آخر ساعات العالم “الممتعة” بحسب القديس الدنماركي
اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب
ربما يحق لنا أن نقول اليوم إن الخوف الذي يعيشه مئات الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم وهم مسمرّون في بيوتهم، ليس بالشيء الخطير مقابل الرعب الذي عاشه كُثرٌ منهم قبل نحو عشرة أعوام مع اقتراب عام 2012 الذي كانت نبوءات النصابين والعرافين والمنجمين قد حدّدته لحدوث يوم الحشر. ويمكننا أن نتذكر اليوم كيف أن السينما راحت تستخدم في ذلك الحين كل تقنياتها وألاعيبها وحتى ما تيسّر من خزعبلات متاحة لها لتقدم شرائط افترضت من ناحية أن في إمكانها أن تعزز ذلك الرعب وصولاً إلى ما اعتقدته لعبة “تطهير” (كاثارسيس) تخفف من هولِه، وربما تساعد على جعل “النهاية” أخف وطأة، ومن ناحية ثانية أن في إمكانها أن تستفيد مادياً إلى أبعد الحدود من ذلك الرعب قبل أن يتبين أنه رعب ساذج.
أفلام كوارث بالكيلو!
يومها إذاً كثرت أفلام الكوارث المرتبطة بـ”حتمية” مجيء العام الموعود وفي ركابه النهاية الموعودة. وطبعاً نعرف أن لا شيء حصل حينها، وأن الأفلام سرعان ما بدت على حقيقتها: أكاذيب تقنية لا مصداقية لما تقول، حتى إن بدت بعد كل شيء ممتعة مسلية، للصغار على وجه الخصوص، وذلك على عكس ما كان قد حصل في العالم حين دقت قبل ذلك بألف عام ونيف الدقائق الأخيرة من عام 1000 الميلادي الذي كان بدوره موعداً مضروباً لنهايةٍ للعالم متنبيء بها كذلك.
في ذلك الحين كان الرعب أكبر، لكنه لم يكن منتشراً، إذ لم تكن هناك سينما ولا وسائل اتصال جماهيرية ولا تلفزة. كان كل شيء يُلعب يومها في الكنائس – بالنظر إلى أن النبوءة كانت مسيحية – والتي تحولت إلى ندبٍ وصراخٍ وعويلٍ وأهلٍ يحضنون أبناءهم وما إلى ذلك.
صحيح يومها أن الرعب سرعان ما زال بعد مرور دقائقٍ لم ينته فيها العالم، بيد أن كُثراً من ناس طيبين، وساذجين أيضاً بقوا مرعوبين لسنوات قبل أن يضربوا موعداً مع كارثة النهاية بعد ألف عام باعتبار أن “الدنيا تؤلف ولا تؤلفان” كما يفيدنا حسٌ شعبيٌّ!
ولنعد هنا إلى زمننا الحاضر، وتحديداً إلى العام ونصف العام اللذين سبقا النهاية الجديدة المفترضة، ولنتوقف تحديداً عند سينمائي ما كان يمكنه إلا أن يدلي بدلوه في المناسبة هو الذي اعتاد في أفلامه أن يدنو من المسائل الشائكة بحس إبداعي لا يُضاهى، وبشيء من سخرية قد لا تكون على رؤوس الأشهاد. هو الدنماركي لارس فون ترير الذي لا شك أنه اليوم أشهر مبدعي بلاده على الصعيد العالمي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وعُرف على وجه الخصوص بأن من المستحيل عليه أن يصنع سينماه كما يصنع الآخرون سينماهم. من هنا كان طبيعياً أن يدنو بشكل مغاير تماماً من الموضوع “نفسه”، موضوع نهاية العالم، في فيلم حققه ليعرض في مسابقة مهرجان كان السينمائي الرسمية في عام 2011 كتمهيد لتَواكبِه عما قريب مع كارثة النهاية.
يتحدث فيلم ترير هذا عن نهاية العالم إنما من خلال عرس فتاة. ونهاية العالم هنا بالمعنى الحرفي للكلمة. الفتاة صاحبة العرس هي جوستين إحدى شقيقتين ينقسم زمن الفيلم بينهما بالتساوي، حيث إنه يتألف من قسمين يحمل أولها اسم جوستين عنواناً له، فيما يحمل الثاني اسم الشقيقة الأخرى كلير.
في القسم الأول لدينا العرس بدءاً من توجه جوستين إلى القصر العائلي الفخم والمنعزل، حيث يقام الاحتفال وسط صخب العائلة والأصدقاء، لكن العروسين سيصلان متأخرَيْن لأن السيارة “الليموزين” المبالغ في طولها على الطريقة الأميركية تعجز عن الالتفاف وسط طرق الغابات، ولكن هذا التأخير الذي يقلق الجميع في الانتظار لا يبدو أنه يثير قلق العروس نفسها، فهي منشغلة البال بعِدة أمور يبدو أن زواجها أقلها أهمية، أما الأكثر أهمية فهي نهاية العالم إذ نراها تتمسك بما بات البعض يتوقعه من اصطدام حتمي لكوكب آت من الفضاء الخارجي يدعى “ميلانكوليا” أي “الكآبة” على اسم لوحة شهيرة للرسام ألبريخت دورر، بكوكب الأرض.
اقرأ المزيد
بالنسبة إلى المتوقعين سيكون الاصطدام خلال أيام وسيقضي على العالم كله. وطبعاً لن يأخذ أحد، باستثناء جوستين، الأمر على محمل الجدية. بل إن جوستين نفسها لا تبدو مرتعبة، فهي أصلاً امرأة تتوق إلى النهاية ومن دون أن يخلّف هذا لديها أية مرارة، فتتصرف على سجيتها في الاحتفال وتراقب أحوال من حولها ولا سيما ما يدور بين والديها المطلقين (الأب عابث شديد السخرية والأم صارمة إلى حد كبير) والسخافات التي يقترفها رب عملها المدعوّ إلى الاحتفال، وسمات الشر البادية لدى صهرها زوج كلير، ولا سيما تصرفاته التي تبدو على عكس جوستين محبة للحياة معتقدة أنها ستدوم إلى الأبد.
نهاية هادئة وشخصية!
في القسم الثاني من الفيلم وهو المتركز، إلى حد ما، حول كلير، سينقلب هذا كله: تدور أحداث هذا القسم بعد أيام من العرس الذي أخفق. الآن بات واضحاً أن جوستين كانت محقة في تصديقها النبوءة فالكوكب القاتل يقترب ولم تعد تفصل الأرض عن النهاية سوى أيام قليلة. وبالطبع هنا، لأننا في فيلم لمخرج كبير ولسنا في واحد من تلك الأفلام الخرافية العلمية الأميركية التي تصوّر نهايات متخيلة صاخبة للعالم مع مؤثرات بصرية ضخمة وألوف الكومبارس وشتى آيات الخراب والصراخ والدماء وما إلى ذلك، ولأننا في فيلم تأملي عميق، لن نرى النهاية إلا بصورة هادئة من خلال شخصيات في حديقة القصر تحت كوخ خشبي بسيط بني تحقيقاً لرغبة الفتى ابن كلير.
غير أن هذا كله ليس هو المهم هنا. المهم بالنسبة إلى الفيلم “دراسة” رد فعل الأختين على ذلك الحدث قبل وقوعه، فإذا كانت جوستين تتقبل الأمر منذ البداية – أي في القسم الأول من الفيلم، على الأقل – بشيء من الهلع والاكتئاب فيما أختها تسرّي عنها نافية التوقّع مقبلة على الحياة. فجوستين تقدّم إلينا منذ البداية حبورة حنوناً تعيش حياتها بهدوء على عكس كلير التي تبدو خلف قناع الحبور قلقة متطرفة في ردود فعلها. وسنفهم بالتدريج أنها ليست خائفة من النهاية بقدر ما هي قلقة من عدم حدوث النهاية المتوقعة. أما القلبة التي تحدث في الجزء الثاني، فهي في الأساس تطاول تصرّف الشقيقتين، إذ هنا وأمام النهاية الحتمية تبدو هذه النهاية منشودة دافعة إلى هدوء تأملي مريح لدى جوستين وإلى رعب حقيقي في المقابل لدى كلير.
متعة الكارثة من مبدع مختلف
واضح هنا أن كلاً من الشقيقتين تمثل جانباً من تناقضاتنا الداخلية ليس فقط إزاء حدث حاسم كهذا الحدث الكبير. أما السؤال الوجودي الذي يبني عليه المخرج/الكاتب فيلمه كله فإنه يكمن ها هنا: في تعلقنا بالحياة أو بالموت وفي عبثية هذا كله. في عبثية الوجود الإنساني. غير أنه من الصعب أن نبحث في فيلم لفون ترير عن معنى أو عن مغزى أخلاقي، فالحقيقة هي أنه ومهما كان من شأن هذا المعنى وعمقه الفلسفي وأسئلته الحاسمة، يظل الأساس بالنسبة إلى سينما فون ترير أساس فرجة وإن حمّل هذه الفرجة قلقاً واعتراضات وصراعات واستفزازات صارت كلها علامات على سينما تريد في كل فيلم وليس في المنظومة المتكاملة للمبدع ككل، أن تعيد بناء الكون والأسئلة الكبرى (أخلاقية كانت أو وجودية أو جمالية أو فلسفية) من جديد. إنها سينما تريد أن تحلّ نفسها بديلة للإبداع البشري ككل في كل فيلم.
ولعل الغريب في هذا الفيلم هو أن “نهاية العالم” تحدث فيه بالفعل وسيصطدم الكوكب الدخيل بكوكبنا ويدمّره، ولكن لن يشهد الحادث الجلل سوى امرأتين وصبي احتموا تحت كوخ وهمي مؤلف من بضع قطع من الخشب، ولكن في مشهد أخّاذ وعلى وقع موسيقى تجعل نهاية العالم بسيطة حنونا ورائعة الحسن. أفلم نخبركم أعلاه أن فون ترير لا يفعل أبداً كالآخرين؟
المزيد عن: فون ترير/نهاية العالم/الدنمارك/أفلام الكوارث/مهرجان كان السينمائي
43 comments
browse tinder for free , tider https://tinderdatingsiteus.com/
free dating sites https://freedatingsiteall.com
lovoo icebreaker umgehen lovoo windows 10 http://lovooeinloggen.com/
dating site totally free
free online dating sim http://freedatingfreetst.com/
beckyoconnor77 adult dating profile
personals adult dating http://freeadultdatingusus.com/
You’ve gotten possibly the best online websites. https://datingsitesfirst.com/
Exceptionally individual friendly site. Immense info available on few clicks on. https://datingonlinecome.com/
Seriously this is a advantageous web site. https://onlinedatingtwo.com/
say thanks to so a lot for your web site it helps a great deal. https://datingsitesover.com/
The data is quite significant. https://onlinedatinglook.com/
You’ve gotten one of the best web pages. https://ketorecipesnew.com/
Maintain the remarkable work !! Lovin’ it! http://ketodietione.com/
You’ve got one of the best internet sites. https://ketodietplanus.com/
Great web site you have here.. It’s hard to find good quality writing like yours these days. I really appreciate people like you! Take care!!
This design is spectacular! You certainly know how to keep a reader entertained. Between your wit and your videos, I was almost moved to start my own blog (well, almost…HaHa!) Great job. I really enjoyed what you had to say, and more than that, how you presented it. Too cool!
Hi there friends, good piece of writing and good arguments commented here, I am actually enjoying by these.
Good day! This is my 1st comment here so I just wanted to give a quick shout out and tell you I genuinely enjoy reading through your articles. Can you suggest any other blogs/websites/forums that deal with the same subjects? Thanks a ton!
One of the leading academic and scientific-research centers of the Belarus. There are 12 Faculties at the University, 2 scientific and research institutes. Higher education in 35 specialities of the 1st degree of education and 22 specialities.
Good respond in return of this issue with real arguments and describing everything regarding that.
Having read this I thought it was extremely informative. I appreciate you taking the time and effort to put this information together. I once again find myself spending a significant amount of time both reading and leaving comments. But so what, it was still worth it!
Good post however , I was wondering if you could write a litte more on this topic? I’d be very grateful if you could elaborate a little bit more. Bless you!
Heya i’m for the primary time here. I came across this board and I find It truly useful & it helped me out a lot. I am hoping to provide something back and help others like you helped me.
Hi I am so excited I found your blog page, I really found you by error, while I was browsing on Askjeeve for something else, Regardless I am here now and would just like to say kudos for a incredible post and a all round exciting blog (I also love the theme/design), I don’t have time to read through it all at the minute but I have book-marked it and also added in your RSS feeds, so when I have time I will be back to read much more, Please do keep up the excellent job.
This website was… how do I say it? Relevant!! Finally I have found something that helped me. Thank you!
Hi, i feel that i saw you visited my website so i got here to go back the favor?.I am trying to find things to improve my website!I guess its ok to use some of your concepts!!
you are in point of fact a good webmaster. The web site loading velocity is incredible. It sort of feels that you are doing any unique trick. In addition, The contents are masterpiece. you have performed a magnificent task in this matter!
Wow that was strange. I just wrote an very long comment but after I clicked submit my comment didn’t show up. Grrrr… well I’m not writing all that over again. Anyway, just wanted to say wonderful blog!
wonderful issues altogether, you just gained a logo new reader. What could you suggest in regards to your submit that you made a few days ago? Any sure?
I loved as much as you will receive carried out right here. The sketch is tasteful, your authored subject matter stylish. nonetheless, you command get bought an impatience over that you wish be delivering the following. unwell unquestionably come further formerly again since exactly the same nearly a lot often inside case you shield this increase.
Excellent post however , I was wondering if you could write a litte more on this topic? I’d be very grateful if you could elaborate a little bit more. Thanks!
Hi there! I know this is kinda off topic however I’d figured I’d ask. Would you be interested in exchanging links or maybe guest writing a blog article or vice-versa? My website addresses a lot of the same subjects as yours and I feel we could greatly benefit from each other. If you might be interested feel free to send me an e-mail. I look forward to hearing from you! Excellent blog by the way!
Actually no matter if someone doesn’t understand after that its up to other viewers that they will help, so here it occurs.
Incredible! This blog looks exactly like my old one! It’s on a entirely different topic but it has pretty much the same layout and design. Great choice of colors!
“Строительство автомойки под ключ” гарантирует высокую отдачу от инвестиций. Начните свой путь к успешному бизнесу с нами!
Выбирая франшизу автомойки, вы получаете готовый бизнес-план, маркетинговую поддержку и постоянное обновление технологий.
Франшиза автомойки – это возможность стать частью успешной сети с готовым бизнес-планом и маркетинговой поддержкой на всех этапах работы.
This is a topic that is close to my heart… Cheers! Where are your contact details though?
Fantastic website you have here but I was curious about if you knew of any discussion boards that cover the same topics talked about in this article? I’d really love to be a part of group where I can get comments from other knowledgeable individuals that share the same interest. If you have any recommendations, please let me know. Thanks a lot!
Франшиза автомойки позволяет предпринимателям использовать уже известный на рынке бренд и проверенную бизнес-модель для создания прибыльного дела с минимальными рисками.
Such a well-structured and engaging article. Thank you!
Hello! Someone in my Myspace group shared this site with us so I came to give it a look. I’m definitely enjoying the information. I’m book-marking and will be tweeting this to my followers! Great blog and excellent style and design.
Hi there, its pleasant article concerning media print, we all understand media is a impressive source of information.
It’s really a nice and helpful piece of information. I’m satisfied that you simply shared this helpful info with us. Please stay us informed like this. Thanks for sharing.