ليور زميغرود ثقافة و فنون ندى حطيط تكتب عن «الدّماغ المؤدلج»: حين يكون التطرّف السياسي نتاج البيولوجيا by admin 4 مايو، 2025 written by admin 4 مايو، 2025 10 مشروع واسع في الجامعات الغربيّة للربط بين العلوم السلوكيّة والسياسة الشرق الاوسط / ندى حطيط طرحٌ جريء في علم الأعصاب الاجتماعي تقدّمه الباحثة الملحقة بجامعة كامبردج (بريطانيا) ليور زميغرود في كتابها الجديد «الدماغ المؤدلج*»، حيث تسعى لتفسير ميل بعض البشر إلى الآيديولوجيات المتطرفة انطلاقاً من بنية الدماغ وبيولوجيته، وليس فقط من خلال السياقات الاجتماعية أو الثقافية. ويأتي هذا العمل الذي يندرج ضمن مشروع أوسع في الجامعات الغربيّة للربط بين العلوم السلوكيّة والسياسة في وقت تصاعدت فيه الاستقطابات الحادة، سواء داخل المجتمعات أو عبر الحدود، وبينما يعيد كثيرون طرح السؤال القديم مجدداً: لماذا يصبح بعض الناس أكثر تطرفاً من غيرهم؟ بدأت زميغرود دراستها من مشهد سياسي معاصر، تحديداً من لحظة الانقسام في بريطانيا حول مسألة عضوية الاتحاد الأوروبي ونتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى عام 2016 واعتمدت عليه حكومة حزب المحافظين لتشرع في إجراءات الطلاق من أوروبا (بريكست)، إذ لفتتها المواقف المتصلبة لطرفي الطيف السياسيّ، وتساءلت عمّا إذا كانت نتاج انتهازية سياسية أم عرضاً لجذر أعمق مرتبط بتكوين الأشخاص النفسي والدماغي، لتصل في النهاية إلى استنتاج وحيد – في قلب كثير من التساؤلات أيضاً –: ثمّة جانب بيولوجي ملموس لتموضعات الأفراد السياسيّة. تعتمد زميغرود في مقاربتها على تعريف صارم للآيديولوجية باعتبارها نمط تفكير متصلب يعطل المرونة الإدراكية لصالح نسق مغلق من المعتقدات. وهي في ذلك تعود إلى إرث علم النفس السياسي، وتحديداً أعمال إلسي فرينكل برونسويك وثيودور أدورنو، اللذين سعيا بعد تجربة الحرب العالمية الثانية لفهم السّمات التي تمتلكها «الشخصية الفاشية». لكنها في هذا السياق تذكر مفارقة تاريخيّة بشأن أصل مصطلح «آيديولوجيا»، الذي تقول إن الكونت الفرنسي ديستوت دو تريسي صاغه في إطار بحثه عن كيفية تكوّن المعتقدات. غير أن المصطلح انقلب على رأسه مع الزمن، ليعني الآن عكس ما أراده مبتدعه: الالتزام غير النقدي بالاعتقاد – بدلاً من تحليله -. وبحسب زميغرود، فقد وجدت برونسويك في خمسينيات القرن الماضي، أن الأطفال المتحيزين ليسوا متصلبين في مواقف معرفيّة فحسب، بل يمتد تصلبهم وجمود أفكارهم إلى كل استجاباتهم الإدراكية. وتوسع المؤلفة هذا المنظور باستخدام أدوات علم الأعصاب الإدراكي، كاختبار ويسكونسن لقياس قدرة الأشخاص على التكيف والإبداع، فتظهر بيانات اختباراتها أن الأفراد ذوي التفكير العالي الأدلجة – لا فرق إذا كانوا في اليمين أو اليسار- يميلون بشكل عام إلى الجمود المعرفي، ومحدودية المرونة الذّهنية. على أنّ الطرح الأكثر إثارة في الكتاب يكمن في تتبع زميغرود للرّوابط بين البنية العصبية والميول السياسية. إذ عبر دراسات تصوير الدماغ وتحليل التكوين الجيني، وجدت أن الأشخاص ذوي الميول الآيديولوجية المتطرفة يمتلكون توزيعاً مغايراً لهرمون الدوبامين في أدمغتهم عن الأشخاص الأقل تزمتاً: انخفاض في منطقة قشرة الفص الأمامي (المعنية بالتفكير العقلاني والمرن)، وارتفاع في منطقة وسط الدّماغ المرتبطة بالغرائز والسلوكيات الانفعاليّة الطابع. كما وتبين لها أن الشخصيّات المحافظة غالباً ما تمتلك (لوزة) دماغية أكبر حجماً، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة مشاعر الخوف والاشمئزاز، مما قد يفسر انجذابهم لمواقف تركز على الحفاظ على الأوضاع القائمة والنّظام والتقليد. غير أن المؤلفة تتجنب الحسم، إذ لا يُعرف تماماً ما إذا كانت هذه السمات العصبية وتركيب الأدمغة تسبق الآيديولوجيا أم تنتج عنها. أي، هل تغير معتقداتنا من شكل أدمغتنا؟ أم أن تكوين الدماغ يقودنا إلى اعتناق معتقدات بعينها؟ العلم هنا – وفق زميغرود دائماً – لا يتخذ موقفاً، لكنه يطرح أسئلة فلسفية وعمليّة عميقة حول مفهوم «حرية الإرادة» في السياق السياسي. الكتاب عمل متقدّم في تفكيك ظواهر التطرف والاستقطاب الحاد التي تطبع تعاطي السياسة في هذا المنعطف من التاريخ من الملاحظات اللافتة التي تقدمها زميغرود أن الأشخاص عاليي الأدلجة لا يدركون أنهم أشخاص بطيئو التفكير، بل يعتبرون أنفسهم مندفعين ومحبين للمخاطرة، أي أنهم يجمعون بين صلابة معرفية على المستوى اللاواعي، وسلوكيات متهورة على المستوى الواعي. هذا التناقض يمكن أن يفسر انجذاب المتطرفين إلى الخطابات التي تدعو إلى «النظام» و«سيادة القانون»، بينما يمتعهم في الوقت ذاته تهديم المؤسسات القائمة والنظام الحالي. تجمع زميغرود في تشخيصها للدماغ الآيديولوجي بين المتطرفين على اليمين أو اليسار، وتزعم أن الجمود الآيديولوجي يمكن أن يصيب الجانبين، وتشير إلى أن الأفراد المتحررين من القيود الحزبيّة ويميلون إلى الليبرالية اليسارية غالباً ما يظهرون أعلى درجات المرونة المعرفية، لكنّها تصرّ على أنها لا تدعم تموضعاً سياسياً محدداً يمثل هذا الموقع، بقدر ما توثق حاجة مجتمعاتنا المعاصرة إلى إعادة تأهيل الفضاء العام كحيز للتواضع أمام المعرفة، والانفتاح على الآخر، وتوظيف الجدل في البحث عن حلول فضلى لمشكلات العالم. لكن هذا الطرح يثير بدوره سؤالاً أخلاقياً محوريّاً: هل يمكن للعقل المرن غير المدجج بالآيديولوجيا أن يواجه الاستبداد والفاشية؟ أم أن هذه المرونة نفسها قد تكون مدخلاً للتّراخي والتكيف مع الشر؟ هذا التحدي الفلسفي الذي يطرحه الكتاب – ولا يحسمه – يعيدنا إلى الجدل (في الغرب) حول تجارب الفاشيات في النصف الأول من القرن العشرين وكيف تورط ملايين من الأشخاص العاديين في تنفيذ سياسات أنظمة متطرفة وخاضوا من أجلها حروباً تدميرية لم يسبق لها مثيل في أعداد الضحايا وحجم الخراب. ينطوي الكتاب على نغمة شخصية مؤثرة، إذ تتحدث زميغرود عن أصولها المتعددة والمتوزعة بين اللغات والثقافات والقارات، وتجد أن هذا التعدد هو ما جعلها حساسة للآيديولوجيا كمشروع إقصائي، وعنصر تهديد للهويات المعقدة والهجينة، مما يكسب مشروعها الفكري هذا صيغة نضال إنساني يسعى إلى حماية الفرد من اختزال تكوينه المعقد والمتعدد من قبل التطرفات العقائدية. إن «الدماغ المؤدلج» عمل متقدّم في تفكيك ظواهر التطرف والاستقطاب الحاد التي تطبع تعاطي السياسة في هذا المنعطف من التاريخ، ويمتاز بجمعه الشيّق بين علم الأعصاب والتاريخ والفلسفة السياسية. لكنه في الوقت نفسه، لا يقدّم للقارئ أية إجابات سهلة، بل يورطه في إشكاليات مشرّعة على التفكير حول معاني الحرية، والإرادة، والعيش الأفضل في مجتمعاتنا المعاصرة. *The Ideological Brain: A Radical Science of Susceptible Minds by Leor Zmigrod, Viking, 2025 المزيد عن: أدب كتب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الجيش الإسرائيلي يستدعي آلافاً من جنود الاحتياط You may also like القوة الناعمة العُمانية من سلاسة ناسها إلى سلاسل... 3 مايو، 2025 محمد الحجيري يكتب رواية فشل الحياة على هامش... 3 مايو، 2025 هلا شقير تبحث عن النقطة المضيئة في صميم... 3 مايو، 2025 عندما أراد المفكر الفرنسي بيار بورديو اللجوء إلى... 3 مايو، 2025 «عيون مغلقة على اتساعها»… تحفة كوبريك الأخيرة 2 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: «سفنكس» عُمان 2 مايو، 2025 دراسة تبحث في «الشعر العُماني في العصر البوسعيدي» 2 مايو، 2025 الكوري كيم يونغ ها يرسم روائيا سيرة قاتل... 29 أبريل، 2025 “لعنة لوكريشيا بورجيا” تصيب دونيزيتي صاحب الأوبرات الـ70 29 أبريل، 2025 موسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائي 29 أبريل، 2025