صحةعربي ما الذي يجعل صوت الهدوء أعلى من الصراخ؟ by admin 3 يونيو، 2021 written by admin 3 يونيو، 2021 35 لم يعد الغضب مؤشراً إلى الهيمنة أو القوة أو السلطة اندبندنت عربية قد نشعر في بعض الأحيان بالحاجة إلى الصراخ وتبديد الطاقة السلبية وإخراج ما في داخلنا من غضب وتوتر. وهذا الأمر بالنسبة إلى أطباء النفس قد يكون طبيعياً ما لم يتجاوز حدود المنطق والمعقول والبعيد من الإهانات والتوبيخ، وقد يكون أيضاً نوعاً من الاضطراب النفسي الذي قد يحتاج إلى متابعة من قبل اختصاصيين في هذا المجال. وفي هذا السياق، رصدت صحيفة “ذا نيويوركر” ظاهرة العنف اللفظي الذي يظهر في مجتمعات دول الغرب النامية لناحية “السيطرة الذكورية” وفرض الرأي عبر الصراخ والصوت المرتفع. فقبل أسابيع عدة، انتشر على “تويتر” مقطع مصور قصير تظهر فيه السيناتورة الديمقراطية من مقاطعة مونتغومري في ولاية بنسلفانيا كيتي موث. ونرى السيدة البالغة من العمر 35 سنة وهي تقرأ رسالة مكتوبة بعناية ومشحونة بالعواطف، أرسلها شخص عاش حياة التشرد في السابق يدعى جون بويد، يعبّر فيها عن قلقه إزاء الإلغاء المنتظر لبرنامج المساعدة النقدية للفقراء. حينها تعرضت موث لهجوم لفظي من زعيم الغالبية الجمهورية في الولاية جيك كورمان، وبعض أنصاره، لأكثر من ثلاث دقائق، الذين اعتقدوا أن نائب الحاكم جون فيترمان، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، كان يخرق قواعد النظام من خلال السماح لموث بالتحدث في تلك اللحظة (وهذا ما حدث بالفعل). رفع كورمان إصبعه بانفعال وضرب بقبضته على المنبر وصرخ “إذهبي إلى التصويت كما هو مفترض!”. كانت نبرة صوته، الذي بدا متقطعاً بسبب الغضب، مرعبة. وبدا أن ديناميكية النقاش، ورد فعله في مواجهة نوبة من الغضب، يخفيان شيئاً مقلقاً حول العلاقات بين الجنسين في السياسة الأميركية. في تلك اللحظة، حافظت موث على توازنها وأكسبتها رباطة جأشها التقدير، إذ غردت إليزابيث وورين: “استمرّي في تصميمك”، بينما كتبت كامالا هاريس: لن “يتم إسكات” السيناتورة موث “عن قول الحقيقة”. هذه المسألة أججت الشعور بالغضب لدى الرأي العام الأميركي وقامت ردود فعل كثيرة منددة لهذا المقطع الذي انتشر بسرعة عبر الإنترنت، وأظهر شعور الأميركيين الشباب على ما يبدو حيال الصراخ بشكل عام، معتبرين أنه لم يعد بعد الآن مؤشراً إلى الهيمنة أو القوة أو السلطة، لكنه بدلاً من ذلك بدا أشبه باستعراض مهين وتعريف لما وصفوه بالـ”الذكورية السامة”. التصرف الذي كان في يوم ما مرتبطاً بدرجة من الصلابة أو القوة، ومؤشراً إلى سلطة لم تكتسب بسهولة، (وذلك عندما كان يبادر مدير في العمل أو قائد عسكري إلى الصراخ)، يعتبر الآن عدوانياً واستبدادياً، فهو ببساطة ليس من خصال الإنسان الرزين. “التركيبة الأبوية المسيئة” وبحسب المقال، فمن المؤكد أن جزءاً من هذا التغيير في التعامل مع الصراخ، مرتبط بالابتعاد عن السلوك الذي يعزز التركيبة الأبوية المسيئة بشكل واضح: وفي حين أنه لا يوجد دليل تجريبي يشير إلى أن الرجال يصرخون أكثر من النساء، إلا أن قيام الرجل بالصراخ، ومن دون استثناء تقريباً، يعد تجربة مخيفة أكثر جسدياً ونفسياً. ويبدو من المعقول أن نعزو الجزء الآخر من التغيير إلى التحول في الحالة المزاجية للأجيال، التي ربما أسهم في تحقيقها ظهور ثقافة الإنترنت، فحاجة أي شخص إلى رفع صوته فعلياً باتت أقل، لأنه من السهل للغاية أن تكون قاسياً ومتنمراً ومخالفاً عن طريق الكتابة فقط. في سبعينيات القرن الماضي، نشر عالم النفس الأميركي آرثر يانوف كتاباً بعنوان “الصرخة البدائية”، وهو كتاب تنمية ذاتية ذاع صيته (وتعرض للسخرية على نطاق واسع لاحقاً). ويشير إلى أن تجربة عيش صدمات الطفولة مجدداً، والصراخ أثناء ذلك، يمكن أن تحرر الشخص من اضطراباته العصبية. في عام 1971، قال يانوف للصحافيين: “في المستقبل، لن تكون هناك حاجة لمجال يسمى علم النفس”، لأن العلاج البدائي سيشفي “80 في المئة من جميع الأمراض”. لم تكن نظرة يانوف صائبة تماماً مثلما كان يأمل، ولكن فكرة أن الصراخ طريقة جيدة للتخفيف من حدة التوتر قد استمرت. (حتى أن موقع أمازون يبيع وسادة للصراخ، طبعت عليها التعليمات التالية: “ضع وجهك في المنتصف واصرخ!”). ومع ذلك، هناك المزيد من الأدلة على أن الصراخ في الواقع ليس صحياً على الإطلاق. إنه يجهد الجهاز العصبي، ما يؤدي إلى التهاب الجهاز المناعي، والذي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات مختلفة أخرى. المحفزات السمعية كما أنه ليس تجربة جيدة بالنسبة للشخص الذي يتعرض للصراخ. إذ يقوم الدماغ بمعالجة الصراخ بشكل مختلف عن المحفزات السمعية الأخرى. وذكرت ورقة بحثية نُشرت عام 2015 في مجلة “كارنت بيولوجي” كيف أن الصراخ، أو أي ضوضاء ناتجة من “تشعب الأصوات المنتظمة إلى مسار فوضوي”، يجعل “التنبؤ بالصوت أو تجاهله أمراً صعباً”، خصوصاً أنه يختلف من الناحية العصبية عن إشارات الاتصال الأخرى. هذه المكانة التي يشير إليها العلماء على أنها “عنيفة”، أو نموذج يتراوح معدله بين حوالى 30 و150 هرتز، هي التي تجعل الصرخة (صرخة طفل أو صافرة سيارة إسعاف أو غيرها) تخترق جميع المحفزات الأخرى، بغض النظر عن ارتفاعها النسبي. ويكاد يكون من المستحيل، من الناحية الجسدية بالنسبة للإنسان، ألا يشعر بالخوف الشديد وبشكل غريزي عندما يسمع الصراخ. من المنطقي إذاً أنه في عصر اكتسب بالفعل صفة عصر الضغوط اللامحدودة، ولجيل متآلف مع مصطلح “العدوان الدقيق”، أن تتم إعادة تصنيف الصراخ على أنه سلوك غير مقبول. وحول الطريقة البديلة التي يتعامل بها المرضى الأصغر سناً مع الغضب، قال درو رمزي، وهو طبيب نفسي وأستاذ معالج مساعد للطب النفسي في جامعة كولومبيا، “لدينا جيل قادم لا يعتبر الصراخ طريقة مقبولة جداً للتعبير عن نفسك”. وشعرت أن كلامه صحيح انطلاقاً من تجربتي أيضاً. طرق تعبير مختلفة ولا بد من التوضيح أن المقصود هنا ليس اختفاء أو تبدد الغضب، ولكن طرق التعبير عن الغضب وتوجيهه المقبول اجتماعياً قد تغير بشكل جذري. يقول رمزي: “ربما هناك اعتقاد بأن الأجيال الشابة لا تصرخ لأنها غير متشبثة برأيها، لكن الحقيقة أنها اكتشفت أن الصراخ ليس طريقة فعالة جداً للتواصل… بالنسبة لهم لم يتم بعد الفصل بين حجم الغضب والعدوانية والذكورة السامة. أقول لمرضاي إن الغضب، مثل القلق، يمكن أن يكون عاطفة مهمة ومفيدة للغاية عند استخدامه بشكل صحيح… في بعض الأحيان، نصل إلى حقائق تكون أكثر شدة وإيلاماً وراديكالية عن أمر ما عندما نكون غاضبين. لكن، وبشكل عام، هناك شعور أكثر تحفظاً وكبتاً بالتعبير عن عواطفنا… أعتقد أنك إذا كنت رجلاً شاباً في أميركا، فإن فكرة قيامك بالصراخ بغضب هي فكرة ستحدث صراعاً كبيراً ولم تعد مقبولة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى خضوعك إلى علاج”. قصة الحوت الأبيض وقد استرجع المقال أيضاَ نهاية قصة “موبي ديك”، حين يرى الكابتن آهاب المحطم، بينما يستشيط غضباً بسبب رغبته في الانتقام، الحوت الأبيض الذي كان يسعى وراء اصطياده، ويبدأ في الصراخ. كان إسماعيل، الذي يروي الحكاية، يدرك للتو أن غضب آهاب يخونه، إذ يقول: “آهاب لا يفكر أبداً، إنه يشعر فقط، يشعر، يشعر، وهذا الأمر مؤلم بما فيه الكفاية لرجل فانٍ! فالتفكير يعتبر جرأة. الله وحده يمتلك هذا الحق والامتياز”. لكن غضب آهاب يسيطر عليه، ولن يستسلم، حتى وهو يموت. فنسمعه يقول: “أنا أتوجه نحوك أيها الحوت المدمر الذي لا يقهر سأصارعك حتى النهاية. وسأطعنك وأنا في وسط الجحيم، كرمى للكراهية، لفظت أنفاسي الأخيرة في مواجهتك”. وهكذا، ابتلع البحر آهاب ومعظم رجاله وهم يصرخون ويضيعون في الأمواج الهائجة. إنها نهاية رائعة ومثيرة للشفقة. المزيد عن: الصراخ/الخوف/الهدوء/كيتي موث/جون بويد/جيك كورمان/غضب/الاضطرابات الداخلية/علم النفس 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إسرائيل توقف قيادياً في “حماس” next post مرزاق علواش موثق الحكايات الجزائرية ينتصر للنضال النسوي You may also like قريبا: استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن أورام الدماغ 24 نوفمبر، 2024 هل نحن معرضون للإصابة بإنفلونزا الطيور عبر تناول... 24 نوفمبر، 2024 رصد أول إصابة بجدري القردة في كندا 24 نوفمبر، 2024 القاتل الصامت: لماذا تستحق الأمراض التنفسية المزمنة الاهتمام... 21 نوفمبر، 2024 هل يقلل التعافي من السرطان احتمالات الإصابة بألزهايمر؟ 19 نوفمبر، 2024 لماذا تحدث أشياء سيئة للأشخاص الطيبين؟… دليل السعادة... 19 نوفمبر، 2024 عالمة كرواتية تختبر علاجاً تجريبياً للسرطان على نفسها... 15 نوفمبر، 2024 الشبكة العصبية الاصطناعية ثورة في استنساخ عمل الدماغ... 15 نوفمبر، 2024 السماح بعلاج ضد ألزهايمر سبق منعه في أوروبا 15 نوفمبر، 2024 5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط... 15 نوفمبر، 2024 1 comment sheriff badge 13 أغسطس، 2024 - 3:28 م Such a well-structured and engaging article. Thank you! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.