مشهد من "نورما" (متروبوليتان أوبرا) ثقافة و فنون “نورما” فنشينزو بلليني: من عرض أول “فاشل” إلى تحفة أوبرالية “خالدة” by admin 20 أكتوبر، 2024 written by admin 20 أكتوبر، 2024 39 تباينت الآراء بين رفض الجمهور وتقدير النقاد والموسيقيين اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان التناقض كبيراً بين الموقفين التاليين: الموقف الأول كان موقف جمهور الأوبرا الإيطالي الذي حين انتهى من مشاهدة العرض الأول لأوبرا “نورما” لفنشينزو بلليني في الـ26 من ديسمبر (كانون الأول) 1832 في “تياترو ديلا سكالا” وقف يصرخ شاجباً ذلك العمل “غير المقنع” بقوله “لا يمكن أن نصدق هذا… إنه الفشل التام! إنه الفشل التام!”، والموقف الثاني هو موقف الموسيقي ريتشارد فاغنر الذي كان أحد أعمدة فن الأوبرا في زمنه وفي الأزمان كلها بعد أعوام قليلة حين سيقدم “نورما” بنفسه في مدينة ريغا ويقود الأوركسترا التي يعزف فيها على سبيل تكريم مؤلف الأوبرا زميله الإيطالي، معلناً أنه إذ يقدم هذه الأوبرا لا يكرم بلليني وحسب بل يكرم الجمهور نفسه أيضاً. والحال أنه بصرف النظر عن موقف فاغنر، لم ينتظر النقاد والمعنيون طويلاً قبل أن يعارضوا رأي جمهور العرض الأول ويقرروا أن “نورما” واحدة من أهم الأعمال التي شهدها عالم الأوبرا في ذلك الزمن. هذا التناقض بين رأي الجمهور ورأي النقاد يمكن فهمه، لكن انطلاقاً من موضوع هذه الأوبرا الذي يمكن اعتباره استفزازياً في زمن كانت فيه المشاعر الوطنية الجلية في “نورما” لا ينبغي أن تطغى على الحب وما يحيط به من غدر وتضحية وكراهية وغيرة وما إلى ذلك. ففي النهاية يمكن القول إن “نورما” هي عمل عن الحب وتحديداً عن الحب حين يستبد بصاحبه فيعميه عن كل شيء آخر بما في ذلك الواجب الوطني، وربما نقول هنا، بخاصة عن الواجب الوطني، فيما تحضرنا هنا حكاية طريفة ذات دلالة من مصر تحكي لنا كيف أن الزعيم الوطني مصطفى النحاس غضب علانية من الفنان محمد عبدالوهاب إذ سمعه ينشد أغنية يقول فيها إنه هجر الوطن والأهل في سبيل حبيبته! توتر موسيقي صحيح أن الموقف العام من التناقض بين الحب والوطنية في “نورما” يبدو عاتياً ما دام هناك أصلاً تفاوتات أساسية بين مسار العمل ونهايته، لكن صحيح أيضاً أن مجرد طرح الموضوع على تلك الشاكلة كان من قبل ذلك العمل خرقاً للأعراف ووصولاً إلى حافة الخطوط الحمر غير أنه سيكون من المجحف في حق بلليني الاكتفاء بالحديث عن الموضوع هنا، فهذا على رغم خطورته لم يكن أكثر من ذريعة لأن الأساس يكمن في البعد الفني الموسيقي. وما حدة الموضوع سوى وسيلة لإيصال الموسيقى إلى أقصى درجات التوتر والتفاوت بين مشاهد الهدوء والدعة ومشاعر التهاب العواطف، في نزعة رومانسية تخاطب دواخل النفس وأهواء الروح في شكل قد يكون مجرد حلم لدى أي موسيقي آخر. أحداث في فصلين تدور أحداث “نورما” التي تتألف من فصلين، قبل الميلاد بعقود عديدة في بلاد المغول التي كانت واقعة تحت الاحتلال الروماني فيما يسعى المواطنون إلى التخلص من المحتلين. وتبدأ تلك الأحداث مع زعيم المنطقة وراهبها الأكبر أوروفيزو وهو يتقدم مواطنيه من قبائل الدرويد المحلية إلى الغابة المقدسة كي يقدموا الأضاحي إلى القمر ويستفتوه في شأن مصيرهم طالبين من الآلهة أن تساعدهم على طرد الرومان من ديارهم. غير أن الأمر الذي لا يعرفه الراهب الأكبر هو أن ابنته نورما نفسها واقعة في هوى القائد الروماني الملقب بالقنصل والمعروف باسم بوليوني وأنها قد سبق أن أنجبت منه ولدين وأنها لهذا تقف متحفظة بعيداً من الدعوات الاستقلالية. ومهما يكن يحدث في الغابة نفسها، فإن بوليوني يعترف لواحد من خلصائه أنه في حقيقة الأمر لم يعد مغرماً بنورما، بل يود اليوم التخلص من ارتباطه بها إذ وقع في هوى كاهنة محلية أخرى هي أدالجيزا. وهنا إذ كانت نورما على غير علم بموقف بوليوني الجديد منها، تروح تسعى إلى التوفيق بين المتناحرين ساعية إلى تهدئة الشعب وأبيها طالبة منهما الصبر والانتظار. وهي تتمكن من تحقيق ذلك، لكنها حين تفعل تصل أدالجيزا إلى مكانها لتخبرها أنها هي الأخرى مغرمة اليوم بواحد من قادة جيوش العدو، وأنها إنما أتت لتشكر لنورما ما فرضته من مصالحة عامة وهي مصرة على أن تحصل من هذه الأخيرة على مباركة هواها، وكذلك على إعفائها من الكهانة التي تفترض العفة كي ترحل مع حبيبها من هنا. وإذ توافق نورما بكل أريحية على ذلك تفاجأ حين وصل حبيب صديقتها بأنه ليس سوى بوليوني نفسه! تصعق نورما من فورها وتندد بالحبيبين الغادرين طاردة إياهما من مقرها. ولاحقاً في عتمة الليل حين تنفرد نورما بنفسها منتحبة غاضبة تواتيها فكرة أن تقتل ولديها انتقاماً من أبيهما الخائن. لكن عاطفة الأمومة سرعان ما تتغلب عليها فتقلع عن مشروع القتل، بل حتى تستدعي أدالجيزا لتخبرها أنها قد قررت الانتحار، طالبة منها إذا تزوجت بوليوني أن تعتني بالولدين وتعاملهما معاملة الأم. وهنا تدرك أدالجيزا فداحة موقفها وتقرر الوقوف إلى جانب نورما والتوقف عن مجاراة بوليوني في غدره بامرأته، وتقرر التوجه بنفسها إلى بوليوني كي تستحلفه العودة إلى امرأته وولديه، معلنة له أنها لا ترضى بأن تكون شريكته في جريمته تلك. وفي تلك الأثناء يكون المحاربون المحليون قد ملوا الانتظار فيطالبون الكاهن الأكبر بدق نفير الحرب وقيادتهم إلى المعركة، لكن هذا يهدئهم من جديد بمعاونة ابنته نورما التي كانت لا تزال تأمل خيراً مما تسعى إليه أدالجيزا. فنشينزو بلليني (غيتي) وهنا تصل وصيفة أخرى هي كلوتيلد التي تخبر نورما بأن بوليوني قد رفض كل ما قالته له أدالجيزا، بل قرر أن يأتي الليلة بنفسه كي يخطف هذه الأخيرة ويتزوجها على رغم إرادتها ويصطحبها إلى روما. وهنا يجن جنون نورما وتبدأ بجمع المحاربين الوطنيين طالبة منهم التحرك لإبادة الرومان المحتلين عن بكرة أبيهم. وبالفعل تخاض المعركة التي ينتصر فيها الوطنيون آسرين أعداداً كبيرة من جيوش الاحتلال ومن بينهم بوليوني! هنا تستدعي نورما بوليوني مكبلاً لكنها ما إن تراه حتى تتحول من جديد من كاهنة قائدة محررة إلى عاشقة وزوجة وأم وتركع أمام أسيرها متضرعة إليه أن يعود إليها وإلى ولديه لكنه يرفض ذلك كلياً. وهي إذ تتيقن من أنه لن يعود، تستدعي المقاتلين، طالبة منهم نصب المحرقة لإحراق كاهنة خائنة فيخيل إليهم جميعاً أن المقصود هو بوليوني نفسه، لكنهم سرعان ما يدركون أنها إنما تقصد نفسها بمعنى أنها تستحق أن تحرق لخيانتها عفتها ككاهنة وشعبها كعاشقة. وهي إذ كشفت عن سرها وعن علاقتها ببوليوني طلبت من الشعب أن يغفر لها ويرأف بولديها، وأصرت على أن تحرق عقاباً لها، حاكمة على بوليوني بأن يحرق بدوره لكونه عدواً. هنا إذ يذهل بوليوني أمام كل ذلك الحب الذي دمره وأمام تلك المرأة التي حافظت على هواه، يصعد إلى المحرقة بدوره ليحرق معها. بقي أن نشير أخيراً إلى أن فنشينزو بلليني الذي كان يعتبر رائد الحداثة في الأوبرا الإيطالية في القرن الـ19 قد ولد عام 1801 في كاتانيا الإيطالية، ليرحل عن عالمنا بعد ذلك بـ34 عاماً في الضاحية الباريسية. كان ابناً لعائلة من الموسيقيين فكان طبيعياً أن ينخرط في العمل الموسيقي منذ صغره، وبدأ يلحن مقطوعات دينية وهو في الـ13 قبل أن يبدأ أحد الأثرياء برعايته ليسير في خط إبداعي قطعه موته المبكر. ومع ذلك خلف عديداً من الأعمال الأوبرالية التي لا تزال خالدة حتى اليوم إلى جانب “نورما” التي تعتبر مأثرته الفنية الأكبر إلى جانب “القرصان” و”السائرون نياماً” وغيرهما. المزيد عن: ريتشارد فاغنرفنشينزو بللينيأوبرامصرإيطالياجمهور الأوبرامصطفى النحاسمحمد عبد الوهابنورماباريس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “بوبي اللطيف: كابوس الانتحال الإلكتروني” next post “المارغريتان” يورسنار ودوراس لا تزالان سيدتي المشهد الأدبي الفرنسي You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024