ثقافة و فنونعربي ماركيز… الساحر الذي بدد رهبة الكتّاب من الخيال الشاطح by admin 6 مارس، 2020 written by admin 6 مارس، 2020 42 هو الذي عرّف العالم بالواقعية السحرية فرأى فيها ما لم يره في مسيرة الرواية عبر العصور اندبندنت عربية / صلاح أحمد الكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز، المولود في مثل هذا اليوم سنة 1928 والملقب “غابو”، هو أحد أشهر الروائيين في العالم والأشهر على الإطلاق وسط كتاب أميركا اللاتينية. ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير لروايته “مائة عام من العزلة” (1967) التي تعتبر النموذج الأمثل لتيار “الواقعية السحرية” في الأدب العالمي ونال بفضلها جائزة نوبل للآداب عام 1982. وكان أيضا ناشرا وصحافيا وناشطا سياسيا ليبراليا استطاع، بفضل وزنه الفكري وشهرته العالمية، أن يؤثر أكثر من غيره على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية في بلاده وخارجها على نطاق أميركا اللاتينية والجنوبية. وعلى سبيل المثال فقد عنون خطاب قبوله جائزة نوبل “عزلة أميركا اللاتينية” وتناول فيه أوضاع هذه المنطقة وسبل فكاكها من الدكتوتوريات التي تخنقها وتخنق أهلها. ولئن كان تأثير ماركيز السياسي المباشر ملموسا حكريا على هذه الرقعة المضطربة من العالم، فقد ألقى بتأثيره الأدبي على سائر أرجاء المعمورة وصار بلا جدال من عمالقة القلم على مدى التاريخ الروائي البشري. ما هي الواقعية السحرية؟ تتعدد ضروب القص الشاطح وتشمل قطاعا هائلا من حكايات الفنطازيا والأسطورة والأحجية. وربما كان أقرب الأمثلة لهذا “ألف ليلة وليلة”، والقصص التي نسجها الخيال الشعبي المصري عن أبو زيد الهلالي، وحكاوي الأطفال التي جمعها من الفولكلور الألماني الأخوان غريم مثل “سندريلا” و”سنو وايت (بياض الثلج) والأقزام السبعة”… الخ. عبر هذا الباب تدخل “الواقعية السحرية”. وهذا تعبير ابتدعه الناقد الفني الألماني، هانتس رو، في 1925 ليصف به المدرسة التشكيلية الألمانية، “الموضوعية الجديدة”، التي قامت كبديل للمدرسة “التعبيرية”. وتوسعت التسمية في النصف الثاني من القرن العشرين لتشمل الأعمال الأدبية التي تتناول “المظاهر السحرية” للواقع، على شاكلة ما تأتي به التطورات التكنولوجية الجديدة وإثارتها الدهشة والإعجاب وسط الناس. ورغم أن الواقعية السحرية – في تعريفها الابتدائي – تضعها في مرتبة حكايات الفنظازيا، فقد انتقلت على أياد ماهرة (كثرت بشكل خاص في الأدب الأميركي اللاتيني) إلى آفاق أخرى ميّزتها تماما عن هذه الفئة. ولنذكر هنا كتابات الأرجنتيني لويس بورخيس (الذي تعلّم ماركيز نفسه الصنعة منه) والألماني غونتر غراس (طبل الصفيح) والياباني هاروكي موراكامي (نهاية العالم) والهندي سلمان رشدي (“أطفال منتصف الليل”) والبنغالي نبارون بتاتشاريا (فياتارو). ويتلخص ما فعله هؤلاء الكتاب وغيرهم – في سبيل الرُقي بهذا الجمع بين الواقع المرئي الملموس والخيال الشاطح – في إخضاعهم الشطح نفسه لنواميس الصدقية. بعبارة أخرى فقد طعّم أولئك الكتّاب الواقع بعناصر سحرية شاطحة لكنها تبدو للقارئ جزءا لا يتجزأ من الواقع و”عادية” بفضل المهارة في النسج وترتيب الأحداث بمنطق داخلي متين. وعلى هذا الأساس فلا يمكن تصنيف أي عمل أدبي واقعيا سحريا إلا إذا قام على هذا العماد الأساسي وهو “صدقية الشطح”. فحتى إذا كان العمل الأدبي شاطحا في الخيال ولكن بدون آلية داخلية “تخدع” العقل وتقنعه بأن هذا الخيال “ممكن”، فلا واقعية سحرية فيه. وعلى هذا الأساس فلا يمكن تصنيف ألف ليلة وليلة أو الأساطير الإغريقية في هذا الباب. مائة عام من العزلة تدوِّن “مائة عام من العزلة” سير عدة أجيال من أسرة بوينديا التي عاشت في قرية ماكوندو الخيالية في أحد أرياف كولومبيا بأميركا الجنوبية. وهي الرواية التي عبر بها ماركيز الحد الفاصل بين العادي والمدهش. فقد تذوق بها القراء في أي مكان في العالم خارج أمركا اللاتينية طعم “الواقعية السحرية” للمرة الأولى ووجد فيه حلاوة لم يعرفها من قبل. ولهذا صارت “مائة عام” أحد أكبر المعالم الجديدة في تاريخ الأدب، فترجمت إلى نحو 40 لغة وبيع منها ما لا يقل عن 30 مليون نسخة. ومثلما فعل بوب مارلي عندما عرّف الجمهور الدولي على “الريغي” فصار بفضله أحد أهم التيارات الموسيقية في العالم اليوم، كان ماركيز هو الذي عرّف العالم بالواقعية السحرية فرأى فيها ما لم يره في مسيرة الرواية عبر العصور. ولا بد من الإشارة هنا إلى الفضل العظيم العائد إلى المترجم الأميركي – من أصل كوبي – غريغوري راباسا (1922-2016). فهو الذي فتح بترجمته الإنجليزية الماهرة الباب للعالم غير الناطق بالاسبانية للتعرف إلى أحد أهم الأعمال الأدبية على الإطلاق، مثلما فتح الباب أيضا لماركيز نفسه إلى العالمية ولاتخاذ مكانته السامية على خشبة المسرح الأدبي الدولي. ماركيز يلقي التحية على أبناء بلدته أركاتاكا في كولومبيا لدى زيارته لها (غيتي) خدعة الساحر رغم أن ماركيز كتب العديد من الروايات والقصص القصيرة والطويلة، وجميعها يتناول “العزلة و/أو العنف” بشكل أو آخر، فليس في أي منها ما يمّيز “مائة عام من العزلة”، لأنه طرق فيها آفاقا لم تتسن له أو لغيره. فقد شحنها بنوع من الخيال أشبه ما يكون بخدعة الساحر… بعلم المرء أنها غير حقيقية لكنه يصدقها لأنها حدثت أمام ناظريه. وتركة غابو الحقيقية هي أنه أزال من الكتّاب رهبة الشطح. إذا كانت الرواية خيالا فلم تكتف منه بالقليل وباستطاعتها أخذ الكثير؟ تماما مثلما فعل عبقري الرسوم المتحركة الأميركي تيكس إفري الذي أزال سائر الحواجز بين المعقول واللامعقول وكسر من قوانين الطبيعة ما تجرأ على الوقوف في طريقه، ونقل فن الكارتون من “بصريات للصغار” (إنجاز والت ديزني) إلى “بصريات للجميع”. صحافي بالمهنة… ولد غابرييل (غابو) غارثيا ماركيز في 6 مارس (آذار) 1928 في أراكاتاكا، مقاطعة ماغدالينا، وعاش جزءا كبيرا من حياته في المكسيك وأوروبا. بدأ حياته المهنية صحافيا في جريدة “إل هيرالدو” في بارانكويلا، ثم “إل يونيفيرسال” في قرطاجنة (الكولومبية). وفي تلك الفترة انضوى تحت لواء “جماعة بارانكويلا”، وهي تنظيم غير رسمي لمجموعة من الكتاب والصحافيين قال إن العمل لها ألهمه الكثير من كتاباته الأدبية والسياسية. وفي ما بعد انتقل إلى عاصمة بلاده بوغوتا وفيها عمل في صحيفة “إل اسبيكتادور” ثم أصبح مراسلها في روما وباريس وبرشلونة وكاراكاس ونيويورك. … وقاص منذ الخمسينات نشر ماركيز أول أعماله “قصة بحار تحطمت سفينته” مسلسلا في إحدى الصحف عام 1955. وهو عمل بناه على قصة حقيقية غرقت فيها سفينة كولومبية بكل أفراد طاقمها سوى بحار واحد، وقالت السلطات إن العواصف هي السبب. لكن تبعا لماركيز فقد كان السبب هو تحميل السفينة بأكبر من طاقتها من السلع المهربة. وكانت هذه هي بداية نفور حكومة الجنرال غوستافو روخاس بينيلا منه فاعتبرته شخصا غير مرغوب فيه، وهو ما حدا بصحيفة “إل اسبيكتادور” لتعيينه مراسلها في المكاتب الخارجية آنفة الذكر. وعام 1970 نشر المسلسل كتابا اعتبر رواية، وهذا صحيح جزئيا، إذ أن العمل يجمع بين الحقيقة والخيال. وما يقال عن “قصة بحار تحطمت سفينته” ينطبق أيضا على أعمال أخرى له تصنف روايات وأيضا واقعاً، مثل “وقائع موت معلن”، وهي قصة جريمة قتل دافعها الثأر وثّقتها الصحف، و”حب في زمن الكوليرا” (1985) التي تجد أساسها في قصة الحب التي سبقت زواج والديه. وهذان العملان بين كتابات أخرى له تقع أحداثها في ما صار يعرف بـ”عالم ماركيز” الذي يتكرر فيه ظهور الشخصيات والأماكن والأحداث من رواية أو قصة قصيرة لأخرى. وكان ماركيز معروفا أيضا بوشائج صداقته الحميمة مع الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو، وأيضا بتعاطفه القوي مع الحركات الثورية في أميركا اللاتينية، خاصة في الستينات والسبعينات. وعرفت عنه كذلك آراؤه المعارضة للوضع السياسي في بلاده رغم أنه لا يوجد ما يثبت ـ كما تزعم الحكومة ـ أنه قدم دعمه علنا للجماعات الثورية هناك. والواقع أن له ضلعا، مع كاسترو، في عمليات الوساطة الهادئة بين هذه الجماعات وحكومة بوغوتا. لا للسينما كان الرهان المضمون، بعد ترجمة “مائة عام من العزلة” للانجليزية وذيوعها ونجاحها تجاريا على نحو لم يحدث إلا مع قلة قليلة من الروايات، هو أن تسارع هوليوود لتحويلها إلى فيلم يحصد جوائز الأوسكار وغيرها يمنة ويسرة ويعود على المنتجين بالمال الطائل. لكن ماركيز رفض المبدأ رغم إغراء الثراء الفاحش، وحسنا فعل. فالرواية ليست كغيرها من القصص التي تنصاع بسهولة للغة السينمائية البصرية، لأن نسيجها البالغ التعقيد والسهولة معا يأتي على ألف طبقة وطبقة وقصد منه أن يكون حوارا خصوصيا بين سطور الكتاب وخيال القارئ. بل أن من النقاد السينمائيين من دعا هوليوود للامتناع عن “ترخيص” هذا العمل وتدميره بتحويله إلى عجالة سينمائية لن تنصفه مهما أوتي لها من حيل ومؤثرات خاصة. والعام الماضي ورد في الأنباء أن رودريغو غارثيا، ابن ماركيز والمخرج السينمائي والتلفزيوني المعروف في أميركا اللاتينية، توصل إلى اتفاق مع “نتفليكس”، لإنتاج “مائة عام” إما في شكل فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. لكن هذا لم يثمر شيئا ملموسا حتى الآن. أماتوه قبل موته عام 1999 شخص غارثيا ماركيز بسرطان الغدد اللمفاوية، وعام 2000 نشرت الصحيفة البيروفية “لا ريبوبليكا” نبأ وفاته خطأ. وحدا به المرض لكتابة مذكراته التي نشر الجزء الأول منها في العام 2000 بعنوان “عشت لأروي القصة”. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2005 نشر روايته “ذكريات مومساتي الحزانى” التي أخرجت طبعتها الأولى مليون نسخة. وبعد وفاته في 17 أبريل / نيسان 2014 قررت أسرته أن تضع مسودات إبداعاته الأدبية والصحافية وأوراقه الخاصة في يد “مركز هاري رانسوم” وهو مكتبة ووحدة أبحاث في جامعة تكساس تعني بالإنسانيات وتضم أرشيفا مهما للكتابات الأدبية الأميركية والأميركية اللاتينية والأوروبية. أبرز أعمال ماركيز: روايات: * في وقت شرير (1962) * مائة عام من العزلة (1967) *خريف البطريرك (1975) * حب في زمن الكوليرا (1985) * قصة بحار تحطمت سفينته (1986) * الجنرال في متاهته (1989) * حب وشياطين أخرى (1994) * أنباء اختطاف (1996) قصص قصيرة وطويلة: * رجل مسن بأجنحة هائلة (1955) * لا أحد يكتب للكولونيل (1968) * عاصفة أوراق الشجر (1972) * ايرنديرا البريئة (1978) * وقائع موت معلن (1981) * حجاج غريبون (1992) * ذكريات مومساتي الحزانى 2005 كتب غير روائية: * عبير الجوافة (1982) * سرية في شيلي (1987) * بلاد للأطفال (1998) * عشت لأروي القصة (2003) المزيد عن: غابرييل غارثيا ماركيز/الواقعية السحرية/مائة عام من العزلة/أدب أميركا اللاتينية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post HEALTH Men: don’t ignore these symptoms next post “ليلة الافتتاح” لجون كازافيتش: ضد التيار الهوليوودي You may also like “الذراري الحمر” يحصد جائزة “أيام قرطاج” وضجة حول... 23 ديسمبر، 2024 أوديب: الأسطورة المتجددة عبر العصور 23 ديسمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: مشير عون يكشف ركائزه... 23 ديسمبر، 2024 سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت 23 ديسمبر، 2024 محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.