الخميس, أبريل 24, 2025
الخميس, أبريل 24, 2025
Home » مهى سلطان تكتب عن: حادثة واحدة وحروب كثيرة في معرض “مركز أمم”

مهى سلطان تكتب عن: حادثة واحدة وحروب كثيرة في معرض “مركز أمم”

by admin

 

شهادات من زمن الرعب في ذكرى50 عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية

اندبندنت عربية / مهى سلطان

كيف نوثق حرباً لم تنته؟ سؤال طرحه مركز “أمم للتوثيق والأبحاث” في معرض استذكاري يقام حالياً في بيروت لمناسبة مرور 50 عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت أولى شراراتها خلال الـ13 من أبريل (نيسان) عام 1975 داخل عين الرمانة، في ما يعرف بـ”حادثة البوسطة”.

على رغم أن الـ13 من أبريل عام 1975 غالباً ما يشار إليه كبداية للحرب، فإن الحروب في لبنان لها جذور أعمق وسياقات أعقد، مما يجعل هذا اليوم رمزاً لفصل مأسوي لا يزال تأثيره قائماً حتى اليوم. المعرض الذي يقام في “الهنغار” التابع لمركز أمم الذي أسسه الكاتب لقمان سليم في الفضاء الخلفي لحديقة البيت في حارة حريك -الضاحية الجنوبية لبيروت- لا يهدف إلى استذكار حدث مضى، بل لمساءلة تاريخ مفتوح ومكسور ومستمر، وهو لم يطو بعد، كما يسعى إلى تحرير ذاكرة الحرب من السرديات الجامدة، وإعادة نبش ما خفي خلف الصمت والنسيان، ليقدم قراءة فنية في تكرار الحروب وتحولها إلى بنية تحتية للعيش اليومي.

صورة من بيروت زمن الحرب (خدمة المعرض)

 

في حارة حريك لا يرى الزائر الدمار فحسب، بل يلمس بأطراف روحه معنى الفقد، ويشعر كيف يمكن للحرب أن تعيد تشكيل المكان والإنسان في لحظة خاطفة، كأن مشهدية الخراب هي أنطولوجيا قدرية متواصلة. تحت وطأة الجروح الساخنة، والفجوات التي طاولت تلك البقعة الخضراء النابضة بالحياة والثقافة في دارة آل سليم، يفتح معرض “الهنغار” نوافذ الحاضر على ذكريات الماضي الذي ما زال مترسخاً في العاطفة والوجدان. هو ليس مجرد عرض، بل سؤال ممتد في الزمان: “50 عاماً: حادثة واحدة وحروب كثيرة”، شعار يحتضن خليطاً من الأعمال التي تتوزع كخطوط ضوء داخل قاعات المعرض، لفنانين معاصرين خطوا في أعمالهم ملامح الحرب وارتجاجاتها في الذاكرة، الفردية منها والجمعية: لميا جريج وألفريد طرزي وحسام بقيلي وطلال إلياس خوري. من بين أيديهم تتشكل عوالم بصرية، مشاهد وتجهيزات وأفلام تنبض بالتجربة، وتوشح جدران المكان بشهادات ووثائق وصور، تستحضر بعضاً من وقائع الوجع التي ما زالت معلقة في هواء الذاكرة.

بالتوازي، نكتشف برفقة الناشطة والروائية رشا الأمير (المسؤولة عن دار الجديد للنشر)، أهمية العمل التوثيقي الذي أنجزه “مركز أمم” بمناسبة مرور 20 عاماً على تأسيسه. وهذا الجهد يتجلى في إطلاق “ديوان الذاكرة اللبنانية”، وهو موقع إلكتروني بنسخته المحدثة والمتطورة، يتيح بسهولة تصفح ما يعرف بـ”دليل اللبنانيين إلى السلم والحرب”، ويضم آلاف الوثائق والشهادات والأحداث.

محطات الحرب

أغراض حرب فيديو وشهادات (خدمة المعرض)

 

ومن بين معروضات الديوان، تتصدر محطات بارزة من 50 عاماً من الحرب اللبنانية. يرافق هذا الاستذكار نسخ للصفحات الأولى من بعض الصحف البيروتية، نراها معلقة على الجدران، وحملت افتتاحياتها وعناوينها الصادمة أحداثاً طبعت ذاكرة الحرب، بدءاً من الـ14 من أبريل 1975، اليوم التالي لشرارة “بوسطة عين الرمانة”، وما تلاها من هستيريا القتل والخطف والتدمير والانقسام الطائفي، وصولاً إلى ما بعد إعلان السلم. وهي مرحلة مصيرية ما زالت معلقة، لا سيما في ظل أحداث مثل حادثة الطيونة صباح الـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، التي أعادت إلى الأذهان خطوط التماس بين منطقتي الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت، وعين الرمانة في الضاحية الشرقية، ذلك الخط الذي شكل جبهة لحرب طويلة امتدت من عام 1975 إلى عام 1990.

لا بد من الإقرار بأن هاجس الحرب ما زال حاضراً ويخشى الانزلاق فيه، إن لم نقل إنها لا تزال وراء الباب، وتذكرنا من حين إلى آخر تصريحات لا لبس فيها، يدلي بها قادة وسياسيون. بالتالي فإن هذا الديوان لا يوثق الماضي فحسب، بل يوقظ الذاكرة من سباتها القسري، ليعيد سرد الحكاية أمام أجيال لم تعشها، لكنها ما زالت ترزح تحت أصدائها. ففي زمن يتآكل فيه التاريخ بالصمت والتجاهل، يصبح التوثيق مقاومة، والذاكرة فعل خلاص من التكرار، ودرعاً ضد السقوط في الهاوية ذاتها من جديد.

“لا يرحل أثر الحرب عن الجسد المادي بسهولة. إنه يظل راسخاً في أجساد المقاتلين، تلك الأجساد التي تنتمي للأفراد كما تنتمي للقوى التي حركتهم. وتبقى الحرب محفورة في الأمكنة أيضاً: في المباني والشوارع التي أعادت الحرب تشكيلها بالعنف والانقسام”. كتب منسق المعرض أيمن نحلة يتحدث عن صورة لمقاتل خلف المتراس يقول بأنه لا يبدو كضحية للتاريخ، بل كمن يصنعه. يدرك وجود العدسة، يتفاعل معها، يصنع لنفسه مكاناً في أرشيف العنف. “إن تاريخ التصوير الحربي مليء بمثل هذه اللحظات، حين تتحول الميليشيات إلى عرض، والنظرة إلى تمثيل. فالحرب الأهلية اللبنانية، كسواها من الحروب، دارت أمام الكاميرات بقدر ما دارت على الجبهات… ولكن الحرب لا تعيد تشكيل المكان فحسب، بل تصوغ الهويات، وتنحت أثرها في من عاشوها”.

استنطاق الذاكرة

نصب تذكاري وتجهيز للفنان ألفرد طرزي (خدمة المعرض)

 

في هذا السياق من البحث عن أثر الحرب واستنطاق الذاكرة لإعادة تشكيل الحكايات الناقصة، قدمت لميا جريج في “أغراض حرب” سلسلة شهادات حية عن الحرب اللبنانية في عمل تجهيزي متعدد الوسائط (فيديو وأغراض) يختار كل شخص غرضاً عادياً أو غير عادي، ليكون بمثابة نقطة انطلاق لقصته التي عاشها كتجربة شخصية. وهذه الشهادات، في حين تسهم في بناء ذاكرة جماعية، تظهر أيضاً استحالة سرد تاريخ واحد لهذه الحرب. وتقول الفنانة إن هذا العمل لا يهدف إلى كشف الحقيقة، بل إلى جمع ومواجهة روايات وخطابات متنوعة حول هذا الموضوع، وخصوصاً بعد صدور قانون العفو العام الذي غيب المحاسبة. وهذا العمل هو استعارة للغة التوثيق لاستخدامها في مجال الفن”. أما أبطال هذه القصص فهم مدنيون غالبيتهم من المثقفين والشعراء والأدباء والعاملين في مجال الفن والمسرح والسينما (من بينهم إيتل عدنان وسيمون فتال وسمير فرنجية ويوسف بزي وحسن داوود ويحيى جابر ومحمد سويد وصالح بركات وشذا شرف الدين ورشا سلطي، وجلال توفيق وآخرون…). بدأ مشروع جريج بتصوير فيديو عام 1999، استمر العمل على جمع هذه القصص وتجميعها مع “أغراض حرب” منذ عام 2006 حتى عام 2014، ولا يزال المشروع مستمراً في سلاسل جديدة.

في المعرض أثر يتبدى كنصب نحتي بارع، أو كخردة مجردة من الهيئة، يتضح أنها قطعة من عمود إنارة أصيب بشظايا مزقته وظل صامداً. وكتب عنه لقمان سليم يقول “الحرب تقتل، ويحدث، أحياناً، أن تثخن في القتل وأن تبدع. وعلى رغم أن القتل يجري، مجازاً، على كل شيء تقريباً، هذا الأثر من آثار “الحرب اللبنانية” اتفق له أن كان منصوباً على أحد “خطوط التماس”، في المنتصف تقريباً من المحور الذي كان يطلق عليه اسم مار مخايل ـ غاليري سمعان. لا يصح لربما، أن توصف الثقوب التي تحمل هذا الجماد آثارها بالجراح أو بالندوب، ولكن هذا التعذر اللغوي لا يقلل في شيء من مكانة هذا الجماد الذي يوثق في عداد ما يوثقه رصيد هذه المئوية من الفظاعات، التي نحاول مواراتها، والذي فيه بيان لما يعنيه أن تتكسر النصال على النصال”.

بيروت مملكة الانهيار، يكمن غموضها بما تنطوي عليه من تناقضات، وهي تتبدى في فضاء يشغله ألفرد طرزي ما بين متدليات من السقف لأرشيف ورقي من مقتطفات ذاكرة غير مقيدة وبلا حصر، و”صندوق العجائب” الملعق على الحائط، الذي يقدم تاريخ بيروت من نشأتها كمدينة حديثة في عام 1860 وحتى الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، من خلال أعمال رسم وكولاج على شريط قماشي متواصل بطول 12 متراً. وفي هذا العمل الذي يحمل عنوان “العشاق: الجسد والأرض”، يتتبع الفنان ولادة وانهيار ظاهرتين شكلتا هذه المدينة: التحرر الجنسي والثورة الفلسطينية من خلال متابعة حية لملكة جمال الكون لعام 1971 جورجينا رزق، وزوجها حسن سلامة رئيس جهاز الأمن في منظمة التحرير الفلسطينية. ومن خلال المظاهر المتشابكة لهذين الرمزين، وفي ظل تجاوزات الحرب الأهلية اللبنانية، يشير العمل إلى مسألة القضاء على أفكار تحرير الأرض والجسد، بفعل بورنوغرافيا الجسد والحرب.

رمزية البوسطة

شكل فيلم “الخروج من البوسطة” الإطلالة السينمائية الأولى لطلال خوري (سبع دقائق و35 ثانية)، الذي يبدو أنه ورث محاكاة القضية الفلسطينية من وهج الشمس التي نسج خيوطها وحكاياتها والده، الروائي الراحل إلياس خوري، لكنه فعل ذلك بأسلوب معاصر، يقوم على السرد البصري وتقنيات الصورة السينمائية. ويحكي الفيلم عن حافلة نقل عادية تحولت إلى أثر مسكون بالحرب. احترقت وظلت ساكنة منذ الـ13 من أبريل 1975، لتعود وتظهر من جديد كمعلم ونذير في آن واحد. انطلق الفيلم من “بوسطة عين الرمانة” الشهيرة، التي كانت مركونة في حديقة “الهنغار”، التابع لمركز “أمم”، منذ عام 2011، وفي قلبها تمت عمليات التصوير. وابتكر خوري حبكة خيالية لركاب تلك الحافلة، صنعهم من مجسمات ورقية مأخوذة من صفحات الصحف، في رمزية بصرية تحاكي احتراق البوسطة وانفجارها، التي لم يخرج منها أحد.

أما “البوسطة وأشباهها”، فهو العنوان الذي اختاره حسام البقيلي لسلسلة من لوحاته التي تجسد البوسطة كأيقونة راسخة في المخيلة التاريخية اللبنانية، مستلهماً إياها من ذكريات الطفولة في بيروت ما قبل عام 1975., تتجلى رمزيتها في أعماله من خلال أسلوب تشخيصي متقشف، قريب من الفن الطباعي، إذ يعتمد غالباً على ثنائية اللونين الأبيض والأسود. ولا تقتصر أعماله على التلويح بالماضي، بل تدفع المشاهد إلى القيام بقفزات نقدية بين مستودعات الذاكرة ومخلفات الحرب.

رمزية “البوسطة” لا تكمن فقط في كونها الشرارة التي أطلقت نيران الحرب، بل في دلالتها العميقة على هشاشة البنية اللبنانية، وعلى الانقسام الجذري بين مكوناتها السياسية والطائفية. هي البوسطة ذاتها، التي تحولت إلى محمل رمزي لرفض وحشية الحرب والدمار والقتل والعنف، ودخلت أخيراً إلى مقتنيات “متحف نابو” في الهري (شمال لبنان)، إذ تفتح هناك صفحة جديدة من حياتها وتاريخها، بوصفها شاهدة وشهيدة.

المزيد عن: الحرب اللبنانيةمعرضالصراع الاهليحروبمركز أممبوسطة الحربالماضيالذاكرة

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili