ثقافة و فنونعربي “ما وراء الأفق” ليوجين أونيل والأحلام الخائبة by admin 20 مايو، 2020 written by admin 20 مايو، 2020 24 أقدار تعاكس إرادة البشر لانطلاقة المسرح الواقعي الأميركي اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب بين عام 1915 الذي قرر فيه يوجين أونيل أخيراً أن يخوض الكتابة المسرحية كتوجّه في حياته، وبين عام 1930 الذي استقر فيه على أسلوبه الواقعي، الذي جعل منه المؤسس الأكبر للمسرح الأميركي الحديث، جرّب هذا الكاتب معظم الأساليب والتيارات من رمزية إلى طبيعية إلى تعبيرية إلى مسرح الأقنعة. لكن نجاحه الأكبر عند بداياته كان في مسرحيته الرمزية “ما وراء الأفق”، التي لا يزال كثر يعتبرونها حتى اليوم من أشهر أعماله، والمسرحية المؤسسة للحداثة المسرحية الأميركية. ومع هذا، فإن هذه المسرحية التي نالت جائزة بوليتزر عام 1920، الذي قُدّمت فيه للمرة الأولى، سيمكن اعتبارها الأكثر بساطة ووضوحاً، والأقل تجريبية بين مسرحيات أونيل. الذي كتب طوال حياته المهنية عدداً كبيراً من المسرحيات وصاغ عدداً أكبر من مشروعات قد تبدو اليوم خيالية. مهما يكن، يرى كثر أن الولادة كانت مع “ما وراء الأفق” التي ترجمت إلى لغات كثيرة بينها العربية. وتقدّرون فتضحك الأقدار “ما وراء الأفق”، مسرحية تتناول لعبة الأقدار، ومحاولات البشر التغلب على هذه اللعبة عبر موضوع بسيط، يكاد يكون خطيّاً. موضوع يدور حول الأخوين روبرت وأندرو مايو، اللذين يعيشان في مزرعة عائلية، وفي زمن غير محدد مع تحديد للفصول التي تتحرك فيها الأحداث خلال ثماني سنوات؛ ففي البداية نحن في الربيع والأخوان يستعدان كل من ناحيته لخوض مستقبله. روبرت يتوق إلى اليوم الذي سيرحل فيه ماخراً عباب البحر مع خاله القبطان على سفينته كحلم يراوده منذ طفولته. فيما أندرو لا يريد من الحياة سوى الزواج من حبيبته روث إتكينز، رفيقة الصبا، والبقاء في المزرعة لإدارتها. ومن هنا ننتقل إلى الصيف بعد ثلاث سنوات وقد انقلبت الأدوار؛ ففيما كان روبرت يودع العائلة للرحيل إلى ما وراء الأفق، يقول عرضاً لروث إنه كان يحبها. وهكذا تنتهي الحكاية هنا، ويأخذ أندرو مكان أخيه في الرحيل على متن السفينة، بينما يبقى روبرت في المزرعة يدير شؤونها وقد ارتبط بروث بدلاً من أخيه. بعد ذلك تمر خمسة أعوام أخرى لنجدنا في المزرعة من جديد، وقد عاد أندرو من رحلته الطويلة مع الخال ليكتشف أن كل شيء قد انهار في المزرعة. فروبرت الذي كان كل هواه في الحياة أن يبحر، فشل في المهمة التي أوكلها إليه الحب الغادر والزواج غير المتوقع، وها هي المزرعة العائلية قد أفلست. ناهيك عن أن روث باتت تعيش حياة بالغة الكآبة، ملقية الملامة كلها على روبرت، الذي تعرف بينها وبين نفسها، أنها أبداً ما اعتبرته حبيبها رغم اقترانها به. فحبها كان لأندرو أولاً وأخيراً. أما اليوم فكل شيء أسود كما يراه أندرو، الذي كان قد تمكن خلال رحلته الطويلة من أن يجمع ثروة جعلته من الناجحين، ليكتشف أن روبرت يعيش أيامه الأخيرة محتضراً بعد أن أصيب بالسل، ويبدو نادماً على المصير، الذي غرق فيه بديلاً عن أحلامه. وهو فيما يلفظ أنفاسه الأخيرة، يبدو مواصلاً حلمه القديم بالذهاب إلى ما وراء الأفق، وبأن يتصالح أندرو وروث ليكملا حياتهما معاً. الكاتب المسرحي الأميركي يوجين أونيل (أرشيفية) مؤسس كبير للمسرح الأميركي إلى جانب تنيسي ويليامز وآرثر ميلر، وقبلهما أحياناً، كان يوجين أونيل؛ أعظم كاتب مسرحي أنجبته أرض أميركا الشمالية خلال القرن العشرين. ولعله الأكثر حيوية وتنوعاً بين الكتّاب الأميركيين على الإطلاق. وهو لم يكن بحاجة، عند آخر حياته، لأن يتزوج شارلي شابلن من ابنته أونا فيصبح صهره، حتى ينال مزيداً من الشهرة. بل يقال إنه كان ضد هذا النوع من الشهرة ولم يكن راضياً عن ذلك الزواج. بيد أن هذا الأمر لم يكن الوحيد الذي أثار غضب يوجين أونيل ومرارته، فنحن إذا قرأنا مسرحياته العديدة وتفرسنا في معانيها ورسالاتها، تكشّف لنا من خلالها كاتب لم يكف عن التنديد بخلو المجتمع الأميركي، وربما المجتمع الإنساني بشكل عام، من القيم، كما من التنديد بالروح المادية المسيطرة على القرن العشرين. ومع ذلك لم يكن أونيل كاتباً طوباوياً خيالياً يسعى للبحث عن عوالم أفضل. كان بالأحرى من أكثر كتّاب أميركا واقعية. وواقعيته هذه طبعت الأدب الأميركي طول القرن العشرين وعرضه، بحيث لن يكون من الخطأ القول إن “واقعيات” تنيسي ويليامز وكليفورد أوديتز وآرثر ميلر، إنما ولدت من رحم واقعيته. يوجين أونيل، الذي رحل في عام 1953، هو إلى هذا، أكثر كتّاب المسرح الأميركيين ترجمة إلى اللغة العربية، إذ إن معظم مسرحياته ذات الفصول الثلاثة، وبعض مسرحيات الفصل الواحد، عرفت على الدوام طريقها إلى لغة الضاد، وكان لها حضورها في الحياة المسرحية العربية، في بغداد كما الكويت، وفي دمشق كما بيروت. مهن عديدة قبل الانطلاق ولد يوجين أونيل في عام 1888 في مدينة نيويورك، لأب كان ممثلاً مشهوراً في زمنه، ويوجين، على عادة كبار الكتّاب والمبدعين الأميركيين، خاض العديد من المهن المتنوعة قبل أن ينصرف إلى الكتابة، حيث نراه في صباه بحاراً وبائعاً ومنقباً عن الذهب في أقاصي الغرب الأميركي. وبعد ذلك نراه في شبابه صحافياً لامعاً، قبل أن يقرر ذات يوم اقتفاء خطى أبيه والعمل كممثل مسرحي. وهكذا وجد الشاب نفسه في خضم الحياة المسرحية، حيث تضافر لديه حبه لهذا الفن مع تجاربه الحياتية المتنوعة وحبه للأدب، لينتج هذا كله ذلك الكاتب الذي سينال في عام 1936 جائزة نوبل الأدبية فيكون واحداً من قلة من كتّاب المسرح نالوها. ولكن قبل الحصول على نوبل، كان لا يزال على أونيل، أن يكتب ويثبت مكانه في عالم الكتابة، وكانت بدايته الحقيقية في هذا المجال حين انضم إلى المسرح الاختباري في 1916 برفقة ممثلي فرقة “برنستاون”، وهناك كتب أولى مسرحيات الفصل الواحد التي اشتهرت فيما بعد مثل “اقفز شرقاً إلى كارديف” (1916) و”قمر الكاريبي” (1918). غير أن بدايته الكبيرة الحقيقية كانت مع مسرحية “ما وراء الأفق” ذات الفصول الثلاثة، التي كتبها عام 1920، واتسمت بطابع واقعي، طبيعي طغى على معظم أعمال أونيل بعد ذلك، حتى وإن كانت روايته الثانية “الإمبراطور جونز” جاءت تعبيرية الاتجاه، في تحدثها عن صعود وسقوط إمبراطور زنجي في واحدة من جزر الهند الغربية. في عام 1921 عاد أونيل إلى أسلوبه الواقعي في مسرحية “آنا كريستي”، التي وصف فيها حياة فتاة ليل وتوبتها عند ميناء نيويورك. ومن أبرز مسرحيات أونيل في تلك الحقبة الفنية من حياته نذكر، “القرد الكثيف الشعر” (1922)، و”رغبة تحت شجرة الدردار” (1924)، وهي مسرحية اقتبستها السينما مرات عديدة. اقرأ المزيد “الأرملة كوديرك” لجورج سيمنون تكثف مئات النصوص “رعب في الطرقات” لإيليا كازان: سباق مع الزمن والفيروس ضد الهيمنة المادية على المجتمع أما المرحلة التالية من عمله فقد خصصها لانتقاد هيمنة القيم المادية على مجتمع اليوم، وعبّر فيها عن مرارة شديدة وسط قوالب شاعرية متميزة، ومن أبرز نتاجات هذه المرحلة “النبع” (1925). و”اليعازر يضحك” (1927). غير أنه بعد ذلك عمد إلى سلوك منهج تجريبي تجلى في بعض نصوص اتبعت أسلوب تيار الوعي كما حاول الاقتباس من المسرح اليوناني “أوريستيا”، التي جعل أحداثها تدور بعد الحرب الأهلية. أما العقود التي تلت فوزه بجائزة نوبل، فقد أنتج فيها بعض أعظم أعماله وأكثرها تنوعاً مثل “الكوميث الثلجية” و”رحلة الليل الطويلة إلى النهار”، وغيرها، من أمثال تلك الأعمال التي رسخته كاتباً كبيراً، وجعلت النقد الذي يعتبره الاستمرار الطبيعي للسويدي سترنبدبرغ والنروجي ابسن، ويجعل له مكانة أساسية في تاريخ المسرح العالمي لا المسرح الأميركي وحده. المزيد عن: يوجين أونيل/المسرح الأميركي/ما وراء الأفق/مؤسس المسرح الأميركي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل تعجّل أحمد شراك في اصدار كتاب عن “خطاب” كورونا؟ next post كتّاب مصريون في الحجر: كأننا على مركب يغرق وفيسبوك نافذتنا You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.