السبت, نوفمبر 30, 2024
السبت, نوفمبر 30, 2024
Home » “مبادئ الشعر” لإدغار آلن بو: قواعد صارمة للتحكم بفن متحرر

“مبادئ الشعر” لإدغار آلن بو: قواعد صارمة للتحكم بفن متحرر

by admin

النظريات التي بدأت على شكل “مزحة” تحولت إلى مفاهيم بنت حداثة  

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

هو المؤسس الأول للرواية البوليسية المعاصرة منذ أصدر “مقتلة في شارع مورغ”، لكنه في الوقت نفسه الأول بين الشعراء الأميركيين الذي انفتح على العالم الخارجي وليس الأوروبي فقط في مواضيعه كما في أسلوبه الشعري، تشهد على ذلك بين أعمال كبيرة أخرى له قصيدته كوبلاي خان، لكن إدغار آلن بو، الذي كان مدار اهتمام معظم الطليعيين في العالم، لا سيما في أوروبا، حيث ترجمه شارل بودلير واستلهه في أشعاره، كان إلى ذلك كله رائداً في مجال لم يكن بالحسبان وربما على خطى غوته.

فإذا صدقنا ما كتبه بعض مؤرخي الشعر الحديث، ومر غالباً من دون أن يلتفت إليه أحد بجدية، أمام السيل الهادر من الكتابات الأخرى التي لم تر ذلك الرأي، فإن الكاتب والشاعر الأميركي إدغار آلن بو، هو “المؤسس” الحقيقي أيضاً لنظريات الحداثة في الشعر، بمعنى أنه لم يكتف بأن يكون، كما أشرنا، مؤسس الرواية والقصة البوليسية، بل هو الذي وضع أيضاً تلك القواعد التي رسمت للشعر الحديث طرقه ونظمه التي سار عليها، منذ ذلك الحين، أي منذ ما قبل منتصف القرن التاسع عشر بسنوات.

ثمة من بين المؤرخين الذين أكدوا هذا، من لا يتورع عن القول إن هذا التأسيس إنما جاء بقلم إدغار آلن بو، على شكل “مزحة”، أو أي شيء من هذا القبيل، طالما أن الرجل، بعدما رسم القواعد المطلوبة في محاضرة، كانت في ذلك الحين نالت قدراً لا بأس به من الشهرة، عاد هو، حين كتب أول قصيدة له، وهي “الغراب” ليتخلى سريعاً عن تلك القواعد، حتى وإن كان مغرقاً من جديد في مزاحه هنا أيضاً؟! عاد لينظم القواعد من جديد، في نصين آخرين له نشرهما بعد “الغراب”. صحيح أن هذا كله يبدو هنا أشبه بأحجية بالنسبة إلى القارئ، فما الضير يا ترى؟ أفلسنا نتحدث في نهاية الأمر عن ما له علاقة بتأسيس ذلك الشعر الذي صار مذّاك، وبدوره، أشبه بالأحجية؟

3 نصوص مؤسسة

وعلى هذا الأمر يستشهد المؤرخون بأن ثلاثة على الأقل من كبار شعراء الحداثة الفرنسيين، عند السنوات الفاصلة بين القرنين التاسع عشر والعشرين، تأثروا بنظريات آلان بو، ومن بينهم بالطبع شارل بودلير وأيضاً فرلين ومالارميه، وهؤلاء الثلاثة معاً هم الذين نعرف أنهم رسموا الحداثة الشعرية كما تجلت في طول القرن العشرين وعرضه متأثرين تحديداً بنظريات آلان بو، لكنهم لم يكونوا مازحين. أما هذه النظريات التي نتحدث عنها هنا فهي تلك التي نجدها في محاضرته الشهيرة “مبادئ الشعر” ثم في نصه المتأخر “تكوين قصيدة” وأخيراً في “جوهر الشعر”.

لعل الملاحظة التي تفرض نفسها هنا هي تلك التي تفيدنا بأن شارل بودلير، على رغم اطلاعه الواسع على المحاضرة الأولى والأهم “مبادئ الشعر” لم يقدم على ترجمتها أبداً، لكنه استخدمها كثيراً، في كتاباته وفي شعره، ثم بخاصة في النصوص التي كتبها عن أدب وشعر آلان بو كتقديم لترجماته، وهنا لن يعنينا كثيراً أن نتساءل حول أسباب هذا الاستنكاف البودليري، ما يهمنا هو التوقف عند هذه المبادئ، التي (كما أشرنا) لم يتورع البعض عن إبداء الدهشة، إذ لم يتفضل آلان بو بتطبيقها في أشعاره.

قواعد مبكرة

“مبادئ الشعر” وكما أشرنا، هي في الأصل محاضرة ألقاها إدغار آلن بو، في مدينة ريتشموند عام 1849، لتعد منذ ذلك الحين أشبه بالميثاق المدون للشعر الخالص، أي الشعر كشعر، مبتعداً عن الأدب والأخلاق والحكايات وحتى عن البعد الملحمي، فالحقيقة أن ما يتحدث عنه بودلير هنا هو “الشعر للشعر” كما سيتحدث كثر من بعده عن “الفن للفن”.

فكيف يعرّف آلان بو الشعر؟ وما الذي يريده منه؟ إنه منذ البداية يقترح علينا أن نبحث معه لنعرف أين وماذا هو ذلك الشيء الذي تعارفنا على تسميته شعراً. وهو على سبيل الإجابة عن هذين السؤالين، يضعنا أمام جملة من المبادئ أو القواعد التي على خطاها، يجعل من النص النثري شعراً.

ومن أهم هذه المبادئ أن الشعر هو ذلك النص الذي يرفع روح الإنسان إلى أعلى درجات السمو، وأن تكون القصيدة الشعرية قصيرة طالما أننا نعرف أن الإثارة الروحية الشاعرية لا يمكنها إلا أن تكون سريعة وعابرة في الزمن، ومع هذا فإن ليس لنا، أو علينا، أن نبالغ في تقصير القصيدة، لأن هذا يجعل منها مجرد صورة معزولة أو قولاً مأثوراً، ما يلغي السحر النابع من الاستغراق في التعاطي مع اللغة، كما يرى أن الشعر والحقيقة ليس في وسعهما أبداً أن يتصالحا، بخاصة لأن غاياتهما متفرقة، فما يسعى إليه الشعر ليس هو نفسه ما تسعى إليه الحقيقة، وإلا لاختلط الشعر بالفلسفة.

ومن ضمن المبادئ أيضاً أن القصيدة هي في معنى من المعاني، وحدة عضوية لا تتجزأ، وهي وحدة متماسكة لا تعني شيئاً خارج ذاتها وكينونتها المستقلة، والشعر لا يمكن لنا، بل لا يحق لنا أصلاً، أن نصدر عليه أحكامنا انطلاقاً من معايير الأخلاق أو حتى انطلاقاً من معايير الإدراك العقلي الواضح، لأن الشعر لا يحكمه سوى الذوق، أو سوى حسّ الجمال الخالص، أما الإحساس بالجمال فإنه أمر لا يمكن لأحد أو لشيء أن يقهره فينا، لأنه (في نهاية الأمر) صورة مجسدة لألوهية الإنسان في هذه الحياة الدنيا. وانطلاقاً من هنا يرى إدغار آلن بو، أن الشعر إذا كان يشبه شيئاً فإن هذا الشيء لا يمكن أن يكون سوى الموسيقى، فالشعر والموسيقى يتبعان معاً الغايات نفسها، بل إن الشعر هو الإبداع الإيقاعي (وبالتالي المموسق) للجمال نفسه.

ارتباط الشعر بمناخ الموت

ويستطرد آلان بو ليقول إن الجمال، انطلاقاً من هنا ليس في الإمكان فصله عن مناخ موت ما، يبرر وجوده، طالما أنه عمل على علاقة مباشرة باستثارة الروح المدعوة في كل لحظة إلى تجاوز ذاتها في لعبة موت وولادة لا تنتهي. ولما كانت الأمور على هذا النحو، فإن إدغار آلان بو يفيدنا في النهاية بأن الموضوعين اللذين يلائمان الشعر في قواعده الصافية هذه، أكثر من أية مواضيع أخرى، هما “الحب” و”المرأة”. ومن هنا يلاحظ كيف أن الجزء الأكبر من الشعر الذي كتبه أبناء البشرية في تاريخهم، إنما يدور من حول هذين الموضوعين.

لوحة رمزية تمثل شعراء “البارناس” (لوحة بريشة رافاييل، قصر آبوستوليك، مدينة الفاتيكان)​​​​​

 

بيد أن آلان بو، إذ قال هذا بكل وضوح، نسي أن يفسر لنا كيف أن أشعاره هو كان من النادر لها أن تحلقت من حول هذين الموضوعين! ومهما يكن من أمر آلان بو وعلاقة نظرياته بالشعر، لا بد أن نذكر، مع الباحثين أن اللهجة التقريرية العلمية الصارمة التي وسمت هذه المبادئ آتية وكأنها معادلات حسابية منطقية، عرفت (ويا لغرابة الأمر) كيف ستستحوذ تماماً على شارل بودلير، فإذا به يتبناها تماماً، ويحولها إلى أمور تطبيقية يتبعه في ذلك خليفتاه الفرنسيان الكبيران مالارميه ثم فاليري، بعد أن أخذ فرلين من هذه الأفكار ما كان في حاجة إليه.

بيد أن الفكرة الأساسية التي تمسك بها بودلير، كانت تلك التي ركزت على استقلالية الفن بمعنى أن أي مشروع فني لا يمكن أن تكون له أي ذات خارج إطار ذاته الخاصة، ويجب ألا تكون له أية غاية أخرى خارج غايته الخاصة، ولا شك أن هذه الفكرة بالذات، التي تعاد أبديتها، ها هنا، إلى إدغار آلان بو، كانت هي التي ولدت مبادئ الفن للفن والشعر للشعر، طوال القرن العشرين.

حياة تتواصل بعد تحرير الشعر

أما بالنسبة إلى إدغار آلان بو (1809-1849)، فإنه بعدما نشر نصه الأول هذا، ثم ألحقه بالنصين الآخرين اللذين يقولان الشيء نفسه على أية حال، مع بعض الاستطرادات، فإنه ظل قرير العين، بعد إشعال ثورته الشكلية هذه في عالم الشعر، بل ظل يواصل كتابة أشعاره محرراً إياها حتى من قواعد التحرر التي رسمها بنفسه، كما أنه ظل يواصل كتابة نصوصه المرعبة ونصوصه البوليسية وكتاباته الأخرى التي جعلت منه واحداً من أكبر الكتاب في تاريخ الأدب الأميركي كله ومنها “سقوط منزل آل آثر” و”مقتلة في شارع المشرحة” و”قصص غريبة” و”قصص غريبة أخرى” وغيرها.

المزيد عن: إدغار آلن بو\الشعر\الرواية البوليسية\مبادئ الشعر\أميركا\شارل بودلير

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00