فيكتور هوغو (1802 – 1885) (غيتي) ثقافة و فنون مسرحية “كرومويل” التي سار فيها هوغو على خطى شكسبير من دون تقديمها by admin 2 نوفمبر، 2024 written by admin 2 نوفمبر، 2024 30 عمل يعد محاولة لإحياء المسرح الرومانسي ولتحليل فلسفة السلطة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كانت “كرومويل” ثاني مسرحية يكتبها شاعر فرنسا الأكبر فيكتور هوغو لينجزها في عام 1827 من دون أن ترى النور في حياة مؤلفها ولا بعد ذلك، ولئن كان مؤرخو المسرح الفرنسي يقيمون هذه المسرحية تقييمات عالية فإنما هم يفعلون ذلك من خلال قراءتهم لها، بل إن معظمهم يستند في ذلك التقييم إلى ما دونه هوغو في المقدمة التي وضعها لها لا إلى جودة المسرحية نفسها، حتى وإن كانوا يجمعون على أن تلك الجودة حقيقة لا مراء فيها. بل إن ثمة من بينهم من يقول إنه إذا كان في الإمكان تحديد بداية ما للمسرح الرومانسي الفرنسي فإن هذه البداية كانت يوم أنجز هوغو كتابة هذه المسرحية، فشعر كثر من المثقفين الفرنسيين آنذاك بأنه بات لديهم عبقري في كتابة المسرح التاريخي يضاهي شكسبير. وكان من الواضح، على أية حال، أن هوغو حين بدأ يكتب “كرومويل” كان يضع نصب عينيه أن يثبت من خلالها أن فرنسا يمكنها أن تبدع مسرحيات تاريخية تضاهي مسرحيات شاعر الإنجليز الأكبر التاريخية. في عقر دار الجيران ولنضف إلى هذا أن ما أضفى على هذه المسرحية أهمية بالنسبة إلى الفرنسيين كون موضوعها إنجليزياً خالصاً، وتحديداً عن ذلك الدكتاتور الذي أشعل أول ثورة حقيقية في تاريخ البلد المجاور، ولا سيما إذ يعتبر الفرنسيون عادة أن أولئك الجيران عجزوا، على رغم تاريخهم المسرحي المجيد، عن تمكين الخشبة من أن تفي “كرومويل” حقاً. وبذلك يكونون سجلوا نقطة بالغة الأهمية في تاريخ التنافس، بل الصراع الطويل وفي المجالات كافة بين البلدين الجارين. وتتضاعف قيمة ذلك “الانتصار” إن نحن علمنا أن فيكتور هوغو الذي كان يتقن الإنجليزية على أية حال، لم يتنازل، خلال اشتغاله على المسرحية، بالاستفادة إلى أي مراجع إنجليزية لتغطية موضوعه وتفسير الحراك التاريخي الذي يكمن خلف حبكتها وأحداثها وبناء شخصياتها، بل استند، فحسب، إلى مرجع فرنسي واحد هو الكتاب المعتمد عادة في بلاد موليير لكل ما يتعلق بشؤون تلك المرحلة بالغة الأهمية من تاريخ إنجلترا. ونتحدث هنا طبعاً عن كتاب “مذكرات حول ثورة إنجلترا” للمسرحي والسياسي الفرنسي غيزو المليء بكل تلك التفاصيل حول أحداث تلك المرحلة. امتحان السلطة لم يكن غريباً في الحقيقة على هوغو المهووس أصلاً منذ شبابه الباكر بمسألة السلطة والفخ الذي تمثله بالنسبة إلى المتطوعين إليها، لم يكن غريباً عليه أن يركز في نصه المسرحي على تلك الحقبة الزمنية التي كان “كرومويل” أنجز فيها الانتصار الكبير على السلطة الملكية في بلاده ليجد نفسه فجأة، ومن دون مقدمات، ومن دون توقع، حتى أمام المغريات التي يمثلها القبض على السلطة، وكأن الكاتب الحكيم يختصر المقولة التي تفتي بأن الوصول إلى السلطة ليس أصعب الأمور مقارنة بالقدرة على الاحتفاظ بها. ونحن نعرف تاريخياً أن “كرومويل” الذي تمكن من الوصول إلى السلطة بالفعل، عجز عن الاحتفاظ بها. ولئن كانت المسرحية تمر بسرعة على الجانب الأول من ذلك الصراع بالنظر إلى أن لا أحد من المهتمين بالتاريخ الإنجليزي يجهله، أو هو في حاجة إلى من يذكره به، فإن أهمية المسرحية تمثل في الجانب الآخر سيرورة ممارسة السلطة نفسها والدوافع، ولنقل بالأحرى الفخاخ، التي تجعل القابض الجديد على السلطة يخفق في الاحتفاظ بها. “كرومويل” يحاور ذاته والمهم هنا كما أشرنا هو إذاً الحوار الذي يجريه “كرومويل” مع ذاته، فهو بعد أن حقق انتصاره وأطاح بالملك بتأييد من البرلمان وعدد من الفئات الاجتماعية والدينية، وقبل أن يدرك حتى قوة الجمهوريين الذين ينتظرون أن يأتي دورهم، وكذلك قوة الكاثوليك الذين يريدون أن يسجلوا نقاطاً في الصراع داخل هذا البلد، يجد “كرومويل” نفسه وحيداً يطرح على نفسه قضية شائكة. هو انتصر بالفعل، لكنه بات ممسكاً بقيادة الأمور وشؤون الحكم، ويفضل أن يكون ليس فقط ملكاً بالفعل، بل ملكاً بالاسم أيضاً كي تكتمل شرعيته، غير أنه يعرف تماماً حقيقة الفخ الذي تخفيه السلطة له، ومن هنا يفضل، وعلى مضض، أن “يترفع” عن أن يتوج في المنصب الأسمى بالنظر إلى أنه يعرف حقاً أن الذين يدفعون إلى ذلك إنما ينصبون له شركاً قاتلاً، فما العمل؟ تلك هي في الحقيقة النقطة الأهم في هذا السياق. ولعل علينا أن نلاحظ هنا كيف أن هوغو خرج، إلى حد كبير، عن الأحداث كما هي معروفة تاريخياً ليخلق، لبطل مسرحيته، مواقف وجولات لم تعرف بأنها تشكل جزءاً حقيقياً من حياة “كرومويل”. وبالتالي من البديهي القول إن ما يعبر عنه الكاتب الفرنسي إنما هو غوص تحليلي في مسألة السلطة ومطباتها يتجاوز ما له علاقة بـ”كرومويل”. خارج إطار المسرح الحال أن الكاتب الفرنسي الذي كثيراً ما سيعود بعد كتابته “كرومويل” لجعل معظم أدبه من نثر وشعر ومسرح نوعاً من التدخل، ولا سيما في السياسات المحلية خلال تلك المرحلة المضطربة من تاريخ فرنسا، مما سيتسبب في نفيه لاحقاً، لكن هذه مسألة أخرى بالطبع، إنما كانت غايته هنا التعبير عن ذلك التدخل، ومن هنا نراه يضفي على فصول مسرحيته الخمسة ضخامة تجعلها غير قابلة لأن تقدم على الخشبة، وكان هذا من حظ المسرحية التي باتت تقرأ بصورة لافتة فتصل أفكارها إلى القراء حتى ولو اعتقد كثر أن ما فيها من أبعاد سياسية هو ما يثير غضب السلطات الفرنسية نفسها. ومهما يكن من أمر لا شك في أن كل ذلك جعل من “كرومويل” كما كتبها فيكتور هوغو (1802 -1885) نوعاً من درس في السياسة بقدر ما أتت، ولكن بصورة جزئية، درساً في المسرح. وهذا هو ما جعلها، وحتى يومنا هذا، تعتبر “أشهر مسرحية حقيقية في تاريخ المسرح ظلت عصية على التقديم منذ كتابتها وربما حتى اليوم”. بقي أن نلفت إلى أن فيكتور هوغو ولد في مدينة بيزنسون الفرنسية، وهو يعتبر واحداً من أعظم الأدباء في تاريخ فرنسا والعالم. تنوعت إسهاماته بين الرواية والشعر والمسرح والنقد الأدبي، مما جعله رائداً في الحركة الرومانسية. تميز هوغو بكتاباته التي تعكس قضايا اجتماعية وسياسية وفلسفية عميقة، وكان له تأثير هائل في الأدب الأوروبي في القرن الـ19. بدأ هوغو مسيرته الأدبية في الشعر، وأصدر مجموعته الأولى “أناشيد وقصائد متنوعة” عام 1822، لكن شهرته الحقيقية جاءت من رواياته. من أشهر أعماله “أحدب نوتردام” (1831)، التي تتناول الصراع بين الحب والقبح، و”البؤساء” (1862)، التي تعد واحدة من أعظم الروايات في الأدب العالمي، إذ تستعرض معاناة الأفراد في ظل الظلم الاجتماعي وتعكس رؤية هوغو الإنسانية العميقة. إلى جانب الرواية والشعر، كان هوغو ناشطاً في المسرح، إذ كتب مسرحيات عدة من بينها، إلى جانب “كرومويل”، “هيرناني”. وتعد مقدمة مسرحية “كرومويل” بياناً رائداً للحركة الرومانسية، إذ دافع فيها هوغو عن التحرر من القواعد الكلاسيكية للمسرح. لم يكن هوغو مجرد أديب، بل كان أيضاً شخصية سياسية بارزة. نفي، كما أسلفنا، بسبب معارضته نظام الإمبراطور نابليون الثالث، وعاش في المنفى 19 سنة، إذ كتب بعضاً من أهم أعماله الأدبية. عاد لفرنسا بعد سقوط الإمبراطورية الثانية، وحظي باستقبال شعبي كبير. توفي عام 1885، وأقيمت له جنازة وطنية حضرها مئات الآلاف، ليدفن في “البانثيون” بباريس، تقديراً لإسهاماته في الأدب والفكر والسياسة. ظل هوغو رمزاً للإبداع والحرية، وأدبه يحظى بالاحترام والتقدير في أنحاء العالم كله. المزيد عن: البؤساءفيكتور هوغومسرحية كرومويلالمسرح الرومانسيشكسبيرثورة إنجلتراأحدب نوتردام 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post اللجوء الى الحب الافتراضي في قصص “حشرات سوداء” next post زواج كبار السن في الأردن بين الرعاية الصحية والهرب من الوحدة You may also like “فريدريك أمير هومبورغ”… على خطى سقراط في الفن... 5 نوفمبر، 2024 رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح 5 نوفمبر، 2024 كمال داوود… أديب الحوريات المنفي “بقوة الظروف” 5 نوفمبر، 2024 هل يخطط أكبر سينمائي في العالم لمواصلة الإبداع؟ 5 نوفمبر، 2024 محمد الأشعري عنوان لجيل “الصدمة والنسيان” 3 نوفمبر، 2024 فوزي بنسعيدي في فيلمه الأحدث… تيه في “الثلث... 3 نوفمبر، 2024 “مفترس البحار” دعوة لتكريم محاربي تجارة الرقيق 3 نوفمبر، 2024 طالبات “رباعي أكسفورد” أعدن اختراع الفلسفة خلال الحرب... 3 نوفمبر، 2024 الاقتصاد الإبداعي: كيف تكون الثقافة مصدرا للثروة؟ 3 نوفمبر، 2024 رمبراندت حين يدخل في خانة الرسامين المستشرقين 3 نوفمبر، 2024