ثقافة و فنونعربي مهى سلطان: وليد عوني في “حديقة” موريس بيجار by admin 11 أكتوبر، 2021 written by admin 11 أكتوبر، 2021 16 يضم المعرض 70 لوحة فنية لوليد عونى زيّن بها كتاب موريس بيجار “الغناء الآخر للرقص”، الصادر العام 1974 الذي كتبه بيجار متأثراً بعمق بأعمال الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربان (1903- 1978) المتخصص بالإسلام في إيران بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان إنها بروكسيل مدينة الأحلام الوردية وعاصمة “المعلم” موريس بيجار، المصمم الكوريغرافي الاسطورة ورائد الرقص الحديث في القرن العشرين، وهي المدينة التي عاش في كنفها وليد عوني ابن العشرين عاماً، جاءها من لبنان ليدرس الرسم في أكاديميتها الملكية ويتسكع في شوارعها ويبيع الورد لمن يقدّر قيمة الفن. إنها بروكسيل التي جمعت بين هوى الشرق بروحانيته الإسلامية لدى بيجار وهوى الرقص وثورة الأفكار الخلاقة لدى عوني، فشكلا ثنائياً ترافقا على مدى 11 عاماً تنقلا ما بين بروكسيل وباريس وطوكيو ونيويورك، عمل فيها عوني على تأسيس فرقة “التانيت” للرقص المسرحى الحديث (العام 1980). وقدّم من خلالها على خشبات العاصمة البلجيكية العديد من العروض التي تقاطعت دروبها ما بين الشرق والغرب، كما عمل وقتئذٍ رساماً ومصمماً سينوغرافياً للديكور والملابس في تسعة عروض مهمة لبيجار كان آخرها “باليه أهرامات النور” (1990)، التي قُدمت على خشبة دار الاوبرا في القاهرة. وكانت تلك هي الزيارة الأولى التي قام بها وليد عوني لمصر برفقة بيجار، من دون أن يدري وقتئذٍ أن مصر “أم الدنيا” ستفتح له ذراعيها وتقّدر عطاءاته الفنية، وأنها ستكون مقرّ إقامته الدائمة لينطلق منها في تأسيس أول فرقة للرقص المسرحي الحديث في مصر والعالم العربي (العام 1993)، ساهم من خلالها عوني في تقديم الكثير من العروض الفنية التي تناولت شخصيات ثقافية وتاريخية مهمة في مصر كان آخرها عرض أخناتون (2020). ثم بعد رحيل بيجار وعلى مفارق الورد أيضاً وقّع وليد عوني المعرض التذكاري الذي يقام حالياً (وحتى 17 آذار/مارس 2022) في متحف بيجار الدولي في بروكسل، بصفته كوميسيراً اختاره مدير المتحف ميشال روبير والحافظ لسيرة بيجار، خصوصاً في سنيه الأخيرة، لتنظيم محتويات المعرض الذي يحمل اسم “حديقة الورد”. معرض “حديقة الورد” “تفوح رائحة العشق من تربة سعدي الشيرازي ولو شممتها بعد ألف سنة من موته”. Golestan أي “حديقة الورد” هو العنوان الذي اقتبسه موريس بيجار من ديوان الشاعر الايراني سعدي الشيرازي (القرن السابع الهجري) وهو من أشهر شعراء الصوفية في القرون الوسطى وصاحب مؤلف الكلستان -ومعناها روضة الورد- هي مجموعة من الحكايات والمواعظ، مزج فيها الشيرازي ما بين الشعر والنثر وما بين الفارسية والعربية. وهو القائل: “خذ وردة من حديقة، ستعيش بضعة أيام، خذ بتلة من حديقة ورودي ستدوم إلى الأبد”. أعطى بيجار هذه التسمية للعرض الراقص الذي قدمه العام 1973 فى المهرجان العالمي في شيراز وبرسوبوليس لمناسبة تتويج شاه إيران محمد رضا بهلوي، وقد اعتمد فيه على موسيقى إيرانية عُزفت من طريق فرقة موسيقية محلية صاحبت العرض. شكّل هذا العرض مفترقاً كبيراً في حياة بيجار الذي اعتنق على إثره الإسلام على يد المتصوف الإيراني نور علي إلهي الذي وصفه بيجار بأنه “أكبر موسيقار عرفه في حياته” لفرط ما تحمل موسيقاه من الهامات التقاليد الدينية التي تبعث على التأمل والصلاة. لقد زاره في شيراز واستمع الى عزفه على آلة الطنبور، يقول بيجار “بأن تقنيته غير المعروفة المنبثقة من نشأته الدينية قد قلبت كياني وكانت الوحي بالنسبة إلي، لم أعِ نفسي إلا في عالم آخر” (من كتاب عن سيرة بيجار). وليد عوني وبيجار في مصر روحانية إسلامية ومن حديقة الورد فتح بيجار نوافذ ثقافته على الروحانية الاسلامية التي شكلت إحدى الركائز الملهمة لأعماله الفنية. فحديقة بيجار التي تتراءى مع حديقة سعدي، تعتمد على أربعة عناصر هي الماء والهواء والنار والتراب يضاف اليها الموسيقى. إنما الحديقة أو الروضة ليست سوى الفضاء الرمزي الذي يقرّب حديقة ورد بيجار، من حديقة الزان التي تقع في منتصفها شجرة هي النور (الثورة على الداخل لتنقية النفس)، هكذا تعكس الحديقة المعنى الفردوسي للروحانية الكليّة التي كان بيجار يختزنها. في منزل بيجار (المتحف) المؤلف من ثلاث طبقات، حيث ثمة ركن خاص للصلاة (يشبه المحراب)، في الطابق الأرضي، وغرفٌ أرضياتها الخشبية ونوافذها مزينة بزخارف هندسية اسلامية (أرابيسك)، وأروقة تضم عدداً كبيراً من الصور الوثائقية ورسوم الديكور التي قام بها عوني، إضافة إلى الملابس الأصلية للعروض، فضلاً عن رسوم السينوغرافيا والديكورات الخاصة بتلك العروض. الى ذلك يتضمن المعرض أهم الأفلام المصورة عن العروض التي قدمت على المسرح التي تعكس حب بيجار واحترامة للعالم الإسلامي والعربي، ووثائق مصورة لأهم سبعة عروض قدمها بدءاً من “حديقة الورد”، ثم باليه “الرومي” التي عكست شغفه بالفكر الصوفي لدى جلال الدين الرومي، ثم باليه شهرزاد التي تتحدث عن الإسلام والتسامح وحكايات ألف ليلة ولية، التي ارتكزت على موسيقى رافيل وريمنسكي كورساكوف مع موسيقى تقليدية فارسية، انتقالاً الى عرض فلسطين الذي حمل عنوان “الرقص والحب”. يضم المعرض أيضاً 70 لوحة فنية لوليد عونى زيّن بها كتاب موريس بيجار “الغناء الآخر للرقص”، الصادر العام 1974 الذي كتبه بيجار متأثراً بعمق بأعمال الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربان (1903- 1978) المتخصص بالإسلام في إيران الى جانب مقالات من الصحف والمجلات العالمية التي تحدثت عن فنه. في هذه الرحلة التذكارية ثمة ميداليات قدمها بيجار تكريماً لعدة شخصيات مهمة، أبرزها تانيا باري Tania Bari اهم السوليستات في فرقته “باليه القرن العشرين”. مصر نابليون ومصر نور الإسلام يتضح أن المعرض المخصص لتكريم بيجار (1927- 2007) في مساره الروحاني المرتبط بالإسلام، قد عكس أيضاً بشكل غير مباشر مسار عوني وتوقيعات ريشته طوال سنوات من التعاون انعكست بطابعها ومناخاتها الصوفية، على جماليات تلك العروض بموسيقاها وسحرها وغموضها الطقوسيّ، التي متنت الصلة بين الصديقين، خصوصاً خلال زيارتهما للقاهرة (1990). كان بيجار وقتئذٍ يخطط لعرض الباليه في موقع الجيزة عند سفح الإهرامات لكي يفتتح المشهد الأول بصدمة مجيء نابليون بونابرت على صهوة جواده الى مصر، من عمق الصحراء، ولكن الصعوبات التقنية الهائلة حالت دون ذلك ليتم عرضها في دار الأوبرا في القاهرة. إنها أيضاً مصر الإسلام التي يغمرها نور النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي انطلق من مكة المكرمة، ثم أخذ ليشع بعد ثلاثين عاماً في العالم قاطبة، وقد أدخل بيجار في “اهرامات النور” بعضاً من الموسيقى الكلاسيكية الإسلامية مع مقاطع من أغنية “سيرة الحب” لأم كلثوم. يتذكر بيجار انه في اليوم الثاني للعرض ذهب الى الأقصر ونام على ضفة النيل ونظر الى النجوم في السماء بشعور من افترش الأزمنة وارتقى في الخلود. يتذكر عوني (في حوار خاص معه) انه في القاهرة ذهب برفقة بيجار الى أضرحة الأولياء الصالحين وأئمة التصوف، والغاية كانت زيارة ضريح ذي النون المصري وهو أحد مشايخ الزوايا الصوفية (من علماء الأزهر القرن الثالث الهجري)، الذي جمع في قلبه روحانيات كل الأديان. وكان قد اكتشفه في كتابات المستشرق الفرنسي رينيه غينون، وحين وصلا بعد عناءٍ في التعرف إلى ضريحه، شعر بيجار بقوة الحضرة ورهبتها خصوصاً أنه بحث عميقاً في حياته وأعماله لا سيما حين لعب شخصية ذي النون المصري على الخشبة، ولكن المفاجأة الأكبر هي في الضريح الثاني المجاور له الذي اتضح انه لرابعة العدوية، شاعرة الصوفية الأشهر في تاريخ الإسلام، وقد ظهر مغطى بسرابيل من الأقمشة الملونة بشتى الألوان. وكان عوني قد صمم في بروكسل عرضاً راقصاً خصصه لرابعة وقد تخيلها تتمايل على الخشبة بأغطية شفافة متتالية من كل الألوان بحيث أن كل لون يحمل صفة ورمزاً. يتحدث عوني عن أهمية بيجار كشخصية مثقفة عابرة للأديان والثقافات والحضارات، فيقول: “بيجار اعطاني الكثير خصوصاً الروحانية من سبيل جلال الدين الرومي، أما أنا فقد أعطيته شغف تذوق الطرب الموسيقي عبر صوت أم كلثوم”. الوحش المقدس تعلق بيجار بطائفة من المفكرين وفلاسفة التصوف فتأثر بهم وألهمته كتاباتهم ورؤاهم منها كتابات محي الدين ابن عربي “المعلم الذي يُدين بدين الحب، وهو النجم الساطع في ألقاب المجد لدى ذي النون المصري”، كما اعتمد على فلسفة التصوف التي انعكست في اختياراته للموسيقى الشرقية لعل أبرزها استخدامه لصوت أم كلثوم في القصيدة الدينية “تائب تجرى دموعى ندماً” كلمات عبدالفتاح مصطفى والحان رياض السنباطى. يقول بيجار “لطالما اعتقدتُ أن الرقص مرتبط بالألوهة، كما ترتبط حركة الكواكب بموسيقى الكون، فالرقص يروق للعقل الباطن وأقول للقوى الغامضة”، ويرى بيجار أن الإسلام هو أكثر الأديان توغلاً في طبيعة الكون، حيث كل حركة موقّعة بنظام. تميز بيجار بنشاط خارق وبروحانية عالية تعززت باعتناقه الإٍسلام منذ السبعينات من القرن الماضي، من بعدها تحول إلى أسطورة حيّة لدى عشاق الرقص سواء في أوساط المحترفين أو الجمهور العريض. “أن أكون مسلماً ذلك لا يعني الارتداد على طفولتي الكاثوليكية، ولم يمنعني الإسلام أن أكون تليمذاً للبوذية، ولم يفقدني يوماً الحب الذي أكنّه لعجائب الفكر الأخرى… أرى مساري الروحاني مثل حلقات كبرى متتابعة”. موريس بيجار ابن مارسيليا والكاثوليكي الولادة والنشأة، والمستشرق والمتصوف المتنوّر، الذي ربط الإسلام بالسلام والمحبة والتسامح، عارض الفكر الطائفي ودان التيارات الإسلامية المتشددة. ورغم تحفظ الفرنسين خصوصاً على اعتناقه الإسلام ودفاعه عن هذا الدين، لم يضعف كونه مسلماً مع تصاعد الأعمال العنفية المرتبطة بالجماعات الإسلامية المتطرفة، بل جعل يفرّق بين الدين المحمدي ورسالة الإسلام السمحة والايديولوجيا السياسية. لكنّ المفارقة أن بيجار تعرّض لأزمة شديدة في لبنان بسبب أن إحدى عروضه التي صممها تخليداً لذكرى أم كلثوم مُنعت في بيروت في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999 لأنها تضمنت ما اعتبر “مساساً بالإسلام”. حيث يصور المقطع الذي أثار اعتراض الرقيب رجالاً يؤدون الصلاة ونساءً يرقصن حولهم بأثواب بيضاء شفافة كأثواب العذارى. بيجار الذي جال في أنحاء العالم وقطف العديد من الجوائز والأوسمة، نقل فرقته ثم مدرسته الى مدينة لوزان التي عاش فيها آخر سني حياته وتوفي فيها عن عمر الثمانين (في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2007). قيل إنه من كان متعطشاً للروحانية وتعلق بحبل الله لم يخف من الموت، بل ظل يتابع حتى آخر رمق تدريبات عرضه الأخير “جولة حول العالم في ثمانين دقـيقة”. ترك رحيله أثراً كبيراً في الأوساط الفنية العالمية نظراً لتأثيره الكبير في فن المسرح، بعدما حبّب الرقص لملايين الهواة المفتونين بهذا الفن حول العالم. رثته الصحف السويسرية بأشد كلمات الإعجاب والتقدير واصفين بيجار بـ”الأسطورة” و”العبقري” و”الوحش المقدس” و”النموذج”. وبفضل الجائزة التي تحمل اسمه، أصبحت لوزان معروفة منذ أكثر من ثلاثين عاماً لدى راقصين شباب من القارات الخمس. لقد أثرى بيجار الحياة الثقافية في سويسرا، ووضع لوزان على خريطة العالم الفني. وصفه الفرنسيون بـ”مبدع رقص خالٍ من العُقد وبرجل عميق وصوفي”، في إشارة إلى تأثره بالحضارة المشرقية واعتنـاقه الإسلام في عام 1973. الواقع أن بيجار تمتع بكاريزما جعلته محبوباً في أنحاء العالم يكفي النطق باسمه لكي تتلقى علامات الأعجاب. وإلى جانب الهيبة والغموض فإن سر نجاح بيجار أو “وصفته السحرية” تكمن أيضاً في إدراكه لمزاج عصره وقدرته على التأقلم معه، مما جعله بحق “مبدع الرقص في القرن العشرين”. الكلمات الدالة بيجار وليد عوني حديقة الورد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ما معيار تحديد نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية؟ next post Learning to surf is no longer just a summer activity You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.