ثقافة و فنون محمد كردفاني: فيلمي ولد من العنصرية التي تعرض لها السودان by admin 11 يوليو، 2023 written by admin 11 يوليو، 2023 320 يعترف بندمه وتقصيره في النضال الوحدوي ويربط الانفصال بالتمييز القاسي اندبندنت عربية \ هوفيك حبشيان “العنصرية التي مارسها لعقود معظم عرب شمال أفريقيا على السودانيين الجنوبيين، كانت السبب الرئيس لاختيار الجنوبيين الإنفصال. من هنا ولد فيلمي”. هذا ما يقوله المخرج السوداني محمد كردفاني عن الأسباب التي جعلته ينجز فيلمه “وداعاً جوليا” الذي عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان “كانّ” السينمائي وأضحى إحدى مفاجآته السارة، وها إنه يواصل مساره حالياً عبر المهرجانات السينمائية في العالم، وكانت محطته الأخيرة “كارلوفي فاري” التشيكية حيث لاقى استحسان الجمهور المحلي. صحيح أن الغرب يعشق رؤية مآسي العالم الثالث والتصفيق لها تضامناً وشفقةً، خصوصاً إذا تضمّنت الحكايات عنصرية وأبوية وفساداً، ولكن لا يمكن النكران أن الفيلم صادق ولا يحاول المراهنة على هذه الورقة. من الفيلم السوداني “وداعاً جوليا” (ملف الفيلم) اختيار الجنوبيين الإنفصال عن شمال السودان بنسبة 99 في المئة كان الدافع الأساسي عند كردفاني لكتابة هذ السيناريو، علماً أنه كان تخلى عن مهنته (هندسة الطيران) ليحقق حلمه في أن يخرج الأفلام وليروي للعالم المأساة التي تعيشها بلاده. ومن الواضح أن ثمة آذاناً صاغية، فهو استطاع منذ أول فيلم روائي طويل له أن يجد حضناً دافئاً، حضن مهرجان “كانّ” الذي شرع له أبواب الإنتشار الدولي. عن المغامرة التي تمثّلت في الانتقال من الهندسة إلى السينما، يقول كردفاني ل”اندبندنت عربية”: “إنجاز فيلم روائي طويل يتطلّب التفاني، وكنت في الأصل مهندساً للطيران وعملتُ بدوام كامل في الخطوط الجوية الخليجية لـ16 عاماً. لطالما كان الفنّ شغفي، لكنّ الطيران وفّر لي مردوداً مادياً عالياً، مما جعل التخلّي عنه صعباً، خصوصاً أنني أب لطفلتين. ولكن في العام 2020، قررتُ الإستقالة من عملي للتركيز على هذا الفيلم ودعم حركة السينما في السودان. لذلك، عدتُ إلى الخرطوم وأسستُ استوديوات “كلوزيوم”، واستثمرتُ فيها ما أملكه، وشاركتُ في إنتاج هذا الفيلم، مما جعل وضعي المالي حرجاً للغاية في السنتين الماضيتين. الابتعاد عن مجال مثل الطيران وتأسيس شركة إنتاج، ثم كتابة فيلمي الأول وإخراجه ، كل هذا دفعة واحدة، بدا خطراً كبيراً أو تهوراً”. المغنية والحادثة “وداعاً جوليا” الذي تبدأ أحداثه في العام 2005 (ست سنوات قبل انفصال جنوب السودان عن شماله)، هو قصة مغنية (إيمان يوسف) إعتزلت الغناء بناءً على طلب من زوجها المحافظ (نزار جمعة). ذات يوم، تصدم صبياً بسيارتها وتلوذ بالفرار، لكن والد الصبي يطارها، قبل ان يلقى مصرعه على يد الزوج الذي يتصور أنه يدافع عن زوجته، علماً أنه يجهل تفاصيل الحكاية. كردفاني من هندسة الطيران إلى السينما (خدمة المهرجان) صوّر كردفاني السودان بلداً متوتراً نتيجة عقود من الحرب الأهلية، حيث لا يزال الفصل واضحاً بين الجنوبيين والشماليين، ولا شيء يبشّر بغد أفضل. صحيح أن التعايش موجود في الخرطوم، إلا أن الجنوبيين والشماليين ليسوا سواسية. يقول كردفاني إنه لا يمكن لشعب بأكمله أن يختار الانفصال عن شعب آخر لسبب آخر غير السبب الذي يشير إليه: أي العنصرية التي مورست في حقهم لعقود. ولا يكتفي بهذا القدر، بل يحمّل نفسه الذنوب أيضاً: “أدركتُ أنني كنت مسؤولاً بطريقة أو بأخرى عن قرار الجنوبيين بالإنفصال. فأنا طوال حياتي في الخرطوم لم أعرف أحداً من الجنوب باستثناء بعض عاملات المنازل، كما لو كنا أتممنا فصلاً عنصرياً اجتماعياً. كتابة سيناريو فيلمي كانت جزءاً من الجهد المتواصل للتخلص من تلك العنصرية المتوارثة. وجدتُ نفسي مدفوعاً بشعور الذنب والرغبة في المصالحة والدعوة لها، حتى لو بدا ذلك متأخراً. المصالحة ليست ضرورية مع الجنوبيين فحسب، بل نحتاجها أيضاً مشروعاً وطنياً للحفاظ على ما تبقى من السودان ولبناء هوية وطنية جديدة تنتصر العنصرية بين الشمال والجنوب (ملف الفيلم) لقيم الإنسانية والتعايش والعدالة، بدلاً من العنصرية والقبلية والتمييز الجندري. واجبي كفنّان هو توثيق التاريخ من وجهة نظر مجتمعية، بدلاً من السرديات السياسية التي لا تقدّم الصورة كاملةً”. يرى كردفاني أن “وداعاً جوليا” رحلة صعبة عبر الذاكرة الجماعية للسودانيين والسودانيين الجنوبيين الذين يتعاملون مع شؤون الحياة اليومية، من خلال علاقة تنشأ بين امرأتين في ظروف اجتماعية وسياسية استثنائية تؤثّر عليهما كثيراً. ويتابع قائلاً: “السرد مستوحى من مراحل المصالحة ويناقش مواضيع مثل الندم والمكافأة والاعتراف بالذنب والتوبة. يتفحّص الفيلم ديناميكيات التواصل المعقّد بين أهل الشمال والجنوب، وكذلك الصراع بين التقدمية والفكر المحافظ، متناولاً عملية التغيير التي يجب أن نمر بها من أجل المصالحة والشفاء شعباً ومجتمعاً”. يكشف كردفاني ان تصوير الفيلم كان غاية في الصعوبة، اذ توجب على طاقم العمل مواجهة انقلاب عسكري واحتجاجات متواصلة، فضلاً عن نقص في البنى التحتية. ولكنه يحلو له التشديد على ان هذه الثورة تحاول أولاً تغيير المفاهيم، وذلك قبل تغيير النظام، وهذا ما يجعل توقيت العرض مثالياً، لا فقط للجمهور السوداني بل للعالم أجمع، كما هي الحال في العديد من المجتمعات التي تعاني بشكل أو بآخر من الظلم ومشاكل التعايش. ولكن، هل يشعر كردفاني بخوف كونه يتعامل مع موضوع يُعتبر بالغ الحساسية. لا يخفي المخرج الشاب بأنه يشعر بالرعب. لا مفر من الخوف في مثل هذه الظروف في نظره. يعلّق قائلاً: “في حين إني أشعر بالقلق على عائلتي وأصدقائي وزملائي في السودان، فإني قلق أيضاً أن يُخرج بعض الناس هذا الفيلم من سياقه لمحاولة ربطه بالصراعات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. الحرب في الجنوب كان سببها العنصرية والتهميش والتعصّب الهوياتي. أما ما يحدث الآن فهو صراع على السلطة حفاظاً على مصالح أفراد. الجيش لا يزال بقيادة اللجنة الأمنية التي وُظّفت لحماية عمر البشير المخلوع في فترة الإسلاميين. أما قوات الدعم السريع فهي ميليشيا تكسب رزقها من الحروب التي صنعها الجيش الذي تحاربها الآن. كلاهما لا يهتمان بالناس وبمصالح البلاد، بل بتراكم الثروات فقط”. أخيراً، يقول كردفاني ان أصعب شيء في صناعة “وداعاً جوليا” كان التوفيق بين السينما الفنية والسينما السائدة. في ظل غياب الأفلام السودانية، اعتاد الجمهور السوداني على هوليوود وبوليوود، فكان قرار كردفاني مخاطبة المشاهدين باللغة التي يحبونها. لم يرغب بفيلم يراه ويفهمه رواد المهرجانات ولجان تحكيمها فحسب. ويضيف: “أردتُ فيلماً قد يراه الجميع، حتى لو كانوا يبحثون حصراً عن ترفيه. أردتُ فيلماً مشوّقاً، مع حبكة غامضة، وإيقاع جذاب، جريمة وموسيقى، ولكن ليس على حساب القيمة الفنية أو التعامل مع مواضيع معقّدة مثل الهوية والعنصرية والصراع بين المحافظة والتقدمية على نحو ضحل وساذج”. المزيد عن: سينما سوردانيةفيلم سودانيالإنفصالالعنصريةمخرجالجماعةالحربالإيديولجيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post غسان شربل يكتب عن : الأطلسي يتحدى المحارب الروسي next post هارولد بنتر على خطى مانكيفيتش حتى من دون أن يشاهد فيلمه You may also like عودة يوسف حبشي الأشقر رائد الرواية اللبنانية الحديثة 12 يناير، 2025 مأساة ترحيل الجورجيين من روسيا يرويها فيلم “القديم” 12 يناير، 2025 صرخات المصرية جويس منصور في فرنسا 12 يناير، 2025 عندما يتحول التأويل الثقافي حافزا على عدم الفهم 12 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن : الرسام الهولندي موندريان... 12 يناير، 2025 ليلى رستم تسافر إلى “الغرفة المضيئة” في الوجدان 12 يناير، 2025 زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 أبطال غراهام غرين يبحثون عن اليقين عند الديكتاتور 10 يناير، 2025 رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025