقع أن الحرب أثرت في روسيا وكذلك أوكرانيا. وإذا كانت روسيا تهاجم جميع مناطق أوكرانيا، فلماذا تقيد أوكرانيا في الشيء نفسه؟”. توقعات المراقبين المتخصصون الغربيون واثقون من أن أوروبا يجب أن تسمح لكييف بتنفيذ هجمات بأسلحة غربية على القواعد الجوية ومصانع الأسلحة الروسية، ولو فقط لأن “الولايات المتحدة نفسها نفذت مثل هذه الهجمات خلال الحرب العالمية الثانية على أهداف في ألمانيا واليابان، مما حرم جيوشهم من الدعم اللوجستي والإمدادات”. كما أشار الخبير العسكري في معهد هدسون ريتشارد ويتز إلى التقدم في مسألة استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية على الأراضي الروسية، “لقد خففت إدارة بايدن سياستها بعد الهجوم (الروسي) بالقرب من خاركيف، إذ سمحوا للأوكرانيين بشن هجوم على الأراضي الروسية التي تعمل بها القوات الروسية في إطار هذا الهجوم”. ووفقاً لريتشارد ويتز “لا تشارك الأنظمة الأميركية بعيدة المدى في الغارة الحالية، على ما يبدو، تم استخدام القوات البرية والدبابات”، ويرى الخبير أن هذا لا ينبغي أن يسبب القلق حتى لإدارة بايدن في ما يتعلق بتحركات القوات الأوكرانية على الأراضي الروسية. أما بالنسبة إلى أهداف غارة القوات المسلحة الأوكرانية، كما يقول الأكاديمي بجامعة هدسون، فقد يكون هناك عدد منها :”على المستوى التكتيكي، هذه طريقة لتقليل الضغط على الجبهات الأخرى. نحن نعلم أن القوات العسكرية الروسية شنت هجمات في خمس أو ست مناطق في جنوب وشرق أوكرانيا، وكذلك في شمال شرقي أوكرانيا. والهجوم الذي تشنه القوات المسلحة الأوكرانية في اتجاه كورسك هو وسيلة لإجبار الروس على نقل القوات والموارد الأخرى من هذه الجبهات. على المستوى العملياتي يظهر هذا للجميع، بما في ذلك الروس وشعب أوكرانيا، أن القوات المسلحة الأوكرانية لا تزال قادرة على شن هجمات مضادة”. وتوقع المتخصص العسكري في صحيفة “ميدوزا” الروسية المعارضة ديمتري كوزنتس، أن يكون هدف كييف من عمليتها للاستيلاء على الأراضي في روسيا ليس فقط إظهار ضعف المناطق الروسية، ولكن أيضاً أخذ زمام المبادرة. وقال”إن القيادة الأوكرانية تريد حقاً اعتراض الجيش الروسي، وهي صاحبة المبادرة، لأنها لا ترى أي آفاق في الدفاع السلبي. صعوبة الدفاع السلبي عندما يكون هناك نقص في القوات، وإذا كان العدو لديه مزيد من القوات، فهذا يعني أن العدو هو الذي لديه المبادرة، ويمكنه أن يضرب حيث يرى ذلك ضرورياً. ومع مثل هذا الدفاع فإن الاحتياطات مطلوبة لسد الثغرات في الدفاع، وأوكرانيا لديها عدد قليل من هذه الاحتياطات، لذا فإن اغتنام المبادرة أمر مهم في حد ذاته بالنسبة إلى القيادة الأوكرانية. إضافة إلى ذلك يتحدث ديمتري كوزنتس عن المجموعة العسكرية الروسية، التي قد يكون الهدف من العملية الأوكرانية تقييد تصرفاتها، “يجب أن نفهم أنه على الجانب الروسي تشارك مجموعة (الشمال) في هذه المعركة، التي تشمل منطقة مسؤوليتها كورسك”. يشار إلى أن المقر الرئيس لهذه المجموعة في كورسك، وهذه المجموعة معروفة بحقيقة أنهم هم الذين استولوا على أراضي منطقة خاركيف وشمال خاركيف وفي منطقة فولشانسك. ويتكون “الشمال” من وحدات شكلت على أساس منطقة لينينغراد العسكرية، التي جددت لأشهر عدة، ثم أرسلت إلى خاركيف. هناك أيضاً تشكيلات شكلن حديثاً، إذ كان هناك تجنيد نشط للجنود المتعاقدين. كان هجوم مجموعة القوات المسلحة الروسية “الشمال” في اتجاه خاركيف غير متوقع نسبياً بالنسبة إلى القوات المسلحة الأوكرانية، وكان على الجيش الأوكراني أن ينفق احتياطات كبيرة من أجل وقف هذا الهجوم. نزوح سكان قرى حدودية هرباً من القصف (أ ف ب) وخلص للقول “لذلك، في رأيي، يجب النظر في كل ما يحدث الآن في منطقة كورسك في مجمله: أي أن مهمة القيادة الأوكرانية هي طرد القوات الروسية من منطقة خاركيف، وإقامة نوع من الحاجز على الحدود واستخدام القوات المحررة في اتجاهات أخرى، لا سيما في منطقة دونباس، إذ لا تزال هناك أزمة في الدفاع عن القوات المسلحة الأوكرانية”. مخاطرة غير محسوبة لا يتفق الجميع مع تكتيك كييف، فليس سراً أنه كان هناك بالفعل كثير من الانتقادات في أوكرانيا وفي الغرب خلال هذه الأيام الستة الأولى للتوغل، كيف يمكنك إهدار الطاقة في مثل هذه العملية في ظل الظروف التي تمر بها القوات المسلحة الأوكرانية، لأن أزمة الدفاع مستمرة وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم؟ ومع الدعوات في الغرب لإجراء محادثات مع روسيا، ترغب أوكرانيا في إظهار قدراتها في ساحة المعركة وعزيمتها في هذه المرحلة، لكنها لا تدرك أن هذا التوغل الذي أسفر عن مئات القتلى والجرحى من المدنيين الروس أثار حفيظة وغضب الشارع الروسي، وجعل الدعوات إلى التقدم نحو عاصمة أوكرانيا كييف ترتفع مجدداً. وعلى رغم إعلان المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، السابع من أغسطس، أن الولايات المتحدة تخطط للحصول على توضيحات من كييف في شأن هجوم القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك. وتشديده في الوقت نفسه على أن “السياسة المتعلقة باستخدام الأسلحة الأميركية لم تتغير على الإطلاق”، إلا أن الجميع في روسيا مقتنعون بأن واشنطن أدارت هذا الهجوم ودفعت أوكرانيا لتنفيذه. وقال الجنرال الروسي في الاحتياط سرغي دميتريفتش لـ”اندبندنت عربية” إن الولايات المتحدة أظهرت مرة أخرى “ازدواجية منافقة”، بإعلانها أنها تقيد استخدام الأسلحة الأميركية، لكنها في الواقع تواصل تقديم الدعم المالي والعسكري لكييف. وأعرب عن اعتقاده بأن الهجوم على المدن الروسية كان نتيجة قيام الولايات المتحدة بصب الوقود على النار، وأشار إلى أن الإجراءات الأميركية تمنع التوصل إلى حل سلمي للأزمة ضد إرادة الأغلبية العالمية. ومع ذلك بشكل عام أعرب ممثلو الدول الغربية عن رأي مفاده بأن أوكرانيا، بعد عامين ونصف عام من الهجوم الروسي المدمر والقصف المتواصل للأهداف المدنية من الجيش الروسي، لها الحق في التحرك ضد المعتدي كما تراه مناسباً. علاوة على ذلك أعلنت وزارة الخارجية الأميركية يوم الجمعة في التاسع من أغسطس أن واشنطن خصصت حزمة أخرى من المساعدات العسكرية لكييف بقيمة 125 مليون دولار، التي ستشمل الأسلحة التي يحتاج إليها الجيش الأوكراني بشدة. عملية توغل الجيش الأوكراني في عمق الأراضي الروسية مرتبطة بشكل أو بآخر بموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل، وخشية كييف من فوز المرشح دونالد ترمب وما سيتركه هذا من أثر في دعمها، وليس من باب الصدفة أنها شنت بعد أيام قليلة من أكبر عملية تبادل سجناء بين روسيا والولايات المتحدة منذ الحرب الباردة. صحيح أن هذا الهجوم رفع لبعض الوقت معنويات الأوكرانيين في وقت تواجه فيه قوات كييف هجمات روسية لا هوادة فيها، لكن الأصح أنه لكي تصبح أجزاء من منطقة كورسك الروسية حقاً ورقة مساومة محتملة لكييف في المفاوضات المستقلية المحتملة، يتعين على القوات الأوكرانية أن تسيطر على هذه المنطقة بشكل دائم، ولا يزال من غير الواضح تماماً ما إذا كانوا سينجحون بذلك. وإذا تمكنت أوكرانيا من التمسك بمناطق في مقاطعة كورسك لبعض الوقت، فقد يجبر ذلك روسيا على إعادة تجميع صفوفها و”تقليل الضغط” على القوات المسلحة الأوكرانية في دونباس. المحلل البريطاني ألكسندر ميركوريس كتب في مدونته على موقع “يوتيوب” أن إرسال احتياطات القوات المسلحة الأوكرانية إلى منطقة كورسك لن يؤدي إلا إلى تفاقم محنتهم، وقال “إن تعزيز القوات الأوكرانية في منطقة كورسك أو محاولة فتح جبهة أخرى في مكان ما سيكون مجرد مثال آخر على ما يفعله الأوكرانيون بانتظام: تعزيز الفشل، بكل بساطة”. وفقاً للخبير قامت القوات الأوكرانية بنقل احتياطاتها بلا معنى وتهور إلى منطقة كورسك، وأضاف ميركوريس أنه يمكنهم بدلاً من ذلك تعزيز دفاعات بوكروفسك، التي تمثل موقعاً رئيساً في دونباس. المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاري جونسون اعتبر أن “الألوية التي تعاني نقص العدد تشير إلى اللحظات الأخيرة للقوات المسلحة الأوكرانية خلال الهجوم على منطقة كورسك”، وأضاف “كما تعلمون يتألف اللواء عادة من نحو ألفي جندي، وتم تخفيض ألويتهم إلى 500 شخص، يسمونها ألوية، لكنها بالكاد كتيبة، لذلك يمكن تسمية كورسك بأنفاسهم الأخيرة”. وفقاً للخبير، فإن الحقيقة هي أن أوكرانيا تعاني نقصاً في القوى العسكرية العاملة، لم يعد لديها أفراد عسكريون مدربون، وأضاف المحلل أنه إضافة إلى ذلك، لا تمتلك القوات المسلحة الأوكرانية القدرات اللوجستية لدعم الهجوم العسكري. وخلص جونسون إلى القول، “لقد أهدروا بعضاً من أفضل قواتهم، بحسب ما ورد، في هذا خطأ فادح لا فائدة منه حقاً”. الخبراء والجنرالات الروس على يقين من أنه ستجبر القوات الأوكرانية التي اجتاحت بعض الأراضي في مقاطعة كورسك، على الانسحاب ولملمة ذيول هزيمة ماحقة بعد تكبيدها خسائر كبيرة جداً في الرجال والعتاد. عملية التوغل هذه قد تكون مفيدة لأوكرانيا من الناحية المعنوية، ولكنها من الناحية العملية لا تقدم ولا تؤخر في النتيجة الميدانية النهائية لنزاعها العسكري المتواصل مع روسيا، فهذه العملية وعلى عكس ما تعتقده كييف، أضرمت نار الغضب في قلب بوتين وجنرالاته وقضت على آخر بصيص الأمل بانتقال الصراع إلى طاولة المفاوضات حتى إشعار آخر في الأقل. المزيد عن: روسياأوكرانياكورسك فلاديمير بوتينهجوم مباغتتوغل عسكري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حكاية “الهروب الكبير” التي صنعت لونستون تشرشل مكانته next post عرب إسرائيل بلا حماية لانعدام الملاجئ ووسائل الإنذار في مناطقهم You may also like بعد 1000 يوم من حرب روسيا وأوكرانيا… كم... 19 نوفمبر، 2024 وثائق: السنوار طلب من إيران 7 ملايين شهريا... 19 نوفمبر، 2024 ترمب ومستقبل القوة الأميركية 19 نوفمبر، 2024 اللوبي الإيراني في أميركا… مستقبل عالق بيد ترمب 19 نوفمبر، 2024 اختفاء أثر الرهائن الإسرائيليين بعد انقطاع الاتصال بمجموعة... 19 نوفمبر، 2024 مقترحات لدعم “يونيفيل” في لبنان بقوات متعددة الجنسيات 19 نوفمبر، 2024 مسؤول لبناني: “حزب الله” وافق على المقترح الأميركي... 19 نوفمبر، 2024 إسرائيل في أسوأ وضعية منذ تأسيسها: الداخل أخطر... 19 نوفمبر، 2024 واشنطن: سنوضح لتركيا أنه لا يمكن “مواصلة العمل... 19 نوفمبر، 2024 إيران تسابق الزمن لإجراء محادثات “نووية” بعيدا من... 19 نوفمبر، 2024