لوحة للرسامة سامية عسيران جنبلاط (أرشيف الرسامة) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: سامية عسيران رسامة الطبيعة وما وراءها by admin 7 ديسمبر، 2024 written by admin 7 ديسمبر، 2024 46 رحلت عن 80 سنة وأعمالها عرضت في المتاحف العربية وفي دار كريستيز اندبندنت عربية / مهى سلطان السبت 7 ديسمبر 2024 15:04 رحلت الرسامة سامية عسيران جنبلاط (1944-2024) عن عمر يناهز 80 سنة، بعد معاناة مع المرض. هي التي حولت عتمة دواخلها وخسارات فقد أحبائها إلى انتصارات في الفن وجرأة في التجريب، وتمتع شبيه بزغاريد في الفضاء من ألوان أزهار الحدائق النائية. لم تلتفت يوماً إلى ما يرضي الذائقة العامة بحثاً عن رواج أعمالها، بل كانت ترسم ما كان يحلو لها، لتسعد نفسها وتحقق وجودها بلا تبعات، ولو جاء أسلوبها فطرياً أو سوريالياً، أو تعبيرياً صارخاً، وسواء كان تشخيصياً أم تجريدياً، فكل ذلك كان لديها مرتبطاً بمشاعرها الصادقة وثقافتها وفلسفتها في الحياة. وعلى رغم العزلة الفنية التي عاشتها في سنواتها الأخيرة غير أن أعمالها الفنية في العقد الأخير من حياتها، لاقت انتشاراً واسعاً لدى أصحاب المتاحف العربية والمنصات الدولية، لاسيما مع صعود ظاهرة البحث عن أعمال فنانات عربيات من جيل الحداثة، هكذا عرضت أعمالها في دار كريستيز في لندن إلى جانب المشاهير. طبيعة صامتة للرسامة عسيران ( مجموعة خاصة) الرسامة سامية عسيران جنبلاط، هي واحدة من أبرز فنانات جيل الحداثة الثانية في فنون بيروت. ولدت في صيدا (عام 1944)، إذ عاشت طفولة مشبعة بالأحداث الوطنية التاريخية، فهي من عائلة سياسية عريقة، والدها رئيس مجلس النواب السابق عادل عسيران (1905-1998)، كان واحداً من أبطال رجالات الاستقلال، تقلد مناصب عديدة في الدول اللبنانية. لعل أول صدمة تلقتها في حياتها هي حين خسرت شقيقها الأكبر عبدالله في عام 1972 في حادثة الاغتيال التي تعرض لها والدها من بعض معارضيه. أرادت في البدء أن تكون عازفة بيانو أو شاعرة، ولكنها آثرت دراسة الفن في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت عام 1965. تابعت دراستها في معهد البابا بيوس الـ12 في فلورنسا (عام 1967)، كما تابعت دورات تخصصية في فن الغرافيك في مركز كنيدي في بيروت عام 1970، وفي جامعة طوكيو للفنون الجميلة في اليابان (ما بين عامي 1974- 1975). عملت أستاذة في كلية بيروت الجامعية (1970-1972) حالياً الجامعة اللبنانية الأميركية LAU، وترأست في عام 1977 جمعية “أرتيزانا صيدا وجنوب لبنان”. تزوجت الفنانة سامية عسيران من جمال رشيد جنبلاط عام 1979 ونقلت مرسمها إلى البرامية – صيدا، إذ سعت إلى إنشاء متحف في مقر إقامتها في القصر، الذي يضم مقتنيات العائلة الجنبلاطية من التحف والأثريات والفن اللبناني. أقامت عدداً من المعارض الفردية (ما بين عامي 1966-2023) في فلورنسا وبيروت وصيدا وأوساكا (اليابان)، شاركت في كثير من المعارض الجماعية المحلية والعربية. كان آخر معرض استعادي لمختارات من تجاربها الفنية طوال أكثر من 50 عاماً، نظمه صالح بركات ضمن تظاهرة أرت أبو ظبي – الإمارات العربية عام 2023. صدر عنها كتاب في عام 2010 عن دار الفنون الجميلة في بيروت كتبه بالإنكليزية الناقد سيزار نمور، يتناول حياتها وتجاربها الفنية. لوحة من اعمالها التجريدية ( أرشيف غاليري صالح بركات) مثل طفل بدائي يكتشف العالم الفن بالنسبة إليها كان مثل فضاءات دائمة التحول، لكأنه نسيج من مرايا حياتها وعلاقتها الوطيدة بالطبيعة. مرت تجاربها الفنية طوال أكثر من نصف قرن، بثلاث محطات تحكي حكاياتها مع ثلاث مدن هي: صيدا وفلورنسا وطوكيو. صيدا في رونق أزهار بساتينها، وفلورنسا في المناخات الإنسانية والاحتفال بالجمال البشري، والبهجة في الحياة والقيم الإنسانية. ويظهر هذا التأثير في لوحاتها، من خلال التصوير الواقعي للشكل البشري وفي نهجها العقلاني وتناسقه، ومنظورها الخطي وألوانها الزاهية المفعمة بالحيوية. أما طوكيو فأعادتها لفتنة الطفولة حين كشفت لها عن سر تأملات الزان، وحدائق الصخور الخيالية، وشجيرات البونساي، والإيكيبانا، ورشاقة الخط العربي والتصميمات البسيطة وأثرها على تركيب العمل الفني. فكانت في رسومها المصغرة ونقوشها الخشبية تجمع بين غير المتوقع والمدهش، فتظهر البساطة، وجمال الصدفة والعفوية، والإيحاء الدقيق، والتصوير غير المنتظم، بأقل قدر من التفاصيل، وضربات الفرشاة السريعة والفضاء العميق. الفنانة سامية عسيران جنبلاط (أشيف الرسامة) تناولت الناقدة والفنانة هلن الخال في كتابها The Woman Artist In Lebanon الصادر في بيروت عام 1988 تجارب الفنانة سامية عسيران من خلال حوار معها تضمن أبرز المؤثرات والتحولات التي عرفتها أعمالها خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات. قالت فيه عسيران: “إن العلاقات القائمة بين الموضوع والبيئة المحيطة به، وبين البشر والقوى الكونية، تنشئ في الفضاء علاقة مستمرة تؤدي على المستوى الفلسفي إلى التباس بين المادة والروح. لقد كان الفن بالنسبة لي دائماً تعبيراً عن الذات ووسيلة للتواصل بالمعنى الإنساني. الكلمات لا تكفي، وصورة واحدة يمكن أن تنقل كل ما يجب قوله. كنت أؤمن ذات يوم بالمفهوم الكلاسيكي للزمان والمكان وفكرة الدوام، ولكن بسبب الأحداث التي وقعت في حياتي، تغير هذا وتم استبداله الآن بفكرة التغيير وعدم الدوام مثل تسلسل فيلم من الأحداث التي تجري بسرعة، دراماتيكياً واحداً تلو الآخر. كل هذا ينعكس في عملي، إنه في الواقع مثل فيلم مصور من الصور الصامتة والرموز والزخارف الشرقية ذات الجانب الرسومي الشبيه بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة، كلها مجمعة لتقرأ بصرياً، ككلمة مكتوبة، تعبر عن الصورة والمعنى. إنها تشبه إلى حد ما الرؤية الخاصة لرسوم طفل بدائي، يكشف عن تجربة العالم الخارجي من خلال تجليات خطوط الصورة المرسومة ورموزها”. زهور مأتمية في حديقة قصرها في برامية – صيدا استعادت سامية عسيران بداهات الحلم الشرقي الذي لازمها طوال مسيرتها، تحت تأثيرات ما عرفته الفنون التجريدية في بيروت في أواسط مرحلة الستينيات من اتجاهات وأساليب. كانت عسيران زاولت التجريد اللوني منذ أوائل السبعينيات واعتبرت أن التجريد يلخص أشكالاً مختلفة عبر الضوء واللون، خصوصاً تجارب الأسود والأبيض التي تحمل آثار الحرب، وهي مليئة بالإيحاءت والأصوات والإيقاعات والنوتات والألحان. كانت حديقة الفنانة مصدر إلهامها، إذ رسمت الزهور البرية الربيعية والسوسن المزخرف والزنبق والورود، وكذلك النباتات الشوكية والصبار، كلها كانت تجذب انتباهها الفضولي وفرشاتها الحساسة. وأصبحت الخضراوات والفواكه في الحديقة والمنزل شاهدة على جمال الطبيعة بكل أشكالها وألوانها، لكن المفارقة أن الفنانة كانت تواجه الموت بزهور مأتمية. فكان معرض رسوماتها بالأسود والأبيض تخليداً لذكرى أخيها في عام 1972، والزهور المزخرفة في معرضها في عام 1999 تخليداً لذكرى والدها، وكذلك الزهور البرية والصبار في عام 2008 تخليداً لذكرى والدتها، كلها تتحدث عن المشاعر التي عبرت عنها في رسوماتها ولوحاتها. إذ إن تأملها في جذوع الأشجار، وميلها إلى التقاط صور مقربة للأزهار والأشياء في الطبيعة، وطيرانها في خيالها إلى الكون الواسع المشرق، يعكس تصورها البديهي للحياة. تقول “الزهور هي أغاني الأرض وراحة الروح، إنها مصدر إلهامي لأنها تثير في نفسي مشاعر مختلفة عندما أرسمها، إنها تمنحني رضاً روحياً وجمالياً”. رسمت سامية عسيران مشاهد سوريالية مدهشة لحدائق خيالية من الصخور، بالأسود والأبيض، فضلاً عن المناظر الطبيعية التي رسمتها باستخدام الغواش والزيت على الورق في منتصف وأواخر التسعينيات بأسلوب يحمل تأثيرات يابانية. تبدو جذوع الأشجار متوحشة ولا يمكن السيطرة عليها حيث تتلوى وتتفرع في جميع الاتجاهات. فكانت تعبر عن مشاعرها وعن حكايات ارتباطها بالطبيعة من خلال رسم الزهور والفواكه وجذوع الأشجار المنتظم بأقل قدر من التفاصيل، وضربات الفرشاة السريعة. في حوارها مع الناقد مع الناقد سيزار نمور، تقول إنها: “تتبع دائماً ضوءاً مجهولاً، ضوءاً يخترق كل شيء، ينبعث من الروح ومن الطبيعة”. تعتبر سامية عسيران أن: “الفن هو انعكاس لمشاعرنا وتجاربنا الداخلية، أنا مهتمة بصورة أساسية بالضوء وانعكاسه على الأشياء. إنه مصدر إلهامي الرئيس، لأنه ينير روحي. إن صفات الضوء المختلفة في الفصول، وإشراق الفجر، وغروب الشمس، وضوء القمر تبهرني. الشكل واللون يجذبان اهتمامي، وكذلك ألوان الزهور وصور الأشخاص الظلية.” هذا الشغف بالظل جعلها تدخل في غمار تجربة القص للكرتون الملون في مراحل التسعينيات، فجاءت شبيهة بالتجارب الأخيرة من حياة الفنان هنري ماتيس. فن الأشباح الملونة والمتحركة، مع وجوه وطيور وشموس وصباحات نسوة وألوان. المزيد عن: رسامة لبنانيةالطبيعةلوحاتمعرضالغنائيةالبعد الروحيدار كريستيزاللونعناصر الطبيعة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “كابيريا” الضائعة بين قرطاجة وروما… السينما في خدمة الأيديولوجية next post قصور حضرموت الطينية… شواهد فنون العمارة اليمنية You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024