ثقافة و فنونعربي مستشرقون ومترجمون أجانب ونقاد يتناقشون حول عالمية الرواية العربية by admin 17 فبراير، 2021 written by admin 17 فبراير، 2021 39 الترجمة وحدها لا تكفي لإحداث أثر والغرب ما زال شغوفا بالبعد الاستشراقي اندبندنت عربية / عبده وازن تشهد الرواية العربية منذ عقدين، لا سيما بعد حادثة 11 سبتمبر (أيلول)، رواجاً في حقل الترجمة إلى لغات أجنبية عدة، وفي مقدمتها اللغة الفرنسية، وقد ترجمت أعمال كثيرة إلى هذه اللغات، وبات ثمة مكتبة للرواية العربية حاضرة فيها، وإن بدرجات متفاوتة. ومن الثابت أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 جعل الأوساط الأدبية في العالم تلتفت إلى الحركة الروائية المعاصرة، بعد أن كان غالب الاهتمام العالمي شبه مقتصر على ظواهر ثابتة، ومنها ظاهرة “ألف ليلة وليلة”، وبعض الكتب التراثية، وبعض النتاج الإبداعي المعاصر. طبعاً، نجيب محفوظ كان قد تُرجمت له أعمال قليلة قبل فوزه، ونشرت في دور صغيرة، ولم تتمكن هذه الترجمات من تشكيل صورة له واضحة في أذهان القراء، ما خلا طبعاً المستشرقين، أو المستعربين. واللافت في هذا القبيل أن رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، كانت قد تُرجمت بُعيد صدورها إلى الإنجليزية والفرنسية على سبيل المثال، وبدت حاضرة في قلب السجال حول العلاقة بين الغرب والعالم العربي. والمفاجئ أيضاً أنها غالباً ما تذكر في معظم المعاجم الروائية العالمية، مثلها مثل رواية أو روايتين في الأكثر، لنجيب محفوظ، وكأن هذين الاسمين وحدهما يمثلان الإبداع الروائي العربي. ومن المعروف أن نجيب محفوظ عندما أقبل المترجمون الغربيون على نقل رواياته إلى لغاتهم، رحب به عالمياً في الغالب بصفته بلزاك العرب، أو زولا العرب، ما يعني أنه أدرج في ذاكرة القرن التاسع عشر أوروبياً. ومعظم من رحب به في الغرب هم المستشرقون، مع قلة من النقاد أو الروائيين العالميين. ومن هنا كان من الصعب البحث عن أثر تركه (ويتركه) نجيب محفوظ النوبلي في الروائيين العالميين الجدد، وحتى الناشئين، على خلاف كثير من الفائزين بجائزة نوبل، وفي مقدمهم الكولومبي غابرييل ماركيز، والبيروفي يوسا. وعندما ترجمت رواية “مدن الملح” للروائي عبد الرحمن منيف، إلى الإنجليزية، كتب عنها الروائي الأميركي المعروف جون أبدايك مقالاً نقدياً في مجلة “نيويوركر”، آخذاً على صاحبها “عدم تشبعه بما يكفي، من القيم الغربية التي تؤهله لإنتاج سردية روائية تقترب كثيراً مما ندعوه رواية”. وأضاف “يبدو صوته الروائي وكأنه يشرح حال جماعة يحضرون حفلة سمر في مخيم”. هذا الرأي ظالم طبعاً ومتسرع، ويحتاج إلى مقاربة تتناول مفهوم المعايير السردية ومرجعيتها. ومن الملاحظ أن الرواية العربية المترجمة إلى اللغات الأجنبية اليوم ما زالت تستقبل بصفتها “التمثيلية”، بما يعني أنها تمثل وثيقة سياسية واجتماعية وأنثروبولوجية حول العالم العربي وأوضاعه وهوياته المتعددة وصراعاته الداخلية، علماً بأن الرواية العربية الراهنة نجحت في فتح عالم السرد على آفاق إبداعية حديثة، وبات بعض الروائيين العرب يضاهون نظراء لهم في العالم. وكانت قد فازت الروائية العمانية جوخة الحارثي أخيراً بجائزة مان بوكر العالمية، وفاز الروائي السوداني عبد العزيز بركة بجائزة فرنسية للرواية العربية المترجمة إلى الفرنسية، ناهيك عما لقي روائيون عرب من ترحاب في الصحافة والأوساط الأدبية الغربية. وانطلاقاً من هذه “الإشكاليات” توجهنا إلى عدد من المستشرقين والمترجمين الأجانب والباحثين العرب، بغية ترسيخ حوار أو سجال حول قضية عالمية الرواية العربية، حاملين إليهم هذه الأسئلة: هل في رأيك يمكن الكلام عن عالمية الرواية العربية؟ وكيف تفهم هذه العالمية؟ وهل استطاعت هذه الرواية أن تؤثر في روائيين عالمين، أو في تيارات روائية راهنة في العالم؟ روجر ألان (مستشرق أميركي ومترجم): الإهتمام الأميركي جامعي في الغالب في رأيي الشخصي من غير الممكن أن نجيب عن هذه الأسئلة بجواب واحد أو بجملة واحدة. الوضع أكثر تعقيداً من ذلك ويعتمد على عوامل عدة منها الاختلافات المرموقة في الأوضاع الثقافية في البلدان والمناطق العربية وفي نشر أمثلة للأنواع الأدبية على مدى أوسع من المحلي وتوفرها. ومنها أثر الاستعمار المستمر في المجتمع العربي المعين وحضور مراكز بحثية أجنبية فيها وبالنسبة إلى البلدان الناطقة بالإنجليزية وكذلك دور الجامعات وأوليات مطابعها في نشر أمثال للرواية العربية المترجمة من بين منشوراتها الأخرى. وسبب هذا هو أن أكثر الاهتمام بالأدب العربي والرواية العربية في هذه المؤسسات الأكاديمية (وفي المجتمع العام) هو عبارة عن دراسات الطلاب والطالبات للأدب العالمي ومن دون أي نوع من التركز على خصوصيات الأدب العربي بعامة والرواية العربية بوجه الخصوص. ومن المعلوم أن بعض الجامعات المعروفة (القليلة نسبياً) التي يوجد فيها متخصصون في الأدب العربي الحديث توفر دراسات تتركز على أنواع روائية عربية معينة ولكن ليس لمثل هذه الدراسات والمنشورات المترجمة للاستخدام فيها أي أثر في مجال المجتمع العام الأوسع واستقبال أمثلة للرواية العربية وتلقيها كنوع أدبي عالمي. “نوبل” نجيب محفوظ فتحت أفق الرواية العربية عالمياً (علاء رستم – اندبندنت عربية) وفي هذا الميدان هناك فرق واسع جداً بين تلقي الأدب العربي واستقبال نصوص مترجمة له عند البلدان الغربية. وقد أشار بعض الباحثين في الموضوع إلى فرنسا كأفضل مثل لهذا التلقي وبعدها إلى إسبانيا وإيطاليا ثم إلى ألمانيا وبريطانيا. والأسوأ تلقياً في هذا الميدان ومن دون أي شك هو الولايات المتحدة. وقد أدت بعض المبادرات في بعض البلدان الأوروبية إلى تحسن مرموق في تلقي الرواية العربية في تلك البلدان (وأشير هنا إلى تأسيس مجلة “بنيبال” في لندن كمثل لهذه التطورات) وأضيف هنا الإشارة إلى الجوائز المخصصة للترجمة التي تقدم كل سنة في الخليج خصوصاً وبنتائج غير متفق عليها في سياق التلقي. ولسوء الحظ على الأقل في رأيي وفي سياق قارئ اللغة الإنجليزية والأنواع الأدبية المختلفة في أميركا الجواب على السؤالين في التحقيق الذي تجرونه هو بسيط جداً: لا ولا. هارتموت فاندريتش (مستشرق ومترجم ألماني): الناشرون الألمان لا يتحمسون للرواية العربية لا أعتقد أننا نستطيع الكلام عن “رواج” فكل ما نجده في حقل تعريف الرواية العربية (في المنطقة الألمانية لغوياً في أي حال) هو بذل جهود بعض الأفراد وأقصد المستعربين في البحث عن دار نشر مستعدة للاعتناء بالأدب العربي. ومثل هذه الجهود فاشلة في أغلب الأحوال خصوصاً في ما يتعلق بالدور الكبيرة. الوضع مخز ومعيب فمع انتشار الإنترنت تتراجع ثقة الناشرين بآراء المتخصصين بالأدب العربي وكذلك اعتمادهم عليهم لأنهم يعتقدون أنهم يجدون كل شيء مهم في الإنترنت. وهذا طبعاً غير صحيح. أعترف أن هذا الكلام تعميمي لكنه يصف نزعة قوية. أما في شأن أن أعمالاً كثيرة عربية ترجمت إلى الأجنبية وأن ثمة مكتبة للرواية العربية حاضرة عالمياً فهذا الرأي بالنسبة إلى الألمانية لا أساس له. فما يترجم من العربية إلى الألمانية هو: ما بين رواية وأربع روايات. وفي العامين 2017 و2018 لم تصدر أي رواية مترجمة من العربية. وبعض المجموعات المترجمة هي من كتابات لاجئين سوريين مقيمين في ألمانيا. وهذا قليل جداً جداً ولا يعطي حتى فكرة محدودة لما يكتب في العالم العربي. يوجد عدد من المترجمين المهتمين بالأدب العربي والمطلعين عليه لكنهم لا يجدون دور نشر مهتمة به وهي لا تجد ما تحتاج إليه تجارياً من القراء أو المشترين وهذه حلقة مغلقة. صحيح أن الرواية العربية تستقبل في العالم بصفتها رواية آتية من العالم العربي هذا صحيح وكان الوضع مماثلاً بالنسبة للأدب الآتي من أميركا اللاتينية في بداية ظهوره في أسواقنا. والسبب هو أن المقاييس الأدبية بين معظم القراء مقتبسة من الأدب الغربي. وهذه الظاهرة أي قراءة الأدب غير الغربي بصفته وثيقة اجتماعية يطول تلاشيها. لن أتكلم عن عالمية الرواية العربية لكنني على يقين من أن عدداً من الروايات العربية هو على مستوى عالمي. وهذا هو الأمر نفسه بالنسبة إلى روايات من أي منطقة من العالم: كثير من الإنتاج الأدبي متواضع أو لنقل محلي. إن السؤال عن تمكن الرواية العربية من التأثير في الروائيين الغربيين تصعب الإجابة عنه. لعل عالمية رواية معينة تعني تأصيلها في محل أصلها وفي الوقت نفسه اختراقها حدود هذا المحل متناولة بعداً من أبعاد الكون الإنساني. وهذا تعريف أولي وتمهيدي لمشكلة كبيرة ومعقدة. سعد البازعي (باحث سعودي ومترجم): قلق عربي تجاه التلقي الغربي يبدو لي أن من الصعب التعميم في الحكم على تلقي الرواية العربية في اللغات الأخرى لا سيما الأوروبية منها فحظوظ الكتاب والأعمال تتفاوت تفاوتاً كبيراً. لكن في المجمل تبدو الصورة غير باعثة على الكثير من البهجة تجاه ذلك التلقي. ومع ذلك يظل السؤال مشرعاً على نافذة أخرى: هل حظوظ الروايات من ثقافات غير غربية كالصينية والهندية وغيرهما أفضل؟ المؤكد أن الروايات المكتوبة أصلاً بلغات أوروبية تحقق حضوراً أفضل من تلك المترجمة إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرهما من اللغات الأوروبية سواء جاءت الأعمال من العربية أو غيرها. وهذا يصدق على الكتاب القادمين من أصول غير أوروبية ويكتبون بلغات أوروبية. القارئ الغربي لا يراهم على المسافة نفسها التي يرى عليها القادمين من خلال الترجمة. فلكون هؤلاء يكتبون بغير لغاتهم الأصلية يجعلهم أسهل تناولاً وأكثر قابلية للتذوق والإعجاب. ويعتمد ذلك بالطبع على مستوى الأعمال نفسها. فالطاهر بن جلون وأمين معلوف يحظيان كما تشير الشواهد بمكانة عالية وتأثير واسع نسبياً على الرغم من أنهما لا ينتجان أدباً يتوسل الانتشار كما تفعل ليلى سليماني مثلاً. وكذلك هو الحال مع كاتبة بالإنجليزية مثل أهداف سويف التي كادت تصل إلى البوكر الإنجليزية. الروائية العمانية جوخة الحارثي وجائزة بوكر العالمية (موقع الجائزة) المسألة الأهم والمقلقة أكثر هي القلق العربي نفسه من ضعف الاهتمام الغربي. ليس ثمة قلق لدينا في العالم العربي من ضعف اهتمام صيني أو ياباني أو كوري أو حتى إسباني بأدبنا. هي الفرنسية أو الإنجليزية التي نود الوصول إلى مراتب عليا في سلم تقديرهما أو قائمة مبيعاتهما. أحد النقاد العرب وأظنه عبد الفتاح كيليطو وصف العلاقة بالغرب وفرنسا بصفة خاصة بأنها أشبه بالحب من طرف واحد: نحبهم ولا يحبوننا. ويؤكد هذا أنه لم يبد عليهم قلق تجاه إعجابنا برواياتهم أو أدبهم بصفة عامة فهم واثقون كل الثقة من أننا نتلهف لقراءة آخر ما أنتجته المطابع الغربية الفرنكوفونية والأنغلوفونية. ومع أن من المكابرة القول إن طرفي العلاقة متساويان العربي والغربي فإن من المعيق للإنتاج الإبداعي أياً يكن أن يتعلق بمسألة الوصول إلى الآخر. سبق لعبد الرحمن منيف أن قال إن بعض الروائيين العرب يكتبون لكي يترجَموا أي أنهم يشكلون أعمالهم لكي تكون ملائمة للترجمة والقراءة في باريس أو لندن أو نيويورك ما يؤهلهم في نهاية المطاف لينافسوا على الجوائز الكبرى ويحظوا بتقدير لدى دوائر النقد الأدبي هناك وفي الإعلام الثقافي الأكثر انتشاراً. هذه الظاهرة موجودة من دون شك ليس في العالم العربي وحده وإنما في مناطق أخرى من العالم. لكن العالم العربي هو ما يهمني وما أتمنى ألا يتشكل أدبه وفقاً لمقاييس التقييم لدى الآخر أو استجابة لأفق التلقي غير العربي. المؤكد هو أن ذلك لا يحدث في فرنسا. لا أحد هناك في ظني يكتب لكي يعجب به العرب أو الصينيون أو الهنود. مارغرت أوبنك (كاتبة وناشرة بريطانية): من المبكر البحث عن الأثر العالمي إن الأسباب التي جعلت الروايات العربية تترجم الى الإنجليزية هي متعددة مثل الطرق المختلفة التي تم تلقي القراء والنقاد بها هذه الروايات المترجمة. قبل 11 سبتمبر (ايلول) كان العالم العربي بأدبه وثقافته مهملاً ومهمشاً مع أن نجيب محفوظ كان نال جائزة نوبل العام 1988 ولم يكن قد ترجم إلا عبر دور نشر متخصصة ذات قراء متخصصين لسوء الحظ. بعد 11 سبتمبر بدأت الأمور تتغير بطرق عدة. وإحدى هذه الطرق بالتأكيد قامت على نوع من الفضول الإنتروبولوجي والسوسيولوجي إزاء عالم عربي تجهله غالبية الناس في الغرب ما عدا بعض النماذج المقولبة (إستريوتيب). وهذا ما كان له تبعات على الطريقة التي روجت بها الكتب وتمت بها مراجعتها وتلقيها. وهذا ما جعل العالم العربي يعد وكأنه موضوع للنظر خصوصاً أن مسألة الحوار الثقافي والمعرفة لم تكن مطروحة على الطاولة. غير أن هذا الفضول الكامن بالفطرة في البشر والذي تكبحه دوماً مقولة “الخوف من الآخر الذي لا يشبهنا” جعلت هذا الحوار يتحقق. فمعرفة العالم العربي وأدبه وثقافته تندرج في سياق التعمق في المعارف الذي يرتقي بالمعرفة من مستوى الخصوصي إلى العالمي. لكن العالمي إنما يكمن في الخصوصي وهنا يمكنني القول إن العالمي يحتويه الخصوصي في كل رواية. وخلال العشرين سنة الأخيرة أظهر الطلاب في الغرب اهتماماً جديداً بتعلم اللغة العربية مما سمح لشريحة كبيرة من المترجمين الأدبيين الالتحاق ببعض الأكاديميين الأوفياء الذين كانوا عملوا في حقل الترجمة ومنهم محمد مصطفى بدوي ودنيس جونسون دافيس وعيسى بلاطة في السنوات الستين. هذا الحوار الثقافي وهذه المعرفة تجلياً عبر الأدب وفي مستويات مختلفة فالأدب له عدد لا يحصى من القراء. وهذا ما حصل في شأن الأدب العربي المترجم الذي حصد قراء كثراً في الغرب. وقد يكون القراء هم من يصعدون الإيقاع وربما المترجمون وربما تناقص الحواجز أمام التواصل العالمي. وقد اتضح أخيراً أن عدد الناشرين الغربيين المهتمين بترجمة الأدب العربي بات يزداد وبعضهم يفكرون بجدية بترجمة كلاسيكيات الأدب العربي بينما يفكر آخرون بترجمة ما يكتب اليوم في العالم العربي. وعلى سبيل المثال تلقت إدارة جائزة سيف غباش – بانيبال للترجمة من العربية في العام 2019 مشاركات من ثلاث عشرة داراً للنشر باللغة الإنجليزية. تمثال جبران خليل جبران في واشنطن (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – صفحة لجنة جبران على فيسبوك) أعود للقول إن بعض الأشخاص لديهم دوماً الخوف من الآخر ولا يرون إلا الخصوصي في أدبه وثقافته. لكن أشخاصاً آخرين يزدادون أكثر فأكثر وهم يرون أننا كلنا “آخر” ولدينا رغبة في معرفة بعضنا قدرات بعضنا في الإبداع والسرد. وهذا يعني أيضاً التعلم بعضنا من بعض فعل الإيحاء والتأثر. ربما من المبكر الاعتبار أن “الرواية العربية” قادرة على التأثير في الكتابة الروائية العالمية وفي الروائيين العالميين. ولكن من المؤكد أن هذا اليوم سوف يأتي. جوناثان رايت (مستشرق ومترجم بريطاني): يجب التركيز على فن السرد من الصعب التفرقة بين العناصر التي تصنع الكتاب والتي ترضي القراء خصوصاً في حالة الأدب العربي المترجم. فغالباً ما تؤدي الخلفية الثقافية دوراً بارزاً. لكن هذا ينطبق أيضاً على الأدب المترجم الآخر من الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية على سبيل المثال على الرغم من أن التباين الثقافي في مثل هذه الترجمات يكون أقل وضوحاً. في بعض الحالات قد يعد القارئ النص في وقت واحد نصاً درامياً ذات شخصيات مثيرة للاهتمام ومصدراً لإلقاء نظرة ثاقبة على مكان أو طريقة حياة مختلفة. على سبيل المثال عندما أقرأ أعمال أولغا توكارتشوك المترجمة من البولندية إلى الإنجليزية يسعدني أن أنتقل إلى غابات الريف البولندي وأن ألتقي بالأشخاص الذين يعيشون هناك. هذا عالم لم أختبره من قبل وهو غريب تماماً بالنسبة لي كشخص إنجليزي مديني يعيش في بلد لا غابات كبيرة فيه. لذلك لا أعتقد أن استقبال الأدب العربي باللغات الأوروبية يختلف عن استقبال الآداب الأخرى من حيث الجودة ولكن في درجات الاستقبال فحسب. أما السؤال عن إمكان التحدث عن الأدب العربي في كونه “عالمياً” فلست متأكداً تماماً مما يعنيه ذلك. ألا يكفي أن تتم ترجمة بعض االكتب العربية إلى عشرات اللغات؟ ألا يجعل هذا الأمر الأدب العربي المترجم عالمياً في صورة تلقائية؟ النقطة الثانية أكثر دقة: “هل أثرت الروايات العربية في الروائيين الذين يكتبون بلغات أخرى؟” أي كاتب يقرأ أعمال كاتب آخر ويعجب بها لا بد أن يتأثر به لذا يجب أن تكون الإجابة نعم. لكن هل هذا التأثير قوي جداً؟ على الأغلب لا. لا تزال مبيعات الأدب العربي باللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى قليلة فقد تركز الاستقبال غالباً على ما تخبرنا به الروايات عن الحياة والمجتمع والسياسة والدين وما إلى ذلك في البلدان التي كتبت فيها. الاستثناء الكبير بالطبع هو كتاب “ألف ليلة وليلة” وهو أحد أشهر الأعمال الأدبية في العالم وقد أثر في أجيال كاملة من الكتاب في أنحاء العالم. لا عمل في الأدب العربي الحديث أو المعاصر يمكن مقارنته بهذا الكتاب. ولكن لا يوجد سبب لليأس. لم يكن لأدب أميركا اللاتينية أي تأثير تقريباً في الأدب الأوروبي حتى ما يقرب من 60 عاماً لكنه اليوم مندمج تماماً في أوساط “الأدب العالمي” ويحتل فيها مكانة بارزة. أما رأيي الشخصي وأنا أدرك أنه قد يكون مثيراً للجدل فهو أن الروائيين الذين يكتبون باللغة العربية إذا أرادوا أن يتم الاعتراف بهم دولياً يحسنون صنعاً إذا هم ركزوا على مهاراتهم في السرد والتخييل والتقليل في التباهي بالبراعة الأدبية والبلاغة. لا تزال هناك مسافة كبيرة بين الثقافة الأدبية العربية والثقافة الأدبية للغات الرئيسية الأخرى. هذا لا يزال عائقاً أمام التكامل الكامل بين الثقافتين. بالطبع الكتاب العرب يملكون الحرية في أن يقرروا الحفاظ على تقاليدهم الخاصة وعلى جذب الجمهور العربي فحسب. لكنني أظن أن القراء العرب سيرحبون بكتب جديدة ذات سرد قوي وشخصيات قوية. وهذه الكتب لا تحتاج إلى المساومة على المعايير الأدبية. شيرين أبو النجا (باحثة مصرية في الأدب الإنجليزي): البحث عن المسكوت عنه للأسف هو رأي صحيح فالرواية العربية- بغض النظر عن نسبة الترجمة التي تخضع لمتطلبات السوق- يتم التعامل معها في الغرب بوصفها نصاً إثنوغرافياً يشرح المجتمع وعاداته وتقاليده وعلاقاته الداخلية ووضع المرأة فيه. ينطبق الأمر على الموسيقى مثلاً فإذا عطس موزارت فهي موسيقى عالمية لكن غناء أم كلثوم وفيروز يدخل في الموسيقى الإثنية. ربما علينا أن نسترجع الأسئلة التي توجه للكتاب والكاتبات العرب الذين تتم استضافتهم في الغرب من أجل صدور الترجمة أو في سياق مهرجان أدبي أو ندوة فالجمهور لا يسأل عن الرواية بوصفها عملاً جمالياً بل يسأل الكاتب عن ديانته والعنف ضد النساء وغير ذلك من القضايا التي تقدم للغرب صورة فانتازية عن عوالم مختلفة وتمنحه شعوراً بالتفوق النفسي المبطن. الترجمة وحدها لا تكفي للعالمية (غيتي) يمكن أن نتحدث عن أدباء أميركا اللاتينية مثلاً ونشير إلى تأثرهم بالأدب العربي لكن أميركا اللاتينية لا تعد جزءاً من المنظومة الغربية ولولا اللغة والبعد الجغرافي لاعتبرناها جزءاً من العالم العربي للتشابه الواضح في الظرف السياسي والاجتماعي. لا يعتبر الغرب أن الرواية العربية مصدر للإلهام أو التأثير بل هي للاطلاع على المجتمع من الداخل. كاميرا تسجل وتصور وتنسى أن هذا نص تخييلي فتتعامل معه كوثيقة أرشيفية للواقع وهو أمر متعلق باقتصاد إنتاج المعرفة. فقد دأب الشمال العالمي على التعامل مع الجنوب بوصفه مصدراً للمعلومات الخام التي تتم أدلجتها وتأطيرها في تصورات نظرية تعود للجنوب مرة أخرى فنتعامل نحن معها كحقيقة على الرغم من أننا لم نشارك في إنتاجها. تتشكل تصوراتنا عن أنفسنا من خلال صور تستقى من أعمالنا الفنية لتعود لنا كواقع. وهو ما يفسر رواج الروايات التي تكشف المسكوت عنه سواء كان متعلقاً بالجسد أو النساء أو العنف. حتى أن بعض الروايات يتم استخدامها في أقسام علم الاجتماع والأنثروبولوجيا كنصوص تعليمية. وتعتبر دراسات ما بعد الكولونيالية مسؤولة بدرجة كبيرة عن هذا الاقتصاد المعوج وهو ما يستلزم إعادة النظر في الحقل بأكمله الذي يشكل جزءاً رئيسياً في المنظومة البحثية لدينا. فخري صالح (باحث ومترجم أردني): وصمة الأنثروبولجيا لا الإبداع لم يكن نصيب الرواية العربية من الترجمة إلى عدد من لغات المركز الغربي وافراً بأية صورة من الصور حتى فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 فانتبه العالم إلى وجود كتابة روائية عربية تستحق الالتفات. ومع أن أعمال محفوظ كلها قد جرى نقلها إلى عشرات اللغات الغربية وغير الغربية إلا أن انتشار محفوظ عالمياً لا يقارن بانتشار روائي فاز بنوبل قبله (1982) هو غابرييل غارثيا ماركيز فقد جرى النظر إلى عمل محفوظ بوصفه آتياً من بلاد “ألف ليلة وليلة” أو بوصفه بلزاك العرب وبلزاك عاش في القرن التاسع عشر فيما جرى النظر إلى ماركيز بوصفه مجدداً من مجددي دم الرواية العالمية ومعلماً من معلمي تيار الواقعية السحرية اللاتينية التي أصابت بالعدوى أعداداً كبيرة من كتاب البشرية وغيرت من مفهوم النوع الروائي وطبعته بطابع غرائبي كان حاضراً بقوة في “ألف ليلة وليلة” التي أثرت عميقاً في نصوص الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. لكن ذلك الحضور المستتر لـ”ألف ليلة وليلة” في الوعي الغربي وفي ميراثه الاستشراقي لم يخدم كثيراً حضور الرواية العربية في الترجمات ربما لأنه جرى القطع في الوعي الغربي بين عرب “ألف ليلة وليلة” والعرب المعاصرين. لكن لا شك في أن عدد الروايات العربية المترجمة بدءاً من أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى اللغات الأوروبية قد زاد بتأثير الرغبة في التعرف على المنطقة وكيفية تفكير أهلها ونظرتهم إلى العالم وخصوصاً الصقع الغربي منه. لكن هذه الزيادة لا تقارن بعدد الروايات الأميركية اللاتينية وكذلك اليابانية التي تترجم إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية. صحيحٌ أن هناك عدداً من الروائيين العرب الذين ترجمت أعمالهم إلى تلك اللغات قد رشحوا للحصول على جوائز كبيرة مثل أحمد سعداوي الذي وصلت روايته “فرانكشتاين في بغداد” إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر العالمية وجوخة الحارثي التي فازت بهذه الجائزة عن روايتها “سيدات القمر” (2019) إلا أن حضور الرواية العربية في تلك اللغات ما زال محدوداً. والأهم من ذلك أن هذه الروايات المترجمة لم تصبح جزءاً من كلاسيكيات الرواية في تلك اللغات وهي لا تصير جزءاً من الـ Canon الذي يتشكل سنة بعد سنة فلا يجري تدريسها سوى في أقسام اللغة العربية في الجامعات الغربية وغير الغربية. أي أن الرواية العربية تظل ملتصقة بأصلها اللغوي والثقافي ولا تصبح جزءاً مما يطلق عليه “الأدب العالمي”. يصدق ذلك على كتاب مثل إلياس خوري وعلاء الأسواني وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني (وهم كتاب نالوا حظاً جيداً من الترجمة إلى لغات عديدة) كما يصدق على عميد الرواية العربية الراحل نجيب محفوظ. إننا ما زلنا نسكن حقل الأنثروبولوجيا ولم نغادره إلى الحقل الذي يطلق عليه اسم “الأدب العالمي”. فاروق مردم بك (باحث ومسؤول في دار “إكت سود” الفرنسية): الجاذب السياسي والاجتماعي نشطت منذ تسعينيات القرن الماضي بعد نيل نجيب محفوظ جائزة نوبل حركة لترجمة الروايات العربية إلى اللغات الأوروبية الأوسع انتشاراً. وعلى الرغم من أن ما ترجم قليلٌ جداً بالنظر إلى غزارة الإنتاج الروائي العربي وخصوصاً في السنوات العشر الأخيرة وعلى الرغم أيضاً من أن بعض الأعمال الأهم في تاريخنا الأدبي الحديث لم تترجم إلا أن بإمكان القارئ الأوروبي الاطلاع على نماذج وافية من هذا الإنتاج تمثل اتجاهاته الرئيسة في مختلف مراحله وفي أغلب البلدان العربية. وقد يقبل هذا القارئ عليها حيناً ويتحفظ إزاءها حيناً بحسب الظروف العامة المتغيرة في العالم العربي وفي بلاده وقلما يكون السبب قيمتها الأدبية. أكاديمية نوبل منبر العالمية (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – صفحة الأكاديمية على فيسبوك) ويتبين من الدراسات القليلة التي صدرت حتى الآن في فرنسا عن حركة الترجمة عن العربية (وكانت فرنسا رائدة في هذا الميدان) أن الرواية العربية المترجمة تقرأ أولاً قراءة سياسية – اجتماعية ولا ينظر فيها إلا نادراً حتى في الصحافة الأدبية الأسبوعية من الزاوية الفنية المحض. وقد نكون نحن الناشرين “الملتزمين” مسؤولون عن ذلك إلى حد ما (إلى حد ما فحسب!)، لاعتقادنا بأن الرواية أقدر من البحث الاجتماعي ومن المقالة السياسية على مجابهة الصورة النمطية السائدة عن العرب فترانا نصر إعلامياً بالدرجة الأولى على البعد السياسي – الاجتماعي لأي عمل روائي. ولكن بمَ يختلف عامة القراء عن الناشرين؟ لماذا يقتنون منشوراتهم؟ نظلمهم إذا ظننا كما يزعم بعض النقاد أن السبب هو الرغبة “الإكزوتيكية” في اكتشاف عالم غرائبي غير عالمهم على غرار قراء ترجمات “الف ليلة وليلة” القدماء. ونظلم أنفسنا كما نظلمهم إذا احتقرنا فضولهم إلى معرفة حقيقة الحياة العربية المعاصرة من خلال الأدب، أو إذا اعتبرنا أن المعيار الوحيد للعالمية هو قدرة كتابنا على ابتداع تقنيات سردية تبهر قراء بروست وجيمس جويس أو غارثيا ماركيز وموراكامي! ومن الملاحظ في صدد العالمية أننا نقارن بصورة عفوية بين روايتنا العربية ورواية أميركا اللاتينية أو الرواية اليابانية فلا نجدها تحتل موقعاً مشابهاً لموقعهما في المشهد الثقافي الأوروبي الذي يعنينا لأسباب عديدة أكثر من غيره. لنقارنها من حيث الإقبال على ترجمتها وتلقيها النقدي وعدد مبيعاتها وحضورها الثقافي وتأثيرها بالرواية الصينية أو الهندية (المترجمة عن إحدى لغات الهند وليس عن الإنجليزية). سنستنتج عندئذ أنها تضاهيهما في كل شيء على ما للصين والهند من مكانة (وحصانة!) وعلى التدهور المستمر لصورة العرب في العالم بأسره والحذر من كل ما يمت بصلة إلى الإسلام. مهما يكن الأمر أعتقد أن الترجمة في حد ذاتها لا تؤهل أدباً ما إلى العالمية ما لم تتوفر له مؤهلاتها في لغته الأصلية، وهي لا تنحصر في موهبة الكتاب ومهارتهم بل تتعداها إلى كفاءة المعنيين بإعداد أعمالهم للنشر وتسويقها وإلى جدية النقد واتساع دائرة القراءة. لوك باربولسكو (متشرق ومترجم فرنسي): فرصة العودة إلى الغرب من المؤكد أن الاهتمام الذي يظهره القراء الغربيون تجاه الأدب السردي العربي الحديث يعود إلى الفضول لديهم في التعرف على عالم كان لا يزال مثيراً (إكزوتيكياً) ومدهشاَ جداً. والمعروف أن العالم الروائي هو أفضل وجهة للاطلاع على الحقيقة الإنسانية لمجتمع معين. وفي طريقة معينة يبقى الأدب هو المكان الرمزي والمتخيل الذي لا تزال تظهر فيه الاختلافات والخصائص الثقافية وتصمد حيال محاولات تسطيح العالم وابتذاله. اقرأ المزيد “دون كيخوته” تحتل المرتبة الأولى في لائحة “المئة رواية عالمية”… ونجيب محفوظ “النوبلي” غائب ملتقى القاهرة الروائي يكرم الطيب صالح … وعينه على السودان المضطرب أما المفارقة فتكمن في أن الإقبال الكبير على الترجمة إلى اللغات الأوروبية الذي بدأ قبل أربعين سنة يساهم بقوة في هذا الابتذال: الشخصيات الروائية التي تضمها الروايات العربية تتبدى ما إن تتلبس التعبير الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني وكأنها شخصيات من العالم غير مختلفة بتاتاً عن الشخصيات الأخرى وتحركها الأفكار والأهواء نفسها. هل بات للعرب اليوم الفرصة أخيراً بفضل حركة الترجمة هذه كي يعودوا إلى هذا العالم الغربي، الذي كانوا ينتمون إليه سابقاً خصوصاً منذ القرن التاسع عشر؟ انطلاقاً من هذه الفرضية يبدو أن الاستشراق ما كان له إلا أن يكون كلمة بين قوسين بديعة جمالياً ولكن قائمة على سوء فهم. المزيد عن: الرواية العربية/العالمية/الترجمة/الإستشراق/مستشرقون/معايير الرواية/الإكزوتيكية/لغات اجنبية/نجيب محفوظ/الطيب صالحجوائزالبوكر/جائزة نوبل/مصر/السعودية/الأردن/بريطانيا 7 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post قيادة جديدة لإسرائيل؟ حديثٌ مع جدعون ساعر next post مات إميل زولا وألفريد درايفوس ولم تمت قضيتهما “المشتركة” You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 7 comments sexy girl 17 فبراير، 2021 - 8:35 م It’s an remarkable piece of writing in support of all the online viewers; they will take benefit from it I am sure. Reply 우리카지노 17 فبراير، 2021 - 9:59 م I all the time used to read post in ness papers but now as I am a user of web therefore from now I am using net for posts, thanks to web. mypage 우리카지노 Reply Window Installation 17 فبراير، 2021 - 10:02 م That is really attention-grabbing, You are a very professional blogger. I’ve joined your rss feed and look forward to in quest of more of your magnificent post. Additionally, I’ve shared your site in my social networks Reply online slot 17 فبراير، 2021 - 10:22 م I am really thankful to the owner of this site who has shared this great piece of writing at here. Reply ceri123 17 فبراير، 2021 - 10:39 م You are so cool! I do not believe I’ve truly read through anything like that before. So great to discover another person with some unique thoughts on this topic. Really.. thanks for starting this up. This web site is one thing that’s needed on the web, someone with a bit of originality! Reply דירה להשכרה 17 فبراير، 2021 - 11:16 م thanks lots this website will be formal in addition to everyday Reply android tips 18 فبراير، 2021 - 12:20 ص Wow that was odd. I just wrote an incredibly long comment but after I clicked submit my comment didn’t appear. Grrrr… well I’m not writing all that over again. Anyway, just wanted to say excellent blog! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.
تشهد الرواية العربية منذ عقدين، لا سيما بعد حادثة 11 سبتمبر (أيلول)، رواجاً في حقل الترجمة إلى لغات أجنبية عدة، وفي مقدمتها اللغة الفرنسية، وقد ترجمت أعمال كثيرة إلى هذه اللغات، وبات ثمة مكتبة للرواية العربية حاضرة فيها، وإن بدرجات متفاوتة. ومن الثابت أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 جعل الأوساط الأدبية في العالم تلتفت إلى الحركة الروائية المعاصرة، بعد أن كان غالب الاهتمام العالمي شبه مقتصر على ظواهر ثابتة، ومنها ظاهرة “ألف ليلة وليلة”، وبعض الكتب التراثية، وبعض النتاج الإبداعي المعاصر. طبعاً، نجيب محفوظ كان قد تُرجمت له أعمال قليلة قبل فوزه، ونشرت في دور صغيرة، ولم تتمكن هذه الترجمات من تشكيل صورة له واضحة في أذهان القراء، ما خلا طبعاً المستشرقين، أو المستعربين. واللافت في هذا القبيل أن رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، كانت قد تُرجمت بُعيد صدورها إلى الإنجليزية والفرنسية على سبيل المثال، وبدت حاضرة في قلب السجال حول العلاقة بين الغرب والعالم العربي. والمفاجئ أيضاً أنها غالباً ما تذكر في معظم المعاجم الروائية العالمية، مثلها مثل رواية أو روايتين في الأكثر، لنجيب محفوظ، وكأن هذين الاسمين وحدهما يمثلان الإبداع الروائي العربي. ومن المعروف أن نجيب محفوظ عندما أقبل المترجمون الغربيون على نقل رواياته إلى لغاتهم، رحب به عالمياً في الغالب بصفته بلزاك العرب، أو زولا العرب، ما يعني أنه أدرج في ذاكرة القرن التاسع عشر أوروبياً. ومعظم من رحب به في الغرب هم المستشرقون، مع قلة من النقاد أو الروائيين العالميين. ومن هنا كان من الصعب البحث عن أثر تركه (ويتركه) نجيب محفوظ النوبلي في الروائيين العالميين الجدد، وحتى الناشئين، على خلاف كثير من الفائزين بجائزة نوبل، وفي مقدمهم الكولومبي غابرييل ماركيز، والبيروفي يوسا. وعندما ترجمت رواية “مدن الملح” للروائي عبد الرحمن منيف، إلى الإنجليزية، كتب عنها الروائي الأميركي المعروف جون أبدايك مقالاً نقدياً في مجلة “نيويوركر”، آخذاً على صاحبها “عدم تشبعه بما يكفي، من القيم الغربية التي تؤهله لإنتاج سردية روائية تقترب كثيراً مما ندعوه رواية”. وأضاف “يبدو صوته الروائي وكأنه يشرح حال جماعة يحضرون حفلة سمر في مخيم”. هذا الرأي ظالم طبعاً ومتسرع، ويحتاج إلى مقاربة تتناول مفهوم المعايير السردية ومرجعيتها. ومن الملاحظ أن الرواية العربية المترجمة إلى اللغات الأجنبية اليوم ما زالت تستقبل بصفتها “التمثيلية”، بما يعني أنها تمثل وثيقة سياسية واجتماعية وأنثروبولوجية حول العالم العربي وأوضاعه وهوياته المتعددة وصراعاته الداخلية، علماً بأن الرواية العربية الراهنة نجحت في فتح عالم السرد على آفاق إبداعية حديثة، وبات بعض الروائيين العرب يضاهون نظراء لهم في العالم. وكانت قد فازت الروائية العمانية جوخة الحارثي أخيراً بجائزة مان بوكر العالمية، وفاز الروائي السوداني عبد العزيز بركة بجائزة فرنسية للرواية العربية المترجمة إلى الفرنسية، ناهيك عما لقي روائيون عرب من ترحاب في الصحافة والأوساط الأدبية الغربية. وانطلاقاً من هذه “الإشكاليات” توجهنا إلى عدد من المستشرقين والمترجمين الأجانب والباحثين العرب، بغية ترسيخ حوار أو سجال حول قضية عالمية الرواية العربية، حاملين إليهم هذه الأسئلة: هل في رأيك يمكن الكلام عن عالمية الرواية العربية؟ وكيف تفهم هذه العالمية؟ وهل استطاعت هذه الرواية أن تؤثر في روائيين عالمين، أو في تيارات روائية راهنة في العالم؟ روجر ألان (مستشرق أميركي ومترجم): الإهتمام الأميركي جامعي في الغالب في رأيي الشخصي من غير الممكن أن نجيب عن هذه الأسئلة بجواب واحد أو بجملة واحدة. الوضع أكثر تعقيداً من ذلك ويعتمد على عوامل عدة منها الاختلافات المرموقة في الأوضاع الثقافية في البلدان والمناطق العربية وفي نشر أمثلة للأنواع الأدبية على مدى أوسع من المحلي وتوفرها. ومنها أثر الاستعمار المستمر في المجتمع العربي المعين وحضور مراكز بحثية أجنبية فيها وبالنسبة إلى البلدان الناطقة بالإنجليزية وكذلك دور الجامعات وأوليات مطابعها في نشر أمثال للرواية العربية المترجمة من بين منشوراتها الأخرى. وسبب هذا هو أن أكثر الاهتمام بالأدب العربي والرواية العربية في هذه المؤسسات الأكاديمية (وفي المجتمع العام) هو عبارة عن دراسات الطلاب والطالبات للأدب العالمي ومن دون أي نوع من التركز على خصوصيات الأدب العربي بعامة والرواية العربية بوجه الخصوص. ومن المعلوم أن بعض الجامعات المعروفة (القليلة نسبياً) التي يوجد فيها متخصصون في الأدب العربي الحديث توفر دراسات تتركز على أنواع روائية عربية معينة ولكن ليس لمثل هذه الدراسات والمنشورات المترجمة للاستخدام فيها أي أثر في مجال المجتمع العام الأوسع واستقبال أمثلة للرواية العربية وتلقيها كنوع أدبي عالمي. “نوبل” نجيب محفوظ فتحت أفق الرواية العربية عالمياً (علاء رستم – اندبندنت عربية) وفي هذا الميدان هناك فرق واسع جداً بين تلقي الأدب العربي واستقبال نصوص مترجمة له عند البلدان الغربية. وقد أشار بعض الباحثين في الموضوع إلى فرنسا كأفضل مثل لهذا التلقي وبعدها إلى إسبانيا وإيطاليا ثم إلى ألمانيا وبريطانيا. والأسوأ تلقياً في هذا الميدان ومن دون أي شك هو الولايات المتحدة. وقد أدت بعض المبادرات في بعض البلدان الأوروبية إلى تحسن مرموق في تلقي الرواية العربية في تلك البلدان (وأشير هنا إلى تأسيس مجلة “بنيبال” في لندن كمثل لهذه التطورات) وأضيف هنا الإشارة إلى الجوائز المخصصة للترجمة التي تقدم كل سنة في الخليج خصوصاً وبنتائج غير متفق عليها في سياق التلقي. ولسوء الحظ على الأقل في رأيي وفي سياق قارئ اللغة الإنجليزية والأنواع الأدبية المختلفة في أميركا الجواب على السؤالين في التحقيق الذي تجرونه هو بسيط جداً: لا ولا. هارتموت فاندريتش (مستشرق ومترجم ألماني): الناشرون الألمان لا يتحمسون للرواية العربية لا أعتقد أننا نستطيع الكلام عن “رواج” فكل ما نجده في حقل تعريف الرواية العربية (في المنطقة الألمانية لغوياً في أي حال) هو بذل جهود بعض الأفراد وأقصد المستعربين في البحث عن دار نشر مستعدة للاعتناء بالأدب العربي. ومثل هذه الجهود فاشلة في أغلب الأحوال خصوصاً في ما يتعلق بالدور الكبيرة. الوضع مخز ومعيب فمع انتشار الإنترنت تتراجع ثقة الناشرين بآراء المتخصصين بالأدب العربي وكذلك اعتمادهم عليهم لأنهم يعتقدون أنهم يجدون كل شيء مهم في الإنترنت. وهذا طبعاً غير صحيح. أعترف أن هذا الكلام تعميمي لكنه يصف نزعة قوية. أما في شأن أن أعمالاً كثيرة عربية ترجمت إلى الأجنبية وأن ثمة مكتبة للرواية العربية حاضرة عالمياً فهذا الرأي بالنسبة إلى الألمانية لا أساس له. فما يترجم من العربية إلى الألمانية هو: ما بين رواية وأربع روايات. وفي العامين 2017 و2018 لم تصدر أي رواية مترجمة من العربية. وبعض المجموعات المترجمة هي من كتابات لاجئين سوريين مقيمين في ألمانيا. وهذا قليل جداً جداً ولا يعطي حتى فكرة محدودة لما يكتب في العالم العربي. يوجد عدد من المترجمين المهتمين بالأدب العربي والمطلعين عليه لكنهم لا يجدون دور نشر مهتمة به وهي لا تجد ما تحتاج إليه تجارياً من القراء أو المشترين وهذه حلقة مغلقة. صحيح أن الرواية العربية تستقبل في العالم بصفتها رواية آتية من العالم العربي هذا صحيح وكان الوضع مماثلاً بالنسبة للأدب الآتي من أميركا اللاتينية في بداية ظهوره في أسواقنا. والسبب هو أن المقاييس الأدبية بين معظم القراء مقتبسة من الأدب الغربي. وهذه الظاهرة أي قراءة الأدب غير الغربي بصفته وثيقة اجتماعية يطول تلاشيها. لن أتكلم عن عالمية الرواية العربية لكنني على يقين من أن عدداً من الروايات العربية هو على مستوى عالمي. وهذا هو الأمر نفسه بالنسبة إلى روايات من أي منطقة من العالم: كثير من الإنتاج الأدبي متواضع أو لنقل محلي. إن السؤال عن تمكن الرواية العربية من التأثير في الروائيين الغربيين تصعب الإجابة عنه. لعل عالمية رواية معينة تعني تأصيلها في محل أصلها وفي الوقت نفسه اختراقها حدود هذا المحل متناولة بعداً من أبعاد الكون الإنساني. وهذا تعريف أولي وتمهيدي لمشكلة كبيرة ومعقدة. سعد البازعي (باحث سعودي ومترجم): قلق عربي تجاه التلقي الغربي يبدو لي أن من الصعب التعميم في الحكم على تلقي الرواية العربية في اللغات الأخرى لا سيما الأوروبية منها فحظوظ الكتاب والأعمال تتفاوت تفاوتاً كبيراً. لكن في المجمل تبدو الصورة غير باعثة على الكثير من البهجة تجاه ذلك التلقي. ومع ذلك يظل السؤال مشرعاً على نافذة أخرى: هل حظوظ الروايات من ثقافات غير غربية كالصينية والهندية وغيرهما أفضل؟ المؤكد أن الروايات المكتوبة أصلاً بلغات أوروبية تحقق حضوراً أفضل من تلك المترجمة إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرهما من اللغات الأوروبية سواء جاءت الأعمال من العربية أو غيرها. وهذا يصدق على الكتاب القادمين من أصول غير أوروبية ويكتبون بلغات أوروبية. القارئ الغربي لا يراهم على المسافة نفسها التي يرى عليها القادمين من خلال الترجمة. فلكون هؤلاء يكتبون بغير لغاتهم الأصلية يجعلهم أسهل تناولاً وأكثر قابلية للتذوق والإعجاب. ويعتمد ذلك بالطبع على مستوى الأعمال نفسها. فالطاهر بن جلون وأمين معلوف يحظيان كما تشير الشواهد بمكانة عالية وتأثير واسع نسبياً على الرغم من أنهما لا ينتجان أدباً يتوسل الانتشار كما تفعل ليلى سليماني مثلاً. وكذلك هو الحال مع كاتبة بالإنجليزية مثل أهداف سويف التي كادت تصل إلى البوكر الإنجليزية. الروائية العمانية جوخة الحارثي وجائزة بوكر العالمية (موقع الجائزة) المسألة الأهم والمقلقة أكثر هي القلق العربي نفسه من ضعف الاهتمام الغربي. ليس ثمة قلق لدينا في العالم العربي من ضعف اهتمام صيني أو ياباني أو كوري أو حتى إسباني بأدبنا. هي الفرنسية أو الإنجليزية التي نود الوصول إلى مراتب عليا في سلم تقديرهما أو قائمة مبيعاتهما. أحد النقاد العرب وأظنه عبد الفتاح كيليطو وصف العلاقة بالغرب وفرنسا بصفة خاصة بأنها أشبه بالحب من طرف واحد: نحبهم ولا يحبوننا. ويؤكد هذا أنه لم يبد عليهم قلق تجاه إعجابنا برواياتهم أو أدبهم بصفة عامة فهم واثقون كل الثقة من أننا نتلهف لقراءة آخر ما أنتجته المطابع الغربية الفرنكوفونية والأنغلوفونية. ومع أن من المكابرة القول إن طرفي العلاقة متساويان العربي والغربي فإن من المعيق للإنتاج الإبداعي أياً يكن أن يتعلق بمسألة الوصول إلى الآخر. سبق لعبد الرحمن منيف أن قال إن بعض الروائيين العرب يكتبون لكي يترجَموا أي أنهم يشكلون أعمالهم لكي تكون ملائمة للترجمة والقراءة في باريس أو لندن أو نيويورك ما يؤهلهم في نهاية المطاف لينافسوا على الجوائز الكبرى ويحظوا بتقدير لدى دوائر النقد الأدبي هناك وفي الإعلام الثقافي الأكثر انتشاراً. هذه الظاهرة موجودة من دون شك ليس في العالم العربي وحده وإنما في مناطق أخرى من العالم. لكن العالم العربي هو ما يهمني وما أتمنى ألا يتشكل أدبه وفقاً لمقاييس التقييم لدى الآخر أو استجابة لأفق التلقي غير العربي. المؤكد هو أن ذلك لا يحدث في فرنسا. لا أحد هناك في ظني يكتب لكي يعجب به العرب أو الصينيون أو الهنود. مارغرت أوبنك (كاتبة وناشرة بريطانية): من المبكر البحث عن الأثر العالمي إن الأسباب التي جعلت الروايات العربية تترجم الى الإنجليزية هي متعددة مثل الطرق المختلفة التي تم تلقي القراء والنقاد بها هذه الروايات المترجمة. قبل 11 سبتمبر (ايلول) كان العالم العربي بأدبه وثقافته مهملاً ومهمشاً مع أن نجيب محفوظ كان نال جائزة نوبل العام 1988 ولم يكن قد ترجم إلا عبر دور نشر متخصصة ذات قراء متخصصين لسوء الحظ. بعد 11 سبتمبر بدأت الأمور تتغير بطرق عدة. وإحدى هذه الطرق بالتأكيد قامت على نوع من الفضول الإنتروبولوجي والسوسيولوجي إزاء عالم عربي تجهله غالبية الناس في الغرب ما عدا بعض النماذج المقولبة (إستريوتيب). وهذا ما كان له تبعات على الطريقة التي روجت بها الكتب وتمت بها مراجعتها وتلقيها. وهذا ما جعل العالم العربي يعد وكأنه موضوع للنظر خصوصاً أن مسألة الحوار الثقافي والمعرفة لم تكن مطروحة على الطاولة. غير أن هذا الفضول الكامن بالفطرة في البشر والذي تكبحه دوماً مقولة “الخوف من الآخر الذي لا يشبهنا” جعلت هذا الحوار يتحقق. فمعرفة العالم العربي وأدبه وثقافته تندرج في سياق التعمق في المعارف الذي يرتقي بالمعرفة من مستوى الخصوصي إلى العالمي. لكن العالمي إنما يكمن في الخصوصي وهنا يمكنني القول إن العالمي يحتويه الخصوصي في كل رواية. وخلال العشرين سنة الأخيرة أظهر الطلاب في الغرب اهتماماً جديداً بتعلم اللغة العربية مما سمح لشريحة كبيرة من المترجمين الأدبيين الالتحاق ببعض الأكاديميين الأوفياء الذين كانوا عملوا في حقل الترجمة ومنهم محمد مصطفى بدوي ودنيس جونسون دافيس وعيسى بلاطة في السنوات الستين. هذا الحوار الثقافي وهذه المعرفة تجلياً عبر الأدب وفي مستويات مختلفة فالأدب له عدد لا يحصى من القراء. وهذا ما حصل في شأن الأدب العربي المترجم الذي حصد قراء كثراً في الغرب. وقد يكون القراء هم من يصعدون الإيقاع وربما المترجمون وربما تناقص الحواجز أمام التواصل العالمي. وقد اتضح أخيراً أن عدد الناشرين الغربيين المهتمين بترجمة الأدب العربي بات يزداد وبعضهم يفكرون بجدية بترجمة كلاسيكيات الأدب العربي بينما يفكر آخرون بترجمة ما يكتب اليوم في العالم العربي. وعلى سبيل المثال تلقت إدارة جائزة سيف غباش – بانيبال للترجمة من العربية في العام 2019 مشاركات من ثلاث عشرة داراً للنشر باللغة الإنجليزية. تمثال جبران خليل جبران في واشنطن (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – صفحة لجنة جبران على فيسبوك) أعود للقول إن بعض الأشخاص لديهم دوماً الخوف من الآخر ولا يرون إلا الخصوصي في أدبه وثقافته. لكن أشخاصاً آخرين يزدادون أكثر فأكثر وهم يرون أننا كلنا “آخر” ولدينا رغبة في معرفة بعضنا قدرات بعضنا في الإبداع والسرد. وهذا يعني أيضاً التعلم بعضنا من بعض فعل الإيحاء والتأثر. ربما من المبكر الاعتبار أن “الرواية العربية” قادرة على التأثير في الكتابة الروائية العالمية وفي الروائيين العالميين. ولكن من المؤكد أن هذا اليوم سوف يأتي. جوناثان رايت (مستشرق ومترجم بريطاني): يجب التركيز على فن السرد من الصعب التفرقة بين العناصر التي تصنع الكتاب والتي ترضي القراء خصوصاً في حالة الأدب العربي المترجم. فغالباً ما تؤدي الخلفية الثقافية دوراً بارزاً. لكن هذا ينطبق أيضاً على الأدب المترجم الآخر من الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية على سبيل المثال على الرغم من أن التباين الثقافي في مثل هذه الترجمات يكون أقل وضوحاً. في بعض الحالات قد يعد القارئ النص في وقت واحد نصاً درامياً ذات شخصيات مثيرة للاهتمام ومصدراً لإلقاء نظرة ثاقبة على مكان أو طريقة حياة مختلفة. على سبيل المثال عندما أقرأ أعمال أولغا توكارتشوك المترجمة من البولندية إلى الإنجليزية يسعدني أن أنتقل إلى غابات الريف البولندي وأن ألتقي بالأشخاص الذين يعيشون هناك. هذا عالم لم أختبره من قبل وهو غريب تماماً بالنسبة لي كشخص إنجليزي مديني يعيش في بلد لا غابات كبيرة فيه. لذلك لا أعتقد أن استقبال الأدب العربي باللغات الأوروبية يختلف عن استقبال الآداب الأخرى من حيث الجودة ولكن في درجات الاستقبال فحسب. أما السؤال عن إمكان التحدث عن الأدب العربي في كونه “عالمياً” فلست متأكداً تماماً مما يعنيه ذلك. ألا يكفي أن تتم ترجمة بعض االكتب العربية إلى عشرات اللغات؟ ألا يجعل هذا الأمر الأدب العربي المترجم عالمياً في صورة تلقائية؟ النقطة الثانية أكثر دقة: “هل أثرت الروايات العربية في الروائيين الذين يكتبون بلغات أخرى؟” أي كاتب يقرأ أعمال كاتب آخر ويعجب بها لا بد أن يتأثر به لذا يجب أن تكون الإجابة نعم. لكن هل هذا التأثير قوي جداً؟ على الأغلب لا. لا تزال مبيعات الأدب العربي باللغة الإنجليزية واللغات الأوروبية الأخرى قليلة فقد تركز الاستقبال غالباً على ما تخبرنا به الروايات عن الحياة والمجتمع والسياسة والدين وما إلى ذلك في البلدان التي كتبت فيها. الاستثناء الكبير بالطبع هو كتاب “ألف ليلة وليلة” وهو أحد أشهر الأعمال الأدبية في العالم وقد أثر في أجيال كاملة من الكتاب في أنحاء العالم. لا عمل في الأدب العربي الحديث أو المعاصر يمكن مقارنته بهذا الكتاب. ولكن لا يوجد سبب لليأس. لم يكن لأدب أميركا اللاتينية أي تأثير تقريباً في الأدب الأوروبي حتى ما يقرب من 60 عاماً لكنه اليوم مندمج تماماً في أوساط “الأدب العالمي” ويحتل فيها مكانة بارزة. أما رأيي الشخصي وأنا أدرك أنه قد يكون مثيراً للجدل فهو أن الروائيين الذين يكتبون باللغة العربية إذا أرادوا أن يتم الاعتراف بهم دولياً يحسنون صنعاً إذا هم ركزوا على مهاراتهم في السرد والتخييل والتقليل في التباهي بالبراعة الأدبية والبلاغة. لا تزال هناك مسافة كبيرة بين الثقافة الأدبية العربية والثقافة الأدبية للغات الرئيسية الأخرى. هذا لا يزال عائقاً أمام التكامل الكامل بين الثقافتين. بالطبع الكتاب العرب يملكون الحرية في أن يقرروا الحفاظ على تقاليدهم الخاصة وعلى جذب الجمهور العربي فحسب. لكنني أظن أن القراء العرب سيرحبون بكتب جديدة ذات سرد قوي وشخصيات قوية. وهذه الكتب لا تحتاج إلى المساومة على المعايير الأدبية. شيرين أبو النجا (باحثة مصرية في الأدب الإنجليزي): البحث عن المسكوت عنه للأسف هو رأي صحيح فالرواية العربية- بغض النظر عن نسبة الترجمة التي تخضع لمتطلبات السوق- يتم التعامل معها في الغرب بوصفها نصاً إثنوغرافياً يشرح المجتمع وعاداته وتقاليده وعلاقاته الداخلية ووضع المرأة فيه. ينطبق الأمر على الموسيقى مثلاً فإذا عطس موزارت فهي موسيقى عالمية لكن غناء أم كلثوم وفيروز يدخل في الموسيقى الإثنية. ربما علينا أن نسترجع الأسئلة التي توجه للكتاب والكاتبات العرب الذين تتم استضافتهم في الغرب من أجل صدور الترجمة أو في سياق مهرجان أدبي أو ندوة فالجمهور لا يسأل عن الرواية بوصفها عملاً جمالياً بل يسأل الكاتب عن ديانته والعنف ضد النساء وغير ذلك من القضايا التي تقدم للغرب صورة فانتازية عن عوالم مختلفة وتمنحه شعوراً بالتفوق النفسي المبطن. الترجمة وحدها لا تكفي للعالمية (غيتي) يمكن أن نتحدث عن أدباء أميركا اللاتينية مثلاً ونشير إلى تأثرهم بالأدب العربي لكن أميركا اللاتينية لا تعد جزءاً من المنظومة الغربية ولولا اللغة والبعد الجغرافي لاعتبرناها جزءاً من العالم العربي للتشابه الواضح في الظرف السياسي والاجتماعي. لا يعتبر الغرب أن الرواية العربية مصدر للإلهام أو التأثير بل هي للاطلاع على المجتمع من الداخل. كاميرا تسجل وتصور وتنسى أن هذا نص تخييلي فتتعامل معه كوثيقة أرشيفية للواقع وهو أمر متعلق باقتصاد إنتاج المعرفة. فقد دأب الشمال العالمي على التعامل مع الجنوب بوصفه مصدراً للمعلومات الخام التي تتم أدلجتها وتأطيرها في تصورات نظرية تعود للجنوب مرة أخرى فنتعامل نحن معها كحقيقة على الرغم من أننا لم نشارك في إنتاجها. تتشكل تصوراتنا عن أنفسنا من خلال صور تستقى من أعمالنا الفنية لتعود لنا كواقع. وهو ما يفسر رواج الروايات التي تكشف المسكوت عنه سواء كان متعلقاً بالجسد أو النساء أو العنف. حتى أن بعض الروايات يتم استخدامها في أقسام علم الاجتماع والأنثروبولوجيا كنصوص تعليمية. وتعتبر دراسات ما بعد الكولونيالية مسؤولة بدرجة كبيرة عن هذا الاقتصاد المعوج وهو ما يستلزم إعادة النظر في الحقل بأكمله الذي يشكل جزءاً رئيسياً في المنظومة البحثية لدينا. فخري صالح (باحث ومترجم أردني): وصمة الأنثروبولجيا لا الإبداع لم يكن نصيب الرواية العربية من الترجمة إلى عدد من لغات المركز الغربي وافراً بأية صورة من الصور حتى فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988 فانتبه العالم إلى وجود كتابة روائية عربية تستحق الالتفات. ومع أن أعمال محفوظ كلها قد جرى نقلها إلى عشرات اللغات الغربية وغير الغربية إلا أن انتشار محفوظ عالمياً لا يقارن بانتشار روائي فاز بنوبل قبله (1982) هو غابرييل غارثيا ماركيز فقد جرى النظر إلى عمل محفوظ بوصفه آتياً من بلاد “ألف ليلة وليلة” أو بوصفه بلزاك العرب وبلزاك عاش في القرن التاسع عشر فيما جرى النظر إلى ماركيز بوصفه مجدداً من مجددي دم الرواية العالمية ومعلماً من معلمي تيار الواقعية السحرية اللاتينية التي أصابت بالعدوى أعداداً كبيرة من كتاب البشرية وغيرت من مفهوم النوع الروائي وطبعته بطابع غرائبي كان حاضراً بقوة في “ألف ليلة وليلة” التي أثرت عميقاً في نصوص الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. لكن ذلك الحضور المستتر لـ”ألف ليلة وليلة” في الوعي الغربي وفي ميراثه الاستشراقي لم يخدم كثيراً حضور الرواية العربية في الترجمات ربما لأنه جرى القطع في الوعي الغربي بين عرب “ألف ليلة وليلة” والعرب المعاصرين. لكن لا شك في أن عدد الروايات العربية المترجمة بدءاً من أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى اللغات الأوروبية قد زاد بتأثير الرغبة في التعرف على المنطقة وكيفية تفكير أهلها ونظرتهم إلى العالم وخصوصاً الصقع الغربي منه. لكن هذه الزيادة لا تقارن بعدد الروايات الأميركية اللاتينية وكذلك اليابانية التي تترجم إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية. صحيحٌ أن هناك عدداً من الروائيين العرب الذين ترجمت أعمالهم إلى تلك اللغات قد رشحوا للحصول على جوائز كبيرة مثل أحمد سعداوي الذي وصلت روايته “فرانكشتاين في بغداد” إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر العالمية وجوخة الحارثي التي فازت بهذه الجائزة عن روايتها “سيدات القمر” (2019) إلا أن حضور الرواية العربية في تلك اللغات ما زال محدوداً. والأهم من ذلك أن هذه الروايات المترجمة لم تصبح جزءاً من كلاسيكيات الرواية في تلك اللغات وهي لا تصير جزءاً من الـ Canon الذي يتشكل سنة بعد سنة فلا يجري تدريسها سوى في أقسام اللغة العربية في الجامعات الغربية وغير الغربية. أي أن الرواية العربية تظل ملتصقة بأصلها اللغوي والثقافي ولا تصبح جزءاً مما يطلق عليه “الأدب العالمي”. يصدق ذلك على كتاب مثل إلياس خوري وعلاء الأسواني وصنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني (وهم كتاب نالوا حظاً جيداً من الترجمة إلى لغات عديدة) كما يصدق على عميد الرواية العربية الراحل نجيب محفوظ. إننا ما زلنا نسكن حقل الأنثروبولوجيا ولم نغادره إلى الحقل الذي يطلق عليه اسم “الأدب العالمي”. فاروق مردم بك (باحث ومسؤول في دار “إكت سود” الفرنسية): الجاذب السياسي والاجتماعي نشطت منذ تسعينيات القرن الماضي بعد نيل نجيب محفوظ جائزة نوبل حركة لترجمة الروايات العربية إلى اللغات الأوروبية الأوسع انتشاراً. وعلى الرغم من أن ما ترجم قليلٌ جداً بالنظر إلى غزارة الإنتاج الروائي العربي وخصوصاً في السنوات العشر الأخيرة وعلى الرغم أيضاً من أن بعض الأعمال الأهم في تاريخنا الأدبي الحديث لم تترجم إلا أن بإمكان القارئ الأوروبي الاطلاع على نماذج وافية من هذا الإنتاج تمثل اتجاهاته الرئيسة في مختلف مراحله وفي أغلب البلدان العربية. وقد يقبل هذا القارئ عليها حيناً ويتحفظ إزاءها حيناً بحسب الظروف العامة المتغيرة في العالم العربي وفي بلاده وقلما يكون السبب قيمتها الأدبية. أكاديمية نوبل منبر العالمية (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – صفحة الأكاديمية على فيسبوك) ويتبين من الدراسات القليلة التي صدرت حتى الآن في فرنسا عن حركة الترجمة عن العربية (وكانت فرنسا رائدة في هذا الميدان) أن الرواية العربية المترجمة تقرأ أولاً قراءة سياسية – اجتماعية ولا ينظر فيها إلا نادراً حتى في الصحافة الأدبية الأسبوعية من الزاوية الفنية المحض. وقد نكون نحن الناشرين “الملتزمين” مسؤولون عن ذلك إلى حد ما (إلى حد ما فحسب!)، لاعتقادنا بأن الرواية أقدر من البحث الاجتماعي ومن المقالة السياسية على مجابهة الصورة النمطية السائدة عن العرب فترانا نصر إعلامياً بالدرجة الأولى على البعد السياسي – الاجتماعي لأي عمل روائي. ولكن بمَ يختلف عامة القراء عن الناشرين؟ لماذا يقتنون منشوراتهم؟ نظلمهم إذا ظننا كما يزعم بعض النقاد أن السبب هو الرغبة “الإكزوتيكية” في اكتشاف عالم غرائبي غير عالمهم على غرار قراء ترجمات “الف ليلة وليلة” القدماء. ونظلم أنفسنا كما نظلمهم إذا احتقرنا فضولهم إلى معرفة حقيقة الحياة العربية المعاصرة من خلال الأدب، أو إذا اعتبرنا أن المعيار الوحيد للعالمية هو قدرة كتابنا على ابتداع تقنيات سردية تبهر قراء بروست وجيمس جويس أو غارثيا ماركيز وموراكامي! ومن الملاحظ في صدد العالمية أننا نقارن بصورة عفوية بين روايتنا العربية ورواية أميركا اللاتينية أو الرواية اليابانية فلا نجدها تحتل موقعاً مشابهاً لموقعهما في المشهد الثقافي الأوروبي الذي يعنينا لأسباب عديدة أكثر من غيره. لنقارنها من حيث الإقبال على ترجمتها وتلقيها النقدي وعدد مبيعاتها وحضورها الثقافي وتأثيرها بالرواية الصينية أو الهندية (المترجمة عن إحدى لغات الهند وليس عن الإنجليزية). سنستنتج عندئذ أنها تضاهيهما في كل شيء على ما للصين والهند من مكانة (وحصانة!) وعلى التدهور المستمر لصورة العرب في العالم بأسره والحذر من كل ما يمت بصلة إلى الإسلام. مهما يكن الأمر أعتقد أن الترجمة في حد ذاتها لا تؤهل أدباً ما إلى العالمية ما لم تتوفر له مؤهلاتها في لغته الأصلية، وهي لا تنحصر في موهبة الكتاب ومهارتهم بل تتعداها إلى كفاءة المعنيين بإعداد أعمالهم للنشر وتسويقها وإلى جدية النقد واتساع دائرة القراءة. لوك باربولسكو (متشرق ومترجم فرنسي): فرصة العودة إلى الغرب من المؤكد أن الاهتمام الذي يظهره القراء الغربيون تجاه الأدب السردي العربي الحديث يعود إلى الفضول لديهم في التعرف على عالم كان لا يزال مثيراً (إكزوتيكياً) ومدهشاَ جداً. والمعروف أن العالم الروائي هو أفضل وجهة للاطلاع على الحقيقة الإنسانية لمجتمع معين. وفي طريقة معينة يبقى الأدب هو المكان الرمزي والمتخيل الذي لا تزال تظهر فيه الاختلافات والخصائص الثقافية وتصمد حيال محاولات تسطيح العالم وابتذاله. اقرأ المزيد “دون كيخوته” تحتل المرتبة الأولى في لائحة “المئة رواية عالمية”… ونجيب محفوظ “النوبلي” غائب ملتقى القاهرة الروائي يكرم الطيب صالح … وعينه على السودان المضطرب أما المفارقة فتكمن في أن الإقبال الكبير على الترجمة إلى اللغات الأوروبية الذي بدأ قبل أربعين سنة يساهم بقوة في هذا الابتذال: الشخصيات الروائية التي تضمها الروايات العربية تتبدى ما إن تتلبس التعبير الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني وكأنها شخصيات من العالم غير مختلفة بتاتاً عن الشخصيات الأخرى وتحركها الأفكار والأهواء نفسها. هل بات للعرب اليوم الفرصة أخيراً بفضل حركة الترجمة هذه كي يعودوا إلى هذا العالم الغربي، الذي كانوا ينتمون إليه سابقاً خصوصاً منذ القرن التاسع عشر؟ انطلاقاً من هذه الفرضية يبدو أن الاستشراق ما كان له إلا أن يكون كلمة بين قوسين بديعة جمالياً ولكن قائمة على سوء فهم. المزيد عن: الرواية العربية/العالمية/الترجمة/الإستشراق/مستشرقون/معايير الرواية/الإكزوتيكية/لغات اجنبية/نجيب محفوظ/الطيب صالحجوائزالبوكر/جائزة نوبل/مصر/السعودية/الأردن/بريطانيا