جنود روس يمشون عسكرياً في موسكو، مايو 2024 (رويترز) بأقلامهم ميخائيل زيغار يكتب عن: كيف تكيفت النخب الروسية مع الحرب؟ by admin 3 يوليو، 2024 written by admin 3 يوليو، 2024 121 نجاحات موسكو العسكرية أضعفت الجماعات المعارضة للكرملين اندبندنت عربية / ميخائيل زيغار ميخائيل زيغار كاتب عمود في مجلة دير شبيغل، ورئيس التحرير المؤسس للقناة التلفزيونية الروسية المستقلة “تي في رين”، ومؤلف كتاب “الحرب والعقاب: بوتين وزيلينسكي والطريق إلى الغزو الروسي لأوكرانيا”. عندما بدأت الحرب في أوكرانيا، أصيبت النخبة الروسية بالذهول. ومع فرض الغرب العقوبات وحظر السفر، أصبح المواطنون الأثرياء وأصحاب النفوذ السياسي في روسيا مقتنعين بأن أسلوب حياتهم القديم انتهى إلى غير رجعة. وسرعان ما تزايدت الخسائر في ساحة المعركة، مما دفع كثيرين إلى اعتبار هذا الغزو خطأ كارثياً. وفي محادثة هاتفية تسربت في أبريل (نيسان) قال الرئيس السابق لأكبر شركة بناء سفن في البلاد رومان تروتسينكو لرجل أعمال آخر “لقد سقطت روسيا التي نحبها بشدة في أيدي الحمقى، إنهم يتمسكون بأيديولوجيات غريبة ومتخلفة تعود للقرن التاسع عشر. وهذا لن ينتهي على خير، بل سيؤدي إلى كارثة”. وفي محادثة مسربة أخرى، وصف المنتج الموسيقي الشهير يوسف بريغوجين (لا صلة بينه وبين يفغيني بريغوجين) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومته بـ”المجرمين اللعينين”، وخلال الغزو رفض بعض الأوليغارشيين الذين كانوا في الخارج العودة لروسيا، بمن في ذلك ميخائيل فريدمان، صاحب أكبر مصرف خاص في البلاد. لكن الوضع في ذلك الوقت كان مختلفاً، وعلى مدار عام 2023 بدأت النخب تظهر تأييداً للحرب. فزاد عدد الموسيقيين الذين سافروا لأداء عروضهم في الأراضي المحتلة، وفي أكتوبر (تشرين الأول) عاد فريدمان لموسكو من لندن، بعد أن قرر أن الحياة في الغرب في ظل العقوبات لا تطاق، وأن الوضع في روسيا مريح نسبياً بالمقارنة مع الوضع في الخارج. ولم تصدر أي تسجيلات جديدة للأوليغارشيين يتذمرون فيها من الحرب، حتى أنه أصبح من الصعب الآن تصور وجود مثل هذه المحادثات. في الواقع حدث هذا التحول لأن النخب الروسية تعلمت أن تتوقف عن القلق في شأن الصراع، لقد استنتجوا أن الغزو، حتى لو لم يدعموه بشكل صريح ومباشر، هو حقيقة يمكن التعايش معها. ونتيجة لذلك فإن احتمال تحديهم لقرارات الكرملين، الذي لطالما كان ضئيلاً، تلاشى تماماً. وعوضاً عن مناقشة ما إذا كانت ستقدم الدعم لبوتين، تركز النخب الروسية الآن على سؤال مختلف يتمحور حول الطريقة التي يمكن إنهاء الحرب فيها. والإجابات التي يقدمونها متباينة، يعتقد بعضهم أن تحقيق فوز كبير في ساحة المعركة قد يسمح لبوتين بإعلان تحقيق نصر جزئي، وبالتالي إيقاف الحرب موقتاً، في حين يعتقد بعضهم الآخر أن بوتين لن يتوقف إلى أن يصل إلى كييف. وبعضهم على قناعة بأن ما يهم بوتين حقاً هو المواجهة مع الغرب، وليس النصر في أوكرانيا، لذا فإنه سيهاجم دولة أخرى في أوروبا بصرف النظر عما قد يحدث في الصراع الحالي. لكن أقلية من المتشائمين يؤكدون أن أساس السؤال بحد ذاته خاطئ. فمن وجهة نظرهم تتماشى الحرب مع مصالح بوتين السياسية، وبالتالي فهو سيواصل القتال طالما أنه على قيد الحياة. كيف تعلموا التوقف عن القلق هناك أسباب متعددة دفعت النخب الروسية إلى تبديل مواقفها ودعم بوتين، السبب الأول هو أنهم أصبحوا أكثر حذراً وسط حملة القمع التي تشنها موسكو على المعارضين، وهناك سبب آخر ذات صلة وهو إدراكهم أن الاحتجاج لا جدوى منه. ولكن ربما يكون السبب الأهم وراء التغيير في نهجهم هو أنهم بدأوا ينظرون إلى الغزو بطريقة مختلفة تماماً، في الوقت الحالي هم يعتقدون أن روسيا تنتصر، ففي نهاية المطاف تحقق موسكو مكاسب ميدانية ثابتة، وإن كانت بطيئة، في ساحة المعركة. في المقابل أوكرانيا منهكة وأقل تسلحاً من روسيا، وتعمل في ظل نقص كبير في القذائف المدفعية، بطريقة موازية يشهد الدعم الغربي لكييف تراجعاً، مما يهدد قدرة أوكرانيا على الوصول إلى الإمدادات العسكرية. قال لي أحد الأوليغارشيين الروس، الذي انتقد الحرب في السابق ولكن يبدو أنه تقبلها الآن: “أن تكون فائزاً ومنبوذاً أفضل من أن تكون خاسراً ومنبوذاً”. (وقد تحدث، مثله مثل غيره، بشرط عدم الكشف عن هويته، حفاظاً على سلامته). وأشار الأوليغارشي إلى أن كل شيء في روسيا تغير: المواقف تجاه بوتين، ووجهات النظر في شأن أوكرانيا، والآراء إزاء الغرب، وأضاف: “يجب أن ننتصر في هذه الحرب، وإلا فلن يسمحوا لنا بالعيش. وبطبيعة الحال، ستنهار روسيا”. ومع هذا التحول في المنظور يناقش الأوليغارشيون الآن الشروط التي قد تشكل انتصاراً في أوكرانيا، بالنسبة إلى المتفائلين نسبياً فإن أي هجوم كبير ناجح سيكون كافياً، وتعتبر هذه النخب أن مثل هذا النصر من شأنه أن يرضي بوتين ويكسر إرادة أوكرانيا في تحرير مزيد من الأراضي، حتى لو لم يمنع ذلك البلاد من الدفاع عما تبقى لها، وهم يعتقدون أن الهدف الأكثر احتمالاً لهذا النوع من الهجوم هو خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا. أن تكون فائزاً ومنبوذاً أفضل من أن تكون خاسراً ومنبوذاً في الحقيقة إن الهجوم الشامل على خاركيف سيكون أمراً مروعاً، فهذه المدينة التي كانت عاصمة أوكرانيا من عام 1919 إلى عام 1934، شكلت ذات يوم مركزاً نابضاً بالحياة للثقافة والعلوم والتعليم باللغتين الأوكرانية والروسية قبل بدء الحرب. وإذا حاولت روسيا الاستيلاء عليها، فستواجه خاركيف تدميراً شبه كامل لبنيتها التحتية المتبقية، مما يؤدي إلى هجرة سريعة للسكان، إذ سيصبح من المستحيل الحفاظ على الخدمات الأساسية المحدودة بالفعل، وسيتعين على الأشخاص الذين يبقون هناك أن يعيشوا تحت الاحتلال الروسي. ولكن على رغم فظاعة هذا السيناريو، إلا أنه يمثل الخيار الأقل فظاعة الذي تفضله النخبة في روسيا. ووفقاً لأحد رجال الأعمال الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة مع الكرملين، فإن بوتين لن يكتفي بمجرد الفوز بشمال شرقي أوكرانيا. والنتيجة الوحيدة التي سيقبل بها هي الاستيلاء على كييف. في الواقع يشعر بوتين بارتباط عميق وشبه غامض بالعاصمة الأوكرانية، التي يعتبرها مهد الحضارة الروسية. ولدى بوتين ولع خاص بدير “كييف بيشيرسك لافرا” (دير الكهوف في كييف)، وهو دير أرثوذكسي قديم قضى فيه معظم وقته تقريباً خلال زيارته الرسمية الأخيرة للمدينة، عام 2013. والدير هذا هو مثوى عدد كبير من القديسين الروس المبجلين والشخصيات التاريخية، بمن في ذلك رئيس الوزراء الروسي في العهد القصيري بيوتر ستوليبين، الذي يقدره بوتين بشدة، حتى أنه أمر ببناء تمثال له، وهو مشيد حالياً بالقرب من الكرملين. ورغبته في الحفاظ على الدير قد تفسر لماذا تجنبت روسيا قصف كييف بشكل كثيف كما فعلت في مدن أوكرانية أخرى. (وتجدر الإشارة إلى أن وزير الدفاع الروسي الجديد أندريه بيلوسوف، المتدين بشدة، لديه أيضاً علاقة قوية مع دير كييف). إذا شنت روسيا حملة ثانية للاستيلاء على العاصمة الأوكرانية، فمن المرجح أن يبدأ الجيش هجومه من بيلاروس، مثلما فعل في شتاء عام 2022. وعلى غرار ما حدث آنذاك، من المحتمل أن يشمل ذلك تقدم القوات الروسية عبر الأراضي القاحلة المشعة حول محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية. لكن كثيرين في موسكو يعتقدون أن بلادهم يمكن أن تحقق النصر هذه المرة، إذ إن الجيش الروسي أصبح أقوى في حين أن احتياطيات أوكرانيا تضاءلت. من وجهة نظر النخب الروسية، فإن الأوكرانيين ببساطة مرهقون إلى حد يجعلهم غير قادرين على تنظيم دفاع شرس مرة أخرى. لا مفر بالنسبة إلى بوتين، فإن الحرب في أوكرانيا لا تتعلق فحسب، أو حتى في المقام الأول، بأوكرانيا نفسها. في الواقع يؤكد المقربون من الرئيس الروسي أنه ينظر إلى الغزو باعتباره مجرد جبهة واحدة في الصراع مع الغرب، وهذا يعني أن نجاح روسيا في ساحة المعركة قد لا يكون كافياً لإرضاء بوتين. ومن أجل هزيمة خصومه الحقيقيين، في بروكسل وواشنطن، قد يشعر أنه في حاجة إلى مهاجمة أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي. ووفقاً للنخب الروسية فإن الهدف الأكثر ترجيحاً هو إستونيا أو لاتفيا: الدولتان البلطيقيتان اللتان تضمان أقليات روسية كبيرة، وستتبع موسكو مخططات واستراتيجيات مألوفة، أولاً سيقوم أعضاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بإقناع المتحدثين باللغة الروسية في أحد البلدين بالادعاء بأنهم يتعرضون للاضطهاد من حكومة النازيين الجدد، وأنهم بحاجة إلى مساعدة الكرملين. ورداً على ذلك ستعبر القوات الروسية الحدود وتسيطر على بلدات في الجزء الشرقي للدولتين، على غرار مدينة نارفا الإستونية ذات الأغلبية الناطقة بالروسية. وهذا الاستيلاء على الأراضي سيشكل تحدياً بالغ الأهمية لحلف شمال الأطلسي القائم على مبدأ أساسي مفاده بأن أي هجوم على أحد أعضائه، مهما كان صغيراً، يعد هجوماً على جميع أعضائه. ومن خلال الاستيلاء على نارفا، سيختبر بوتين ما إذا كان الحلف مستعداً حقاً للمخاطرة بحرب عالمية ثالثة من أجل بضعة أميال مربعة على الحدود الروسية. في الماضي لم تكن لدى النخب الروسية رغبة كبيرة في المخاطرة بنشوب صراع نووي، بيد أن عدداً كبيراً منهم أصبح مقتنعاً الآن بأن حلف شمال الأطلسي لن يجرؤ على الرد. وهم يرون أن الغرب منهك ومنقسم، وبالتالي أقل اهتماماً بالصراع ضد روسيا. واستطراداً إنهم يعتقدون أن الرئيس الأميركي جو بايدن والزعماء الأوروبيين ضعفاء، وفي هذا السياق فإنهم يظنون أن “الناتو” لن يتحد دفاعاً عن دولة عضو تتعرض للهجوم. وبدلاً من ذلك تعتقد النخب الروسية أن حلف شمال الأطلسي ستعمه حالة من الذعر والفوضى إلى درجة تمنعه من فعل شيء يذكر، مما قد يدمر صدقية الحكومات الغربية. ليس جميع من في روسيا يعتقدون أن الحرب ستنتهي إذا فاز ترمب قد يكون استفزاز من هذا النوع مفيداً بشكل خاص لروسيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وربما يعتقد الكرملين أن مثل هذه الأزمة من شأنها أن تقوض تماماً فرص فوز بايدن. فأي فشل في التعامل بفعالية مع حالة طوارئ في البلطيق يمكن أن يظهر الرئيس الأميركي بصورة الضعيف وغير الكفء، ويثبت ادعاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بأن الناتو عفا عليه الزمن. وبطبيعة الحال قد يحاول بوتين أيضاً إضعاف بايدن من دون مهاجمة دول البلطيق، في الواقع تعتقد معظم مصادري أن بوتين قادر على توجيه ضربات للرئيس وتقويضه بمجرد كسب مزيد من المعارك في أوكرانيا، وأن هذا هو على وجه التحديد ما سيحاول القيام به. ويريد الكرملين إضعاف بايدن حتى يتمكن ترمب من الفوز، نظراً إلى الولع الصريح الذي يكنه هذا الأخير لروسيا. إذ وعد ترمب، على سبيل المثال، بإنهاء الحرب في أوكرانيا “في غضون 24 ساعة” إذا فاز في الانتخابات. لكن ليس جميع من في روسيا يعتقدون أن الحرب ستنتهي إذا فاز ترمب، ويظن بعضهم أن الصراع سيستمر في أي حال. وبحسب ما أخبرني به رجل أعمال مقرب من الكرملين، أصبح بوتين مولعاً للغاية بالحرب، مما ساعده في تعبئة المجتمع، وسجن بعض المنشقين، وقتل آخرين، وإجبار أغلب الباقين على الخروج من البلاد. علاوة على ذلك أدت الحرب إلى توحيد النخب التي تشعر الآن بأنها غير مرغوب فيها في الغرب، وترى في بوتين أملها الوحيد في حياة كريمة، ونتيجة لذلك فإن الغزو يعني أن الضغوط على بوتين أصبحت الآن أقل من أي وقت مضى. إن فكرة الحرب التي لا نهاية لها في أوكرانيا ترعب أهل النخبة في روسيا، الذين ما زالوا يأملون في انتهاء الغزو، إنهم يحلمون بالعودة في أسرع وقت ممكن لحالة السلم التي كانت قائمة في الـ23 من فبراير (شباط) 2022، لكنهم في الوقت الحالي يحافظون على الصمت ولا يرون طريقاً للعودة. مترجم عن “فورين أفيرز”، الـ28 من يونيو (حزيران) 2024 المزيد عن: فورين أفيرزالغزو الروسي لأوكرانيابوتينالنخب الروسيةأوكرانيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كلام زكي عن “حزب الله” ثم التوضيح… اجتهاد شخصي أم اختبار؟ next post الشرطة الدنماركية تعثر على نحو طن من المتفجرات You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024