لا يزال أورويل نفسه شخصاً غريباً وغامضاً ومنعزلاً ومحجوزاً مثل قديس علماني في عروة خطابه الشعرية (أ ب) ثقافة و فنون ما مدى ضرر صورة الزوج المسيء بجورج أورويل؟ by admin 20 أغسطس، 2023 written by admin 20 أغسطس، 2023 221 محا مؤلف رواية “1984” زوجته من أعماله على رغم تأثيرها وحضورها الفعلي في كثير منها اندبندنت عربية \ روبرت ماكرم تكاد الحياة الباقية لإيريك بلير، المعروف بجورج أورويل، الذي يعد “الوعي اللغوي المحزن” لقرنه، بروعة هوسنا بتحفته الخالدة، رواية “1984”. بعد 70 عاماً من وفاته المبكرة سنة 1950، نجد عديداً من السير الذاتية المهمة و”مريدي أورويل” الذين يشيرون إلى موقفه تجاه الحياة بينما نضج أورويل نفسه ليصبح شخصية أسطورية لا يزال صدى رؤيتها البائسة يتردد بإلحاح كرسائل الأنبياء. على كل حال، إذا تجاهلنا التدقيق الضيق، لا يزال الكاتب نفسه شخصاً غريباً وغامضاً ومنعزلاً ومحجوزاً مثل قديس علماني في عروة خطابه الشعرية. صارت المصطلحات التي أوردها في رواية “1984” مثل “اللغة المضللة” و”الإيمان المزدوج” و”الأخ الأكبر” جزءاً لا يتجزأ من اللغة الإنجليزية. وهكذا هي السيرة الذاتية للمرأة التي تقف على الجانب الآخر وتتناولها آنا فاندر في كتاب “الزوجة” Wifedom. الكاتبة الشهيرة، صاحبة رواية “ستيسيلاند” Stasiland، هي مؤلفة تعتبر أورويل الذي تستحضر روحه في القرن الحادي والعشرين مرشداً عزيزاً للغاية. في عام 2017، عندما تقاطعت “ذروة الأعباء” مع مختلف الواجبات من تحضير الملابس المدرسية مروراً بالمواعيد مع طبيب تقويم الأسنان ووصولاً إلى رعاية أحد الأقرباء في المستشفى، أعادت فاندر قراءة مقالته “لماذا أكتب”، وشعرت أنه يخاطب محنتها. أحد المقاطع بالتحديد، عبر عن شك في الذات يبعث على الاقشعرار، كان صداه بمثابة تنبيه. أشار أورويل إلى أن الكتابة تخلق عالماً فردياً حيث “يمكنني الانتقام لنفسي من فشلي في الحياة اليومية”. قررت فاندر أن أورويل يستطيع إنقاذها. كانت “تنظر تحت عبء الزوجة”، وتستخدم الكاتب لتحرير نفسها من “التطرفات الصغيرة ذات الرائحة الكريهة” لوضعها. حينها بدأت فاندر، الزوجة المثقلة بالأعباء، في تحليل القصة المقلقة والحزينة للسيدة أورويل الأولى، آيلين أوشونيسي، الشخصية الغامضة التي كانت توقع كتاباتها باسم “خنزيرة”. لطالما عاشت آيلين في الظلال الناعمة لسونيا براونيل، زوجة أورويل الثانية الطموحة، التي أصبحت في ما بعد عشيقة الرسام البريطاني وحفيد عالم النفس الشهير، لوسيان فرويد، مستقطبة اهتماماً أدبياً غير متناسب، لكن هذا الوضع قد يتغير الآن. ما يلي هو أحد أكثر الاستكشافات المذهلة للكتابة عن الحياة (حياة آيلين وأورويل وفاندر) في الآونة الأخيرة. كتاب “الزوجة” الذي يحتوي على عشرات الملاحظات لكنه من دون فهرس، هو إنجاز عبقري يتحدى خصائص هذا النوع الأدبي ويعيد إحياء امرأة غير مرئية ويخضع صورة القديس التي يتمتع بها الرجل الذي سمته “إيريك” للمحاكمة مجدداً. بكل رشاقة، قامت فاندر، التي كانت تحضر كتاب “الزوجة” خلال سنوات أوج حركة مي تو #MeToo، بإعادة تقويم تقديرنا لجورج أورويل ككاتب إنجليزي عبقري كان أيضاً زوجاً سيئاً. تصويرها شبه الروائي للزوجة المفقودة الذي يوظف قصة في خدمة الخيال، ينطلق من تلميحات أورويل إلى “زوجتي” التي تكررت 37 مرة في كتاب ملاحظاته “حنين إلى كتالونيا” Homage to Catalonia الذي لم يذكر اسمها فيه ولا حتى مرة واحدة. وانطلاقاً من فرضية أنه “لا يمكن لأحد أن يعيش من دون اسم”، شرعت فاندر في التركيز على “آيلين” في مناظرة عدلية مؤثرة في هيئة إعادة بناء سيرة ذاتية. اكتشفنا أن أوشونيسي لم تكن مجرد باحثة في جامعة أكسفورد. في الواقع، عندما كانت طالبة نشرت قصيدة بائسة بعنوان “نهاية القرن، 1984″، لكن عندما يتعلق الأمر بالتحرش الجنسي، لربما أصبحت أستاذة جامعية ومفكرة دقيقة ورفيعة المستوى. عندما حرمت من هذا الارتقاء كامرأة، انجرفت إلى لندن حاضنة اللاجئين ذوي الميول اليسارية، والتقت شخصاً بالياً اتخذ لنفسه حديثاً اسماً مستعاراً هو “جورج أورويل” في حفلة مقامة في منطقة هامستيد شمال لندن، وبعد ذلك، حولته بدافع خجول وإشكالي إلى مشروعها التالي. لا يزال الدور المعقد لشركاء حياة الكتاب أمراً مستعصياً. تقر فاندر من دون تحفظ بأن “الدور الذي تلعبه الحياة غير المعروفة لكاتب عظيم يسحرني”، وتخشى أن يكون التفكير ككاتب هو “التفكير كرجل”. على كل حال، ما يثير القلق أكثر هو أن “الزوجة” ليست مجرد “كذبة أريد كشفها”. تتساءل فاندر، ما معنى الإقرار بأن عمل أورويل كان “غرض” إيلين؟ إجابتها التي تتصدى لها سيرتها الذاتية الفجة والمؤلمة هذه من صفحة إلى أخرى، هي أن أوشونيسي كانت دائماً وأبداً “تنجرف معه”. توضح فاندر آلية عمل مثل هذا “الانجراف”. في عرض رائع للهندسة الأدبية العكسية، قامت بتفكيك الحرب الأهلية الإسبانية للسيد والسيدة أورويل التي يتم وصفها في كتاب “حنين إلى كتالونيا” وحللت الدرجة الصادمة التي استخدم فيها تعبير “زوجتي” داخل وخارج قصته، حيث قام بمحو حكاية شجاعة وشخصية احتلت آيلين فيها الصدارة بين مناهضي الفاشية في فندق كونتيننتال في برشلونة، بينما كان زوجها، وهو يتخبط على الجبهة، كاتباً محتملاً غريباً وغير معروف وربما خريجاً قديماً حائراً مثلي الجنس من مدرسة إيتون كوليدج (أحد أكثر الاقتراحات الفاتنة لفاندر هو أن الوجود بين الرجال هو “المكان الذي يريد أن يكون فيه”). ما يثير الجدل أكثر هو أن مقاطع عديدة في “الزوجة” تصف التحول البطيء لهذا الزواج إلى خضوع آيلين لـ”الكاتب الشهير”، حيث منحت أورويل في تفان معذب حياة مزدوجة: واحدة ينطلق منها وأخرى يعود إليها. بعد إسبانيا، تأرجح زواجهما على حافة الانهيار. هل هي “علاقة مفتوحة” أم ينبغي عليهما تبني طفل؟ هل نزف آيلين ناجم عن علة جسدية أم روحية؟ بينما يطارد زوجها الفريد النساء الأخريات في رقصة موت رهيبة من الذكورية القذرة، فهل يهمها بعد الآن ما إذا كانت على قيد الحياة أو ميتة؟ في خضم هاتين الحياتين المعاشتين في جو من “القسوة العقلية”، التي أعاد أورويل تعريفها لاحقاً باسم “الإيمان المزدوج”، هناك نقطة تحول افتدائية. أراد أورويل كتابة مقال يدين خيانة ستالين للثورة الروسية. فتقوم آيلين، التي تعتقد أن هذه فكرة فظيعة، بإقناع زوجها بكتابة قصة خرافية بدلاً من ذلك، وحي سيكسبه الاعتراف الذي كان الاثنان يتوقان إليه. أصبح تكوين رواية “مزرعة الحيوان” Animal Farm اللحن الأخير بالنسبة إلى آيلين، وهي رواية ساخرة أخف وزناً وأكثر حدة من أي شيء كتبه أورويل على الإطلاق، لكن مهلة تنفيذ الحكم التي حظيت بها آيلين كانت موقتة: لا يمكنك النجاة إذا كان ظالمك هو القاضي. بعد فاندر، لن ننظر إلى هذا الكاتب أو عمله بالطريقة نفسها مرة أخرى، ولا ينبغي أن نفعل ذلك (بينغوين راندوم هاوس) في مارس (آذار) من عام 1945، بينما كان زوجها بعيداً في أوروبا لكتابة تقارير عن سقوط الرايخ الثالث، دخلت آيلين مستشفى في نيوكاسل لإجراء عملية روتينية، بعدما أرسلت رسالة محطمة إلى صديقتها المفضلة تتحدث فيها عن شكها فيما إذا كانت “تستحق المال” اللازم للحصول على رعاية صحية من القطاع الخاص. مرة أخرى، إنها تفصح عن البحث عن المعنى في حياتها ذات النسختين. فشلت العملية، وماتت آيلين تحت مبضع الجراح، بعدما كتبت لزوجها واحدة من أكثر الرسائل الوداعية المؤثرة في شريعة اللغة الإنجليزية. كتبت قبل العملية: “عندما تنتهي [الجراحة] سأضيف ملاحظة إلى هذه [الرسالة] ويمكن إرسالها بسرعة”، مضيفة لاحقاً، “هذه غرفة جميلة – موجودة في الطابق الأرضي، ما يمكن المرء من رؤية الحديقة”. ما تبقى هو خرافة. ينكفئ أورويل في حزن مخدر وغامض، ليعثر على عالم الواقع المرير (كما في رواية “1984” التي كان عنوانها الأصلي “الرجل الأخير في أوروبا”) الذي يمكنه من الاستسلام للبؤس وتحقيق شهرته ككاتب في آن معاً. بعد فاندر، لن ننظر إلى هذا الكاتب أو عمله بالطريقة نفسها مرة أخرى. ولا ينبغي أن نفعل ذلك. “نهايتها السعيدة” هذه تمهيدية، وبتصالحها مع “الزوجة”، يمكنها أن تستبشر بمستقبل ابنتها. لقد أنجزت المهمة. © The Independent المزيد عن: جورج أورويلكتبالزوجة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السيسي “مرشح المعارضة”… المصريون و”حيرة” الانتخابات next post مايكل مان: المخرج الذي لم يتخل عن تمجيد الذكورة المتفوقة You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024