جندي روسي بجوار أنظمة صواريخ أرض جو في قاعدة "حميميم" العسكرية الروسية في سوريا (أ ف ب) X FILEعرب وعالم موطئ روسيا على “المتوسط” يصارع موج الاحتمالات by admin 10 ديسمبر، 2024 written by admin 10 ديسمبر، 2024 27 ما يشغلها الآن هو كيفية تنفيذ انسحاب عسكرييها من قاعدتي “طرطوس” و”حميميم” بلا خسائر اندبندنت عربية / سعيد طانيوس كاتب لبناني الظروف الراهنة تقتضي أن يتم التخلي عن كل شيء أنشئ بهذه الصعوبة وبمثل هذه الكلف المادية الهائلة (تم نقل كثير منه بالطائرات). وبعبارة أخرى، لقد بنوا، وخلقوا، وعززوا. والآن أصبح كل شيء في مهب الريح. لخص مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف سبب استقبال بلاده للرئيس السوري الفار بشار الأسد وعائلته في موسكو، بالقول إن روسيا الاتحادية لا تخون أصدقاءها في المواقف الصعبة، وهي في هذا تختلف عن الولايات المتحدة. وفي يوم الأحد الماضي 8 ديسمبر (كانون الأول) الجاري صرح مصدر في “الكرملين” بأن الأسد وأفراد عائلته وصلوا إلى موسكو، وقد قدمت لهم روسيا حق اللجوء لاعتبارات إنسانية. وأشار أيضاً إلى أن المسؤولين الروس على اتصال بممثلي المعارضة السورية المسلحة التي يضمن قادتها أمن القواعد العسكرية والمؤسسات الدبلوماسية التابعة للاتحاد الروسي في سوريا. وفي ما كانت مجموعة من المعارضين السوريين تقتحم مبنى السفارة السورية في موسكو من دون أي تدخل من الشرطة، وتقوم برفع علم المعارضة على شرفتها يوم 9 ديسمبر، قال السكرتير الصحافي للزعيم الروسي ديمتري بيسكوف للصحافيين إن قرار منح اللجوء للرئيس السوري السابق بشار الأسد وعائلته في روسيا الاتحادية لا يمكن أن يتخذه إلا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف، “بالطبع، لا يمكن اتخاذ مثل هذه القرارات من دون رئيس الدولة. إنه قراره”، موضحاً “لكن في هذه الحال ليس لدي ما أقوله حول هذا الأمر”، من دون التعليق على حقيقة ما إذا كان هذا اللجوء قد تم توفيره بالفعل أم لا. صار إجلاء القواعد الروسية من سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد أمراً وارداً بقوة (أ ف ب) في الوقت نفسه أشار ممثل “الكرملين” إلى عدم وجود تصريحات رسمية بهذا الشأن، وقال “أمس [في وسائل الإعلام] كانت هناك معلومات نقلاً عن مصدر”. وأكد بيسكوف مرة أخرى، “ليس لديَّ ما أقوله حول هذا الموضوع الآن”. وأجاب عن السؤال المتعلق بمكان وجود الأسد بالطريقة نفسها. أما بالنسبة إلى احتمال إجراء اتصالات بين بوتين ورئيس النظام السوري السابق، فوفقاً لبيسكوف، “لا يوجد مثل هذا اللقاء في الجدول الرسمي للرئيس”. وهنا يطرح سؤال محرج وخطر: هل منح بوتين حق اللجوء لأسباب إنسانية للأسد وأفراد عائلته بعد وصولهم إلى موسكو؟ أم أن بوتين وقيادته ينتظرون موقف القيادة السورية الجديدة من روسيا ومن قواعدها العسكرية في سوريا لبيبنوا على الأمر مقتضاه ويقرروا مدى جدوى منح الأسد حق اللجوء، ولو لدواعٍ إنسانية؟ وصار إخلاء القواعد الروسية من سوريا وسحب موسكو لقاعدتين عسكريتين استراتيجيتين لها هناك بعد سقوط نظام بشار الأسد أمراً وارداً بقوة عقب سيطرة المعارضة السورية التي شاركت في محاربتها على البلاد، وبذلك ستفقد روسيا ميناءها الوحيد المطل على البحر الأبيض المتوسط، الذي استخدمته منذ العهد السوفياتي. إخلاء غير معلن واعتبر “الكرملين” أن من السابق لأوانه الحديث عن الحفاظ على وجوده في سوريا. وأعلن السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف عن “محادثة جادة” حول الوجود العسكري الروسي في سوريا مع السلطات المستقبلية. ووفقاً له فإن الجيش الروسي يتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان الأمن. وقال السكرتير الصحافي للرئيس بوتين إن الوجود العسكري الروسي في “حميميم” و”طرطوس” هو موضوع “محادثة جادة” مع السلطات المستقبلية في سوريا، بينما تعبر البلاد الفترة الانتقالية في الوقت الراهن. وأضاف، “من السابق لأوانه الحديث عن هذا على أية حال، هذا كله موضوع للنقاش مع من سيكون في السلطة في سوريا. الآن نرى مثل هذه الفترة من التحول وعدم الاستقرار الشديد، لذلك، بالطبع، سيستغرق الأمر بعض الوقت، وبعد ذلك ستكون هناك حاجة لإجراء محادثة جادة مع أولئك الذين سيتولون السلطة”. ووصف بيسكوف مسألة الإجراءات الأمنية للقواعد العسكرية الروسية في سوريا بأنها مهمة للغاية، “بالطبع، يتم الآن القيام بكل ما هو ضروري، وكل ما هو ممكن من أجل التواصل مع أولئك الذين يمكنهم توفير الأمن”، مختتماً كلامه قائلاً “وبالطبع فإن جيشنا يتخذ أيضاً جميع الاحتياطات اللازمة”. ويوجد الجيش الروسي في سوريا في قاعدة “حميميم” الجوية وفي القاعدة اللوجيستية في “طرطوس”، التي تقع في الجزء الغربي من الجمهورية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 2017 اتفقت موسكو ودمشق على تمركز قوات روسية في هذه القواعد لمدة 49 عاماً. اعتبر “الكرملين” أن من السابق لأوانه الحديث عن الحفاظ على وجوده في سوريا (أ ف ب) وقال رئيس وزراء حكومة الأسد محمد غازي الجلالي، الذي بقي في البلاد، إن مسألة الوجود الروسي المستمر في سوريا “ليست من اختصاصه”، وستتخذها السلطات الجديدة في الجمهورية. وبحسب وزارة الخارجية الروسية فإن القواعد العسكرية في حال تأهب قصوى، لكن “لا يوجد تهديد جدي محدق لأمنها”. وفي الأثناء بدأت القوات الروسية بمغادرة سوريا بصورة تدريجية غير معلن، إذ قامت بإجلاء السفن من قاعدتها البحرية في “طرطوس” ونقل الأسلحة المتبقية بالطائرات من “حميميم”. وتزامن السقوط السريع لنظام بشار الأسد مع إجلاء فوضوي للوحدات الروسية من أراضي البلاد، بحسب ما أفادت مديرية الاستخبارات الرئيسة بوزارة الدفاع الأوكرانية. وعدت المديرية أن خسارة روسيا المحتملة للقواعد العسكرية في سوريا قد تعني هزيمة كاملة لـ”الكرملين” في الشرق الأوسط. ووفقاً لها، بدأ الجيش الروسي سحب سفنه الحربية من القاعدة البحرية في “طرطوس”، بعد أن فقد الأسد السيطرة على العاصمة. وقالت في بيان، “في 8 ديسمبر 2024 غادرت الفرقاطة الأميرال غريغوروفيتش من أسطول البحر الأسود الروسي وسفينة الشحن المهندس تروبين من الأسطول الشمالي للاتحاد الروسي نقطة الدعم اللوجيستي في (طرطوس) متجهة إلى عرض البحر الأبيض المتوسط”. وعندما طلب الصحافيون من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التعليق على البيانات التي تفيد بأن السفن الروسية تغادر القاعدة البحرية في “طرطوس”، قال الوزير إن مناورات بحرية تجري في البحر الأبيض المتوسط. وأشار بيان للخارجية الروسية إلى أن القواعد العسكرية الروسية في سوريا في حال تأهب قصوى، لكن لا يوجد حالياً أي تهديد جدي لأمنها. وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء السوري غازي الجلالي إن مسألة الوجود العسكري الروسي ستقررها القيادة الجديدة للجمهورية. وبحسب المسؤولين الروس فإن “هيئة تحرير الشام” أرسلت إشارات حول استعدادها للتفاوض مع أي شخص، بما في ذلك روسيا وحتى “حزب الله”. وفي الوقت نفسه قد لا تتحدث موسكو بصورة مباشرة مع “هيئة تحرير الشام” ولكن مع تلك الجماعات التي تنتمي إلى “الجبهة الوطنية للتحرير” و”الجيش الوطني السوري”. قاعدة “طرطوس” البحرية وتم إنشاء القاعدة اللوجيستية في مرفأ “طرطوس” في العهد السوفياتي عام 1971، بعيد وقت قصير من سيطرة حافظ الأسد على السلطة في سوريا. وكانت مهمة هذه القاعدة تزويد سفن السرب التشغيلي الخامس (البحر الأبيض المتوسط) التابع للبحرية السوفياتية بالوقود والمؤن. وفي أواخر السبعينيات كان هناك حديث عن احتمال تحويلها إلى قاعدة كاملة للأسطول السوفياتي، لكن سوريا تخلت عن فكرة إنشاء قاعدة بحرية سوفياتية كاملة. في الوقت نفسه تم نقل اللواء التشغيلي 54 من السفن المساعدة من الإسكندرية المصرية إلى “طرطوس” عام 1977 بعد فتور العلاقات السوفياتية المصرية. على رغم حقيقة أن سرب البحر الأبيض المتوسط الخامس لم يعد موجوداً منذ عام 1991، فإن هذه القاعدة اللوجيستية بقيت في سوريا، وإن انخفض نشاطها بصورة كبيرة، إذ لم تكن هناك سوى زيارات قليلة للسفن التابعة للبحرية الروسية إليها بعيد انهيار الاتحاد السوفياتي. بحلول عام 2010، كان يعمل في هذه النقطة أربعة بحارة عسكريين فحسب، وكان أحد الرصيفين العائمين ورشة عمل عائمة في حال جيدة، وكان هناك مبنى إداري وثكنات وعديد من المباني الملحقة. وقبل وقت قصير من بدء الحرب في سوريا، كان لدى الاتحاد الروسي خطط لتحديث النقطة في “طرطوس”، بحيث تصبح قاعدة بحرية كاملة مع إمكانية إقامة السفن الثقيلة فيها، لكن تبين أن المحادثات كانت بطيئة وغير جدية، ومع ذلك زاد الاهتمام بهذه القاعدة بعد بدء الانتفاضة في سوريا، ثم الحرب الأهلية، التي تمكن نظام الأسد من مقاومتها. وفي سبتمبر (أيلول) 2013، أنشأ الاتحاد الروسي سرب البحر الأبيض المتوسط من جديد. وفي عام 2015 اقترح الأسد نفسه على بوتين إنشاء قاعدة بحرية كاملة في سوريا، وهو ما لم يوافق عليه بوتين. وفي عام 2016 اتخذت موسكو قراراً بتوسيع مكتب قاعدتها البحرية في “طرطوس”. وبموجب المعاهدة التي تم التصديق عليها عام 2017 حصلت روسيا الاتحادية على حق الاستخدام المجاني لهذه القاعدة لمدة 49 عاماً، مع حصانة كاملة من الولاية القضائية السورية. ويسمح لما يصل إلى 11 سفينة حربية بدخول النقطة في الوقت نفسه. وفي الواقع أصبحت هذه النقطة اللوجيستية قاعدة للسفن الحربية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وصارت منذ عام 2015 نقطة إمداد مهمة للقاعدة العسكرية الروسية الجديدة في “حميميم”. قاعدة مطار “حميميم” في عام 2015 كان نظام الأسد على وشك الانهيار بسبب الهجوم النشط الذي شنه كل من مقاتلي المعارضة وتنظيم “داعش”. واقتصرت المناطق التي يسيطر عليها الأسد على العاصمة وعدد من الضواحي والساحل بما في ذلك موانئ “طرطوس” و”اللاذقية”. وكان من الممكن أن يسقط النظام بسهولة تحت ضغط المقاتلين المناوئين له. ومن أجل بقائه كان الأسد في حاجة إلى حلفاء جدد، وكان الخيار الأفضل هو بوتين اختلف للتو مع الغرب في شأن أوكرانيا، لذلك تقرر إنشاء قاعدة عسكرية روسية في سوريا. وفي الـ26 من أغسطس (آب) 2015، تم التوقيع على اتفاق في شأن نشر الطيران العسكري الروسي بمطار “حميميم” بمحافظة اللاذقية. وفي الـ30 من سبتمبر 2015، دخلت روسيا الحرب السورية رسمياً، وبدأت بقصف قوات المعارضة ومسلحي “داعش” باستخدام الطائرات العسكرية. وساعدت الضربات الجوية النشطة جيش الأسد على إعادة تجميع صفوفه وشن هجوم في شمال سوريا. وقدمت القوات الجوية الروسية مساعدة نشطة للغاية للأسديين لأكثر من عامين وحتى الـ11 من ديسمبر 2017، عندما أعلن بوتين شكلياً عن انسحاب مزعوم للقوات من سوريا. لكن لم يتم سحب سوى عدد قليل من الوحدات، واستمر الدعم الروسي النشط للجيش السوري، بما في ذلك عام 2018، عندما شنت قوات الأسد هجوماً حاسماً في جنوب سوريا وتمكنت من إخضاع آخر جيوب مقاتلي المعارضة، إذ كان بإمكانهم قصف دمشق. وكانت هناك أيضاً عمليات استحواذ إقليمية في محافظة إدلب، التي لم يكن من الممكن فرض السيطرة الكاملة عليها بسبب إنشاء محمية تركية عليها. ولوحظت آخر مشاركة كبيرة لقاذفات القاعدة في أوائل عام 2020 عندما تمكن قوات النظام من زيادة سيطرتها على محافظة إدلب من خلال السيطرة على الطريق السريع “حلب – دمشق”. بصورة عامة، ركز الطيران الروسي اهتمامه على مسلحي المعارضة السورية، الذين تكبدوا الخسائر الرئيسة. وكانت المعركة ضد “داعش” في الخلفية، وكانت هزيمة المسلحين بمثابة صفقة رابحة بعد تدخل جيش أجنبي. الجلاء بدل القتال مع بداية ديسمبر الجاري نشر شهود عيان مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر فيها معدات روسية وهي تتحرك، ليس نحو المعارك مع مسلحي المعارضة، بل باتجاه الميناء، ويبدو أن المعدات قد تكون في طور التجهيز للإخلاء. وتجدر الإشارة إلى أنه لدعم القاعدة الروسية في “حميميم” تم تسليم عديد من الأسلحة الحديثة، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي “أس-400″ و”بانتسير”. وفي 6 ديسمبر بدأت التقارير تظهر أن نظام الأسد “قد لا يبقى على قيد الحياة حتى نهاية الأسبوع المقبل”، ثم ظهرت معلومات تفيد بأن الأسد نفسه قد فر من البلاد. من دون أن يلقي خطابه إلى الأمة طوال الأيام الـ10 الأخيرة للأزمة، ومن المحتمل جداً أنه قرر ببساطة أن يبدو بصورة مطارد قوي الإرادة، لكن بحلول صباح يوم 8 ديسمبر سقطت دمشق، وبدأ باقي أعضاء الحكومة بما في ذلك رئيس الوزراء في التعاون مع المسلحين، ولم يعد الأسد رئيساً لسوريا. وبدأت المعلومات تنتشر عن هربه من سوريا على متن طائرة نقل عسكرية روسية من طراز “إيل-76” والتي كان من الممكن أن تتحطم. عام 2017 اتفقت موسكو ودمشق على تمركز قوات روسية في هذه القواعد لمدة 49 عاماً (أ ف ب) حتى نهاية المواجهة بين نظام الأسد والمعارضة، كانت موسكو تتدارس سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث. وكان كثير منها مرتبطاً بمصير المحافظات الساحلية في اللاذقية وطرطوس، التي يسكنها العلويون وتتحدر منها أسرة الأسد. في البداية لم تلاحظ أية تحركات معارضة في هذه المحافظات، حتى إن ضباط الجيش أطلقوا عليها اسم “الملاذ الآمن” في سوريا. مع ذلك فإن القرب من محافظة إدلب الرئيسة للمعارضة، وانهيار الجيش السوري، والسلوك غير المناسب للأسد نفسه، زادوا من خطر قيام المسلحين الأقوياء باقتحام المحافظات العلوية الهادئة وبسط سيطرتهم عليها. ومن المنطقي أن المسلحين لن يتحملوا وجود القواعد العسكرية للدولة الأجنبية على أراضيهم، والتي تضربهم منذ ما يقارب 10 سنوات وتمنعهم من تحقيق النصر على نظام الأسد في الحرب الأهلية الطويلة. لقد جاء انهيار نظام الأسد بصورة أسرع مما كان يعتقده الجميع، ففي 8 ديسمبر، الذي سقطت فيه دمشق، ظهرت معارضة كبيرة في المحافظات العلوية في اليوم نفسه وبدأت في هدم تماثيل حافظ الأسد والاحتفال بهزيمة نظام ابنه. بحلول المساء اقترب المسلحون من القواعد العسكرية الروسية، لكن لم يكن هناك إطلاق نار أو علامات معركة. في البداية، كان أحد السيناريوهات يفترض أن يقوم المسلحون بالاستيلاء على القواعد الروسية من دون قتال، أو يقدمون إنذاراً نهائياً إلى الاتحاد الروسي يطالب موسكو بالمغادرة وسحب قواتها بسرعة. حتى إنه تم السماح بسيناريو تفكك سوريا إلى دويلات عدة، بما في ذلك الجزء الرئيس الخاضع لسيطرة مقاتلي المعارضة وكردستان وقاعدة ستبقى موالية للأسد (الساحل الذي يضم محافظتين علويتين). ولو كان لدى الأسد والقيادة الروسية التنسيق الكافي لكان من الممكن تحقيق مثل هذا السيناريو، إذ كان محتملاً أن تدافع المجموعة العسكرية الروسية وقوات الأسد المتبقية عن منطقة مدمجة محمية بالجبال والبحر. وهذا الخيار يمكن أن يحفظ ماء وجه روسيا ولو جزئياً في الأقل. لكن الوقت لم يمنح الطرفين فرصة للاختيار فحرما نفسيهما من كل الاحتمالات الممكنة. آراء متشائمة فور سقوط دمشق وانهيار نظام الأسد تحدث المراسل العسكري سيرغي كوتينوك بتشاؤم عن مصير القواعد الروسية في سوريا، وقال في شأن السيناريو السوري الجديد، إن من غير المرجح أن يكون هناك مجال للقواعد الروسية في “طرطوس” و”حميميم”. ويجري بالفعل مقارنة الوضع برحيل الأميركيين عن أفغانستان. “لكن الشيء الوحيد المشترك هو التدهور السريع لمؤسسات الدولة المحلية. وعلى عكس الولايات المتحدة لم نكن ننوي بناء عالم جديد في سوريا، ولم نغرس القيم الغربية في السوريين، ولم نفرض الديمقراطية، ولم نحاول تحويلها إلى شيء جديد من خلال العمل مع النخب والمجتمع المدني. ولم نعين رؤساءهم وأعضاء حكوماتهم”. إن “سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أمام هجوم المتمردين سيقود منطقياً لخسارة روسيا قاعدتها العسكرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط، وقد يكون لهذا عواقب وخيمة على الجهود الروسية في أوكرانيا”، بحسب ما كتب كاتب العمود العسكري في صحيفة “تليغراف” ديفيد أكس. وأشار إلى أن المتمردين استولوا بالفعل على أكبر مدن البلاد، لذلك فإن لديهم القدرة على احتمال شن هجوم باتجاه ساحل البحر الأبيض المتوسط نحو منطقة اللاذقية، إذ تقع القاعدة الوحيدة للأسطول الروسي على البحر الأبيض المتوسط في مدينة “طرطوس” الساحلية. وتستخدم موسكو هذه القاعدة منذ السبعينيات. وفي عام 2017 وقعت روسيا وسوريا عقداً مدته 49 عاماً يمنح موسكو وصولاً أكبر إلى “طرطوس”. ومن هنا جاءت سفن روسية عدة إلى البحر الأسود قبل شن هجوم واسع النطاق على أوكرانيا. وكما لاحظ ديفيد أكس، فمن دون السفن الحديثة الموثوقة والقادرة على تحمل الرحلات البحرية الطويلة تضطر روسيا إلى الاعتماد على “الملاحة الساحلية” لأسطولها من ميناء إلى آخر. والقاعدة في “طرطوس” مهمة في هذا الجانب. ولاحظ الكاتب أن “خسارة (طرطوس) ستكون كارثية بالنسبة إلى استعراض القوة الروسية في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا. ومن الناحية الواقعية فإن الطريقة الوحيدة أمام (الكرملين) لاستبدال البنية التحتية الساحلية الحيوية في طرطوس هي استعادة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البوسفور المغلق أمام روسيا” بسبب الحرب في أوكرانيا. ووفقاً لأكس، فبعد خسارة “طرطوس” قد يواجه “الكرملين” خياراً صعباً، إما الاستمرار في القتال في أوكرانيا وخسارة نفوذه في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أو صنع السلام مع أوكرانيا وفتح المضائق التركية أمام أسطوله. مواقف متقلبة يوم 7 ديسمبر، أي قبل يوم واحد من سقوط دمشق وفرار الأسد، وعلى هامش منتدى الدوحة، جرت مفاوضات بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، الدول الثلاث الضامنة لـ”صيغة أستانا” في شأن التسوية السورية. وعقب اللقاء أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على ضرورة الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة الشرعية، مؤكداً أن “هيئة تحرير الشام” التي قادت الهجوم على دمشق ليست واحدة منهم. وقال في مؤتمر صحافي عقب المفاوضات “نحن مقتنعون تماماً بأن من غير المقبول استخدام إرهابيين مثل هيئة تحرير الشام لتحقيق أهداف جيوسياسية كما يجري الآن من خلال تنظيم هجوم من منطقة خفض التصعيد بإدلب”. لكن وزارة الخارجية قالت في بيان نشر يوم 8 ديسمبر، أي بعد استيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة، إن روسيا على اتصال “بجميع فصائل المعارضة السورية”. في الوقت نفسه فإن “صيغة أستانا” في شكلها الحالي ستتوقف عن الوجود لأن ما تم إنشاؤها من أجله في الأصل اختفى واندثر، ففي الظروف الحالية هناك بالفعل حاجة متزايدة لإنشاء نوع من التنسيق الجديد، إذ ستناقش الدول العربية وتركيا وربما روسيا بصورة مشتركة تقديم المساعدة لسوريا. وتعتقد الاستخبارات الروسية أن الولايات المتحدة تراقب الوضع في سوريا من كثب، وأن استخباراتها تشعر بالقلق بصورة خاصة حيال المخزونات المحدودة من الأسلحة الكيماوية التي يزعم أن الحكومة السورية احتفظت بها حتى وقت قريب، بحسب ما كتبت صحيفة “نيويورك تايمز”. وأعرب الحلفاء العرب للولايات المتحدة عن مخاوفهم من أن سقوط نظام الأسد قد يحول سوريا إلى معقل للإرهاب. وقال “البنتاغون” في الوقت نفسه إن واشنطن تخطط للحفاظ على وجودها العسكري في الجمهورية العربية. أسد لا يشبه مسماه تناولت الصحافة العالمية بكثير من السخرية الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا، فكتبت صحيفة “الباييس” الإسبانية تقول “لقد كشفت الحرب الخاطفة التي استمرت لمدة 11 يوماً عن حقيقة قاسية، فعلى رغم أن كلمة الأسد تعني “الغضنفر” باللغة العربية، فإن نظامه تبين أنه أقرب إلى نمر من ورق، هائل للوهلة الأولى ولكنه هش في جوهره. أما “تليغراف” البريطانية فاعتبرت أن “الأحداث غير العادية في سوريا والانهيار السريع لنظام الأسد بعد عقود من الحكم تذكرنا بسقوط جدار برلين. لكن أولئك الذين يأملون في أن تصبح سوريا ديمقراطية من المرجح أن يصابوا بخيبة أمل عميقة”. وتابعت، “كان ينظر إلى ما يسمى الربيع العربي، الذي بدأ عام 2010، باعتباره نذيراً بانتقال المنطقة إلى الحكم على النمط الغربي، لكن هذا لم يحدث”. صحيفة “نيويورك تايمز” قالت إن “الأسئلة الأساسية المتعلقة بالحكومة والأمن والاقتصاد في سوريا لا تزال من دون إجابة”. بوتين وبشار يتفقدان عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية بمحافظة اللاذقية (أ ف ب) ويقول بعض المحللين إن من الصعب التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، لأن “الزوال” المفاجئ للحكومة فاجأ الخبراء الذين كانوا يراقبون التطورات في المنطقة لسنوات. وأشارت صحيفة “بوليتيكو” إلى أن الزعيم الاسمي الجديد لسوريا أبو محمد الجولاني، هو إسلامي متطرف حارب ذات يوم إلى جانب تنظيم “القاعدة” ضد الأميركيين في العراق. لكنه منذ ذلك الحين غير وجهات نظره بصورة كبيرة. وأوضح الجولاني أنه “لا مكان للتطرف في سوريا”. وقال إنه يريد أن يكون صديقاً للجميع، وإن أعداء سوريا الوحيدين هم إيران و”حزب الله” والأسد. من جهتها بشرت “سكاي نيوز” البريطانية المعارضين السوريين بأن “حكومة المملكة المتحدة قد تقوم بإزالة الجماعة التي قادت الانتفاضة السورية من قائمتها للمنظمات الإرهابية المحظورة”. ونقلت عن بات مكفادين وزير العلاقات الحكومية الدولية في المملكة المتحدة قوله إن “البلدان في جميع أنحاء العالم حيث يتم حظر (هيئة تحرير الشام) ستحذو حذو المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما أن من المحتمل أن تنتبه الدول الأوروبية إلى هذا الأمر”. صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية رأت أن اختيار رئيس وزراء سوري جديد لتولي الحكم وقيادة حكومة البلاد خلال الفترة الانتقالية “لن يضطر الولايات المتحدة إلى التعامل” مع الجولاني الذي استولت مجموعته على السلطة في دمشق. مجلة “نيوزويك” قالت “قد لا يكون انتشار الجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان كما يبدو تماماً، لأنها كانت منطقة مرغوبة منذ فترة طويلة واستولت عليها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 وضمتها عام 1981. والمنطقة المنزوعة السلاح بمساحة 250 كيلومتراً مربعاً، التي يسكنها نحو 50 ألف نسمة، معترف بها من قبل المجتمع الدولي كأرض سورية محتلة”. أول المستفيدين وآخر الخاسرين لا شك أن تركيا وإسرائيل ستستفيدان من النظام الجديد، فإطاحة الأسد تسمح لأردوغان بتحقيق طموحاته الجيوسياسية. وترى أنقرة فرصة للحد من الحكم الذاتي الكردي وتغيير ميزان القوى في شمال سوريا. إضافة إلى ذلك يمكن أن تكون جهود إعادة الإعمار بعد الحرب مربحة للشركات التركية التي تسعى إلى الاستفادة من إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في سوريا. لكن فراغ السلطة في سوريا يثير المخاوف في شأن احتمال عدم الاستقرار وصعود الجماعات المتطرفة. مع ذلك لا يمكن لأحد أن ينكر الأهمية الكبيرة والعواقب الجيوسياسية الهائلة لسقوط نظام الأسرة الحاكمة الذي حكم لأكثر من نصف قرن في هذه المنطقة الحساسة للغاية من العالم. إن هذا زلزال جيوسياسي ولا ينبغي الاستهانة بعواقبه. وكانت تركيا أحد الفائزين، فقد استغلت على الفور الفرصة لإرسال مجموعة مسلحة تحت سيطرتها إلى المناطق التي لا يزال الأكراد يسيطرون عليها في شمال شرقي سوريا. ويؤدي نجاح المتمردين إلى تعزيز نفوذ تركيا على مستقبل سوريا، بخاصة مع تورط روسيا في الصراع مع أوكرانيا وإيران بمواجهة مع إسرائيل. فقد أصبحت حكومة أردوغان الآن في وضع أفضل للضغط على الميليشيات الكردية التي تواجهها في سوريا، والتي يرتبط بعضها بعلاقات مع الولايات المتحدة. وقد يساعد ذلك تركيا على اتخاذ موقف أكثر صرامة في المفاوضات مع روسيا وإيران حيال مستقبل سوريا. مخاوف روسيا في السنوات الأخيرة أصبحت سوريا مكاناً للجنرالات الروس الطامحين للترقي بسرعة في وظائفهم والحصول على ألقاب وأوامر جديدة. لكن الوضع الآن قد يتحول إلى أن العملية، التي كان ينظر إليها على أنها ساحة تدريب كبيرة للقوات الروسية يمكن أن تتحول إلى هزيمة عسكرية حساسة ومذلة لسمعة الجيش الروسي. عدا عن ذلك يشكل انتصار الجماعات الأصولية المتطرفة مصدر قلق لروسيا، بسبب انضمام كثير من مواطنيها المسلمين في القوقاز، وكذلك من مواطني الدول السوفياتية سابقاً، لهذه الجماعات، فهؤلاء سيعودون عاجلاً أم آجلا إلى روسيا ودول الجوار بعدما أدوا قسطهم للعلا في سوريا وحققوا انتصاراً ليس فقط على بشار الأسد وقواته، بل وعلى الميليشيات والأذرع الإيرانية، وكذلك على وحدات من الجيش الروسي أرسلت إلى سوريا لإنقاذ نفوذ موسكو هناك، والقضاء على مسلحيها الأصوليين الذين انتقلوا إلى هناك. بحسب وزارة الخارجية الروسية فإن القواعد العسكرية في حال تأهب قصوى (أ ف ب) ومما زاد الوضع تعقيداً أنه في قاعدة “كويرس” الجوية، التي تركتها القوات السورية والواقعة على بعد 30 كيلومتراً شرق حلب، تمكن المسلحون من الاستيلاء على أحدث نظام صاروخي روسي مضاد للطائرات من طراز “بانتسيرأس 1″، وعديد من طائرات “ميغ 23″، إضافة إلى دبابات “ت 90 – أ” ودبابات “ت 72 أم”. وظهرت المجموعة الروسية في سوريا قبل ما يقارب 10 سنوات في سبتمبر 2015، عندما فقد الرئيس الأسد السيطرة على معظم أراضي البلاد أمام مسلحي “داعش”. في تلك اللحظة كان لدى “الكرملين” مصلحة واضحة في المشاركة بالتحالف ضد التنظيم المتطرف. وبعد ضم شبه جزيرة القرم، وبداية الصراع في شرق أوكرانيا، وظهور جمهورية دونيتسك الديمقراطية وجمهورية لوغانسك، فضلاً عن إسقاط طائرة “بوينغ” الماليزية في سماء منطقة دونيتسك، واجهت روسيا للمرة الأولى عقوبات وعزلة دولية، لذلك كان من المهم للرئيس فلاديمير بوتين أن يثبت أنه لا يزال لاعباً مهماً في الساحة العالمية. وذكرت السلطات الروسية أنه لن تكون هناك أية فرقة برية روسية في سوريا، وأن الجنود الروس لن يموتوا أثناء تحرير المدن السورية التي استولى عليها الإرهابيون. وكان من المفترض أن يقاتل الجيش السوري على الأرض بدعم من القوات الجوية الروسية. وعلى الأرض نفذ العمليات الهجومية من قبل مرتزقة من شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة التي أنشئت حديثاً، والتي عملت بالتنسيق مع القيادة الروسية في سوريا. وفي هذا التكوين يمكن للجنرالات الروس أن ينالوا الفضل في نجاحات الآخرين على الأرض، ويمكن للسلطات الروسية أن تنكر وجود أية خسائر كبيرة في سوريا. في أوائل ديسمبر 2017، أبلغ رئيس الأركان العامة الروسية فاليري يراسيموف بوتين أن “الأراضي السورية تم تحريرها بالكامل من الإرهابيين وتدمير جميع عصابات (داعش)”. وبعد أيام قليلة زار الرئيس الروسي قاعدة “حميميم” الجوية، إذ أعلن عن استكمال المرحلة النشطة من العملية في سوريا والتخفيض التدريجي لعدد القوات في هذا البلد. وفي الواقع تحولت سوريا إلى مركز لوجيستي رئيس للعسكريين والمرتزقة الروس، ومن خلاله تم بناء الخدمات اللوجيستية في أفريقيا. ووصلت طائرات عسكرية من روسيا إلى “حميميم”، ومن هناك توجه المرتزقة إلى السودان وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهي البلدان التي تمكنت فيها “فاغنر” من بدء العمل قبل الحرب الشاملة على أوكرانيا. عديد من العسكريين الروس الذين خدموا في سوريا بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا كانوا يعتبرون أن الوصول إلى هذا البلد، “وليس إلى منطقة العملية العسكرية الخاصة” بعد الـ24 من فبراير (شباط) 2022، يشكل نجاحاً كبيراً، ولكن الآن قد يتغير الوضع. وكان قائد المجموعة الروسية في بداية هجوم هيئة تحرير الشام وسقوط حلب هو الفريق سيرغي كيسل. وقد أرسل إلى هناك بعد أن فشل تماماً في عملية الاستيلاء على مدينة خاركوف الأوكرانية عام 2022. كان هو الذي قاد القوات الروسية الخاصة إلى خاركوف التي تم تطويقها وتدميرها على الفور في إحدى المدارس، وأعطى الأمر لبقية الوحدات بعدم الدخول، بالتالي تدمير تنسيق الوحدات بالكامل أثناء الهجوم. علاوة على ذلك فقدت فرقة “كانتيميروفسكايا” تحت قيادته بالفعل فاعليتها القتالية وانتهت في رحلة الذعر نفسها مع التخلي عن جميع المركبات المدرعة الثقيلة للقوات المسلحة الأوكرانية. في الأثناء بدأت القوات الروسية بمغادرة سوريا بصورة تدريجية غير معلنة (أ ف ب) وبعد سقوط حلب تمت إقالة كيسل وأعيد العقيد الجنرال ألكسندر تشايكو إلى منصب قائد المجموعة في سوريا. وتولى بالفعل قيادة الوحدة الروسية في سوريا في سبتمبر وديسمبر 2022، ويتهمه مكتب المدعي العام الأوكراني بارتكاب جرائم حرب في بوتشا أثناء احتلال منطقة كييف في أول شهرين من الحرب عندما كان تشايكو قائداً للقوات الروسية في المنطقة العسكرية الشرقية. في سياق الحرب المستمرة مع أوكرانيا تم تخفيض كبير في أسطول البحر الأسود، الذي يضطر الآن للاختباء في ميناء “نوفوروسيسك”، ولن يتمكن بأية حال من الأحوال من المرور عبر مضيق البوسفور المغلق أمام السفن الحربية الروسية. ومن الصعب أن نتخيل ماذا وكيف يمكن لموسكو أن تزيد بصورة حادة عدد هذه المجموعات. أو كيف يمكن للجنرال تشايكو أن يساعد على استقرار الوضع داخل القواعد العسكرية الروسية في سوريا من خلال الوحدة الصغيرة الموجودة تحت تصرفه. يدعي المدونون الروس الذين يبررون للقيادة الروسية الهزيمة في سوريا، أن حلب والمناطق المحيطة بها كانت منطقة مسؤولية إيران و”حزب الله” اللبناني، اللذين لم يكن لديهما وقت في الآونة الأخيرة لسوريا لأنهما منشغلان بالصراع مع إسرائيل. وقال مسؤول كبير في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، “إننا نرى علامات واضحة على أن حلفاء الأسد قبل سقوطه قد ضعفوا وتشتتوا بسبب مشكلاتهم الخاصة. فروسيا منشغلة بما يحدث في أوكرانيا، و(حزب الله) منشغل بالصراع مع إسرائيل، وإيران متوترة أيضاً”. جميع الدول المصدرة لموارد الدعم للأسد كانت مشغولة بتهديدات كبيرة، وفي هذا الوضع وجد الأسد نفسه معزولاً. لقد تم تشتيت انتباه جميع حلفاء الأسد الرئيسين في الآونة الأخيرة – روسيا وإيران وحزب الله” – فجميعهم كانوا مشغولين بصراعات أخرى. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر “الجماعة الإرهابية المعارضة التي شنت هذا الهجوم رأت فرصة واستغلتها”. من غير الواضح ما إذا كانت روسيا حاولت بنشاط إنقاذ الأسد، لكن من الجلي تماماً أن موسكو تلقت صفعة مؤلمة بسقوطه. السقوط المريع الواقع اليوم هو أن سوريا السابقة لم تعد موجودة، ولا يزال من الصعب جداً تحديد ما الذي سيخرج من أنقاض دولة بشار الأسد (ستكون دولة واحدة أم دول عدة؟). على أية حال فإن التصريحات السابقة بأن موسكو حققت انتصاراً كبيراً على المستوى الجيوسياسي في سوريا، واختبرت القدرة القتالية لقواتها المسلحة وأنواعاً جديدة من الأسلحة والمعدات العسكرية، وخلقت نقطة انطلاق لنشر نفوذها الجيو استراتيجي على دول المنطقة، بدت كأحاديث أسطورية ليس لها علاقة بالواقع الحقيقي. أسباب وملامح الهزيمة الكارثية لنظام بشار الأسد سيتناولها المحللون والمؤرخون لفترة طويلة. ولكن ربما يمكن تسمية اثنين منهم في المطاردة الساخنة اليوم، فالقضاء على سلطة الزعيم السوري السابق الآن قد تم تسهيله إلى حد كبير من خلال حرب إسرائيل الدموية العنيفة ضد “حزب الله” والتدمير الجسدي الذي قامت به القوات الإسرائيلية للقادة الكاريزماتيين لهذه المنظمة. ولنقل التدابير التنظيمية والتوظيفية التي أدت إلى حل إحدى الشركات العسكرية الخاصة الروسية، والتي كانت في سوريا مؤيدة إلى حد كبير لنظام الأسد. مع اختفاء هذين الحجرين انهارت الحكومة السابقة في البلاد. كما كان لتخفيض القوة القتالية والعددية لمجموعة الطيران التابعة للقوات الجوية الفضائية في قاعدة “حميميم” الجوية تأثير كبير في الوضع في سوريا. والسؤال الرئيس بالنسبة إلى روسيا الآن هو كيفية تنفيذ انسحاب المتخصصين العسكريين الروس من سوريا، لا سيما من قاعدتي “طرطوس” و”حميميم” من دون خسائر. لسوء الحظ من المرجح أن يتم التخلي عن كلتا القاعدتين. ومن غير المرجح أنه مع القيادة الجديدة لسوريا سيكون من الممكن تمديد أي اتفاقات في شأن استمرار وجود القواعد العسكرية الروسية في البلاد. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه تم استثمار أموال كثيرة جداً في بناء وتجهيز هذه المنشآت العسكرية، بدءاً من عام 2015، إذ تم بناء قاعدة “طرطوس” من الصفر تقريباً، كما جرى تحويل “حميميم” إلى قاعدة طيران من الدرجة الأولى. الظروف الراهنة تقتضي أن يتم التخلي عن كل شيء أنشئ بهذه الصعوبة وبمثل هذه الكلف المادية الهائلة (تم نقل كثير منه بالطائرات). وبعبارة أخرى، لقد بنوا، وخلقوا، وعززوا. والآن أصبح كل شيء في مهب الريح. أما بالنسبة إلى العواقب الجيوسياسية لكارثة نظام بشار الأسد فإن التوقعات التفصيلية، في الأقل بالمستقبل القريب، لا تزال سابقة لأوانها إلى حد ما، لأن الوضع في سوريا يتطور بسرعة. وفي كل الأحوال فإن الشرق الأوسط سيواجه قريباً أوقاتاً عصيبة جديدة، وربما حروباً أهلية متوالدة. المزيد عن: روسياالكريملينالحرب في روسياقاعدة حميميم الجويةطرطوسالبحر الأبيض المتوسطالعهد السوفياتي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل تنجح لندن في رسم خريطة طريق لإنهاء الأزمة الليبية؟ next post «السيدة زينب» تتحرر من «الصبغة الإيرانية» بفرح كبير You may also like جنرال أميركي يراقب أول انسحاب للقوات الإسرائيلية من... 12 ديسمبر، 2024 العرض الروسي.. تفاصيل جديدة عن هروب بشار الأسد 12 ديسمبر، 2024 لماذا ترفض المعارضة السورية العلم “الأحمر” للبلاد، وما... 12 ديسمبر، 2024 عقل بوتين ينقض على أردوغان..”خان موسكو وطعنها” 12 ديسمبر، 2024 تقرير: أعضاء بالمخابرات الأوكرانية دعموا المعارضة السورية بمُسيرات 12 ديسمبر، 2024 إحراق ضريح حافظ الأسد في القرداحة 12 ديسمبر، 2024 تقرير يكشف عن رسالة “واتساب” من “عميل إسرائيلي”... 12 ديسمبر، 2024 كيف سينجو الجيش اللبناني من “فخاخ الجنوب”؟ 11 ديسمبر، 2024 الأردن ينتظر تحرير معتقليه من السجون السورية 11 ديسمبر، 2024 ما أهمية هضبة الجولان؟ 11 ديسمبر، 2024