نادين بكداش في المعرض ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن : معرض استذكاريّ عن الصّداقة بين ندين بكداش وهيكات كالان by admin 6 أكتوبر، 2023 written by admin 6 أكتوبر، 2023 317 يستعيد معرض الصداقة نصوصاً كتبتها هيكات كالان عن علاقتها بالوطن والموت والحرب والأماكن والخراب، وهي تقارب الشعر كقولها “عيون النساء في مدينتي رسائل حب”، بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان لوحات وصور واستذكارات وخفايا كلام من عمر الصداقة التي ربطت بين سيدتين من أعمدة الثقافة والفن في لبنان، ولو كانتا من جيلين مختلفين، ندين مجدلاني بكداش صاحبة غاليري جانين ربيز والفنانة هيكات كالان (1931- 2019)، يجمعهما حالياً معرض استثنائي وظريف في سرديته البسيطة، وجديد من نوعه، ليس بحجم أنطولوجيا، بل بحجم الحب والمودة والعطاء الذي كان يلوّن تلك الصداقة. نظمت المعرض (يستمر حتى 26 الجاري) بريجيت كالان ابنة الفنانة هيكات، ونسّقه كريم مجدلاني بذوقٍ رهيف، كي يكون بمثابة استذكار يكشف عن جوانب لطالما كانت خفية عن أسرار شخصية وقصص مشتركة يتبادلها عادة الأصدقاء، ويكون لها دور فاعل في تعزيز الجوانب الفنية. وفي هذا السياق، توجه بريجيت تحية عرفان لما فعلته ندين من أجل هيكات طوال 25 عاماً، فقد أعادتها إلى لبنان بعد غياب دام 17 عاماً، وتلقفت أعمالها بشغف وأقامت لها المعارض في بيروت ومن ثم في دول الخليج العربي حيث منصات المزادات الدولية، وظلت تحتضنها بحب وحنان في فترة مرضها وحتى آخر رمق من حياتها. لم تبدأ تلك الصداقة الثمينة من الصفر كأي علاقة تنشأ بين صاحبة غاليري وفنانة تشكيلية. فالمعروف أن ندين بكداش سيدة يتهيب أمامها الفنانون كما كانت الحال بالنسبة لوالدتها جانين من قبل، وأن صداقاتها ليست واسعة بل انتقائية، تماماً كما كانت تردد جانين على مسمعي بأن الصداقة لا تأتي إلا مع مرور الوقت، لذا فإن أصدقاءها قلائل. ولكن سرعان ما نكتشف أن أواصر الصداقة بين هيكات وندين، ليست متوارثة من جيل إلى جيل فحسب، بل متأصلة في جذور العائلتين (الخوري وربيز)، لا سيما أن كلود ربيز (خالة ندين) ظلت رفيقة هيكات من الطفولة إلى الكهولة. كنتُ أعتقد أن أساس هذه الصداقة هي جانين ربيز، لأسباب عديدة، أن سمات التمرد والتحرر من القيود العائلية والتقاليد الاجتماعية كان قاسماً مشتركاً بينها وبين كالان، علاوة على ذلك المعرض الذي نظمته لها في عام 1970، في “دار الفن والأدب” الذي أسسته جانين مع مجموعة من المثقفين موئلاً للفن والفكر والثقافة على طريق الشام. كان المعرض وقتئذٍ بطبيعته تجريدياً وبمضمونه إباحياً، وقد قام رجال الإطفاء باعتلاء السلالم العالية لتعليق لوحاتها على الجدارن العالية للدار، دون أن يعرفوا أن ما يرونه في اللوحات هو همزات من مفاتن جسد الأنثى. منحوتات ولوحات من معرض هيكات كالان وجوه وأماكن من الأبواب الخلفية للصداقة، تكشف بريجيت في النص الذي قدمتْ فيه المعرض، بأنه “في عام 1994، قبل بضعة أشهر من حفلة افتتاح معرضها وقتئذٍ، انتقلت هيكات إلى أدما في منزل أتاحه لها ابنها بيار. وكان يطلّ على منظر خليج جونيه الذي أخذ يحيي لديها الكثير من الذكريات: منزل والديها في الكسليك، الذي أصبح منزل العائلة، ومحترفها الأول الذي أقامته في حديقة المنزل؛ ووجبات غداء يوم الأحد مع أصدقاء جدد في الجامعة الأميركية في بيروت؛ ومعرضها الأول مع صديقتها هيلين الخال. هناك على المرتفعات، عملت بلا كلل ورسمت السلسلة الأولى من معرضها “وجوه وأماكن”. لم تخرج هيكات في “وجوه وأماكن” عن مبدأ التبسيط في الإيحاء بمعالم الوجوه والأماكن والأشكال، بل عالجت ذلك البُعد الحكائي لذاكرتها بالخطوط والدوائر والمربعات والمستطيلات وأنواع الزخارف. لا بد أن هذا المعرض قد أدخلَ السعادة إلى قلب هيكات العائدة بعد طول غياب إلى بيروت، حيث التقت الأصدقاء والفنانين والجيل الجديد من المتذوقين، ولطالما أحبت أن تكون محاطة بالناس والأصدقاء والزوار، فهي ابنة أول رئيس جمهورية وعاشت في بيت يعج بالقاصدين وبحفلات الضيافة والموائد والمناسبات، وظلت هيكات بعد هجرتها إلى كاليفورنيا تدعو الفنانين والأصدقاء إلى حفلات تقيمها في بيتها ومحترفها، ولكنها لم تستطع أن تخترق عزلتها الفنية هناك بحسب قول نادين (التي زارتها هناك ثلاث مرات) فكانت السنوات الصعبة تمضيها بالعمل الدؤوب. وهي بالأساس إنسانة متسامحة وسهلة ورضيّة ولكنها جديّة كثيراً وتعرف ماذا تريد. كانت مرحلة إعادة الإعمار في بيروت قد فتحت أبواب الأمل والتفاؤل، ما شجع على إقامة المعرض التالي لها في عام 1997، وكان عنوانه مستوحى من ذكرياتها في سني مراهقتها المضطربة، حين كانت تقول لوالدتها إن المال لا يصنع السعادة، ولكنها كانت تردد على مسمعها بأنه يساهم بتحقيقه. استخدمت فيه كالان العملات الورقية والمعدنية في تركيب جذاب يعتمد على التمزيق والتلصيق وكتابة العبارات والتعليقات، وكأنها أضحت بلا قيمة لتكون مادة للزينة والعبث والسخرية، وكانت تكتنف المعرض عناوين مثل “سياسة شد الأحزمة” أو “جسر من الذهب”، وكانت الأعمال صغيرة ومتساوية الأحجام. لوحة طريق الشام من معرض هيكات كالان سنواتي الفتية عنوانها التّمرد لا نعرف كيف يكون التمرد هادئاً وعميقاً ومؤثراً في آن واحد إلا مع هيكات كالان التي تُعتبر من كبار فنانات المعاصرة في العالم العربي (لها أعمال في العديد من المتاحف العربية والدولية)، وهي بحقّ أول فنانة تجرأت وكرّست لغة الجسد بأسلوب تجريدي – إيروتيكي، يُقرأ على أنه خطوط سلسلة ورشيقة من رغبةٍ وجمالٍ وانغماس في الشهوة. قصاصات من الجسد، هي بمثابة “أوتوبوتريه” للفنانة بحسب وصفها. هي التي تمردت منذ صباها إلى رفض كل ما يتصل بالأزياء الراقية في إطلالتها الاجتماعية فلبست القفطان الذي يتكيف أكثر مع طبيعة جسدها البدين، ووصلت في تمردها أن تركت زوجها وأولادها الثلاثة، وسافرت إلى باريس عام 1970 بحثاً عن شغفها بالفن ولتتابع دراستها، فعاشت وعملت كفنانة لمدة 17 عاماً، فكانت ضيفة منتظمة لدى استديو Feraud تلتقي بالعديد من الفنانين المعروفين من أمثال أندريه ماسون، لتدخل من بعدها عالم تصميم الأزياء من بابه العريض مع مجموعة “نور” وهي تنويعات من القفطان العربي المزيّن بزخارفها وخطوطها، رسمتها بطلب من المصمم العالمي بيار كاردان، كان ذلك في عام 1979، الذي شهد لقاءها بالنحات الروماني جورج أبوستو، فأحبّته وتزوجته رغماً عن إرادة أهلها وعملت معه في مجال النحت (ولكنها احتفظت بعائلة زوجها الأول). بعد وفاته انتقلت إلى كاليفورنيا في عام 1987، حيث استقرت فيها لغاية عام 2013، وظلت تعمل فيها وتعبّر عن شغفها بحب الحياة وتفتش عن جذورها الشرقية بين ثقافات العالم، لتشهد على آخر معرض أقامته لها ندين بكداش في مركز بيروت للمعارض، وكان من النوع الاستعادي الضخم الذي جمع نتاجها في مختلف الخامات والتقنيات والمواد. وظلت في بيروت حتى رحيلها بعد معاناة مع المرض في عام 2019. إنه الحب ثمة لوحات تذكّر بمعرضها ما قبل الأخير الذي حمل عنوان “سنواتي الفتيّة” من بينها لوحة “طريق الشام”، مزَحتْ فيه بين السرد والنقد، وبين الذكريات الشخصية والفن وقصص السياسة، ولامست فيه حقائق جارحة، حين فتحت صفحات أعمالها على محطات بارزة من حياتها، مع انعطاف نصّها التشكيلي نحو كتابة عبارات ساخرة وأقوال شعبية (على الطريقة اللبنانية) تطلّ مواربةً من المظهر الزخرفي المتشابك بحفاوة مع الألوان الحارة. ذكرياتٌ لا تستر شيئاً من خبايا الذات ولا أهل السياسة والمجتمع. ما هَمّ إذا كانت لهذه الذكريات طابع الفضائح؟ فالفنانة لا تحفل ولا تجامل. بل هي صادقة وعميقة ومتصالحة مع نفسها ومع العالم إلى أبعد الحدود. فقد كانت شابة حين رأت أن مشروع “شق طريق الشام” قضى على بناء السراي التراثي القديم في لعبة مصالح السياسيين، وكانت شابة حين عاشت مخاض الاستقلال 15 يوماً ومن بعد ذلك الهباء. نصوص من نوع الاعترافات، هي بين الترميز والدعابة والطرافة والنقد الساخر لبُنية لبنان الهشّة القائمة منذ عهد الاستقلال حتى الآن على المصالح الفردية على حساب المصلحة العامة. يستعيد معرض الصداقة نصوصاً كتبتها هيكات كالان عن علاقتها بالوطن والموت والحرب والأماكن والخراب، وهي تقارب الشعر كقولها “عيون النساء في مدينتي رسائل حب”، وكتبت أيضاً تقول إنه في “مدن الغربة لحظات الضجر أكثر إيلاماً من الموت” وتتحدث كثيراً عن الوقت، فتَراه مسطحاً مثل صحراء أو سراب. فهي لا تكترث للوقت ولا للعمر ولا للماضي ولم ترتدِ في حياتها ساعة يد. “إذا الموت داهمنا نكون قد صرفنا الوقت بعمل نحبه. نموت رغماً عنا، وليس حزيناً فراق هذه الحياة المليئة بالآلام والمآسي وغياب العدالة. كلما ذرفتُ الوقت منكبةً على لوحتي وأوراقي، كلما توهمتُ بأني أطيل سنوات عمري. إنه الحب.. هل أنا مخطئة”. هيكات التي أحبت الحياة بكل ما فيها حتى الثمالة، أو بحسب وصفها “عصرت الحياة مثل برتقالة وأكلت قشورها”. كان لها عالمها الخاص ولغتها وأدواتها ومزاجها وموتيفاتها. من باب الجرأة فتحت نوافذها على عصيان كل ما هو خارج عن لغة التشكيل، حتى باتت هذه اللغة هي الوحيدة التي أتقنتها وعاشت من أجلها. لذا كانت لوحاتها مرهونة بمتعة يديها في العمل على امتداد أوقاتها المؤنِسة التي كرّستها لنسيجها الفني الدافق والبسيط والتلقائي المختلط بالموتيفات والزخارف التي تجرّ بعضها بعضاً في تعبيرات معتمدة على التقنيات المتنوعة والأقلام الملونة. فالمسطح كانت تبسطه أمام ناظريها وسرعان ما يصير فضاءً تطل منه على ماضيها وحكاياتها وإخبارها، فتمشي به ويمشي بها، لذا كانت ترسم من مختلف الأطراف والجهات بمعيّة ذاتها وحدها وهي تردم الهوة بين الفن ومجريات الحياة. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تدريس الهوية الجندرية: مسلمون ضدّ وآخرون مع، والقلق مسيطر next post رضوان السيد يكتب عن: التواصل الحضاري بين الأمس واليوم You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024