X FILEعربي نقاط ضعف الرئيس الصيني شي جينبينغ by admin 27 سبتمبر، 2022 written by admin 27 سبتمبر، 2022 89 يرى كثير من الصينيين أن ثمن نهج شي كان معقولاً لما حققه من نهضة وطنية ولكنه اليوم مهدد اندبندنت عربية \ كاي شا كاي شا كانت أستاذة في المدرسة المركزية للحزب الشيوعي الصيني من 1998 إلى 2012. حتى زمن قريب كان الرئيس الصيني شي جينبينغ يحقق نجاحاً ملحوظاً على كافة الصعد، فلقد استطاع أن يعزز سلطته داخل الحزب الشيوعي الصيني حتى وصل إلى المكانة الرسمية نفسها التي كان يتمتع بها الزعيم الرمز للحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ، كما أنه ألغى الحد الأقصى للولايات الرئاسية ما منحه الحرية في قيادة الصين لبقية حياته. داخلياً تباهى شي بأنه قطع أشواطاً كبيرة في ما يتعلق بخفض مستوى الفقر، أما على الصعيد الخارجي فقد ادعى القيام بإعلاء شأن بلاده دولياً إلى مستويات جديدة. في الواقع، بالنسبة إلى كثير من الصينيين كانت أساليب القوة والزعامة التي اتبعها شي ثمناً معقولاً لما حققه من نهضة وطنية. في العلن يبدو الرئيس الصيني وكأنه واثق بما يقوم به، ففي خطاب ألقاه في يناير (كانون الثاني) 2021 لم يتوان عن الإعلان بأن الصين دولة “لا تُقهر”، لكن حقيقة الأمر أن سلطته أصبحت موضع شك أكثر من أي وقت مضى، إذ إنه وبنبذه للتقليد الصيني المتبع في ما يتعلق بالحكم الجمعي للبلاد، إضافة إلى خلقه نوعاً من عبادة الشخصية تشبه التمجيد الذي أحاط بماو، قام بإثارة استياء قيادات الحزب الداخلية، وفي الوقت نفسه أدت سلسلة من الزلات السياسية إلى خيبة أمل حتى بين صفوف المؤيدين له، مثل التراجع الذي تم في عهده لعملية الإصلاح الاقتصادي واستجابته غير الكفوءة لجائحة كورونا، والذين كان من شأنيهما تحطيم صورته كبطل قومي. ومن وراء الكواليس يبدو أن الاستياء منه في أشده بين نخب الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. على مدى 15 عاماً عملت خلالها كأستاذة في مدرسة الحزب المركزية، استطعت أن أرقب عن كثب المكائد والمؤامرات المحاكة في الحزب الشيوعي الصيني كما ساعدت خلالها في تدريب الآلاف من كوادر الحزب رفيعي المستوى والذين يشغلون المناصب العليا ضمن نظام الحكم. وخلال فترة تولي وظيفتي في المدرسة، قدمت المشورة للقيادة العليا في ما يتعلق ببناء الحزب، وواصلت القيام بذلك بعد تقاعدي في العام 2012، ولكن إثر انتقادي شي في العام 2020 تم طردي من صفوف الحزب وجردت من استحقاقات التقاعد الخاصة بي، وتم تحذيري من أن سلامتي في خطر. حالياً أنا أعيش في المنفى داخل الولايات المتحدة، إلا أنني لا زلت على اتصال مع كثر من معارفي داخل الصين. في المؤتمر الوطني الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني هذا الخريف، يتوقع شي أن يتم منحه فترة ولاية رئاسية ثالثة مدتها خمس سنوات، وعلى رغم أن الغضب المتزايد بين بعض النخب الحزبية يعني أن محاولته لن تكون بتلك السهولة، إلا أنه من المرجح أن ينجح في ذلك، بيد أن هذا النجاح لن يكون دون مزيد من الاضطرابات في المستقبل، فبعد الجرأة التي سيستمدها من تمديد غير مسبوق في مدة رئاسته، من المرجح أن يحكم شي قبضته داخلياً ويرفع مستوى طموحاته على الصعيد الدولي، وكذلك فمع بلوغ حكمه حداً متطرفاً فإن الاقتتال الداخلي والاستياء الذي سبق وأن أججه سيزداد، وستصبح المنافسة بين الأطراف المختلفة داخل الحزب أكثر حدة وتعقيداً من أي وقت مضى. المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني ، بكين أكتوبر 2017 (أ ف ب) وتبعاً لهذا فقد تدخل الصين في حلقة مفرغة سيكون فيها رد فعل شي على الشعور المرتقب بالتهديد هي اتخاذ تدابير أكثر جرأة من أي وقت مضى، والتي ستولد بدورها مزيداً من التدهور. ونظراً إلى أن شي يحيط نفسه ببيئة يغلب عليها نمط الأفكار المتوافقة مع معتقداته، فإنه قد يرتكب شيئاً كارثياً وغير حكيم مثل مهاجمة تايوان، مما ينحو الصين نحو تدمير ما اكتسبته على مدى أربعة عقود، ألا وهي سمعة القيادة الثابتة والقديرة، وفي الواقع لقد بدأ شي بالقيام بأمر كهذا بالفعل. المافيا الصينية من نواح عدة لم يتغير الحزب الشيوعي الصيني كثيراً منذ أن تولى السلطة عام 1949، والآن كما كان الحال آنذاك يمارس الحزب سيطرة مطلقة على الصين، ويسيطر على جيشها وإدارتها وهيئتها التشريعية الشكلية، وفي المقابل يخضع التسلسل الهرمي للحزب بدوره إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى هيئة لصنع القرار في الصين، وتتكون اللجنة الدائمة من خمسة إلى تسعة أعضاء من المكتب السياسي الأوسع، ويترأسها الأمين العام للحزب القائد الأعلى للصين، ومنذ عام 2012 كان هذا القائد هو شي. تعد تفاصيل عمل اللجنة الدائمة بمثابة سر يخضع لحراسة مشددة، لكنه من المعروف على نطاق واسع أن كثيراً من القرارات يتم اتخاذها من خلال مذكرات تتناول مسائل رئيسة في السياسة، ويضيف أعضاء اللجنة تعليقات على هوامشها، ويكتب تلك المذكرات كبار القادة في الوزارات والأجهزة الحزبية الأخرى، إضافة إلى خبراء من أفضل الجامعات ومراكز الفكر. وفي حال تعميم المستند على أعضاء اللجنة الدائمة يعتبر ذلك شرفاً للمؤسسة المحلية التي ينتمي إليها الكاتب، وعندما كنت أعمل كأستاذة حددت مدرسة الحزب المركزية نسبة لإنتاج مثل هذه الوثائق بمعدل واحدة في الشهر، وكان المؤلفون يحصلون على ما يعادل 1500 دولار تقريباً في مقابل تلك التي تقرأها اللجنة الدائمة، أي أكثر من الراتب الشهري الذي يتقاضاه الأستاذ. وبطريقة موازية ظلت سمة أخرى من سمات النظام الحزبي ثابتة على ما هي عليه، ألا وهي أهمية العلاقات الشخصية، فعندما يتعلق الأمر بالارتقاء داخل التسلسل الهرمي للحزب فإن العلاقات الفردية، بما في ذلك السمعة العائلية والنسب الشيوعي، مهمة بقدر الكفاءة والقناعات الأيديولوجية. الحزب الشيوعي الصيني منظمة شبيهة بالمافيا أكثر من كونه حزباً سياسياً وهذا ما ينطبق بالتأكيد على مسيرة شي، فخلافاً للـ “بروباغندا” الصينية وتقييم عدد من المحللين الغربيين بأنه ترقى من خلال موهبته، فالعكس هو الصحيح. في الحقيقة استفاد شي بشكل كبير من علاقات والده شي تشونغ شون، القائد في الحزب الشيوعي الصيني الذي كان يتمتع بمؤهلات ثورية لا تشوبها شائبة، وعمل لفترة وجيزة كوزير للدعاية في عهد ماو. فعندما كان شي جينبينغ رئيس لجان الحزب في إقليم هيبيه الشمالية أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كتبت والدته رسالة إلى رئيس الحزب على مستوى المحافظة تطلب منه الاهتمام بتقدم شي، لكن انتهى الأمر بكشف ذلك المسؤول، جاو يانغ، عن فحوى الرسالة خلال اجتماع اللجنة الدائمة في المكتب السياسي التابع للمحافظة، وشكل ذلك إحراجاً كبيراً للأسرة لأنه انتهك الحملة الجديدة المناهضة لطلب المعروف التي أقامها الحزب الشيوعي الصيني. (لم ينس شي الحادثة قط، ففي عام 2009 وعندما توفي جاو، رفض رفضاً قاطعاً حضور جنازته، وهو ما عد انتهاكاً للعادات نظراً إلى أن كليهما كان في فترة من الفترات رئيساً لمدرسة الحزب المركزية). والجدير بالذكر أن فضيحة مثل هذه كانت لتدمر مهنة الكوادر العاديين الصاعدين، بيد أن معارف شي هبوا لإنقاذه، فوالد رئيس الحزب في محافظة فوجيان كان مقرباً من والد شي، فتدبرت العائلتان عملية إعادة تعيين نادرة في تلك المحافظة. وسيواصل شي الفشل في الصعود، ففي عام 1988 خسر المنافسة على مقعد نائب رئيس البلدية خلال انتخابات محلية، فترقى من بعدها ليصبح رئيس حزب المنطقة، وعلى رغم ذلك فبمجرد وصوله إلى ذلك المنصب كان شي يتخبط بسبب أدائه الضعيف. في الحزب الشيوعي الصيني يعد الانتقال من مستوى المنطقة إلى مستوى المحافظة عقبة رئيسة، وهو لم يتمكن من التغلب عليها لسنوات، لكن مرة أخرى تدخلت المعارف العائلية، ففي عام 1992، وبعد أن توجهت والدة شي بالتماس خطي إلى زعيم الحزب الجديد في محافظة فوجيان، جيا تشينغ لين، تم نقل شي إلى عاصمة المحافظة، وفي تلك المرحلة انطلقت مسيرته. كما يعلم جميع الكوادر ذوو المستوى الأدنى، بغية تسلق سلم الحزب الشيوعي الصيني، يجب على المرء أن يجد رئيساً من مستوى أعلى، وفي حال شي تبين أن ذلك سهل للغاية، لأن كثيراً من قادة الحزب كانوا يكنون تقديراً كبيراً لوالده. كان معلمه الأول والأكثر أهمية هو جينغ بياو، أحد كبار المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين الذي عمل ذات مرة مع والده، وفي عام 1979 حصل شي الشاب على وظيفة لديه كأمين سر. خلفت الحاجة إلى مثل أولئك الرعاة في أول الطريق آثاراً غير مباشرة على مدى عقود، وكان لكل مسؤول رفيع المستوى “خطوط قرابة” خاصة به، والتي تطلق عليها الجهات المطلعة والقيادات الكبيرة اسم المحميين، وتعتبر فصائل بحكم الأمر الواقع داخل الحزب الشيوعي الصيني، وفي الحقيقة فغالباً ما تكون الخلافات التي يتم تصويرها على أنها مناقشات أيديولوجية وسياسية داخل الحزب الشيوعي الصيني شيئاً أقل تعقيداً بكثير، صراعات على السلطة بين سلالات نسب مختلفة. ويمكن أن يؤدي مثل هذا النظام أيضاً إلى شبكات متشابكة من الولاء الشخصي، فعلى سبيل المثال إذا خسر المعلم الراعي حظوته فالنتيجة المترتبة على من هم دونه ممن يحميهم توازي التيتم على الصعيد المهني. واستطراداً قد يجد المراقبون الخارجيون أنه من المفيد التفكير في الحزب الشيوعي الصيني على أنه منظمة شبيهة بالمافيا أكثر من كونها حزباً سياسياً، ويعتبر رئيس الحزب هو الدون [الرئيس]، وتحته مساعدوه أو اللجنة الدائمة، وتقليدياً يتقاسم هؤلاء الرجال السلطة ويكون كل منهم مسؤولاً عن مجالات معينة، مثل السياسة الخارجية والاقتصاد والموظفين ومكافحة الفساد وما إلى ذلك، ومن المفترض أيضاً أن يكونوا بمثابة مستشارين للزعيم يقدمون إليه المشورة في مجالات مسؤوليتهم. خارج اللجنة الدائمة هناك 18 عضواً آخرين في المكتب السياسي، وبحسب الترتيب سيأتي دورهم لاحقاً كورثة المقاعد في اللجنة الدائمة، ويمكن اعتبارهم بمثابة رؤساء المافيا الذين ينفذون أوامر شي للقضاء على التهديدات المتصورة على أمل الحفاظ على علاقات جيدة مع الدون. ومن المزايا التي تميز منصبهم أنه يسمح لهم بإثراء أنفسهم بالشكل الذي يرونه مناسباً من خلال الاستيلاء على الممتلكات والشركات من دون عقوبة، وعلى غرار المافيا يستخدم الحزب أدوات فظة للحصول على ما يريد، مثل الرشوة والابتزاز وحتى العنف. المشاركة دليل اهتمام على رغم أن قوة المعارف الشخصية ومرونة القواعد الرسمية ظلت ثابتة منذ تأسيس الصين الشيوعية، إلا أن شيئاً واحداً قد تغير بمرور الوقت، وهو درجة تركز السلطة في رجل واحد. ابتداء من منتصف ستينيات القرن الماضي كان ماو يتمتع بالسيطرة المطلقة والكلمة الفصل في جميع الأمور، حتى لو مارس سلطته بشكل متواتر واعتبر على المستوى الرسمي الأول بين نظراء مساوين له، ولكن عندما أصبح دينغ شياو بينغ الزعيم الفعلي للصين عام 1978، قام بالتخلص من دكتاتورية ماو الفردية التي كانت ستستمر مدى الحياة. حصر دينغ فترة رئاسة الصين بولايتين مدة كل منها خمس سنوات وأنشأ شكلاً من أشكال القيادة الجماعية، مما سمح للمسؤولين الآخرين وأولهم هو ياو بانغ ثم تشاو زيانغ بالعمل كرؤساء للحزب، حتى لو ظلت السلطة فعلياً بيده. في عام 1987 قرر الحزب الشيوعي الصيني إصلاح عملية اختيار أعضاء اللجنة المركزية المشرفة على الحزب بالاسم والهيئة التي يتم اختيار أعضاء المكتب السياسي منها، وللمرة الأولى اقترح الحزب عدداً من المرشحين يفوق عدد المقاعد، ولم تكن انتخابات ديمقراطية بيد أنها شكلت خطوة في الاتجاه الصحيح. وفي ذلك الوقت فحتى دعم دينغ لم يكن قادراً على ضمان النجاح آنذاك، وعلى سبيل المثال فشل دينغ لي تشون، وهو منظر لإيديولوجية ماو تسي تونغ (الماوية)، وعده دينغ شياو بينغ بترقيته ليصبح عضواً في المكتب السياسي، إلا أنه فشل في كسب ما يكفي من الأصوات وأجبر على التقاعد من الحياة السياسية. (يذكر أنه عندما أجرت اللجنة المركزية انتخابات عام 1997 نجح شي بأعجوبة، وقد حظي بأقل عدد من الأصوات من بين جميع الذين تم اختيارهم للانضمام، مما يعكس نفوراً عاماً داخل الحزب من “الأمراء الصغار” [أولياء العهد]، أحفاد كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني الذين تقدموا بفضل المحسوبية وليس الجدارة). سعياً منه إلى تجنب تكرار الثورة الثقافية الكارثية عندما وصلت البروباغندا الماوية إلى ذروتها، حاول دينغ أيضاً منع أي زعيم من تكوين هالة مقدسة حول شخصيته، ففي عام 1978 وخلال رحلة مدرسية إلى مزرعة خنازير في ضواحي بكين، لاحظ طالب من مدرسة الحزب المركزية، كان صديقاً مقرباً للعائلة، أن الغرضين اللذين استخدمهما هوا جيو فينج [زعيم الحزب الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية] في زيارة تفقدية، وهما عبوة للماء ساخن وفنجان شاي، قد عرضا في خزانة زجاجية وكأنهما ضريح ديني. كتب صديقي حينها إلى هوا ينتقد العبادة الشخصية، فطلب هذا الأخير إزالة واجهة العرض تلك. في عام 1982 وصل قادة الصين إلى حد كتابة حظر العبادة الشخصية في دستور الحزب، إذ اعتبروها بالغة الخطورة. بالنسبة إلى الحزب الشيوعي فإن سمعة العائلة ونسبها مهمان بقدر الكفاءة والأيديولوجية واستكمالاً لم يكن دينغ مستعداً للذهاب إلى أبعد من هذا الحد في تقاسم السلطة، وتخلص من هو وتشاو على التوالي عندما أثبت كل منهما درجة كبيرة من الليبرالية السياسية، لكن خليفة دينغ، جيانغ زيمين، عمق الإصلاحات السياسية فأضفى الطابع المؤسسي على مجموعته من المستشارين ليصبحوا أشبه بمكتب تنفيذي، وكذلك طلب المشورة من جميع أعضاء اللجنة الدائمة التي صارت تتخذ قراراتها بأغلبية الأصوات، ووزع على نطاق واسع مسودات الخطابات التي كان يلقيها. كما جعل جيانغ انتخابات اللجنة المركزية أكثر تنافسية قليلاً من خلال زيادة نسبة المرشحين في مقابل المقاعد، وحينذاك، حتى الأمراء، بمن فيهم أحد أبناء دينغ، خسروا تلك الانتخابات. عندما تولى هو جينتاو المنصب بعد جيانغ عام 2002 تحركت الصين أكثر باتجاه القيادة الجماعية. حكم هو بموافقة الأعضاء التسعة في اللجنة الدائمة، وهم يشكلون زمرة تعرف باسم “التنانين التسعة التي تتحكم في المياه”، ولكن كانت هناك جوانب سلبية لهذا النهج القائم على المساواة، إذ كان يمكن لعضو واحد في اللجنة الدائمة أن يستخدم حق النقض ضد أي قرار، مما أدى إلى تكوين فكرة أن هو جينتاو قائد ضعيف غير قادر على التغلب على تخطي المآزق، وفي الواقع فعلى مدى عقد من الزمان تقريباً كانت الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في عهد دينغ قد توقفت، ولكن ظهرت جوانب إيجابية أيضاً، لأن تلك الحاجة إلى الإجماع حالت دون اتخاذ قرارات غير مبالية. على سبيل المثال خلال أول سنة لهو في منصبه تفشى مرض “السارس” في الصين، فتصرف بحكمة وأقال وزير الصحة الصيني لأنه تستر على مدى تفشي المرض، وشجع الكوادر على الإبلاغ عن العدوى بصدق. كذلك سعى هو إلى توسيع استخدام مبدأ فترة الولاية المحددة، فعلى رغم مواجهته مقاومة عندما حاول تحديد فترة ولاية أعضاء المكتب السياسي ولجنته الدائمة، إلا أنه تمكن من تطبيقها على مستوى الوزراء الإقليميين فما دون، وبنجاح أكبر وضع إجراء غير مسبوق يقتضي باختيار أعضاء المكتب السياسي أولاً من خلال تصويت كبار أعضاء الحزب. ومن المفارقات أنه من خلال هذا النظام شبه الديمقراطي وصل شي إلى ذروة مجده، ففي عام 2007 وخلال اجتماع موسع للجنة المركزية اجتمع نحو 400 من القادة الأهم والأعلى شأناً في الحزب الشيوعي الصيني في بكين للإدلاء بأصواتهم من أجل تقديم توصياتهم في شأن اختيار مسؤولين على المستوى الوزاري من قائمة تضم 200 مرشح لكي ينضموا إلى المكتب السياسي المؤلف من 25 عضواً، ونال شي حينها أكبر عدد من الأصوات، وأعتقد أن العامل الحاسم في ذلك لم يكن سجله كمسؤول عن منظمة الحزب في زيجيانغ أو شنغهاي، بل احترام الناخبين لوالده إلى جانب تأييد (وضغط) بعض كبار قادة الحزب. وفي انتخابات استشارية مماثلة بعد خمس سنوات، حصل شي أيضاً على أكبر عدد من الأصوات، وبإجماع الزعماء المنتهية ولايتهم صعد إلى قمة الهرم، فسارع إلى العمل بسرعة على إلغاء عقود من التقدم في مجال القيادة الجماعية. التفرد بالحكم عندما تولى شي زمام الأمور أشاد به كثيرون في الغرب ووصفوه بأنه النسخة الصينية عن ميخائيل غورباتشوف، وتصور بعضهم أنه مثل الزعيم الأخير للاتحاد السوفياتي وسيتبنى إصلاحات جذرية ويلغي قبضة الدولة المحكمة على الاقتصاد ويضفي الطابع الديمقراطي على النظام السياسي، لكن بالطبع تبين أن ذلك لم يكن سوى خيال، وعوضاً عن ذلك عمل شي، وهو تلميذ مخلص لماو ومتشوق بالقدر نفسه لترك بصماته في التاريخ، على ترسيخ سلطته المطلقة، ولأن الإصلاحات السابقة فشلت في وضع قيود وضوابط حقيقية على زعيم الحزب، نجح في تحقيق مبتغاه. والآن، كما كان الحال في عهد ماو، أصبحت الصين خاضعة لحكم رجل واحد. كانت إحدى أجزاء مؤامرة شي لتوطيد السلطة هي إيجاد حل لما وصفه بأنه أزمة أيديولوجية، وقال إن الإنترنت يشكل تهديداً وجودياً للحزب الشيوعي الصيني، إذ تسبب في فقدان الحزب سيطرته على عقول الناس، ولذلك اتخذ شي إجراءات صارمة ضد أصحاب المدونات والنشطاء عبر الإنترنت، وفرض رقابة على المعارضة، وعزز “جدار الحماية العظيم” الصيني لتقييد الوصول إلى مواقع الإنترنت الأجنبية، فكانت النتيجة المترتبة عن ذلك هي خنق مجتمع مدني ناشئ والقضاء على رأي عام من شأنه أن يشكل رقابة على شي. أما الخطوة الأخرى التي اتخذها فهي إطلاق حملة لمكافحة الفساد، واصفاً إياها بأنها مهمة ترمي إلى إنقاذ الحزب من التدمير الذاتي، ونظراً إلى استشراء الفساد في الصين واعتبار كل مسؤول تقريباً هدفاً محتملاً له، تمكن شي من استخدام الحملة كتطهير سياسي، وتشير البيانات الرسمية إلى أنه من ديسمبر (كانون الأول) 2012 إلى يونيو (حزيران) 2021، تحرى الحزب الشيوعي الصيني عن 393 شخصاً من الكوادر القيادية فوق المستوى الوزاري الإقليمي، أي المسؤولين الذين يتم إعدادهم غالباً للمناصب العليا، كما استقصى عن 631 ألف شخص من الكوادر على مستوى الأقسام، وهم المسؤولون الذين ينفذون سياسات الحزب على مستوى القاعدة الشعبية، وقد أوقع التطهير ببعض أقوى المسؤولين الذين اعتبر شي أنهم يمثلون تهديداً له، بما في ذلك تشو يونغ كانغ، عضو سابق في اللجنة الدائمة ورئيس جهاز الأمن الصيني، وسون زينغ كاي، عضو المكتب السياسي الذي رآه كثيرون منافساً وخليفة محتملاً لشي. تمثال نصفي لشي ، مقاطعة جيانغشي ، الصين يونيو 2019 (رويترز) وتجدر الإشارة إلى أن “حملة التطهير” هذه لم تمس بأولئك الذين ساعدوا شي في الصعود، فمثلاً، جيا تشينغ لين، رئيس الحزب في فوجيان خلال التسعينيات والذي أصبح عضواً في اللجنة الدائمة في نهاية المطاف، كان لعب دوراً أساساً في مساعدة شي على تسلق سلم مناصب السلطة، ولاحقاً، وعلى رغم وجود سبب للاعتقاد بفساده وفساد عائلته الكبيرين بعد أن كشفت “أوراق بنما”، وهي مجموعة من الوثائق المسربة من شركة محاماة، أن حفيدة تشينغ لين وصهره يمتلكان عدداً من الشركات الخارجية السرية، إلا أن أحداً لم يتم القبض عليه في حملة شي الرامية إلى مكافحة الفساد. وتكتيكات شي ليست بخافية على أحد، فكما علمت من أحد المطلعين في الحزب والذي لا يمكنني ذكر اسمه خشية إيقاعه في المتاعب، أنه في عام 2014 تقريباً ذهب رجال شي إلى مسؤول رفيع المستوى كان قد انتقد شي علانية وهددوه بالتحقيق معه بتهمة الفساد إذا لم يتوقف، (فصمت من بعدها). وفي السعي وراء أهدافهم غالباً ما يضغط مرؤوسو شي على أفراد عائلات المسؤولين ومساعديهم. تعرض وانغ مين، رئيس الحزب في محافظة لياونينغ، الذي كانت تربطني به معرفة وطيدة منذ أن كنا تلميذين في مدرسة الحزب المركزية، للاعتقال عام 2016 على أساس وشاية من سائقه الذي قال إنه أثناء وجوده في السيارة اشتكى وانغ إلى راكب معه حول عدم ترقيته، وحكم على وانغ بالسجن المؤبد، وكانت إحدى التهم الموجهة إليه مقاومة زعامة شي. وبعد طرد منافسيه من المناصب الرئيسة وضع شي مؤيدين له مكانهم. في الواقع يُعرف نسب شي داخل الحزب باسم “جيش تشجيانغ الجديد”، وتتكون المجموعة من مرؤوسيه السابقين خلال فترة توليه منصب حاكم مقاطعتي فوجيان وتشجيانغ وحتى زملاء الدراسة والأصدقاء القدامى من أيام المدرسة الإعدادية، ومنذ توليه السلطة قام شي بترقية أتباعه بسرعة، غالباً بما يتجاوز مستوى كفاءتهم، فمثلاً تم تعيين زميله في الغرفة من أيام التحاقه بجامعة تسينغهوا، تشن شي، رئيساً لدائرة التنظيم في الحزب الشيوعي الصيني، وهو المنصب الذي يحصل بموجبه على مقعد في المكتب السياسي إضافة إلى صلاحية تحديد من يمكنه الارتقاء في التسلسل الهرمي، بيد أن تشن لم يتمتع أبداً بأي مؤهلات مناسبة لهذا الموقع، كان أسلافه الخمسة السابقون يتمتعون بخبرة في شؤون الحزب المحلية، بينما كان قد قضى كل حياته المهنية تقريباً في جامعة تسينغهوا. طالب شي ونوابه بدرجة من الولاء لم نشهدها منذ عهد ماو فضلاً عن ذلك ألغى شي إصلاحاً رئيساً آخر وهو “الفصل بين الحزب والدولة” الذي اعتبر مجهوداً يرمي إلى تقليل درجة تدخل كوادر الحزب أصحاب الدوافع الأيديولوجية في القرارات الفنية والإدارية لأجهزة الحكومة، ففي محاولة لإضفاء الطابع الاحترافي على البيروقراطية سعى دينغ وخلفاؤه، بدرجات متفاوتة من النجاح، إلى عزل الإدارة [الحكومية] عن تدخل الحزب الشيوعي الصيني، بيد أن شي غير هذا المسار وأدخل حوالى 40 لجنة حزبية خاصة انتهى بها المطاف بتوجيه الوكالات الحكومية، وخلافاً لأسلافه كان يملك مثلاً فريقاً خاصاً به للتعامل مع القضايا المتعلقة ببحر الصين الجنوبي، متجاوزاً صلاحيات وزارة الخارجية وإدارة الدولة للمحيطات State Oceanic Administration. واستطراداً، كان تأثير هذه اللجان هو انتزاع سلطة كبيرة من رئيس الحكومة الصينية، رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ، وتحويل ما كان في السابق منصب قائد مشارك إلى مجرد تابع أقل أهمية، ويمكن رؤية التغيير في الطريقة التي يتصرف بها لي عند ظهوره العلني أمام الناس، في حين أن سلفي لي، زو رونجي ووين جياباو، وقفا إلى جانب جيانغ وهو على التوالي. يعرف لي وجوب المحافظة على مسافة بينه وبين شي، وكأنه يسلط الضوء على تفاوت القوة بينهما، علاوة على ذلك، في الماضي، كانت البلاغات الرسمية ووسائل الإعلام الحكومية تشير إلى نظام جيانغ- زو ونظام هو- وين، لكن لا أحد تقريباً اليوم يتحدث عن نظام لي- شي. لطالما حدثت مشاحنات بين الحزب والحكومة في الصين، ما يسميه المطلعون الصراع بين “الفناء الجنوبي” و”الفناء الشمالي” في تشونغنانهاي، وهو المجمع الإمبراطوري الذي يتضمن مقر كلتا المؤسستين، لكن من خلال الإصرار على أن ينظر إليه الجميع باعتباره أعلى سلطة، عمل شي على زيادة حدة التوترات. كذلك غير شي الديناميكية داخل اللجنة الدائمة، فللمرة الأولى في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني أصبح على جميع أعضاء المكتب السياسي، حتى أعضاء اللجنة الدائمة، أن يخضعوا للإشراف المباشر لرئيس الحزب من طريق تقديم تقارير دورية له، والذي يقوم بمراجعة أدائهم بنفسه، وهكذا فإن الصداقة الحميمة وشبه المساواة بين أعضاء اللجنة الدائمة التي سادت ذات يوم قد ولت، وكما أخبرني أحد المسؤولين السابقين في بكين، تذمر أحد أعضاء اللجنة السبعة، وانغ كيشيان، وهو نائب شي وحليفه منذ فترة طويلة، لأصدقائه أن الديناميكية بين شي والأعضاء الأقل شأناً هي ما يمكن أن يرى بين إمبراطور ووزرائه. لا يقدم شي نفسه كقائد حزب عظيم وحسب، بل كإمبراطور العصر الحديث أيضاً والتغيير الأكثر جرأة الذي أدخله شي هو إلغاء البند الذي يحدد فترة الولاية الرئاسية في الصين. مثل كل زعيم بارز، ابتداء من جيانغ ومن بعده، يشغل شي ثلاثة مناصب في آن واحد: رئيس الصين وزعيم الحزب وقائد الجيش، على رغم أن الفترة المحددة بولايتين متتاليتين مدتهما خمس سنوات لا تنطبق إلا على أول منصب من تلك المناصب الثلاثة، نشأ تفاهم منذ أيام حكم هو، على أنه يجب أن تنطبق أيضاً على الوظيفتين الأخريين من أجل تمكين الشخص نفسه من شغل جميع المناصب الثلاثة. لكن في عام 2018 وبناء على طلب شي، عدل المشرع الصيني الدستور للتخلص من الحدود المفروضة على فترة الولاية الرئاسية، وكان التبرير مثيراً للضحك، فالهدف المعلن هو جعل الرئاسة متسقة مع الموقعين الحزبي والعسكري، على رغم أن الإصلاح الواضح كان من المفترض أن يكون عكس ذلك، أي فرض فترة زمنية محددة لشغل هذين المنصبين. وفي ما يتعلق بموضوع العبادة الشخصية، وعلى رغم أن حظر مثل تلك العبادات لا يزال موجوداً في دستور الحزب، فقد طالب شي ونوابه بدرجة من الولاء والإعجاب بالزعيم لم يسبق لها مثيل منذ ماو، ومنذ عام 2016، بعد الإعلان عن أن شي هو “الزعيم الأساس” للحزب (وهو مصطلح لم يمنح قط لسلفه هو)، صار يقف أمام أعضاء اللجنة الدائمة في الصور الرسمية، وكذلك فإن صوره الخاصة معلقة في كل مكان، على نسق أسلوب ماو، في المكاتب الحكومية والمدارس والمواقع الدينية والمنازل. ووفقاً لراديو فرنسا الدولي، اقترح مرؤوسو شي تبديل اسم “جامعة تسينغهوا”، الجامعة التي تعلم فيها وأفضل مؤسسة دراسية في الصين، وتسميتها عوضاً عن ذلك جامعة شي جينبينغ، حتى إنهم طالبوا بتعليق صورته إلى جانب صور ماو في ميدان تيانانمين. على رغم عدم تنفيذ أي من الفكرتين، إلا أن شي نجح في إدراج فكر شي جينبينغ في دستور الحزب عام 2017، منضماً بذلك إلى ماو باعتباره الزعيم الآخر الوحيد الذي تمت إضافة أيديولوجيته الخاصة إلى الوثيقة أثناء توليه المنصب، ثم نجح في إدخال فكره في دستور الدولة في العام التالي، وفي مقالة مطولة نشرت عام 2017 في وكالة أنباء “شينخوا”، الجهاز الإعلامي الحكومي، منح أحد مروجي الدعاية سبعة ألقاب جديدة لشي على غرار تلك المعتمدة في كوريا الشمالية، كان من شأنها أن تجعل أسلافه في فترة ما بعد ماو يحمرون خجلاً: “قائد رائد” و “عامل مجتهد من أجل سعادة الشعب”، “المهندس الأساس للتحديث في العصر الجديد”، وما إلى ذلك. داخل الحزب يشن أنصار شي حملة شرسة تصر على ضرورة السماح له بالبقاء في السلطة حتى إنهاء ما بدأه، أي “التجديد العظيم للأمة الصينية”، ومع تكثيف جهودهم أصبحت رسالتهم أبسط، ففي أبريل (نيسان) الفائت اقترح مسؤولو الحزب في قوانغشي شعاراً جديداً: “ادعموا الزعيم دائماً ودافعوا عنه واتبعوه”. وعلى غرار “الكتاب الأحمر الصغير” الذي يحمل مقتطفات من أقوال الرئيس ماو، أصدروا أيضاً كتيباً بحجم الجيب من أقوال شي، دعوا المواطنين إلى حفظ محتوياته. إذاً يبدو أن شي لا يقدم نفسه على أنه زعيم حزب عظيم وحسب، بل كإمبراطور العصر الحديث أيضاً. الإمبراطور العاري كلما زاد تركز النظام السياسي في يد زعيم واحد زادت أهمية عيوب ذلك القائد وصفاته المميزة، وفي حال شي فهو يعتبر زعيماً حساساً تجاه النقد وعنيداً وديكتاتورياً، وكانت هذه الصفات واضحة حتى قبل توليه منصبه، ففي عام 2008 أصبح شي رئيساً لمدرسة الحزب المركزية حيث عملت كأستاذة، وفي اجتماع هيئة التدريس في العام التالي نقل ثاني أكبر مسؤول في المدرسة رسالة من شي يهدد فيها المعلمين بأنه “لن يسمح لهم مطلقاً بتناول الطعام من صحن الرز الذي يقدمه الحزب، فيما يحاولون تحطيم وعاء الطهي الخاص بالحزب”، مما يعني أنه لن يسمح لهم بتلقي رواتب حكومية فيما ينتقدون النظام بالسر. غاضبة من فكرة شي السخيفة بأن الحزب هو الذي يمول الدولة وليس دافعو الضرائب الصينيين، طرحت وأنا جالسة في مقعدي سؤالاً بصوت عال: “من أي صحن رز يأكل الحزب الشيوعي؟ إنه يأكل من صحن الرز الذي يقدمه الشعب، لكنه يحطم وعاء الطهي الخاص بهم كل يوم”. لم يبلغ عني أحد، لا بل وافقني زملائي الأساتذة الرأي. يتصرف شي وكأنه “رئيس لكل شيء” بمجرد توليه منصبه أثبت شي عدم استعداده لتحمل الانتقادات، فهو يستخدم اجتماعات اللجنة الدائمة والمكتب السياسي لا كفرصة للحوار والاتفاق على السياسات، بل كفرصة لتقديم مونولوغات [القيام بحوار فردي ممل] لمدة ساعات. ووفقاً للبيانات الرسمية، بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 وفبراير (شباط) 2022، دعا إلى 80 “جلسة دراسة جماعية”، كان حديثه هو الموضوع الرئيس دائماً أمام المكتب السياسي، وهو يرفض أية اقتراحات من مرؤوسيه اعتقاداً منه أنها ستعكس صورة سيئة عنه [باستماعه لهم والأخذ بمشورتهم]. وبحسب صديق قديم من أصدقاء وانغ كيشيان الذي كان عضواً في اللجنة الدائمة وأحد المقربين من شي خلال فترة ولايته الأولى، اقترح وانغ ذات مرة جعل “لائحة النقاط الثماني” التي وضعها شي، وهي قائمة بمتطلبات أعضاء الحزب، قاعدة رسمية من قواعد الحزب، بيد أن حتى هذا الاقتراح، بكل ما يحمله من تملق، اعتبره شي إهانة لأنه لم يكن الشخص الذي ابتكر الفكرة بنفسه، ووبخ وانغ على الفور. يعتبر شي أيضاً مديراً يشرف على أدق التفاصيل، فهو يتصرف كأنه “رئيس لكل شيء”، بحسب ما لاحظه كثير من المحللين. في عام 2014، على سبيل المثال، أصدر تعليمات في شأن حماية البيئة 17 مرة، وهي درجة كبيرة من التدخل، نظراً لكل ما لديه من مسؤوليات وواجبات. في الواقع أقر دينغ وجيانغ وهو بأن إدارة بلد كبير مثل الصين تتطلب مراعاة التعقيدات المحلية، وشددوا على أن الكوادر على جميع المستويات يجب أن تأخذ التعليمات من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، على أن تكيفها وفقاً للظروف عند الاقتضاء، وكانت هذه المرونة حاسمة للتنمية الاقتصادية، لأنها أعطت المسؤولين المحليين مجالاً للابتكار، لكن شي يصر على أن يتم الامتثال لتعليماته حرفياً، وقد سمعت أن رئيس الحزب في إحدى المقاطعات عام 2014 حاول إنشاء استثناء لقواعد الحكومة المركزية الجديدة في شأن الولائم، لأن مقاطعته بحاجة إلى استضافة وفود من المستثمرين الأجانب، وعندما علم شي بمحاولة الابتكار تلك ثار غاضباً، واتهم المسؤول بـ “التحدث بالسوء عن سياسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني”، وهي تهمة خطرة دونت لاحقاً بعد هذه الحادثة في اللوائح التأديبية للحزب وحددت عقوبتها بالطرد. واستطراداً، اعتاد الحزب الشيوعي الصيني أن يطبق تقليداً قديماً يعود لفترة حكم ماو، وبموجبه يمكن للكوادر توجيه رسالة خطية إلى القائد الأعلى يكتبون فيها اقتراحاتهم وحتى انتقاداتهم، لكن أولئك الذين تجرأوا على تجربة ذلك مع شي في وقت باكر من فترة ولايته تعلموا درساً لا ينسى، ففي عام 2017 كتب ليو يازهو، وهو جنرال في جيش التحرير الشعبي وصهر أحد الرؤساء السابقين، رسالة إلى شي موصياً بأن تغير الصين من سياستها في شينجيانغ وتكف عن اعتقال أفراد أقلية الإيغور [المسلمة]، فتلقى تهديداً بعدم التحدث بالسوء عن سياسات شي. إن رفض شي قبول مثل هذه المشورة يزيل طريقة مهمة للتصحيح الذاتي. لماذا يقاوم شي بشدة نصائح الآخرين خلافاً لأسلافه؟ أعتقد أن جزءاً من السبب هو أنه يعاني عقدة نقص، إذ إن مستواه التعليمي متدن مقارنة بغيره من كبار القادة في الحزب الشيوعي الصيني، على رغم أنه درس الهندسة الكيماوية في جامعة تسينغهوا، والتحق شي بصفته “عاملاً – فلاحاً – جندياً”، وهي فئة من الطلاب تم قبولهم في السبعينيات على أساس الموثوقية السياسية والخلفية الطبقية، وليس على أساس جدارتهم الأكاديمية. على النقيض من ذلك حصل جيانغ وهو على مكان في الجامعة من خلال امتحانات تنافسية للغاية، وفي عام 2002 عندما كان شي من الكوادر الإقليمية، حصل على درجة الدكتوراه في النظرية الماركسية، أيضاً في تسينغهوا، ولكن وفق ما وثقه الصحافي البريطاني مايكل شيريدان، كانت أطروحته مليئة بأفكار ومقاطع يشتبه في أنها حالات من السرقة الأدبية، وبحسب ما أعرفه من الوقت الذي قضيته في مدرسة الحزب المركزية، فإن كبار المسؤولين يوكلون إلى مساعديهم بشكل روتيني إنجاز أعمالهم المدرسية، بينما يغض أساتذتهم الطرف. في الواقع، وفي وقت يفترض أنه أنهى فيه أطروحته، كان شي شديد الانشغال في منصبه كحاكم لفوجيان. الرجل المخطئ دائماً في أي نظام سياسي تعتبر السلطة المطلقة أمراً خطراً، وبانفصاله عن الواقع وتحرره من قيود التوافق والإجماع، يمكن للقائد أن يتصرف بتهور وينفذ سياسات غير حكيمة أو غير شعبية أو كليهما، وليس من المستغرب إذاً أن أسلوب “معرفة كل شيء” الذي يستخدمه شي في الحكم أدى إلى عدد من القرارات الكارثية، والموضوع المشترك بينها هو عدم القدرة على فهم تأثير توجيهاته على الصعيد العملي. لنأخذ مثلاً السياسة الخارجية. لم يتبع شي قول دينغ المأثور بأن الصين “تخفي قوتها وتنتظر الوقت المناسب لإظهارها”، وقرر تحدي الولايات المتحدة مباشرة والسعي إلى نظام عالمي متمركز حول الصين، ولذلك شارك في سلوكيات عدوانية محفوفة بالأخطار في الخارج ونشر قوات عسكرية على بحر الصين الجنوبي وهدد تايوان، وشجع دبلوماسييه على الانخراط في أسلوب كاذب من السياسة الخارجية يعرف باسم دبلوماسية “الذئب المحارب”. علاوة على ذلك شكل شي تحالفاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي زاد عزلة الصين في المجتمع الدولي، وحتى مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها كان قد تولد عنها رفض متنام، إذ إن البلدان سئمت من الديون والفساد المرتبطة بها. وعلى نحو مماثل تؤدي السياسات الاقتصادية التي ينتهجها شي إلى نتائج عكسية، فإدخال إصلاحات السوق كانت إحدى الإنجازات المميزة التي حققها الحزب الشيوعي الصيني، إذ سمح لمئات الملايين من الصينيين بالتخلص من الفقر، ولكن عندما وصل شي إلى السلطة رأى أن القطاع الخاص يمثل تهديداً لحكمه، فأعاد إحياء الاقتصاد المخطط من حقبة ماو تسي تونغ، وقام بتعزيز الشركات المملوكة للدولة وأنشأ منظمات حزبية في القطاع الخاص توجه طريقة إدارتها للأعمال، وتحت ستار محاربة الفساد وإنفاذ قانون مكافحة الاحتكار، نهب الأصول من الشركات الخاصة ورجال الأعمال. على مدى السنوات القليلة الماضية اضطرت بعض الشركات الصينية الأكثر ديناميكية، بما في ذلك مجموعة “أنبانغ” للتأمين (Anbang Insurance Group) ومجموعة “إتش أن أي” (HNA Group)، فعلياً إلى تسليم زمام أعمالهما إلى الدولة، وعلى نحو مشابه تم إخضاع شركات أخرى، مثل تكتل “تينسنت” (Tencent) وشركة التجارة الإلكترونية العملاقة “علي بابا” (Alibaba)، من خلال مجموعة من القوانين الجديدة والتحقيقات والغرامات. وفي عام 2020 ألقي القبض على سون داو، وهو ملياردير وصاحب مجموعة شركات زراعية كان قد انتقد شي علانية بسبب قمعه للمحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، وسرعان ما حكم عليه بالسجن 18 عاماً بتهم زائفة وبيعت مؤسساته لشركة حكومية جرى تشكيلها بسرعة في مزاد زائف، في مقابل جزء بسيط من قيمتها الحقيقية. إن رغبة شي في السيطرة لم تكن كارثية في أي مكان أكثر مما كانت عليه أثناء استجابته لجائحة كورونا كما هو متوقع شهدت الصين نمواً اقتصادياً بطيئاً، ويعتقد معظم المحللين أنه سيتباطأ أكثر خلال السنوات المقبلة، على رغم وجود عوامل كثيرة مؤثرة، بما في ذلك العقوبات الأميركية ضد شركات التكنولوجيا الصينية والحرب في أوكرانيا ووباء كورونا، فإن المشكلة الأساس هي تدخل الحزب الشيوعي الصيني في الاقتصاد. في الحقيقة تتدخل الحكومة باستمرار في القطاع الخاص من أجل تحقيق أهداف سياسية، وهو سم أُثبتت فعاليته ضد الإنتاجية، وبطريقة موازية يعيش كثير من رواد الأعمال الصينيين في خوف من أن يتم الاستيلاء على شركاتهم أو من تعرضهم للاحتجاز هم أنفسهم، وهذا بعيد كل البعد من العقلية التي تشجع على الابتكار. في أبريل الفائت ومع سوء احتمالات النمو في الصين، أقام شي اجتماعاً لأعضاء المكتب السياسي من أجل الكشف عن خططه لحل المشكلات الاقتصادية في البلاد، والمتمثلة حينها بمزيج من الخصومات الضريبية وخفض الرسوم والاستثمار في البنية التحتية والتيسير النقدي، ولكن بما أن أياً من تلك المقترحات لا يحل المشكلة الأساس المتمثلة في التدخل المفرط للدولة في الاقتصاد، فمصيرها هو الفشل. إن رغبة شي في السيطرة لم تكن كارثية في أي مكان أكثر مما كانت عليه أثناء استجابته لجائحة كورونا، فعندما انتشر المرض للمرة الأولى في مدينة ووهان في ديسمبر 2019، حجب المعلومات المتعلقة به عن الجمهور في محاولة للحفاظ على صورة الصين المزدهرة، وفي غضون ذلك كبلت أيدي المسؤولين المحليين ولم يستطيعوا فعل شيء، إذ اعترف رئيس بلدية ووهان، تشو شيان وانغ، في الشهر التالي على التلفزيون الحكومي، من دون موافقة من السلطات العليا، أنه لم يتمكن من الكشف علناً عن تفشي المرض، وعندما قام ثمانية من الاختصاصيين الشجعان في مجال الصحة بفضح الحقيقة، سجنتهم الحكومة وأسكتتهم، وكشف أحد الثمانية في وقت لاحق أنه أجبر على التوقيع على اعتراف كاذب. عامل يغلق حاجزاً أمام منطقة سكنية أثناء إغلاق كوفيد-19 في شنغهاي مايو 2022 (رويترز) كذلك أسهم ميل شي إلى التدخل في أدق التفاصيل في إعاقة الاستجابة للوباء، فعوضاً عن ترك تفاصيل السياسة المتبعة لفريق الصحة الحكومي، أصر على أن ينسق هو بنفسه جهود الصين المبذولة في هذا المجال، وفي وقت لاحق تباهى بأنه “قاد الاستجابة شخصياً وخطط لها وأشرف على الوضع العام وتصرف بشكل حاسم ورسم معالم الطريق الذي تعين عليهم المضي فيه”، وبقدر ما كان ذلك صحيحاً إلا أنه لم يكن للأفضل. في الواقع أدى تدخله إلى الارتباك والتقاعس، إذ تلقى مسؤولو الصحة المحليون رسائل متضاربة من بكين ترافقت مع رفضهم اتخاذ الإجراءات، وكما علمت من مصدر في مجلس الدولة (السلطة الإدارية الرئيسة في الصين)، اقترح رئيس الوزراء لي كه تشيانغ تفعيل بروتوكول الاستجابة للطوارئ في أوائل يناير 2020، لكن شي رفض الموافقة عليه خوفاً من إفساد احتفالات رأس السنة الصينية الجارية. وعندما انتشر متغير “أوميكرون” في شنغهاي خلال فبراير 2022، اختار شي مرة أخرى طريقة محيرة للاستجابة، وتمكنت من معرفة تفاصيل عملية اتخاذ القرار من أحد المعارف العاملين في مجلس الدولة. في اجتماع عبر الإنترنت لحوالى 60 خبيراً في الأوبئة عقد بعد وقت قصير من بدء تفشي المرض، اتفق الجميع على أنه إذا اتبعت شنغهاي ببساطة أحدث الإرشادات الرسمية التي خففت شروط الحجر الصحي، فيمكن أن تستمر الحياة في المدينة كالمعتاد تقريباً، وكان العديد من مسؤولي الحزب والصحة في المدينة متفقين على النهج نفسه، ولكن عندما سمع شي عن ذلك استشاط غضباً ورفض الاستماع إلى الخبراء وأصر على تطبيق سياسة “صفر كوفيد” الخاصة به، وهكذا منع عشرات الملايين من سكان شنغهاي من الخروج حتى لشراء البقالة أو تلقي الرعاية الصحية المنقذة للحياة، فتوفي بعضهم على أبواب المستشفيات، فيما مات آخرون قفزاً من بناياتهم السكنية. وبهذه الطريقة تحولت مدينة حديثة ومزدهرة إلى موقع لكارثة إنسانية، حيث يتضور الناس جوعاً وينفصل الأطفال عن ذويهم، وكان من المستبعد أن يقوم قائد يأخذ بالملاحظات أو خاضع لمزيد من الضوابط بتنفيذ مثل هذه السياسة الوحشية، أو على الأقل كان سيصحح المسار بمجرد ظهور النتائج أو إثبات عدم شعبيته، لكن بالنسبة إلى شي فإن التراجع كان سيشكل اعترافاً مستحيلاً بالخطأ. الفعل ورد الفعل لم تكن قيادة الحزب الشيوعي الصيني قط كتلة واحدة متراصة، وكما قال ماو ذات مرة، “هناك أحزاب خارج حزبنا وفصائل داخل حزبنا، وكان هذا هو الحال دائماً”، والمبدأ التنظيمي الرئيس لهذه الفصائل هو الروابط الشخصية، بيد أن هذه المجموعات تميل إلى ترتيب نفسها في تدرج من اليسار إلى اليمين، وبعبارة أخرى فعلى رغم أن السياسة الصينية فردية إلى حد كبير، إلا أن هناك اختلافات حقيقية حول اتجاه السياسة الوطنية، وتميل كل سلالة إلى ربط نفسها بأفكار سلفها. في جهة اليسار هناك الذين لا يزالون ملتزمين بالماركسية المتشددة [التقليدية]. سيطر هذا الفصيل على الحزب قبل عهد دينغ، وهو يدعو إلى استمرار الصراع الطبقي والثورة العنيفة، ويتضمن فصائل فرعية مسماة على اسم ماو وتشن يون (الذي كان ثاني أقوى مسؤول في عهد دينغ)، وبو شي لاي (عضو المكتب السياسي السابق الذي تم تهميشه وسجنه قبل أن يتولى شي السلطة)، وشي نفسه. على المستوى الشعبي يضم اليسار أيضاً مجموعة صغيرة عاجزة سياسياً من طلاب الجامعات الماركسيين، فضلاً عن العمال الذين تم تسريحهم نتيجة لإصلاحات دينغ. في المقابل، يتكون الوسط بشكل رئيس من أحفاد دينغ السياسيين، ولأن معظم كوادر اليوم تلقوا تدريبهم تحت قيادته، فإن هذا الفصيل هو الذي يهيمن على بيروقراطية الحزب الشيوعي الصيني. يدعم الوسطيون الإصلاحات الاقتصادية الكاملة والإصلاحات السياسية المحدودة، وكل ذلك بهدف ضمان الحكم الدائم للحزب، ويتضمن الوسط أيضاً مجموعة تنحدر من اثنين من كبار المسؤولين المتقاعدين، جيانغ وزينغ تشينغ هونغ (نائب رئيس سابق)، إضافة إلى مجموعة تسمى فصيل رابطة الشباب (Youth League Faction)، وتتألف من أنصار زعيم الحزب السابق هو جينتاو ورئيس الوزراء الحالي لي. أخيراً، في جهة اليمين، هناك العناصر الفرعية، وهي تعني في السياق الصيني الليبراليين الذين يدافعون عن اقتصاد السوق ويشجعون شكلاً أكثر ليونة من الاستبداد (أو حتى في بعض الحالات الديمقراطية الدستورية). هذا المعسكر الذي أنتمي إليه هو الأقل قوة بين الثلاثة، وهو يضم أتباع هو ياوبانغ وتشاو زيانغ، قائدين في الحزب في عهد دينغ، كما يمكن القول إنه يشمل وين جياباو الذي كان رئيس وزراء الصين من 2003 إلى 2013 والذي لا يزال يملك بعض النفوذ حتى الآن، وعندما سئل وين عن سعيه إلى الإصلاح السياسي في مقابلة عام 2010، أجاب “لن أستسلم حتى آخر يوم في حياتي”. استاء كثيرون داخل نخبة الحزب الشيوعي الصيني من تعطيل شي لمبدأ تقاسم السلطة التقليدي تتصاعد في وجه شي المعارضة من قبل الفصائل الثلاثة، فاليسار بينما كان يدعم سياساته في البداية يعتقد الآن أنه لم يذهب بعيداً بما فيه الكفاية في إحياء سياسات ماو، وبعضهم خاب أمله بعد أن قمع الحركة العمالية، وفي المقابل يستاء الوسط من تراجعه عن الإصلاحات الاقتصادية، وقد تم إسكات اليمين تماماً بعدما قام شي بإلغاء أدنى مستويات النقاش السياسي. ويمكن رؤية لمحات من هذه الانقسامات في اللجنة الدائمة، فأحد الأعضاء، هان تشنغ، ينظر إليه على نطاق واسع على أنه عضو في فصيل جيانغ [الرئيس الأسبق]، ويبدو أن لي [رئيس الوزراء] على وجه الخصوص يختلف عن شي، والخلاف بين المسؤولين ينتشر ويظهر إلى العلن. لطالما عارض لي بهدوء سياسة “صفر كوفيد” التي اعتمدها شي، مشدداً على الحاجة إلى إعادة فتح الشركات وحماية الاقتصاد، وفي مايو (أيار) بعد أن أخبر لي 100 ألف شخص من الكوادر الحزبية في مؤتمر عبر الإنترنت أن حال الاقتصاد أسوأ مما كان متوقعاً، شن حلفاء شي هجوماً مضاداً ودافعوا عنه في “وكالة أنباء الصين الجديدة” (شينخوا) بالقول إن “آفاق التنمية الاقتصادية الصينية ستكون بالتأكيد أكثر إشراقاً”، وكرمز لمقاومتهم لسياسة شي الخاصة بكورونا، يرفض لي وحاشيته ارتداء الكمامات، وفي أبريل الفائت وخلال خطاب ألقاه في مدينة نانتشانغ، شوهد مساعدو لي وهم يطلبون من الحضور نزع كماماتهم. حتى الآن تقبل لي استبداد شي من دون أي رد فعل، ودائماً ما يرضخ بدافع الضرورة، لكنه قد يصل قريباً إلى نقطة الانهيار. واستكمالاً، يتكاثر السخط بين النخبة على المستوى البيروقراطي، ففي وقت باكر من فترة حكم شي عندما بدأ في تغيير السلطة، شعر كثير من البيروقراطيين بالاستياء وخيبة الأمل، لكن مقاومتهم كانت غير فعالة وتم التعبير عنها من خلال التقاعس عن العمل. أخذت الكوادر المحلية إجازة مرضية بشكل جماعي أو اختلقوا أعذاراً من أجل تعطيل مبادرات شي لمكافحة الفساد، وفي نهاية عام 2021 أعلنت اللجنة التأديبية التابعة للحزب الشيوعي الصيني أنه خلال الأشهر الـ 10 الأولى من ذلك العام وجدت 247 ألف حالة من “التنفيذ غير الفعال للتعليمات المهمة التي أعطاها شي جينبينغ واللجنة المركزية”، ولكن أثناء إغلاق مدينة شنغهاي أصبحت المقاومة أكثر وضوحاً، فالمسؤولون المحليون هناك انتقدوا سياسة “صفر كوفيد” علانية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أبريل استقال أعضاء لجنة السكان بشكل جماعي في سانلين تاون، وهو حي في شنغهاي، واشتكوا في رسالة مفتوحة من أنه تم حجزهم في مكاتبهم مدة 24 يوماً من دون أية قدرة على التواصل مع عائلاتهم. لا يواجه الزعيم الصيني معارضة داخلية وحسب، بل أيضاً رد فعل شعبي شديد الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى شي هو أن استياء النخبة بدأ بالتغلغل إلى عامة الناس الآن، ففي الدولة الاستبدادية من المستحيل قياس الرأي العام بدقة، لكن إجراءات شي القاسية في شأن كورونا ربما تكون قد أفقدته تعاطف معظم الصينيين، ففي فبراير 2020 ظهر مؤشر باكر على معارضة سياسات شي عندما وصفه العملاق في مجال العقارات رن تشيتشيانغ بأنه “مهرج” لإخفاقه في الاستجابة للوباء. (وبعد محاكمة استمرت ليوم واحد حكم على رن بالسجن 18 عاماً). وبطريقة موازية تغرق منصات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية في مقاطع فيديو يتوسل فيها الناس العاديون إلى شي من أجل إنهاء سياسة “صفر كوفيد”، كما أصدرت مجموعة تطلق على نفسها اسم “لجنة شنغهاي المستقلة للإنقاذ الذاتي” بياناً في مايو الفائت على الإنترنت بعنوان “لا تكن عبداً – أنقذ نفسك”، دعت تلك الوثيقة سكان المدينة إلى محاربة الإغلاق وتشكيل هيئات حكم ذاتي لمساعدة بعضهم بعضاً، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً اقترح بعض الصينيين بسخرية أن الخطة الأكثر فعالية لمكافحة الوباء ستكون عقد المؤتمر الوطني الـ 20 في أقرب وقت ممكن، من أجل منع شي من البقاء في السلطة. في غضون ذلك، وعلى رغم ادعاءات شي بالقضاء على الفقر، لا يزال معظم الصينيين يكافحون لتأمين معيشتهم، فلقد كشف لي [رئيس الوزراء] عام 2020 أن 600 مليون شخص في الصين، أي ما يوازي 40 في المئة من سكانها تقريباً، يكسبون بالكاد 140 دولاراً في الشهر، ووفقاً للبيانات التي حصلت عليها صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” (South China Morning Post)، وهي صحيفة في هونغ كونغ، فلقد تم إغلاق ما يقارب 4.4 مليون شركة صغيرة بين يناير ونوفمبر 2021، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الشركات المسجلة حديثاً في الفترة نفسها، وبسبب مواجهتها أزمة مالية اضطرت الحكومات المحلية أيضاً إلى خفض رواتب الموظفين الحكوميين إلى حد بلغ في بعض الأحيان 50 في المئة، بما في ذلك رواتب المعلمين. ومن المرجح أن تلجأ تلك السلطات إلى إيجاد طرق جديدة أيضاً لنهب الثروة من القطاع الخاص والمواطنين العاديين، مما يؤدي بدوره إلى توليد مزيد من البؤس الاقتصادي. بعد أربعة عقود من الانفتاح لا يريد معظم الصينيين العودة لأيام ماو، وداخل نخبة الحزب الشيوعي الصيني يشعر كثيرون بالاستياء من تعطيل شي لتوزيع السلطة التقليدي ويعتقدون أن سياساته المتهورة تعرض مستقبل الحزب إلى الخطر، والنتيجة هي أنه للمرة الأولى منذ احتجاجات ميدان تيانانمين عام 1989 لا يواجه زعيم الصين معارضة داخلية وحسب، بل أيضاً رد فعل شعبي عنيف، وخطراً حقيقياً يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية. خمس سنوات إضافية؟ الشعور بالاستياء شيء لكن التصرف حياله شيء آخر، ويعلم أعضاء المستويات العليا في الحزب أنه يمكن دائماً اتهامهم بالفساد، لذلك ليس لديهم حافز كبير للمناورة ضد شي، كما يعتقد بأن انتشار تقنيات المراقبة الحديثة قد لعبت دوراً كبيراً في عدم تجرؤ النخب الحزبية، بما في ذلك القادة الوطنيون المتقاعدون، على التواصل مع بعضهم بعضاً خارج النشاطات الرسمية، حتى في ما يتعلق بالأمور العادية. والشعب من جانبه يظل صامتاً مكبوتاً بسبب الرقابة والخوف من الاعتقال، ولذلك يركز معارضو شي على السبيل القانوني الوحيد إلى عزله، ألا وهو حرمانه من فترة رئاسية ثالثة خلال المؤتمر الوطني المقبل. كاميرات مراقبة بالقرب من بوابة تيانانمين في بكين 2013 (أ ب) لشعوره ربما بخيبة الأمل المتزايدة عند الجميع، قام شي ببذل كل ما في وسعه لكي يرجح الكفة لمصلحته، والدائرة الانتخابية الأكثر أهمية، بالطبع، تتألف من زملائه أعضاء اللجنة الدائمة الذين يملكون في نهاية المطاف القول الحسم فيما إذا كان سيبقى في منصبه، ويرجع ذلك جزئياً إلى سيطرتهم على أعضاء الهيئة التشريعية في الصين. من المحتمل أن يكون شي قد فعل ما في وسعه لضمان دعم أعضاء اللجنة الدائمة، من وعدهم بأنهم سيبقون في السلطة إلى التعهد بعدم التحقيق مع عائلاتهم [في قضايا الفساد]. ويكاد يكون الجيش على القدر نفسه من الأهمية، لأن حرمان الرئيس من فترة رئاسية ثالثة سيتطلب على الأرجح دعم الجنرالات. في الواقع يقوم مروجو الدعاية الصينيون بالتذكير بشكل روتيني بأن “الحزب هو الذي يوجه البندقية”، بيد أن قادة الصين يدركون أنه في الحقيقة يتم توجيه البندقية دائماً إلى رأس الحزب، وعلى رغم استبدال شي للجنرالات الصينيين برجاله على مر السنين، إلا أن خطاب المسؤولين العسكريين لا يزال يتأرجح بين التأكيد على الولاء الشخصي لشي والولاء المؤسسي للجنة العسكرية المركزية، وهي الهيئة التي تشرف عليهم ويترأسها شي بنفسه. وفي بادرة تدل بشكل محتمل على استمرار المعارضة في صفوف الجيش، علمت في ديسمبر الماضي من عدد من معارفي في الصين أن ليو، المسؤول العسكري الذي وبخه شي بسبب انتقاده السياسة المستخدمة مع الأيغور، قد اختفى مع شقيقه الأصغر، وهو أيضاً جنرال، بعد أن تمت مداهمة منزل الشقيقين، وأدت الأخبار إلى خلق صدمة هزت كيان الجيش، إذ كان ليو يعتبر شخصاً لا يمكن المساس به بصفته صهر رئيس سابق، ولكن باحتجازه هو وشقيقه يكون شي قد أصدر أقوى تحذير حتى الآن لأمراء وكبار ضباط جيش التحرير الشعبي بأن عليهم الامتثال. أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الصيني يصطفون في قاعة الشعب الكبرى في بكين ، نوفمبر 2012 (رويترز) وإضافة إلى ذلك كثف شي حملته المزعومة لمكافحة الفساد، ففي النصف الأول من عام 2022 عاقبت الحكومة 21 من الكوادر على المستوى الوزاري الإقليمي أو من هم أعلى شأناً، وكذلك 1237 من الكوادر على مستوى المقاطعات والدوائر، وكان هناك تركيز واضح على أجهزة الأمن والاستخبارات. في يناير الماضي بث التلفزيون الرسمي الصيني اعترافاً أدلى به سون ليجون، الذي كان مسؤولاً أمنياً رفيع المستوى سابقاً، اتهم بالفساد ويواجه الآن حكماً محتملاً بالإعدام، وكانت خطيئته وفقاً للهيئة التأديبية العليا للحزب أنه “شكل عصابة للسيطرة على إدارات رئيسة عدة، وكانت لديه طموحات سياسية متضخمة بشكل كبير وصفات سياسية شريرة”. وعلى نحو مماثل واجه فو تشنغ هوا، الذي كان نائب وزير الأمن العام ورئيس سون، تهمة بالفساد في شهر مارس (آذار)، وعزل من منصبه وطرد من الحزب الشيوعي الصيني، وكانت الرسالة واضحة: الطاعة أو المخاطرة بالسقوط. وبعد أن أمّن ضمانات إضافية لمساعيه إلى ولاية ثالثة، أصدر شي تهديداً مستتراً لكوادر الحزب المتقاعدين. لطالما كان كبار السن في الحزب يتمتعون بنفوذ هائل في السياسة الصينية، وكانت النخبة المتقاعدة هي التي أطاحت بتشاو عام 1989، على سبيل المثال. في يناير الماضي استهدف شي هذه المجموعة بشكل مباشر وأعلن أن الحكومة سوف “تقضي على الفساد المنهجي وتزيل الأخطار الخفية” من خلال التحقيق بأثر رجعي في الـ 20 سنة الماضية من حياة الكوادر، وفي مايو شدد الحزب المبادئ التوجيهية المتعلقة بكوادر المتقاعدين، فحذرهم من “مناقشة السياسات العامة للجنة المركزية في الحزب بطريقة منفتحة أو نشر أية تصريحات سياسية سلبية أو المشاركة في أنشطة المنظمات الاجتماعية غير القانونية، وكذلك من استخدام سلطتهم السابقة أو نفوذهم في المنصب للحصول على منافع لأنفسهم وللآخرين، وطلب منهم معارضة ومقاومة جميع أنواع التفكير الخاطئ”. كذلك سعى شي إلى ضمان دعم 2300 مندوب من الحزب الشيوعي الصيني تمت دعوتهم لحضور المؤتمر الوطني، ثلثاهم من المسؤولين رفيعي المستوى من جميع أنحاء البلاد وثلثهم من الأعضاء العاديين الذين يعملون على المستوى الشعبي، وقد تم اختيار المندوبين بعناية بسبب ولائهم له، ومن أجل منع أية مفاجآت في المؤتمر فإن حظر “الأنشطة غير التنظيمية” يمنعهم من الاختلاط خارج الاجتماعات الصغيرة الرسمية لوفودهم الإقليمية، مما يحد من قدرتهم على تنظيم صفوفهم في وجه سياسة معينة أو زعيم. خلال الأشهر التي تسبق المؤتمر من المحتمل أن يشتد الاقتتال الداخلي الخفي ضمن الحزب الشيوعي الصيني، وقد يأمر شي بمزيد من الاعتقالات ومزيد من المحاكمات لكبار المسؤولين، وفي المقابل يمكن لمنتقديه تسريب مزيد من المعلومات ونشر مزيد من الشائعات، وخلافاً للاعتقاد السائد بين المحللين الغربيين ربما لم يضمن فوزه حتى الآن بولاية ثالثة. في الواقع يمكن لخصوم شي المتزايدين أن ينجحوا في طرده من منصبه، شرط أن يقنعوا عدداً كافياً من أعضاء اللجنة الدائمة بأنه فقد دعم كل من القيادات والرتب الدنيا في الحزب الشيوعي الصيني، أو يقنعوا كبار السن في الحزب بالتدخل، وهناك احتمال دائم بأن تؤدي أزمة اقتصادية أو اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق إلى انقلاب حتى أقرب حلفائه المخلصين ضده، وعلى رغم كل ذلك فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً هذا الخريف هي أن شي، بعد التلاعب بسير العملية وإرهاب منافسيه، سيفوز بفترة رئاسية ثالثة، ومعها الحق في الاستمرار كرئيس للحزب والجيش لولاية أخرى، وبهذه البساطة فإن الإصلاح السياسي الوحيد المجدي الذي اتخذ منذ حكم دينغ سيتبخر. شي من دون قيود ما الذي سيحصل بعد ذلك إذاً؟ لا شك في أن شي سيعتبر فوزه تفويضاً يخوله القيام بكل ما يريد من أجل تحقيق الهدف المعلن للحزب المتمثل في تجديد الصين، وسترتقي طموحاته إلى مستويات جديدة، وفي محاولة غير مجدية لتنشيط الاقتصاد من دون تمكين القطاع الخاص، سيصر على سياساته الاقتصادية القائمة على سيطرة الدولة، ومن أجل الحفاظ على قبضته المحكمة على السلطة سيواصل القضاء بشكل استباقي على أي منافس محتمل مع تشديد الرقابة الاجتماعية، مما يجعل الصين تبدو بشكل متزايد مثل كوريا الشمالية، وقد يحاول حتى البقاء في السلطة إلى ما بعد ولاية ثالثة، وإذا ازدادت جرأته فقد يسرّع عسكرة المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي ويحاول الاستيلاء بالقوة على تايوان، وبينما يواصل سعي الصين إلى الهيمنة ستزيد من عزلتها عن بقية العالم. ولكن لن تنجح أي من تلك التحركات في جعل السخط داخل الحزب يختفي بطريقة سحرية، كما أن تحقيق الفوز بولاية ثالثة لن يهدئ قلق أولئك الذين يستاؤون من تكديس القوة داخل الحزب الشيوعي الصيني ويرفضون عبادة الشخصية التي ينتهجها، ولن يحل المشكلة المتأزمة المتعلقة بشرعيته بين الشعب. في الواقع، إن التحركات التي من المحتمل أن يقوم بها في فترة ولايته الثالثة ستزيد احتمالات الحرب وحدوث اضطرابات اجتماعية وأزمات اقتصادية، مما سيؤدي إلى تفاقم المظالم القائمة، وحتى في الصين يتطلب الأمر أكثر من مجرد القوة والترهيب للبقاء في السلطة، فالأداء لا يزال مهماً، وفي ذلك الإطار اكتسب كل من ماو ودينغ سلطتهما من طريق الإنجازات، الأول من خلال تحرير الصين من القوميين، والثاني من خلال فتحها وإطلاق العنان للطفرة الاقتصادية. لكن لا يبدو أن شي يملك أية انتصارات ملموسة مثل هذه، وبالتالي فلديه هامش أقل للخطأ. وبحسب ما أراه، فالطريقة العملية الوحيدة لتغيير المسار، والتي تعتبر في الوقت نفسه الأكثر رعباً وفتكاً، تتمثل بهزيمة مذلة في الحرب، وإذا كان شي سيهاجم تايوان، وهي الهدف الأكثر احتمالاً، فهناك فرصة جيدة ألا تسير الحرب كما هو مخطط لها، وستكون تايوان بمساعدة أميركية قادرة على مقاومة الغزو وإلحاق أضرار جسيمة ببر الصين الرئيس، وفي هذه الحال ستتخلى النخب والجماهير عنه مما يمهد الطريق لسقوطه الشخصي، لا بل ربما لانهيار الحزب الشيوعي الصيني بالصورة التي نعرفها. ولاستذكار تجربة سابقة يجب أن يعود المرء إلى القرن الـ 19 عندما فشل الإمبراطور تشيان لونغ في سعيه إلى توسيع مجال سيطرة الصين ليطال آسيا الوسطى وبورما وفيتنام، وكما كان متوقعاً عانت الصين خسارة مريرة في الحرب الصينية -اليابانية الأولى مما مهد الطريق لسقوط سلالة تشينغ وبدء فترة طويلة من الاضطرابات السياسية، فالأباطرة لا يبقون إلى الأبد. المزيد عن: فورين أفير\زالحزب الشيوعي الصيني\الرئيس الصيني شي جينبينغ\أزمة تايوان\الاقتصاد الصيني\شنغهاي\كورونا في الصين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شعر النساء من القصاص إلى الثورة next post إيطاليا تدخل المجهول مع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية You may also like غسان شربل يتابع الكتابة عن .. جمال مصطفى:... 26 نوفمبر، 2024 جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم... 24 نوفمبر، 2024 أحوال وتحولات جنوب لبنان ما بعد الهدنة مع... 24 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: صهر صدام حسين وسكرتيره... 24 نوفمبر، 2024 كارين هاوس: مساعدو صدام حسين خافوا من أن... 23 نوفمبر، 2024 حافظ الأسد كان قلقا من أن تلقى سوريا... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: بن لادن استقبل مبعوث... 21 نوفمبر، 2024 من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت... 17 نوفمبر، 2024 مرافق سفير بريطانيا لدى لبنان أنقذ الأميركيين من... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024