مدرسة الإسكندرية في رسم تخييلي (غيتي) ثقافة و فنون مكتبة الإسكندرية حفظت تراث أرسطو ثم عادت إلى الأفلاطونية by admin 28 أغسطس، 2024 written by admin 28 أغسطس، 2024 110 المقدوني الحضاري بث في المدينة المصرية أرقى ما وصلت إليه الفلسفة في أثينا اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حين نتحدث في هذه الأيام عن مكتبة الإسكندرية، عن أي مكتبة ترانا نتحدث؟ عن تلك “الوهمية” التي تقول مصادر غربية كثيرة أن المسلمين أحرقوها عند فتحهم مصر؟ أم مكتبة الإسكندرية الأكثر حداثة والتي أقامتها فرنسا هدية للشعب المصري ومدينته المتوسطية الكبيرة عند نهايات القرن العشرين؟ أم تلك التي صارت قبلة الفكر الفلسفي الأفلاطوني إبان عصر النهضة من خلال أفلوطين ومريديه السوريين لتصل سمعتهم إلى فلورنسا الإيطالية؟ أم تلك التي شهدت تدمير تراثها واغتيال فيلسوفتها الكبرى هيباتيا كما قدمها السينمائي أليخاندرو أمينابار في فيلمه “أغورا”؟ الحقيقة أن ليس بقدرتنا الاختيار بين تلك الأجوبة بالنظر إلى أن أياً من تلك “المكتبات” لم تخلف لنا أثراً في المكان وإن كانت قد خلفت حكايات في الزمان تبدو متناقضة تماماً وخارجة عن التاريخ الحقيقي للفلسفة. ولكن في المقابل ثمة خياراً “آخر” ربما يكون الأقرب إلى الصحة. فهو خيار تاريخي تحمله المدونات يأتي سباقاً على كل تلك الفرضيات الأخرى. حلم الإسكندر ونتحدث هنا عن تلك “المدرسة” التي تأسست في زمن أرسطو نفسه لتشكل واحداً من الهواجس الرئيسية التي تبناها الإسكندر المقدوني منذ يفاعته تكريماً لمعلمه الفيلسوف الكبير (“المعلم الأول” بحسب اللقب العربي الذي بات سائداً لاحقاً). والحال أن هاجس الإسكندر كان بسيطاً ومشروعاً تجسد لديه منذ تشييده مدينة الإسكندرية حاملة اسمه ورغبته في أن تحمل كذلك فكره الذي هو فكر معلمه الذي كان لا يزال يعتبر في ذلك الحين امتداداً ولو نقدياً لفكر أفلاطون الذي نعرف أنه كان معلماً لأرسطو ومؤسساً للأكاديمية الأثينية التي حملت فكره وكان أرسطو في عداد الدارسين فيها قبل أن يستقل بمدرسته فيتحول الفكر فيها إلى فكر مشاكس على فكر أفلاطون وسميت بـ”الليسيه”. وهذه المدرسة بالذات هي تلك التي طلب الإسكندر كما يبدو أن تكون المدرسة الفكرية التي طالب بأن تفتتح في الإسكندرية، عاصمة إمبراطوريته، لتنشر فكر أرسطو غير دار على أية حال بأنها ستكون النبع الذي تنبثق منه مدارس فكرية عديدة ومتنوعة لعل أهمها هي تلك التي ستنشر الأفلاطونية الجديدة بعد ذلك بقرون عدة، ولا سيما في مدن الشرق الفكرية بدءاً من الاسكندرية المصرية نفسها، وذلك تحديداً من طريق تبني أفلوطين ابن الإسكندرية نفسها لفكر أفلاطون وتحديداً على الضد من فكر أرسطو؟ فهل يبدو هذا الكلام معقداً أكثر مما ينبغي؟ أرسطو وأفلاطون معا في “مدرسة أثينا” في لوحة لرفائيل (غيتي) تبسيط الحكاية ربما ولكن فقط على ضوء الأسئلة المتعددة والحائرة التي طرحناها كفرضيات أول هذا الكلام. ومن هنا إذا شئنا تبسيط الحكاية لاستعادة ما يتعلق منها بتأسيس مكتبة الإسكندرية في سياقها المبكر سيكون علينا أن نستعيد ما يبدو لنا أنه الحكاية الأكثر منطقية من بين حكايات مكتبة الإسكندرية العديدة. ولهذه الحكاية اسم مؤسس محدد هو ديمتريوس الفاليري الذي يعود إليه بالتحديد، وكان تلميذاً مباشراً لأرسطو، شرف إقامة المكتبة الأولى جاعلاً من المدينة المصرية منارة للثقافة والعلم في العالم الإغريقي وهو مشروع لا يشبهه أي مشروع آخر ولا سيما أنه عرف كيف يجعل من مكتبة تتوسط المشروع لب ذلك الطموح الذي أتى على قياس طموحات الإسكندر نفسه السياسية الإمبراطورية. فمن كان ديمتريوس هذا؟ بين العلم والحرب ببساطة كان إغريقياً يجمع بين العلم الذي تلقاه في مدرسة أرسطو الإثينية وبين المهنة العسكرية التي امتهنها في ركاب الإسكندر المقدوني. وهو عاش بين 360 و282 قبل الميلاد وكان في صباه تلميذاً للمفكر العالم ثيوفراست الذي خلف أرسطو على رأس الليسيه. لكنه ارتقى في الجندية والسياسة بعد ذلك ليضحي حاكماً لأثينا في منصب ظل يشغله طوال 10 سنوات. لكنه لم يكن خلال ذلك الحكم ديمقراطياً بل إنه جمع من حوله حلقة من الأوليغارشيين الذين ساموا السكان ظلماً جعل هؤلاء ينتهزون فرصة هجوم شنه عليهم ضابط آخر يدعى بدوره ديميتريوس فاضطر ديمتريوس الذي نعرفه للهرب إلى مصر لاجئاً عند ملكها الإغريقي بطليموس الأول الذي جعله مستشاراً له وكلفه بتنفيذ مشروع غاية في الطموح فحواه جعل الإسكندرية ساحة ثقافية وفكرية تتحلق من حول واحدة من أضخم مكتبات العالم وذلك لإغراء الشعب المصري وريث واحدة من أعظم حضارات الكون بقبول حكمه لهم هو الذي كانت الإسكندرية وما يتبعها في مصر حصته من إرث الإسكندر الذي كان يتحدث على أية حال عن مشروع كهذا. أعظم من أثينا وهكذا وضع ديمتريوس مشروعه الهادف إلى جعل الإسكندرية مركزاً حضارياً يتفوق على أثينا نفسها. وبالنسبة إلى الملك الذي كان من الطبيعي له أن يحتضن المشروع، كان بديهياً أن يختار ديمتريوس الأرسطي منفذاً للمشروع. فالأرسطيون كانوا منذ وفاة معلمهم الأول في عام 322 ق.م. يمثلون وحدة الثقافة والفكر الكونيين كما تمثل في الليسيه الأثينية التي كانت قد تشعبت جغرافياً بحيث صارت لها فروع في رودس وهرقليا… بل إن ديمتريوس نفسه حين وصل إلى مصر كان محاطاً بتلك الهالة الفكرية الأرسطية التي جعلت أحداً لا يعبأ بماضيه السياسي… بخاصة أنه هو نفسه ما إن كلف بالمشروع حتى انصرف إليه بكل جوارحه وقدراته تحت رعاية ملك كان يرى أن الإنفاق على الثقافة هو خير إنفاق يقوم به حاكم وأن أي ثمن يدفع لكتاب في هذا الكون لا يمكنه أن يكون إنفاقاً عابثاً. بل إن بطليموس الأول أصدر مرسوماً ملكياً يأمر بتفتيش السفن التي تتوقف في ميناء المدينة ومصادرة أي حولة تنقلها من الكتب مهما كانت لغتها، شرط ألا يكون ثمة نسخ منها في مكتبة المدينة. ولتهدئة الأمور أمر الملك أيضاً بأن يصار إلى استنساخ الكتب المصادرة وإعطاء المستنسخات إلى مالكي الكتب الأصليين! وإضافة إلى ذلك طاف مندوبو الملك في مدن الشرق الأوسط يجمعون للملك ومكتبته كل ما يمكنهم الحصول عليه من الكتب ولفافات البردى واللوحات وما إلى ذلك ويدفعون ثمنها مهما غلت إن تعذر الحصول عليها مجاناً. حول المكتبة كان ذلك كله ما انبنت عليه مكتبة الإسكندرية الأصلية. غير أن المكتبة لم تكن كل شيء في ذلك الصرح الثقافي الفريد. فالمكتبة كانت مجرد قسم من ذلك المتحف المدهش الذي أقيم في المكان على غرار تلك المتاحف التي كانت فكرتها قد ولدت في أثينا على شكل متاحف تقام تكريماً لربات الفنون من رقص وشعر وموسيقى وغناء وذلك في الهواء الطلق غالباً حيث تقام الاحتفالات وتجمع التحف كما تقام المأدبات التي يجتمع فيها متأدبون آتون من شتى أنحاء البلاد الإغريقية يتحاورون في ما بينهم يقيمون ويطعمون ويشربون – بالشكل الذي يصفه لنا أفلاطون في بعض حواراته ولا سيما في “المأدبة”- منصرفين إلى مساجلات يتناولون فيها الفلسفة والعلوم الإنسانية بل حتى شؤون السياسة والحكم والشرائع وما إلى ذلك. وكل ذلك من دون أن ننسى واحدة من الوظائف الأساسية التي أنيطت بالمجمع بأسره: التعليم كما الحال خاصة في “أكاديمية أفلاطون” و”ليسيه أرسطو”. وفي هذا السياق لا شك أن ما شيّد في الإسكندرية شكل توليفة متكاملة تحاكي ذلك كله بتفاصيله في توخ للجمع بين المدرستين الأثينيتين. نهاية حلم والحال أن المرء يعود هنا إلى السؤال الأول الأساسي الذي طرحناه أول هذا الكلام: إذا كان هذا كله صحيحاً تاريخياً في صيغته الأولى على الأقل، فأين هي مكتبة الإسكندرية في صيغتها الأولى التأسيسية على الأقل؟ لا أحد يملك جواباً قاطعاً. ولكن يمكن للفرضيات ومدونات التاريخ أن تفيدنا بأن ذلك كله اختفى تحديداً منذ عام 144 ق.م. مع مجيء بطليموس الثامن الملقب بـ”المكرش”. فذلك الملك الذي وصل إلى الحكم وسط ظروف مرتبكة وغير منطقية لم يطق أن تشهر له المدينة المصرية وعلماء مكتبتها سيف العداء في وجهه منذ تسنمه العرش لجم تلك الاندفاعة واعتقل العلماء ونفاهم مسلماً رئاسة المجمع الثقافي لعسكري لا شأن له بالثقافة تمكن من أن ينسف المشروع كلياً ولو في صيغته الأولى تاركاً المجال لصيغ تالية اهتمت باستعادة المدرسة الإسكندرانية لكن أياً منها لم تستعدها حقاً. فتبخر المشروع الحضاري بين الثورات والحروب وعاديات الزمن ليتحول إلى أسطورة وحلم معلق. المزيد عن: أرسطوأفلاطونالإسكندريةمكتبة الإسكندريةأثيناالفلسفة اليونانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الملكة ميرينا… الحاكمة التي غزت معظم العالم المعروف next post الرواية العربية تترنح بين خيانة الكتاب وقرائهم You may also like “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 كوليت مرشليان تكتب عن: الصحافي والكاتب جاد الحاج... 26 ديسمبر، 2024 إسماعيل فقيه يكتب عن: “دعوني أخرج”!… قالها الشّاعر... 26 ديسمبر، 2024 عقل العويط يكتب عن: سوف يصفّق في الظلام... 26 ديسمبر، 2024 روؤف قبيسي يكتب عن جاد الحاج … صفحات... 26 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024