بأقلامهمعربي مهى سلطان تكتب عن : 42 معرضاً احتفالاً بخمسين عاماً على رحيل بيكاسو by admin 15 أبريل، 2023 written by admin 15 أبريل، 2023 84 لا بد من الإقرار بأن مجد بيكاسو يتعلق بمجموعة عناصر صنعت أسطورة الفنان، إذ إن سيرته لا تقتصر على مجرد سرد أهوائه كزير نساء، بل لا بد من التمعن في النسيج السيكولوجي المركب الذي يغلف إنتاج بيكاسو الهائل والمتشعب المصادر والينابيع والأزمنة والثقافات، بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان من برادو في إسبانيا إلى مركز جورج بومبيدو في باريس، إلى متحف ميتروبوليتان في نيويورك، تنطلق احتفالية ذكرى مرور خمسين سنة على وفاة بيكاسو، من خلال تنظيم 42 معرضاً حول العالم في “تعبئة غير مسبوقة” لتكريم أشهر فنان في الفن الحديث. جرعة زائدة من المعارض تمتد حتى عام 2024، هل هي محاولة لإثارة إشكاليات جديدة حول الشخصية الملغزة لبيكاسو أم لإحياء أسطورة أحد عمالقة القرن العشرين؟ وهل تثني هذه البروباغاندا من شيطنة بيكاسو وغرامياته وفضائحه مع نسائه من أجل مزيد من النقاشات والاستفسارات التي لم تخلُ منها معظم المعارض الاستعادية التي أقيمت له سابقاً منذ عام 1961 تاريخ المعرض الذي نظمه له أندريه مالرو في الغراند باليه، وكان بيكاسو على قيد الحياة؟ قد يكون هذا “الاحتفال” فرصة ثمينة لاكتشاف كيف يمكن إسقاط إرث بيكاسو الرائع في المستقبل، وبطريقة أكثر نقداً لمعرفة المزيد عن شخصيته وحساسيته الأندلسية والإسبانية. بعد 18 شهراً من الإعداد والتحضير ما بين فرنسا وإسبانيا، أعلن وزير الثقافة الإسباني ميكيل إيسيتا ونظيرته الفرنسية ريما عبد الملك عن برنامج الاحتفالات بمؤتمر صحافي عقد في متحف رينا صوفيا في مدريد، ومن أمام لوحة غورنيكا لبيكاسو، وجاء فيه بأنّ “عام 2023 سيكون عام بيكاسو” الذي سيحشد 38 مؤسسة كبرى في أوروبا والولايات المتحدة تشمل عدداً كبيراً من المتاحف، ستكشف هذه المعارض جميع جوانب الفنان الإسباني المولود عام 1881 في ملقة (جنوب إسبانيا) والمتوفى عام 1973 في موجين (جنوب شرق فرنسا)، إلى جانب سلسلة من المؤتمرات والمناظرات حول مسيرة الفنان. عديدة هي المحاولات للتعرف إلى هذا الرجل وأعماله، والسؤال الأبرز: هل سيتمكن الشباب الطالع من قراءته وتأمل منجزاته واكتشافه من رؤية جديدة؟ لقد كان بيكاسو يحلم بهم، يحلم بتحديهم له، يحلم بهؤلاء الذين يعرفون كيف يقرأونه حسب تعبيره الذين سيواصلون حمل العبء الثقيل بشتى أشكاله ومظاهره. فقد عانى بيكاسو سوء فهم أعماله، وبرغم ما حققه من الشهرة، فقد ختم يوماً إحدى رسائله إلى آل شتاين (Stein) سنة 1908 بتوقيعه الساخر “بيكاسو رسام هاوٍ”. بيكاسو المُغويّ الفاتن والمدمّر، هذا “المينوتور” أو الثور الميتولوجي الهائج والغرائزي، الكاتالوني – الأندلسي والفرنسي هو بيكاسو العالمي، في موكب فني لا مثيل له في مشهدية المعاصرة. _ميكيل ايسيتا وزير الثقافة الاسباني وريما عبد الملك وزيرة الثقافة الفرنسية امام لوحة غورنيكا لبيكاسو بيكاسو العالمي ستقام الحوادث التي تحيي ذكرى الرسام الإسباني، بشكل رئيسي في إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وأيضاً في ألمانيا وسويسرا ورومانيا وبلجيكا. أما برنامج الاحتفالية فهو يبدأ في 23 أيلول/ سبتمبر بمعرض “خوليو غونزاليس – بابلو بيكاسو وإضفاء الطابع المادي على النحت” في مؤسسة Mapfre في مدريد، وينتهي في 28 نيسان/ أبريل 2024، مع اختتام معرض “باريس الحداثيين (1905- 1925)” في القصر الصغير في باريس، ومن أبرز التيمات المطروحة هي معرض “التكعيبية وخداع البصر” في متحف موما في نيويورك، و”بيكاسو وفن ما قبل التاريخ” في متحف الإنسان – المتحف الوطني من التاريخ الطبيعي في باريس، “بيكاسو وبوسان” في متحف الفنون الجميلة في ليون، “بيكاسو بين المقدس والمدنس” في متحف تيزن في مدريد، و”تقنيات – أشكال وتحولات – إبداع خزفي مع بيكاسو” في فالوريس، ومعرض بعنوان “2023 رسماً لبيكاسو” في متحف بومبيدو في باريس، “بيكاسو وآلغريكو” في بازل، و”غويا بعين بيكاسو” في متحف غويا في كاستر، و”بيكاسو مقابل فيلاسكويز” في مدريد. وفي ما يخص المعارض التي تتناول حياته الشخصية ونساءه، فالبارز هو معرض “فرناند أوليفيه وبيكاسو في حيميمة باتولافوار” في متحف مونمارتر في باريس ومعرض ثانٍ عن المرأة في حياة بيكاسو في متحف بروكلين في نيويورك، وثالث عن علاقتها بإبداعاته المعاصرة في متحف بيكاسو في باريس، و”بيكاسو والتجريد” في بروكسل. في سياق هذا التكريم تعتبر إسبانيا رائدة في عدد المعارض (16 معرضاً)، متقدمة على فرنسا (12 معرضاً) والولايات المتحدة في المركز الثالث (7 معارض) وهناك أيضاً بلدان أخرى: ألمانيا وسويسرا وموناكو وبلجيكا ورومانيا، والأخيرة تشهد معرض “تأثير بيكاسو” يقام في بوخارست في سبتمبر 2023. ستغطي هذه المعارض جميع الأوجه والفترات، من بيكاسو الشاب (12 مايو 2023 في غوغنهايم في نيويورك) إلى بيكاسو العجوز (في Casa Encendida في مدريد، 19 مايو 2023). سيتم تسليط الضوء على وقائع المعارض والمناظرات في سياق مؤتمر صحافي ثانٍ سيقام في الأونسكو في ديسمبر 2023. الواقع أن اختيار الوقوف أمام لوحة غرنيكا لم يكن من أجل شهرتها فحسب، بالرغم من كونها من أشهر أعمال بيكاسو، بل حمل مغزىً سياسياً واستراتيجياً، فقد اعتبرت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك أن هذه اللوحة التي تخلد مذبحة بلدة غرنيكا الإسبانية (الباسك)، التي قصفتها القوات الجوية النازية في أبريل 1937، دعماً للجنرال فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، هي “بيان من أجل السلام”. وبدروه أشار الوزير الإسباني إلى أن هذا النداء لأجل السلام “يكتسب بالضرورة دلالة خاصة، في وقت تشتعل فيه الحرب على أبواب أوروبا، خصوصاً أننا نقف إلى جانب الشعب الأوكراني”، في إشارة إلى غزو روسيا لأوكرانيا. المرأة الباكية 1936 من وحي الحرب بيكاسو كما هو بلا تجميل بعيداً من المراجع السياسية والتاريخية، فإن الحوادث الاسترجاعية المنظمة في إطار “عام بيكاسو” ستكون وفقاً للمنظمين، فرصة للنظر أيضاً في “تجاوزات” و”تناقضات” الفنان. يأتي ذلك بعد تلطيخ شخصية بيكاسو التي تم تأليهها منذ فترة طويلة بسبب عبقريته التصويرية، بسبب اتهامات كراهية النساء والعنف ضد رفاقه، التي تم تسليط الضوء عليها مؤخراً من قبل حركة “أنا أيضاً” #MeToo . وفي ظل هذه الشيطنة لحياة بيكاسو، بما فيها من فضائح، ستعود محاولات نبش ملفاته القديمة من كتب وإصدارات، لا سيما مع تصريح الوزيرة الفرنسية قولها “من المهم أن يعرف الجمهور بيكاسو معرفة أفضل، وأن يعرف أيضاً جزء العنف الذي كان فيه”. فنان النساء والحب وصاحب “آنسات أفينيون” Les Demoiselles d’Avignon والباكية La femme qui pleure اتهمته الصحافية صوفي شوفو في كتابها “بيكاسو المينوتور” بأنه “غيور” و”منحرف” و”مدمِّر”، وربما الأكثر إيلاماً هي الاتهامات التي كتبتها حفيدته مارينا بيكاسو من زوجته الراقصة الأوكرانية أولغا خوخلوفا، عن جدّها في كتاب حمل اسمه قالت فيه “لقد احتاج إلى الدم للتوقيع على كل لوحة من لوحاته: دم والدي، ودم أخي، وأمي، وجدتي، ودمي. كان بحاجة إلى دماء أولئك الذين يحبونه… لقد كان يُخضعهم لميوله الحيوانية، يروضهم، يسحرهم، يبتلعهم، ويبصقهم على قماش لوحاته، بعد أن يقضي الليالي يمتص جوهرهم، وبمجرد أن يصبحوا كالجماد بلا روح، يتخلص منهم”. _بيكاسو آنسات أفينيون- 1907 وكثيرة هي المقالات التي كتبت بالخط العريض “بيكاسو الرجل الذي افترس نساءه” في إشارة إلى عاشق مُسيء قاد حبيباته للجنون والانتحار والعزلة التامة. تقنية مغازلة بسيطة وفعالة: “سيدتي، أرغب في رسم صورتك”. فرناند، إيفا، أولغا، ماري تيريز، دورا، فرانسواز، جاكلين… حياة بيكاسو هي عبارة عن مجموعة من الفتوحات… لقد صنع روائع”. بالرغم من مشاعره المتأرجحة بين الحب والاحتقار، كان لستّ سيدات تأثير أساسي على عمله. فرناند أوليفيه التي أخرجته من درامية المرحلة الزرقاء إلى المرحلة الوردية، وأولغا خوخلوفا راقصة الباليه في فرقة دياغيليف الروسية زوجته التي وَصف جان كوكتو عصرها بأنه “عصر الدوقة”، وماري تيريز والتر العشيقة التي أحبته بجنون وانتحرت بعد وفاته، ودورا مار كانت ناشطة سياسية مناهضة للفاشية، وُصفت علاقتهما بأنها علاقة سامّة، يمكن رؤية أثرها في استخدامه للزوايا القاسية والأشكال المفككة والألوان الجريئة، أصيبت بانهيار عصبي بعد انفصالها عن بيكاسو ووصلت إلى الجنون، وفرنسواز جيلو الوحيدة التي تمردت على بيكاسو وأصدرت كتابها Vivre avec Picasso فضحت فيه طبائعه المسيئة لها طوال عشر سنوات، فكان أن تبرأ بدوره من أطفالهما. أمّا جاكلين روك الزوجة الأخيرة لبيكاسو فقد أطلقت النار على نفسها عام 1986 بعد مرور 13 عاماً على فراق حبيبها. فرانسواز جيلو المرأة المتمردة التي قالت لا مع لوحة لبيكاسو من وحي صورتها لا بد من الإقرار بأن مجد بيكاسو يتعلق بمجموعة عناصر صنعت أسطورة الفنان، إذ إن سيرته لا تقتصر على مجرد سرد أهوائه كزير نساء، بل لا بد من التمعن في النسيج السيكولوجي المركب الذي يغلف إنتاج بيكاسو الهائل والمتشعب المصادر والينابيع والأزمنة والثقافات، وجرأته الإبداعية في الخروج عن الأعراف والتقاليد، وهو الذي مزج التعاويذ المتوحشة بوجوه نسائه وقدمهن على أنهن بغايا العصر الحديث في آنسات أفينيون – على سبيل التورية – فاعتماد الفن الزنجي (1906) كخلفية ثقافية كان موقفاً متطرفاً ينسجم مع مواقفه المقاومة للأفكار الاستعمارية التي سيطرت على عصره، عندما قرر أن يمزج رؤيته الخاصة لمتعة الحياة من خلال فتيات المتعة، علماً أن “المتعة” لدى بيكاسو تتسم بصفتي الصخب والعنف. _بيكاسو مع سيلفادور دالي وآندي وارهول وجان ميشال باسكيا- التأثير الاميركي مزج بيكاسو التاريخي والميتولوجي، والبدائي والمتحضر، والقديم والحديث والذاتي – الخاص بالسياسي – العام، كان في حقيقة الأمر يعمل بشكل متواصل قوله “أنا أعمل كثيراً” وتحت وطأة هذه التفعيلة المقتضبة الواردة بكثرة في مراسلاته لأصدقائه الكثر من الشعراء، أمثال أبولينير وإيلوار وماكس جاكوب، كان عمله يشبه المصارعة الاجتماعية والعائلية بطلها بيكاسو أحد كبار المعجبين بمصارعة الثيران، ويقوم هو نفسه بدور الثور والماتادور والبيكادور والجمهور جميعاً في هذا الصراع المميت. وهذه اللعبة المجازية التي تتداخل فيها رموز الحياة والموت. فقد وصف الفيلسوف ميشال فوكولت عمل بيكاسو بأنه “تمجيد للإنسان” على عكس ما قيل عن تدمير بيكاسو لصورته وتشويهها. كما أن اشتغال بيكاسو على تفكيك عناصر الجسم الإنساني وطرحها بصورة رمزية وإيحائية، فتح الأبواب أمام احتمالات لا حصر لها من قبل رسامي مدرسة نيويورك، لا سيما جاكسون بوللوك ودوكوننغ وروبرت مازرويل ومارك روثكو وآخرين. خمسون عاماً مرت على رحيل بيكاسو ولم تخبُ ناره ولم تتراجع شعبيته وشهرته، بل ظل معاصراً وحياً أكثر من أي وقت مضى، لا سيما أن أعماله معروضة باستمرار في مختلف أنحاء العالم، وهي من الثراء والتنوع والغزارة، بحيث إنها ما زالت تبهر الأجيال الجديدة. ما من فنان استطاع أن يجسد القرن العشرين ويعرّفه مثل بيكاسو، بكل ما اكتنفه من عنف وحروب وشغف وتناقضات وهجرات، وبحسب المنظمين للاحتفال التكريمي “لا يزال عمل بيكاسو وفيراً ومبتكراً وجذرياً في كثير من الأحيان، يمارس سحراً حقيقياً في جميع أنحاء العالم”. لذا يعتزم احتفال بيكاسو 1973-2023 الاستكشاف والتساؤل والمشاركة مع جيل جديد ولد في القرن الحادي والعشرين، والسماح لهم بدراسة هذه الشخصية الملغزة بكل أبعادها وإعادة اكتشافها واستيعابها في ضوء زماننا، لمعرفة كيف ستنطبع صورة بيكاسو في عيون جيل عصر التكنولوجيا الرقمية والصورة الافتراضية. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أميركا تتجسس على العالم بـ5 عيون.. next post الميزانية الفدرالية تفتقر إلى ’’الشفافية‘‘ حسب المدير البرلماني للميزانية You may also like شيرين عبادي تكتب عن: السعودية وإيران من وجهة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024