الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري أحمد الشرع في أنقرة، تركيا، فبراير 2025 (رويترز) بأقلامهم مصطفى كوتلاي يكتب عن: معضلة تركيا كقوة إقليمية متوسطة by admin 21 مايو، 2025 written by admin 21 مايو، 2025 10 الكلف المغفلة للسياسة الخارجية القائمة على النفعية اندبندنت عربية / مصطفى كوتلاي مصطفى كوتلاي محاضر بارز في كلية سانت جورج بجامعة لندن، وباحث بارز في مركز إسطنبول للسياسات، ومؤلف مشارك مع مينا توكسوز وويليام هيل لكتاب “السياسة الصناعية في تركيا: الصعود، التراجع، والعودة”. في وقت يتزايد الغموض حول مستقبل النظام الدولي، يبدو أن القوى المتوسطة تعيش لحظة فارقة. فإلى جانب دول مثل البرازيل وإندونيسيا والسعودية، تسعى تركيا إلى الاستفادة من مشهد جيوسياسي أقل تأثراً بنظام التحالف الأميركي في فترة ما بعد الحرب والدبلوماسية القائمة على القواعد، وأكثر ارتباطاً بتعدد مراكز القوة والعلاقات التي تقوم على أساس سياسة الصفقات والنفعية. ومنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 خصوصاً، سعت تركيا إلى بناء علاقات أقوى مع أطراف آخرين غير حلفائها الغربيين التقليديين، بمن في ذلك مع روسيا والصين. كما سعت أيضاً إلى توسيع نطاق نفوذها الدولي، ولا سيما خارج الغرب. وتحتل تركيا في الوقت الحالي المرتبة الثالثة عالمياً من ناحية عدد البعثات الدبلوماسية في الخارج، ولا تسبقها أية دولة على هذا الصعيد سوى الصين والولايات المتحدة فقط. كما أن تركيا قامت بدور صارم بصورة متزايدة في الصراعات الدائرة في جنوب القوقاز ومنطقة البحر الأسود والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتجسد سياسات تركيا الأخيرة في سوريا الطريقة التي يمكن بها لقوة متوسطة أن تمارس نفوذها في منطقتها، وتتفوق في بعض الأحيان على لاعبين يبدون أقوى منها. وعلى امتداد الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011، كانت الحكومة التركية تعارض الرئيس السوري بشار الأسد علناً، وتقدم دعماً مادياً للجماعات التي تقاتل ضد نظامه. وفعلت ذلك حتى عندما بدا أن الأسد كان يُحكم قبضته على السلطة، بدعم من إيران وروسيا، وتسبب الصراع نفسه في فرار ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا، مما خلق أخطاراً أمنية على طول الحدود الجنوبية الطويلة لتركيا مع سوريا. ومع ذلك، وبعد 13 عاماً، في ديسمبر (كانون الأول) 2024، انهار نظام الأسد. وعلى عكس كل التوقعات، أتت سياسة تركيا أُكلها، وإن تأخر ذلك. فسقط خصم أنقرة، ووفر انتصار جماعات المعارضة المدعومة من تركيا لأنقرة خطاً مباشراً إلى دمشق. ولا تزال الجغرافيا السياسية الإقليمية هشة، وسيكون بناء الدولة في سوريا عملية طويلة ودقيقة، بيد أن تركيا رسخت مكانتها كواحدة من القوى الخارجية الرئيسة ذات النفوذ اللازم لرسم معالم مستقبل البلاد. ويبدو أن سياسة تركيا تجاه سوريا تؤتي ثمارها، في الأقل حالياً. ويتعين على القوى المتوسطة مثل تركيا السعي وراء مصالحها الخاصة والتحوط في رهاناتها للبقاء في عالم تُعدّ فيه الاضطرابات هي القاعدة، ولا يمكن الاعتماد على القوى العظمى، وتغلب عليه النزعة النفعية. وقبل عقدين من الزمن، كان نجاح السياسة الخارجية لهذه الدول يتوقف على تحولها إلى عضو صالح في النظام الدولي الليبرالي. أما اليوم، فأصبح “الاستقلال الاستراتيجي” هو عنوان اللعبة. ومع ذلك، إذا لم تُقدّر تركيا والدول ذات المواقف المماثلة المقايضات التي يمكن أن يؤدي إليها اتباع هذا النهج، فإنها ستخاطر بإرهاق شراكاتها واستنزاف مواردها الدبلوماسية والتقليل من أهمية أولوياتها الاقتصادية. فإن الفكرة القائلة إن السياسات القائمة على النفعية مفيدة بطبيعتها للقوى المتوسطة هي فكرة واهمة. بعيداً من الغرب… قريباً من منافسيه يعتقد صانعو السياسات الأتراك أن التوجه نحو التعددية القطبية من شأنه أن يولد عالماً جديداً، وهذا العالم ينبغي لتركيا أن تكون لاعباً فاعلاً فيه. وركزت دبلوماسية تركيا تاريخياً على جيرانها المباشرين وحلفائها الغربيين. وأجرت تركيا جزءاً كبيراً من تجارتها مع أوروبا منذ سنوات الحرب الباردة الأولى، وربطت أمنها بحلف شمال الأطلسي (الناتو) عندما انضمت إليه عام 1952. واليوم، تتنامى علاقات أنقرة بالعالم غير الغربي، كما أن اكتساب النفوذ في الجنوب العالمي أصبح ركيزة رئيسة في استراتيجية تركيا. وعام 2002، لم يتجاوز حجم تجارة البلاد مع الدول الآسيوية، بما في ذلك الصين وروسيا، نصف حجم تجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي. وبعد عقدين من الزمن، باتت قيمة تجارة تركيا مع آسيا أكبر منها مع أوروبا. وقفز حجم تجارة تركيا مع الدول الأفريقية أكثر من 50 في المئة بين عامي 2014 و2024، من 21.2 مليار دولار إلى 33.3 مليار دولار. كما ارتفع عدد السفارات التركية في القارة التي تضم 54 دولة من 12 عام 2002 إلى 44 سفارة بعد 20 عاماً. وفي إطار خطة طويلة الأمد لتصبح قوة وسيطة في أفريقيا جمعت الحكومة التركية العام الماضي قادة إثيوبيا والصومال لإجراء مفاوضات بغرض إنهاء نزاع البلدين حول خطط إثيوبيا لبناء ميناء في إقليم صوماليلاند، وهي منطقة انفصالية لها حكومتها الخاصة في شمال الصومال. وتسيّر الخطوط الجوية التركية، الناقل الوطني، رحلاتها الآن إلى 130 دولة، وتصف نفسها بأنها الشركة التي “تسيّر رحلات إلى معظم دول العالم”. ودفع عدم الاستقرار الإقليمي وتدهور العلاقات الأمنية مع الشركاء الغربيين تركيا إلى تطوير تقنيات الدفاع والفضاء المحلية. وغذت الاستثمارات الحكومية والخاصة واسعة النطاق نمو صناعة الطائرات من دون طيار في تركيا. واستخدمت مسيّرة “بيرقدار” ضمن صراعات مختلفة، بما في ذلك في ليبيا وناغورنو قره باغ وسوريا وأوكرانيا، وتصدر الآن إلى أكثر من 30 دولة. وبحلول عام 2024، ارتفع إجمالي صادرات تركيا من الأسلحة الجوية والدفاعية إلى 7.2 مليار دولار، أي بزيادة تقارب 30 في المئة عن العام السابق. واعتباراً من عام 2023، أصبحت ثلاث شركات دفاعية تركية من بين أكبر 100 شركة في العالم من حيث عائدات الأسلحة. ووسعت أنقرة نطاق شركائها الدوليين في مجالات أخرى أيضاً، ويعود ذلك جزئياً لسعيها إلى ترسيخ مكانتها كدولة تؤدي دور صلة الوصل التي تدعم تدفق الاستثمار والنقل والطاقة بين آسيا وأوروبا. وعام 2012، حصلت تركيا على صفة “شريك حوار” لمنظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين، وهو تحالف يبرزه صانعو السياسة الأتراك أحياناً، لأغراض المناورة السياسية أكثر من الاقتناع، كبديل لعضوية تركيا المتجمدة في الاتحاد الأوروبي. كما أن تركيا انضمت إلى “مبادرة الحزام والطريق” الصينية عام 2015. ويعود ذلك لرغبة تركيا في دمج مشروع الممر الأوسط الخاص بها الذي يمثل تصوراً يطمح إلى ربط شرق آسيا بأوروبا عبر آسيا الوسطى والقوقاز وتركيا، مع “مبادرة الحزام والطريق” في شبكة عابرة للقارات. وضخت الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تركيا منذ عام 2011، نحو 115 مليار دولار للإنفاق على مشاريع الطرق السريعة والجسور والموانئ والمطارات بهدف تحسين الشطر التركي من تلك البنية التحتية. وفي أهم خطوة اتخذتها حتى الآن نحو التوافق مع الاقتصادات غير الغربية، تقدمت تركيا العام الماضي بطلب للانضمام إلى مجموعة “بريكس“، وهي الكتلة التي تتمتع بنفوذ متزايد بقيادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. اقتصاديات التحوط وفي وقت تسعى تركيا وراء تحالفات خارجية متعددة، فاتها أن تراعي باستمرار نقاط الضعف التي يعانيها موقفها المتضارب. وتتيح التعددية القطبية ربما فرصاً اقتصادية، بيد أنها تفاقم الأخطار أيضاً. وربما يأتي تعزيز الشراكات في منطقة ما على حساب العلاقات في منطقة أخرى. ولكي تنجح تركيا في السير على هذا الحبل المشدود، كغيرها من القوى المتوسطة، ستحتاج إلى ضبط النفس وفهم واقعي لإمكاناتها. إن الأمن الاقتصادي يعتبر مصدر قلق بارز بالنسبة إلى تركيا. ففي عالم تتزايد فيه التعاملات النفعية، ترغب القوى المتوسطة في التعاون مع قوى كبرى متعددة تعاوناً يتم على أساس كل قضية لوحدها بمعزل عن غيرها. ومع ذلك، فإن تفكك الاقتصاد العالمي الذي يسرّعه تصعيد الولايات المتحدة لحروبها التجارية والتكنولوجية في عهد الرئيس دونالد ترمب، سيجبر كثيراً من الدول أيضاً على الانحياز إلى أحد الجانبين. وما يجعل تحقيق التوازن صعباً بالنسبة إلى تركيا هو أنها تعتمد في مجالات متعددة على الكتل المتنافسة. ولذلك فهي لا تستطيع أن تتحمل خسارة إمكان الوصول إلى الغاز الروسي، أو إلى السلع الصينية، أو الأسواق الأوروبية، أو الدولار الأميركي. وعلى الجانب الروسي- الصيني، تتعزز المصالح الاقتصادية لتركيا، فعام 2024، بلغ إجمالي التجارة مع هذين البلدين 101 مليار دولار، مما يمثل نحو 17 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية لتركيا. ومع ذلك، تتسم هذه العلاقات التجارية بعدم التكافؤ الشديد – إذ لم يتجاوز إجمالي صادرات تركيا إلى روسيا والصين 12 مليار دولار العام الماضي، مما يسهم بصورة كبيرة في العجز الذي تعانيه التجارة الخارجية لتركيا. في الوقت نفسه، لا يزال الاقتصاد التركي في حاجة إلى الأسواق ورؤوس الأموال الغربية من أجل الحفاظ على نموه، إذ تصدر تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ما يعادل وارداتها منه تقريباً، ويأتيها ما يقارب 70 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فإن الانجرار إلى حرب تجارية وتكنولوجية وفرض عقوبات من قبل الجهات الغربية الفاعلة من جهة والمحور الروسي- الصيني من جهة ثانية، قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية كبيرة لتركيا. قد تتيح التعددية القطبية فرصاً لكنها تفاقم الأخطار أيضاً ويبدو تنويع العلاقات التجارية والاستثمارية بمثابة بوليصة تأمين جيدة لقوة متوسطة. لكن تركيا واجهت حتى الآن صعوبة في تحويل استراتيجيتها التحوطية إلى [ماكينة لإنتاج] مكاسب اقتصادية كبيرة، جزئياً بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد التي تولد حالاً من عدم اليقين لدى المستثمرين. على سبيل المثال، اجتذبت تركيا بين عامي 2019 و2023 نحو 53 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو أقل بكثير من 84 مليار دولار التي استقطبتها فيتنام خلال الفترة نفسها، مع أنها دولة أخرى من “الدول المتوسطة التي تنتهج سياسة التحوّط” حجم اقتصادها أقل من نصف حجم الاقتصاد التركي. وعلاوة على ذلك، فإن انكشاف تركيا على المستوى الاقتصادي أمام الكتل المنافسة يمكنه أن يؤدي إلى فرض قيود على هامش المناورة لديها. وإذا اختارت تركيا تمتين علاقاتها الاقتصادية مع روسيا والصين، على سبيل المثال، فإنها تخاطر بخسارة رأس المال الأجنبي عالي الجودة الذي تحتاج إليه حاجة ماسة، من الدول الغربية. ويجب أن تبدأ سياسة التحوط الفاعلة من الداخل. ومن أجل أن تخفض تركيا من تعرضها للأخطار الاقتصادية وتعزز مرونتها، فهي تحتاج إلى سياسة صناعية شاملة ومؤسسات قوية. وتتمتع البلاد سلفاً ببعض المزايا المهمة. فحقق اقتصادها المنفتح، على رغم افتقاره إلى الموارد الطبيعية، تنويعاً كبيراً من ناحية الأسواق والمنتجات، كما أن رواد أعمالها يتحلون بالذكاء والقدرة على التكيف. ومع ذلك، فإن هيكل الاقتصاد التركي يعزز التبعية الخارجية. وتتمثل المشكلة الرئيسة في اعتماد تركيا على الواردات من خلال استيرادها كثيراً من المنتجات الفاخرة، ولا تمثل التقنيات المتقدمة سوى أربعة في المئة من صادرات الصناعات التحويلية التركية، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 19 في المئة. وإلى أن تصبح تركيا أكثر اكتفاءً ذاتياً في هذا المجال وتخفف من معاناتها الاقتصادية الحالية، ستحتاج البلاد إلى توخي الحذر الشديد لتجنب استعداء الشريك الاقتصادي غير المناسب من خلال سعيها إلى تحقيق أهداف أخرى في السياسة الخارجية. التلاعب بالعلاقات إن التزام تركيا والقوى المتوسطة الأخرى بالاستقلال الاستراتيجي أمر مفهوم في عالم تتراجع فيه درجة الثقة بالقوى العظمى بصورة متزايدة. لكن السعي المفرط وراء هذا الاستقلال أمر خطر أيضاً. فعانت تركيا عواقب المبالغة في اتباع سياسة خارجية مستقلة في أعقاب الانتفاضات العربية، عندما أثقلت كاهلها بالصراع مع كل من الدول المجاورة والشركاء العالميين. فأثارت خلافات دبلوماسية، أو فاقمت الخلافات القائمة سلفاً، مع سوريا بعد أن قمع الأسد المحتجين بعنف عام 2011، ومع السعودية بعد دعم أنقرة لحكومة محمد مرسي في مصر عام 2012، وأيضاً مع مصر بعد تولي عبدالفتاح السيسي السلطة عام 2013، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في شأن الهجرة وبسبب السياسة التي تتبعها مع سوريا وقضايا أخرى على مدى العقد الماضي. ومع استمرار الوصول إلى طريق مسدود في حالات كهذه، انخفض الاستثمار الأجنبي في تركيا بصورة ملحوظة. كما اضطرت الحكومة إلى تخصيص موارد إضافية للأمن، مما حدّ من قدرتها المالية في مجالات أخرى، وأصبحت قرارات السياسة الخارجية مثيرة للجدل بصورة متزايدة، مما أدى إلى تفاقم الاستقطاب السياسي. ولتخفيف هذه الضغوط، بذلت تركيا جهوداً دبلوماسية كبيرة بهدف تقليص الأضرار خلال الأعوام الأخيرة. واليوم، ستحتاج أنقرة إلى التوفيق بين علاقاتها طويلة الأمد مع حلفائها الغربيين التقليديين وبين استراتيجية تضعها للتعامل مع العالم غير الغربي. إن علاقات تركيا مع الدول الغربية في حاجة إلى الإصلاح بصورة خاصة، بعد أن أصبحت علاقات الطرفين قائمة على التعاملات النفعية بشكل متزايد خلال العقد الماضي. وبدلاً من العمل معاً من أجل تحقيق أهداف مشتركة، غالباً ما يكتفي الجانبان بصفقات فجة. ففي مقابل إبقاء تركيا للاجئين السوريين بعيدين من أوروبا، على سبيل المثال، يقدم الاتحاد الأوروبي أموالاً للمساعدة في تعويض كلفة [إجراءات منعهم من الوصول إلى أوروبا]. وفي شرط غير معلن ينطوي عليه الاتفاق، يتغاضى الاتحاد الأوروبي عن تراجع المعايير الديمقراطية في تركيا. لم تحقق الدبلوماسية النفعية أياً من مصالح تركيا الأكثر إلحاحاً وحقيقة أن تركيا ليست دولة نموذجية من دول عدم الانحياز يزيد من تعقيد سياستها النفعية. فعلى رغم أنها تغازل مؤسسات مثل مجموعة “بريكس” أو منظمة شنغهاي للتعاون، فإنها لا تزال عضواً في “الناتو”، وجزءاً من الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، وعضواً مؤسساً في مجلس أوروبا، ودولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتعلق هذه الانتماءات آمالاً كبيرة على تركيا، واختيار مسار مغاير تصرف له عواقبه. على سبيل المثال، بعد أن أبرمت تركيا صفقة لشراء صواريخ “أس-400” من روسيا عام 2017، أبعدت من برنامج مقاتلات “أف-35” التابع لحلف شمال الأطلسي. وبعد سنوات من العلاقات المتوترة مع جيرانها ومع أوروبا، استبعدت تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط، وهو تكتل إقليمي تأسس رسمياً عام 2020. علاوة على ذلك، لم تحقق الدبلوماسية النفعية أياً من المصالح الوطنية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى تركيا. فعلى سبيل المثال، ناقشت تركيا والاتحاد الأوروبي خططاً من أجل تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي بينهما على امتداد العقد الماضي. ويحتاج الاتفاق إلى التطوير لكي يسهم على نحو أفضل في التنمية الاقتصادية في تركيا وفي تحولها الأخضر واندماجها في سلاسل التوريد الأوروبية التي أعيدت هيكلتها. ولكن لم يتحقق أي تقدم حتى الآن. كما لم تنجح تركيا في التفاوض على إيجاد عملية أفضل لمعالجة طلبات تأشيرة “شنغن” التي باتت تجربة مزعجة للغاية للمواطنين الأتراك الراغبين في السفر وممارسة الأعمال التجارية في أوروبا. كما أخفقت في إرساء نموذج عمل للتعاون المستدام مع شركائها الغربيين في أوكرانيا وشرق البحر الأبيض المتوسط وسوريا. ويتطلب تحقيق تقدم في ما يتعلق بهذه القضايا إعادة صياغة علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي، ويمكن لتركيا الاستفادة من مرحلة الانتقال إلى سوريا ما بعد الأسد لتحقيق ذلك. إن استقرار سوريا هو حالياً على كفّ عفريت، وعلى رغم العلاقات القوية التي تربط تركيا بالحكومة الجديدة في دمشق، فإنها لا تستطيع بمفردها تمويل إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاج إليها جارتها. ومع ذلك، يمكن لتركيا والاتحاد الأوروبي أن يتعاونا معاً على تقديم كثير بهدف دعم سوريا ومنع موجة نزوح أخرى للاجئين، وأيضاً المساعدة في استقرار الشرق الأوسط بأكمله إذا غيّر كل من الطرفين الطريقة التي يتعاطى بها في علاقته بالطرف الآخر. ويعني ذلك بالنسبة إلى بروكسل، معاملة تركيا كشريك أمني حقيقي وليس كمجرد دولة تشكل حاجزاً لمنع أعداد كبيرة من اللاجئين من دخول أوروبا. وربما يكون تردد إدارة ترمب في دعم الأمن الأوكراني والأوروبي هو الصدمة التي يحتاج إليها الاتحاد الأوروبي لالتزام التعاون مع تركيا. من جانبها، ستحتاج أنقرة إلى إدراك أن تعميق علاقاتها مع العالم غير الغربي بطرق تثير غضب الحلفاء الأوروبيين ليس أمراً تستطيع الاستمرار فيه. أهمية القوة المتوسطة غالباً ما يُنظر إلى الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب على أنه نهضة بالنسبة إلى القوى المتوسطة، تمنح دولاً خارج الدائرة التي تضم بضع قوى عظمى، فرصاً لصياغة السياسة الإقليمية والعالمية. وكانت الحجة أن الطريق الذي يمكن للقوة المتوسطة أن تسلكه من أجل الإبحار في دهاليز السياسة الدولية اليوم هو تجنب تبني التزامات من شأنها أن تقيّد حريتها وتفادي الانحياز إلى أي طرف. وكما صرح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى الصحافة في الشهر الماضي “لا أريد الاختيار… أريد بناء علاقات مع الولايات المتحدة، أريد بناء علاقات مع الصين. لا أريد تفضيل أحدهما على الآخر”. ويبدو أن عودة ترمب للبيت الأبيض تعزز طريقة التفكير هذه، إذ أصبحت السياسة الخارجية الأميركية أكثر ميلاً على نحو صريح، لإعطاء الأولوية للصفقات التي تخدم مصالح وطنية محددة على الالتزامات الصريحة بالتحالفات والمعايير. ومع ذلك، فإن تبني شراكات مرنة، كما فعلت تركيا في سعيها إلى تحقيق التوازن، من الممكن أن يؤدي إلى تجاهل القوى المتوسطة لأخطار جسيمة. إن التعاطي على الصعيد الاقتصادي بحكمة وحذر ضروري، خصوصاً بالنسبة إلى الاقتصادات المعرضة للخطر مثل الاقتصاد التركي، للحد من تداعيات حروب التجارة والتكنولوجيا وانقطاعات سلاسل التوريد، وغيرها من مظاهر عدم اليقين الجيوسياسي. ولا يمكن اتباع سياسة خارجية نشطة ومستدامة من دون وجود مؤسسات محلية قوية واقتصاد سليم يدعمها. فضلاً عن ذلك، لا يمكن دفع الاستقلالية إلى أبعد من ذلك. فاللعب على كل الأطراف من المحتمل أن يؤدي إلى العزلة، كما أن السعي وراء كل فرصة للمشاركة يرهق ربما الدول التي تفتقر ببساطة إلى موارد القوى العظمى. ومن الممكن أن ترى تركيا والقوى المتوسطة الأخرى في النهج التبادلي وسيلة جذابة للتقدم في عالم اليوم. لكن ما لم تُحسّنه بتوقعات واقعية، فمن المرجح أن تكون كلفة هذه السياسة أكبر من عوائدها. مترجم عن “فورين أفيرز”، 15 مايو (أيار) 2025 المزيد عن: فورين أفيرزتركياالقوى المتوسطةبريكسالصينمنظمة شنغهاي للتعاونالاتحاد الأوروبيحلف الناتواقرأها واسمعها 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل يجب على دمشق رفض دفع ديون الأسد «البغيضة»؟ next post باريس عازمة على الاعتراف بفلسطين: الوضع لا يحتمل You may also like دلال البزري تكتب عن: الغرام الروبوتي آخر صيحات... 20 مايو، 2025 دلال البزري تكتب عن: الإبادة مستمرّة وسط ترحيب... 18 مايو، 2025 حازم صاغية يكتب عن: عودة أخيرة إلى «أوسلو» 18 مايو، 2025 جيمس جيفري يكتب عن: التحرك الأميركي الحاسم بشأن... 15 مايو، 2025 حازم صاغية يكتب عن.. بالعودة إلى اتّفاقيّة أوسلو... 15 مايو، 2025 يوسف بزي يكتب عن: من سيفاوض حزب الله؟ 15 مايو، 2025 جهاد الزين يكتب عن: بعد هزائم المشاريع القومية... 13 مايو، 2025 بول سالم يكتب عن: تحديات إعمار الشرق الأوسط…... 13 مايو، 2025 غسان شربل يكتب عن: ترمب ومواعيد الرياض 12 مايو، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب… حقاً زيارة... 12 مايو، 2025