بأقلامهم ندى عبدالصمد تكتب عن: رحلة بشرى عبد الصمد… بين العائلة والصحافة والحزب الشيوعي by admin 3 سبتمبر، 2024 written by admin 3 سبتمبر، 2024 135 والدتها نوال حملت ثقل التربية والمتابعة مع الأولاد. كبرت بشرى وبشار ووفاء بينما كان نديم، أبو بشار، دائم السفر والترحال، فهو القيادي في الحزب الشيوعي الذي تولى باكراً العلاقات الخارجية. وكان كثيراً ما يقيم لأشهر خارج البلاد، لا سيما عندما كانت تشتد الحال، ومنها في اجتياح لبنان عام 1982. درج ميديا / ندى عبدالصمد – صحافية لبنانية قد تكون رغبة بشرى في الغناء الدائم والرقص ومشاركة الناس بها عندما كانت طفلة صغيرة، هي نفسها التي دفعت بشرى الى القول إنها بخير و”ماشي حالها” في إجابتها لمن يصادفها أو يزورها أو يلتقي بها، بينما كانت قد بدأت رحلة العلاج . في بلدتها عماطور في الشوف، أقامت عائلة وأصدقاء ومحبو الصحافية الراحلة بشرى عبد الصمد، التي رحلت الشهر الماضي بعد معاناة مع مرض عضال، حفل تأبين عُرض خلاله جزء من مسيرتها الإنسانية والصحافية. هذه الكلمة ألقيت باسم العائلة، وهي تروي بعضاً من سيرة بشرى وشغفها المهني الذي بدأ منذ الصغر. كنا نجلس بأمر منها كمن يجلس في قاعة مسرح، كانت تلف خصرها بما توافر كي تبدو كراقصة محترفة وتبدأ بالرقص، وأحيانا كثيرة بالغناء مستعينة بأي شي يعطي انطباعاً بأنه مايكروفون. كانت ربما في الخامسة من عمرها أو السادسة، لا أذكر، لكنني أذكر أننا كنا كلما شردنا بانتباهنا عن أدائها كنا ننهر… فأي انسحاب لم يكن مسموحاً قبل أن تنتهي الوصلة. ومن الصور المطبوعة في ذاكرتي، عندما كانت بشرى ربما في الثالثة من عمرها على سطح بيتنا في كركول الدروز، حيث كنا نحن الأولاد نلعب، كانت بشرى لا تزال صغيرة جداً، وفي إحدى المرات رأيناها تجلس هادئة في زاوية من زوايا تلك السطيحة ومعها راديو ترانسيستور صغير، ربما ظنت أنه لعبة فتمسكت به ووضعته على أذنها، تنصت بعينين مفتوحتين، وكأنها تحاول أن تكتشف ما الذي يخرج من هذا الشيء الصغير، كأنها تكتشف البثّ وسحره. لا أدري لماذا لا أتوقف عن تذكّر هذين المشهدين، وقد كررتهما على مسامعها مرات عدة، وكنا نضحك، وكانت أحياناً تقول مازحة كما تفعل دائماً، يا ريت طلعت رقاصة… لكنها اختارت طريق البث وأبدعت. قد تكون رغبة بشرى في الغناء الدائم والرقص ومشاركة الناس بها عندما كانت طفلة صغيرة، هي نفسها التي دفعت بشرى الى القول إنها بخير و”ماشي حالها” في إجابتها لمن يصادفها أو يزورها أو يلتقي بها، بينما كانت قد بدأت رحلة العلاج . فالناس الذين تفاجأوا بوفاتها نتيجة المرض وفاتحونا بالعتب، لم يكونوا فقط لا يعرفون أن بشرى تعاني من هذا المرض، إنما أيضاً أنها قررت أن تتغلب عليه على مدى سنتين أو ثلاث. لكن المعركة انتهت لصالحه وبقينا نحن العارفين بوجوده جالسين كما كانت تفعل بشرى بنا عندما كانت صغيرة، ننتظر نتيجة هذه الوصلة من الرقص مع رياح قاتلة، لكنها استسلمت في تلك الرقصة في توقيت هي وحدها تعرف معناه بالنسبة إليها، ففي مثل هذه الأيام توفي والدها وكأن تعب الشوق أنهكها فارتاحت، كما أن أياماً قليلة تفصلنا عن عيد ميلادها. كوّنت بشرى عائلة جميلة أثمرت صبيتين جميلتين زين ونور، هي وزوجها ربيع الذي كرس كل وقته للتخفيف عنها، فوقفا معاً لإنجاح هذه المؤسسة التي جعلت من سنوات حياتها جميلة، هادئة ورائعة… بشرى هي صغيرتنا وغنوجة نوال ونديم، أم بشار وأبو بشار ووفاء وبشار، أخذت حناناً ودلعاً كبيرين، وأعطت الكثير من الحنان والدلع بدورها الى حد التفاني في محنة والدتها… وكانت أحياناً تقول لي: يحصل أن أمسك الهاتف لأتّصل بها ثم أتذكر وضعها. فوالدتها نوال حملت ثقل التربية والمتابعة مع الأولاد. كبرت بشرى وبشار ووفاء بينما كان نديم، أبو بشار، دائم السفر والترحال، فهو القيادي في الحزب الشيوعي الذي تولى باكراً العلاقات الخارجية. وكان كثيراً ما يقيم لأشهر خارج البلاد، لا سيما عندما كانت تشتد الحال، ومنها في اجتياح لبنان عام 1982. يومها، كان مقيماً في الخارج متنقلاً بين عواصم عربية وأوروبية لوقف الاجتياح وفك الحصار عن بيروت، وأيضاً إمداد الحزب بالسلاح. فالحزب كان الفصيل الأساسي الى جانب منظمة التحرير في صد الاجتياح وصمود بيروت. كان صديق ياسر عرفات وقريباً من فصائل أخرى، منها الجبهة الشعبية، وكانت قضية فلسطين مركزية في نضاله. ولاحقاً، مع تطور الأحداث وانسحاب إسرائيل، انخرط مع التيار السيادي نحو الإصلاح والتغيير ورفع الوصاية. في هذه الأجواء، كبرت بشرى وسرعان ما انخرطت في الحزب الشيوعي. وفي منتصف الثمانينات، وبينما كانت إسرائيل لا تزال تحتل لبنان، وفيما كان الحزب الشيوعي فصيلاً أساسياً في مقاومة هذا الاحتلال، التحقت بشرى بمركز الحزب في الرميلة وانضمت الى فريق العمل الخاص بالمهام السرية والمساندة لعمليات جمول، أي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. فأقامت في ثكنة الرميلة، حيث كانت وفي نفس البقعة الجغرافية إذاعة صوت الشعب حيث كنت اعمل. كنا نلتقي في فترات الاستراحة، ولاحقاً بدأت تشعر برغبة في امتهان الإذاعة. وهكذا كان. دخلت كلية الصحافة وبدأت العمل في صوت الشعب بعدما انتقل مقرها الى بيروت. وبعدها، انتقلت الى العمل في تلفزيون الجديد قبل أن يقرر الحزب الشيوعي التخلّي عنه لأسباب مالية. وكان مشوارها الأطول في قناة الجزيرة، حيث تميزت بهدوئها وموضوعيتها مهما علا الصخب والانحياز ومهما كانت الظروف والتحديات. لم تكن رحلتها في الصحافة من دون آثار، فقد أدركت معنى اضطراب ما بعد الصدمة، وهو اضطراب ينتج من ملامسة قضايا تترك أثراً في نفس الإنسان وتؤثر على صحته النفسية. وكما تعاملت مع مرضها بجرأة المحارب، كانت من القلائل الذين تعاملوا مع هذا الأثر النفسي، وقررت مواجهته لا بل قررت دفعنا جميعاً الى مواجهته. فنظمت حلقات نقاش أخرج الزملاء فيها هذا الوحش الذي كبر في داخلهم ونغّص يومياتها… ثم ومع إطلاقنا منصة بودكاست وترة، أنجزت 15 حلقة مع صحافيين من العالم العربي للتحدث عن هذا الأثر النفسي، وكان ما فعلته فريداً مميزاً يشبهها. لذلك، قررنا أنا وجوسلين، وهي معي ومع بشرى من مؤسسي هذه المنصة، أن نطلق جائزة سنوية تحمل اسمها لأفضل تحقيق، تقرير أو فيديو، عن موضوع اضطراب ما بعد الصدمة. سنعلن عن التفاصيل والقيمة المالية لهذه الجائزة قريباً، تكريماً لبشرى وللإضاءة على هذه المعاناة التي تعالَج بالتصدي لها وتكبر بالصمت عنها. بالنسبة إلينا كعائلة، وقفنا جنباً إلى جنب في السنوات الأخيرة نودّع شخصاً بعد آخر، فودعنا عادل فنديم فمرسيل ونوال، وبالأمس وقفنا الوقفة نفسها من دون بشرى، لا بل لنودّعها، وكان ذلك ولا يزال بمثابة كابوس، ليتنا نستفيق على حقيقة أنه مجرد كابوس عابر. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مدرعتان كاسحتان براً وجواً.. الجيش المصري يكشف الجديد next post Nova Scotia conservation group announces its largest purchase of coastal land You may also like سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024 نادية شادلو تكتب عن: كيف يمكن لأميركا استعادة... 14 نوفمبر، 2024 جهاد الزين يكتب من بيروت عن: تأملات ثقافية... 12 نوفمبر، 2024 نبيل فهمي يكتب عن: وماذا بعد؟ 12 نوفمبر، 2024 ماري ديجيفسكي تكتب عن: لماذا تفادى الناخبون الأميركيون... 12 نوفمبر، 2024 كيف سيتأثر الشرق الأوسط بعودة ترمب؟ 12 نوفمبر، 2024 حشود الميليشيات تهاجم قناة “إم بي سي” السعودية... 8 نوفمبر، 2024 الميليشيات العراقية تحاول التعتيم على دورها في الهجمات... 8 نوفمبر، 2024 عيدو ليفي يكتب عن: الاستفادة القصوى من الوجود... 8 نوفمبر، 2024