خلال الفترة الحالية تحضر إشكالية الحصانة في ملفات عدة، أولها ملاحقة وزير الاقتصاد السابق أمين سلام (اندبندنت عربية) عرب وعالم نظام الحصانة… قانون يحمي الفاسدين في لبنان by admin 19 أبريل، 2025 written by admin 19 أبريل، 2025 16 تحولت إلى “حجة جاهزة” يلجأ إليها رجال السياسة للتهرب من الملاحقة وعدم المثول أمام القضاء اندبندنت عربية / بشير مصطفى صحافي @albachirmostafa إن كنت من أصحاب النفوذ وتتمتع بـ”الحصانة” فلن تتعرض للمساءلة أو الملاحقة القانونية، هذا هو الانطباع الأوَّلي الذي قد يخرج به المتابع للقضايا الجنائية حول العالم. إلا أنه وفي الحقيقة، يفتقر إلى الدقة، لأن الاتفاقات الدولية والأعراف تمنح تلك المزية لفئة محددة من الناس، وقد تطورت بصورة مباشرة مع تطور العلاقات الدولية من جهة، ووضع الدساتير وشكل الحكومات والأنظمة من جهة أخرى، لكن في المقابل لا تخلو تلك المسألة من بعض التعسف، ففي لبنان مثلاً تحولت الحصانة إلى “حجة جاهزة” يلجأ إليها رجال السياسة والإدارة وبعض المهن الحرة للتهرب من الملاحقة وعدم المثول أمام القضاء. خلال الفترة الحالية تحضر إشكالية الحصانة في ملفات عدة، أولها ملاحقة وزير الاقتصاد السابق أمين سلام وشقيقه كريم في “قضية ابتزاز شركات التأمين والإثراء غير المشروع”، حيث رفض الوزير بداية وبصورة متكررة المثول أمام لجنة الاقتصاد النيابية بحجة تمتعه بالحصانة الوزارية، قبل أن تحرك النيابة العامة التمييزية الملف، وتوقف شقيقه كريم، حيث من المرجح أن يلجأ الوزير إلى المطالبة بمحاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو جهاز غير مكون في لبنان. وينطلق هذا الظن من مجريات “ملف ملاحقة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت“، حيث طالب المحقق العدلي طارق البيطار الاستماع إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ووزير المال السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، ومدير عام الأمن العام السابق عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة طوني صليبا، فقد واجه هؤلاء طلبات المحقق بالدفوع لعدم الاختصاص أو طلبات الرد، لاعتقادهم بأنه ليس المرجع المتخصص في النظر في القضايا المرتبطة بأصحاب “الحصانة”. فعلى سبيل المثال، رفع الوزير المشنوق دعوى المخاصمة في وجه البيطار على اعتبار “ملاحقة الوزير على أعمال متصلة بوظيفته هي صلاحية سيادية للمجلس النيابي ولا تعود لأي مرجع قضائي آخر”. رفعت نقابة المحامين الحصانة عن الوزير السابق أمين سلام بسبب ملاحقته في قضايا فساد (اندبندنت عربية) فلسفة الحصانة في التعبير اللغوي، الحصانة هي المناعة التي يتمتع بها الجسم لدرء الأمراض عنه. وفي التعبير الحقوقي هي إجراء يقوم على إعفاء أشخاص معينين كرجال السياسة أو الدبلوماسيين أو نواب الشعب من تطبيق بعض النظم والقوانين عليهم إلا بحسب القواعد والأصول والإجراءات القانونية المعمول بها، هذا التعريف قدمه الدكتور جرجس جرجس في “معجم المصطلحات الفقهية والقانونية”، مميزاً بين نوعين من الحصانة، الحصانة الدبلوماسية والحصانة النيابية. يمكن التمييز بين حصانة مطلقة، وأخرى نسبية، يعود تاريخ الحصانة المطلقة إلى العهود السياسية الغابرة، وبعض النظم القليلة حاضراً في ظل التحول إلى الدستورية، حيث لا يخضع الحاكم لأشكال المساءلة أو المحاسبة. يقول الخبير القانوني زهدي يكن في كتاب “القانون الدستوري والنظم السياسية، إنه مقابل الحكومة القانونية التي تخضع للقوانين والأنظمة المستبدة، هناك الحكومة المستبدة، التي “لا تخضع في حكمها إلى قوانين وأنظمة، وإنما يستعمل صاحب السيادة في الدولة سلطانه بحسب ما يتراءى له. فإرادته هي القانون. وعليه فإن القوانين تلزم الأفراد، ولكنها لا تلزم الحاكم”. وفي مكان آخر يلفت يكن إلى النظرية “الثيوقراطية”، حيث يستمد الحاكم سلطته من الحق الإلهي الخارج عن إرادة البشر، والتي اختارته لحكم الشعب. وقد قامت هذه النظرية بدور كبير في التاريخ السياسي للدول، وعلى رغم كونها لم تعد منتشرة إلا في إحدى الدول. فالمصريون القدامى اعتبروا الفراعنة خلفاء الله واعتبروهم أحياناً أبناء له وأحياناً آلهة. وكذلك الأمر لدى اليونانيين القدامى والعبريين الأقدمين الذين روجوا إلى أنهم “شعب الله المختار”. ومع أن الديانة المسيحية فصلت بين الدين والدولة، فإن ذلك لم يحل دون ادعاء ملوك وأباطرة أوروبا، وبخاصة في القرنين السابع والـ18 بأنهم “مستمدون ملكهم وسلطانهم من الله مباشرة. ويضيف يكن “عندما شب الصراع بين سلطة الملوك والأباطرة من جهة وسلطة البابا من جهة ثانية أضيفت نظرية القوة إلى نظرية الحق الإلهي الخارج عن إرادة البشر. وكان الهدف من ذلك الوقوف بوجه البابوية التي كانت تدعي أنها تتمتع بسلطة الحكم والملك نيابة عن الله”. وعلى رغم عراقة النظام البرلماني في إنجلترا فقد ظلت هذه النظرية أساس حكم الملوك فيها. وقد أدت إلى قيام نزاع مستمر بين البرلمان والتاج أفضى إلى إعدام الملك شارل الأول، ومن ثم إلى ثورة سنة 1688 التي انتهت بخلع أسرة ستيوارت عن العرش، بعدما ساد مبدأ “الملك لا يخطئ”. أما الإسلام فقد اتخذ موقفاً صريحاً من حيث تأكيد أولياء الأمور لسلطتهم من الشعب، ويؤثر عن أبي بكر الصديق قوله عندما دعي بخليفة الله “لست خليفة الله، ولكنني خليفة رسول الله”، و”أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم”، ولكن قوله هذا لم يمنع أبا جعفر المنصور من أن يقول في إحدى خطبه في مكة بعدما انقلبت الخلافة إلى ملك: “أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله وأعمل بمشيئته وإرادته”. وعلى رغم تراجع صور ونظم الحكم تلك فإن ضرورات الممارسة السياسية قادت الدساتير الحديثة إلى تكريس مبدأ “الحصانة” للحاكم أو الرئيس وأعضاء الهيئات الدبلوماسية، وتلك الخاصة بممثلي الأمة والموظفين العموميين. في فرنسا مثلاً، نص الدستور على تأليف “المحكمة القضائية العليا” من 24 عضواً تختار الجمعية الوطنية نصفهم من بين أعضائها ويختار مجلس الشيوخ نصفهم الآخر من بين أعضائه، ويختار أعضاء المحكمة من بينهم رئيساً للمحكمة. وساير الدستور اللبناني نظيره الفرنسي، حيث نصت المادة 60 من الدستور بالصيغة التالية “لا تبعة على رئيس الجمهورية حيال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى. أما التبعة فيما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة”. وأضافت المادة 61 من الدستور “يكف رئيس الجمهورية عن العمل عندما يتهم، وتبقى سدة الرئاسة خالية إلى أن تفصل القضية من قبل المجلس الأعلى”. الحصانة الحكومية يعدد الدكتور المتخصص في القانون الجنائي عاطف النقيب خمس فئات تتمتع بالحصانة التي تشكل قيداً على إقامة الدعوى العامة واستعمالها، وهي الحصانة السياسية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية والوزراء، والحصانة الدبلوماسية، والضمانة الإدارية في جرائم الموظفين الناشئة عن وظائفهم، والحصانة النيابية، والحصانة القضائية، مشيراً إلى أن “بعض الموانع يوقف الملاحقة بصورة موقتة، وبعضها الآخر بصورة نهائية”. ويؤكد النقيب “لا يحق للنيابة العامة، مهما علا شأنها في السلسلة القضائية، أن تقيم الدعوى في حق رئيس الجمهورية في حال ارتكابه جرماً عادياً أو جريمة خرق الدستور أو الخيانة العظمى، إذ يعود أمر اتهامه إلى مجلس النواب. وأساس هذه الحصانة هو الحرص على تأمين استقلال السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية”. أما النائب ممثل الأمة في البرلمان فيتمتع بحصانة مزدوجة إحداهما نهائية شاملة، وهي القاضية بعدم مساءلة النائب جزائياً عما يبديه مدة نيابته من رأي وأفكار، والأخرى ذات مفعول موقت، وهي التي تقيد الملاحقاًت في حق النائب فتنتهي بإجازتها من المجلس النيابي أو بزوال الصفة النيابية أو بانقضاء دورة الانعقاد. الحصانة الدبلوماسية يقرر القانون الدولي “الحصانة الدبلوماسية” لموظفي السلك الدبلوماسي الأجنبي، والغاية من هذا الإعفاء هي تمكين الموظف في السلط الخارجي الأجنبي أن يعمل في جو من الحرية والاستقرار بعيداً من كل المؤثرات وأساليب الضغط التي يمكن أن تنتج من إقامة الدعاوى ضده. وبحسب “اتفاق فيينا” للعلاقات الدبلوماسية المنظمة في الـ18 من أبريل (نيسان) 1961، نصت على حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة، فلا يجوز إخضاعه لأي صورة من صور القبض أو الاعتقال بحسب المادة 29. أما المادة 31 فإن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالإعفاء القضائي في الدولة المعتمد فيها ولدى قضائها الجزائي، فجاء هذا الإعفاء بالنسبة إلى هذا القضاء جامعاً غير مقيد. تحولت الحصانة إلى عائق أمام تحقيق العدالة في مختلف البلدان (موقع بيكسلز) وأوردت المادة 37 من الاتفاق أن موظفي البعثة الإداريين والفنيين يتمتعون بالإعفاء من الملاحقة أمام القضاء الجزائي، إن لم يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها أو المقيمين فيها إقامة دائمة، فيما أكدت المادة 37 من الاتفاق على تمتع مستخدمي البعثة الدبلوماسية الذين ليسوا من مواطني الدولة المعتمد لديها أو المقيمين فيها إقامة دائمة بالحصانة بالنسبة إلى الأعمال التي يقومون بها أثناء أدائهم واجباتهم. فيما يتعلق بالموظفين، فقد يرتكب الموظف جرماً عادياً لا يتعلق بالوظيفة فيلاحق كبقية الأفراد. وقد يقترف جرماً ناشئاً عن الوظيفة فتتوقف على إجازة من السلطة المتخصصة. وبحسب اجتهاد المحاكم، لا يتمتع الموظف بالحماية في حال تجاوز حدود الوظيفة. حدود الحصانة تحولت الحصانة إلى عائق أمام تحقيق العدالة في مختلف البلدان، فقد ساعدت “الحصانة” في تبرئة دونالد ترمب ومعاونين له. وفي لبنان تستخدم ذريعة أمام التهرب من الملاحقة القضائية وتحقيق العدالة. يعبر وزير الداخلية السابق زياد بارود عن معارضته المبدئية لمختلف صور الحصانة، إلا ما هو ضروري لممارسة الوظيفة أو مهمة ما. ويحدد بارود عبر “اندبندنت عربية” الحدود النظرية المقبولة للحصانة، “في وضع النائب، لا بد من تأمين حصانة له من أجل التعبير عن آرائه، وأفكار خلال ولايته، وتحصينه من دعاوى وملاحقات بسبب مواقفه التي قد تعارض السلطة القائمة”، ومن ثم لا يرى موجباً لأي حصانة بموضوع الدعاوى المبنية على جرائم عادية أو جرائم لا ترتبط بممارسة مهامه كنائب. ويتطرق المحامي بارود إلى إثارة الوزراء لمسألة الحصانة لوقف الملاحقات، ويعده “خطأً شائعاً”، لأنه “في لبنان، لا حصانة دستورية للوزير، وإنما هناك ترتيب قضائي خاص، حيث يحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء فيما يتعلق بموجباته الوظيفية لا الجرائم العادية كالشيك بلا رصيد، حيث يجب محاكمته أمام القضاء العادي”. وتكمن المشكلة بحسب الوزير السابق في صيغة المجلس الأعلى الذي “وُلد ميتاً” لأن “آليات التقاضي أمامه معقدة جداً، وتؤدي إلى تعطيل الغاية من وجوده”، مشيراً إلى أنواع خاصة من الحصانة، على غرار حصانة المحامي التي ينص عليها قانون تنظيم مهنة المحاماة الصادر في 1970، وهي “حصانة ليست مطلقة، وإنما لحمايته في معرض ممارسته مهنته حصراً، أما في حال ارتكابه جرائم عادية، فهو لا يمكن الاستفادة من أية حماية”. ويرى أن “هناك اتجاهاً للحد من الحصانات، على سبيل المثال فإن نقابة المحامين تتجه لإعطاء أذونات الملاحقة وعدم عرقلة الإجراءات القضائية”، و”لا بد أن يبقى الاستثناء في حدوده الضيقة”، ذلك أن “الحصانة غير ديمقراطية” من وجهة نظر بارود، منتقداً “وجود مواطن عادي ومواطن أكسترا”.ويوضح بارود أن “الحصانة تعلق الملاحقة، ولا تلغي الجريمة أو تمنع المحاكمة”، و”في حال عدم رفع الحصانة لا يمكن للقاضي إكمال إجراءات المحاكمة موقتاً”، مشدداً على “وجوب النظر إلى الحصانة في تاريخ ارتكاب الجرم، وليس تاريخ الملاحقة”. ويعتقد أن “طلبات الرد التي تستخدم ضد القضاة هي ضمن الإجراءات التي نص عليها قانون أصول المحاكمات المدنية، ولكن المشكلة هي في عدم البت بها على وجه السرعة. وفي لبنان مثلاً، لم تكن المشكلة بتقديم الدفوع، وإنما الفراغ في الهيئة القضائية التي تمتلك صلاحية النظر والبت بتلك الطلبات”. المزيد عن: الحصانةالحصانة السياسيةالحصانة الدبلوماسيةلبنانانفجار مرفأ بيروت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الطوارق بين التهميش الرسمي وصراع من أجل الهوية والوجود next post الموفدة الأميركية تشغل اللبنانيين بتغريدتين: “التثاؤب” و”المخدرات” You may also like المطالب الأميركية الثمانية من سوريا… ماهي، وكيف ردت... 20 أبريل، 2025 آلاف الأميركيين يتظاهرون ضد ترمب 20 أبريل، 2025 أي مصير ينتظر “بلبن” في مصر؟ 19 أبريل، 2025 إيران تعلن البدء في وضع إطار عمل لاتفاق... 19 أبريل، 2025 الموفدة الأميركية تشغل اللبنانيين بتغريدتين: “التثاؤب” و”المخدرات” 19 أبريل، 2025 الطوارق بين التهميش الرسمي وصراع من أجل الهوية... 19 أبريل، 2025 جولة ثانية من المفاوضات النووية وغارات أميركية مدمرة... 19 أبريل، 2025 ضغط لبناني ودولي لنزع السلاح حزب الله.. والقرار... 19 أبريل، 2025 دلالات سعي إيران إلى التقارب الدبلوماسي والعسكري مع... 18 أبريل، 2025 هل تقود جامعة هارفارد أول تمرد كبير ضد... 18 أبريل، 2025